هل يوجد دليل على إمامة أهل البيت في القرآن ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 7 أشهرالسؤال :
هل يوجد دليل على إمامة أهل البيت في القرآن بمصادر أهل السنّة ؟
الجواب :
أصل الإمامة موجود في القرآن الكريم حيث انّ الله تعالى يقول لابراهيم عليه السلام وقد كان نبيّاً رسولاً : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ].
والمراد من ابتلاء ابراهيم عليه السلام هو انّ الله تعالى أمره بذبح ولده اسماعيل ، فلمّا اقدم ابراهيم على ذبح ولده قبل الله منه ذلك ثمّ فدّاه بذبح عظيم ، وبعد ذلك أعطاه الله تعالى مقام الإمامة ومع انّه كان نبيّاً رسولاً قبل ذلك ، لأنّ الله رزق ابراهيم ، اسماعيل واسحاق بعد كبر سنّه ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) [ ابراهيم : 39 ].
فيظهر انّ مقام الإمامة وهي الولاية الكبرى أعظم من مقام النبوّة والرسالة ، وقد كان بعض الأنبياء إماماً أيضاً مثل إبراهيم وعيسى وموسى ومحمّد صلّى الله عليه وآله ، وبعضهم كان نبيّاً فقط من دون ان يكون إماماً مثل زكريّا ويحيى ، وقد يعطى الله تعالى منصب الإمامة لمن لم يكن نبيّاً ولا رسولاً وهم الأئمّة الأطهار من ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وابراهيم عليه السلام هذا بنحو العموم.
وأمّا بالخصوص فهناك آيات كثيرة مفسّرة بالإمامة والولاية لعلي عليه السلام وأهل البيت من طرق الشيعة وأهل السنّة جميعاً.
منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ المائدة : 55 ].
وقد اتّفق المفسّرون على انّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أعطى خاتمه للمسكين وهو في حال الصلاة ، والله تعالى أعطاه نفس الولاية الثابتة له ولرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد قال حسان بن ثابت الصحابيّ في مدح علي عليه السلام :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
وكلّ بطئ في الهوى ومسارع |
|
وأنت الذي أعطيت مذ كنت راكعاً |
فدتك نفوس القوم يا خير راكع |
|
فانزل فيك الله خير ولاية |
وأثبتها في محكمات الشرائع |
ومنها قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) [ الرعد : 7 ].
فقد ورد من طرق الشيعة وأهل السنّة جميعاً قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا المنذر وعلي الهادي. وفي حديث قال : أنا المنذر وأنت يا علي الهادي.
ومنها قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) [ النساء : 59 ].وقد ورد في رواياتنا ـ وبعض أحاديث أهل السنّة ـ أنّ المراد من أولى الأمر علي بن أبي طالب عليه السلام.
ومنها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) [ المائدة : 67 ].
وهذه الآية نزلت في حق ولاية علي عليه السلام ، ولأجل ذلك جمع النبي صلّى الله عليه وآله المسلمين عند رجوعه من حجّة الوداع في غدير خم ، وقال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى. قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ثم في بعض الأحاديث من طرق أهل السنّة أخذ النبي البيعة لعلي من المسلمين حتّى من زوجاته ـ أمّهات المؤمنين ـ ، وقول عمر في هذه القصّة مخاطباً لعلي عليه السلام : بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى المؤمنين ، معروف ومشهور ، ولأجل توضيح ذلك راجع كتاب الغدير للشيخ الأميني الجزء الأوّل والثاني.
أقول : والعجيب انّ السيوطي في الدرّ المنثور ذكر في ذيل تفسير هذه الآية عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود ـ وهو أحد كتّاب الوحي ـ ، انّ الآية نزلت هكذا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ان عليّاً مولى المؤمنين وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، فعلى هذه القراءة تكون الآية الشريفة صريحة في إثبات ولاية علي عليه السلام بلا حاجة الى الاستدلال بحديث الغدير المتواتر عند الفريقين.
ومنها قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ المائدة : 3 ].
فقد ذكر كبار علماء التفسير من أهل السنّة ، كالسيوطي في الصفحة 256 من الجزء الثاني من تفسير الدر المنثور ، وفي الصفحة 31 من الجزء الأول من كتابه الاتقان ، والثعلبي في كشف البيان ، والحافظ أبو نعيم الاصفهاني في ما نزل من القرآن في علي ، والنطنزي في الخصائص ، وابن كثير الشامي في تفسيره المجلّد : 2 الصفحة : 14 من طريق ابن مردويه ، والطبري في تفسيره كتاب الولاية ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص الصفحة 18 : انّ هذه الآية نزلت بعد ان نصب النبي صلّى الله عليه وآله علياً مولىً للمؤمنين في غدير خم ، حيث انّه بعد ان قال : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، وأذعن المسلمون بذلك فلم يفترقوا حتّى نزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب بعدي. قد ذكر الإمام الحسكاني وأحمد بن حنبل هذه القضيّة مشروحاً.
نعم ، قيل انّ الآية نزلت يوم عرفة ، لكن لا منافاة في ذلك اذ يحتمل نزولها مرّتين كما ذكره سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص الصفحة : 18 ، احتمل انّ الآية نزلت مرّتين بعرفة ومرّة يوم الغدير ، كما نزلت ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) مرّتين مرّة بمكّة ومرّة بالمدينة.
ومنها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) [ التوبة : 119 ].
ذكر الثعلبي في تفسيره كشف البيان ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، وغيرهم عن ابن عبّاس ، انّ النبي صلّى الله قال : هو محمّد وعلي عليهما السلام.
وذكر القندوزي الحنفي في باب 39 ، ينابيع المودّة عن الموفّق بن أحمد الخوارزمي والحافظ أبو نعيم الاصفهاني عن ابن عباس قال : الصادقون في هذه الآية محمّد وأهل بيته.
وذكر الحمويني في فرائد السمطين والكنجي في باب 62 من كفاية الطالب في قوله : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) : أي مع علي بن أبي طالب.
التعلیقات