كيف لكم ان تفسّرون الوسيلة بشخص وقد نفى الله ذلك في آياته ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ سنتينالسؤال :
استناداً على قوله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [ المائدة : 35 ] ، المقصود بالوسيلة هنا الطريقة المقرّبة لله. المعروف انّه ما من طريقة مقرّبة لله إلّا الإيمان به وعمل الصالح ، وذلك ذكر بقوله تعالى : ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ) [ سبأ : 37 ].
وأيضاً اُضيف على ذلك انّ الدعاء عبادة والعبادة لله وحده ، فلا يجوز إشراك أيّ شخص مهما كانت منزلته عند الله ، ومهما كان صالحًا تقيّاً. فالله يقول في محكم كتابه : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [ الأعراف : 190 ـ 194 ].
تأمّل في تلك الآيات كيف تشرك في عبادة جليلة كالدعاء عبداً لله مثلنا ؟
كيف لكم ان تفسّرون الوسيلة بشخص وقد نفى الله ذلك في آياته كما ذكرت سابقاً ؟
الجواب :
أمّا قوله : ( ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فمن الخطأ جدّاً تخصيص الوسيلة بالعقائد والأعمال الصالحة ، فانّه مطلق يشمل كلّ ما يتوسّل به الإنسان للوصول إلى مرضات الله تعالى ، سواء كان بالعلم والعبادة أو تحرى مكارم الأخلاق أو الاستشفاع بالنبي وآله الأطهار عليهم السلام.
ففي النهاية لابن الأثير : وسل : في حديث الأذان « اللهم آت محمّداً الوسيلة » ، وهي في الأصل ما يتوصّل به إلى الشيء ويتقرّب به وجمعها وسائل ، يقال وسل إليه وسيلة وتوسّل ، والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى ، وقيل هي الشفاعة يوم القيامة.
وكيف يكون الإيمان أو العبادة هو المراد من الوسيلة مع انّ الخطاب متوجّه الى المؤمنين ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) فقد فرض في الآية تحقّق الايمان والتقوى الذي هو عبارة عن الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، ومعذلك يأمر بابتغاء الوسيلة.
وقد ورد عن الزهراء عليها السلام في خطبتها انّها قالت : « ونحن وسيلته ».
وكما ان ابن حجر نقل في الصواعق المحرقة عن الشافعي : امام الشافعيّة قوله :
آل الرسول ذريعتي |
وهم اليه وسيلتي |
|
ارجو بهم اعطى غداً |
بيد اليمين صحيفتي |
وقال الزمخشري في الكشاف : الوسيلة كلّ ما يتوسّل به أي يتقرّب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك ، فاستعيرت لما يتوسّل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي.
وقد طبّق عمر بن الخطاب الوسيلة على العبّاس بن عبد المطلب.
حديث رواه البخاري في الصحيح انّ عمر بن الخطاب كان اذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وقال : اللهمّ كنّا نتوسّل اليك بنبيّنا فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال فيسقون. [ صحيح البخاري : ج 2 / 32 ].
قال الرفاعي : « ان هذا الحديث صحيح ، فان صحّ هذا الجواز شرعاً فنحن من أسبق الناس إلى الأخذ به والعمل بمقتضاه ».
وفي أسد الغابة ج 3 / 111 روى عن عمر بن الخطاب ـ قوله : ـ حينما استسقى بالعباس : « هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه ».
وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني : « ان عمر لما استسقى بالعبّاس قال : يا أيّها الناس انّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يرى للعبّاس ما يرى الولد للوالد ، فاقتدوا به في عمّه ، واتّخذوه وسيلة الى الله تعالى ، ففيه التصريح بالتوسّل ، وبهذا يبطل قوله من منع التوسّل مطلعا بالاحياء والأموات ، وقول من منع ذلك بغير النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ».
وهناك روايات أخرى يظهر منها انّ المراد من الآيات الناهية عن دعاء غير الله تعالى هو الطلب من غير الله مستقلّاً وبالمباشرة ، ومن دون أن يجعل وسيلة إلى الله تعالى ، فقد توسّل آدم عليه السلام بالنبي محمّد صلّى الله عليه وآله في قبول توبته ، فقال أسألك بحقّ محمّد إلّا غفرت لي ، كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ).
روى الطبراني في المعجم الصغير ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ، والبيهقي في دلائل النبوّة ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، والآلوسي في روح المعاني ، بسندهم عن عمر بن الخطاب عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : « لما اذنب آدم الذي اذنبه رفع رأسه الى السماء فقال أسألك بحقّ محمّد الّا غفرت لي فأوحى الله إليه ومن محمّد ؟ فقال تبارك اسمك لما خُلقت رفعت رأسي الى عرشك فاذا فيه مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فقلت انّه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممّن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله انّه آخر النبيين من ذريّتك ولولاها ما خلقتك ».
وهذه الروايات انّما وردت في تفسير القرآن الكريم ، وتبين انّ المراد من الوسيلة أعمّ من العبادة والعمل الصالح ، كما انّ من يتوسّل بالنبي إلى الله تعالى فقد دعا الله تعالى وطلب منه ، لا انّه دعا غير الله.
التعلیقات