رأي الشيعة في رؤية الله عزّ وجلّ
مركز الأبحاث العقائديّة
منذ 9 سنواتالسؤال :
ما هو رأي الشيعة الإماميّة حول مسألة رؤية الله عزوجل ؟
الجواب :
يعتقد أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام تبعاً للرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار بأنّ رؤية الله عزّ وجلّ سواءً في الدنيا أو الآخرة وبالعين المجرّدة تعدّ من الاُمور المستحيلة ، لأنّ الله عزّ وجلّ أجلّ وأكبر من أن يكون كالأجسام الماديّة مثل الشمس والقمر التي تدرك بالإنعكاسات الضوئية.
وإليك بعض الأدلّة العقليّة والقرآنيّة والحديثيّة في هذه المسألة :
الأدلّة العقليّة :
1 ـ تتحقّق رؤية الشيء بالعين وانعكاس الضوء إذا كان الشيء المرئي والمشاهد في جهة معيّنة وأن تكون بين الرائي والمرئي مسافة معينة تفصل بينهما بحيث لو زادت أو نقصت تلك المسافة لخرجت الرؤية عن حيّز الإمكان ، والشرط الآخر أن يكون المرئي في مقابل الرائي ومحاذاته وبالالتفات إلى هذه الشروط والنقاط فرؤية الله تكون محالة ، وذلك لأنّه لا يتحقّق أيّ واحد من هذه الشروط بالنسبة إلى الله ، لأنّه تعالى لم يكن له جهة معيّنة ، أو مكان معيّن ليستقرّ فيه ، ولم يتصوّر أن تكون بينه تعالى وبين البشر أيّة محاذاة وفاصلة ومسافة ، لأنّ هذه المسافة والفاصلة تستلزم أن يكون الله عزّ وجلّ جسماً ماديّاً ومتحيّزاً ومتعلّقاً بالمكان ، وهذان الأمران من المستحيلات بالنسبة إلى ذاته عزّ وجلّ.
2 ـ رؤية الله عزّ وجلّ بواسطة العين الباصرة لا تخلوا من جهتين : إمّا أن تحيط الرؤية بجميع ذاته تعالى فإنّ هذه الإحاطة تستلزم تحديد وجود الله وحصره في مكان معيّن وخلوّ سائر النقاط منه ، لأنّ عين الإنسان محدودة القدرة ولا تستطيع الإحاطة بجميع الجهات. وإمّا أن تكون رؤيتنا إيّاه تعالى تتعلّق بجزء من ذاته ، وإنّها تدرك قسماً من ذاته تعالى ، فهذه تستلزم القول بالتجزئة والتركيب في ذاته ، وكلّ ذلك محال بالنسبة إلى الله ، لأنّه تعالى شأنه ليس محدوداً بحدّ ولا متحيّزاً في مكان ، وليس له أجزاء ومركّبات حتّى يكون في مكان دون مكان.
الأدلّة القرآنيّة
1 ـ في سورة الأنعام : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [ الأنعام : 102 ] قال الطبرسي : الإدراك متى قرن بالبصر لم يفهم منه إلّا الرؤية.
وعليه إذا قال أحد : أدركته ببصري وما رأيته متضادّ ، لأنّ الإدراك لا يكون بالعين. [ مجمع البيان ، 4 ، 344 ].
2 ـ في سورة البقرة : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) [ البقرة : 54 ـ 55 ].
هاتان الآيتان المتعاقبتان والمتتاليتان فيهما الدلالة التامّة على استحالة رؤية الله عزّ وجلّ ، لأنّ الآية الأولى صريحة في عذاب الذين عبدوا العجل فألزمهم الله بالتوبة وقيّدها بقتل النفس ـ الإنتحار ـ كفّارة البلاء السماوي عليهم. وترشدنا الآيتان معاً بكلّ وضوح وبيان إلى حقيقة وهي : أنّ طلب رؤية الله يعتبر من الذنوب الكبيرة ويوجب نزول العذاب السماوي كما أنّ عبادة العجل كفر وارتداد وموجبة للعذاب.
والجدير بالذكر أنّ في كلّ الآيات التي أشير فيها إلى سؤال بني إسرائيل رؤية الله وطلبهم المستحيلات جاء ذكر العذاب والعقاب عقيب السؤال بتعابير بلاغيّة وجمل مختلفة ، وما ذالك إلّا لكون هذا السؤال ذنباً كبيراً وجريمة عظيمة.
قال تعالى : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) [ النساء : 153 ].
وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ) [ الفرقان : 21 ].
وعلى هذا الأساس فلو كانت رؤية الله ممكنة ـ كما يعتقد أهل السنّة القائلون بإمكانها ويدعون بأنّ رؤية الله تعالى والنظر إليه في القيامة هي من أعظم ما ينعم الله على عباده في الجنّة ، وأكبر ما يعطونه من الفضل واللطف الإلهي في القيامة ـ لما كان السؤال بتحقّقها وإيقاعها استكباراً وعتوّاً وتمرّداً عن أمر الله.
وفي القرآن آيات عديدة أخرى تنفي الرؤية نفياً قطيّعاً ولكن اكتفينا بذكر هاتين الآيتين.
الأدلّة الحديثيّة :
1 ـ من كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى ؟! قال : وكيف تراه ؟ قال عليه السلام : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ... [ كتاب التوحيد باب 5 باب نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها ح 2 ].
2 ـ سئل الصادق عليه السلام : هل يرى الله في المعاد ؟ قال عليه السلام : سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً إنّ الأبصار لا تدرك إلّا ما له لون وكيفيّة ، والله خالق الألوان والكيفيّة. [ بحار الأنوار ، 4 ، 31 ح 5 ].
3 ـ عن أبي عبد الله قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ فقال عليه السلام : ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره. قال وكيف رأيته ؟ قال عليه السلام : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. [ بحار الأنوار ، 4 ، 32 ، ح 8 وص 53 ح 30 ] ، [ أصول الكافي ، 1 ، 98 ] ، [ كتاب التوحيد باب 9 باب إبطال الرؤية ح 6 ].
4 ـ عن الأشعث بن حاتم قال : قال ذو الرئاستين : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك ، أخبرني عمّا اختلف فيه الناس من الرؤية. فقال عليه السلام : يا أبا العباس من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله ، قال الله تعالى : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [ الأنعام : 103 ]. [ بحار الأنوار ، 4 ، 53 ح 31 ].
وهناك العشرات من الأحاديث الواردة عن الأئمّة عليهم السلام تنفي رؤية الله عزّ وجلّ ، وقد ذكرنا طرفاً منها كشواهد ونماذج.
التعلیقات