التشيُّع . . . مَا هُوَ ؟
الشيخ محمّد جواد آل الفقيه
2023 Dec 20التشيُّع . . . مَا هُوَ ؟
لكي تنثبت من الحقائق ، ونرفض كل ما يشيعه المغرضون حول عقيدة الشيعة ، ونشوئها في الاسلام ، يلزمنا ـ في هذا الحال ـ الرجوع الى عهود بعيدة ، مضت عليها قرون متعاقبة .
ولكن ، حينما يتحد المضمون ، تتلاشى عنده كل المواقيت ، وكل مؤشرات القرب والبعد ، فهو لا يتغير ، ولا يتبدل ، ولا يخضع لأي ضوابط ، زمانية كانت أو غيرها .
المضمون بالنسبة لنا واحد ، ألا وهو « الاسلام » فهو في كياننا اليوم ، كما كان بالأمس ، وكما كان قبل قرون ، وكما يكون غداً ، لا يتغير ولا يتبدل .
والتشيع بالنسبة لنا ، هو من صميم ذلك المضمون . ليس طارئا ، وليس جديداً على الاسلام ، بل هو أصل من أصوله ، دعا اليه رسول الله (ص) ، كما دعا الى بقية أركان الدين .
فليس التشيع ، سوى حب أهل البيت عليهم السلام ، ومودتهم ، والتمسك بهم . وموالاة علي عليه السلام بعد رسول الله (ص) وأخذ معالم الدين من معدنه .
قال تعالى : « قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ » « ٤٢ ـ ٢٣ » هذا هو التشيع ببساطة .
قال الأزهري : الشيعة ، هم الذين يهوون عترة النبي (ص) ، ويوالونهم (١) .
وقد نشأ التشيع لعلي ( عليه السلام ) في عهد الرسول الله (ص) الذي أوصى المسلمين في مواطن كثيرة ، بالتمسك بأهل البيت ( عليه السلام ) كما دعاهم الى ولاء علي (ع) ونصَّ على ذلك في حجة الوداع الاخيرة . حيث جاء في خطبته (ص) :
معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
قالوا : اللهم بلى .
قال : « من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله » .
وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة ، وألفاظ متغايرة ، بمضمون واحد .
فقد رواه من الصحابة اكثر من مائة وعشرة صحابياً . ومن التابعين أربعة وثمانون تابعياً ، ورواه من العلماء ، ثلاثمائة وستون عالماً (٢) عدا من ألَّف فيه .
وهذا الحديث هو المسمى بحديث الغدير ، نسبة لغدير خُمّ . وقد تمسك به الشيعة الإمامية كدليل هام في إثبات الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله (ص) ، بالاضافة الى الأدلة الاخرى الكثيرة ، التي سنذكرها فيما بعد .
وعرف من الشيعة في عهد رسول الله (ص) جماعة ، منهم أبو ذر رضي الله عنه . .
قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني : « إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله (ص) كان لقب أربعة من الصحابة ، سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر (٣) الى آخره .
من جهة أخرى ، فقد ورد لفظ الشيعة ( شيعة علي (ع) ) على لسان النبي (ص) في عدة مناسبات . وما علينا الآن إلا أن نعرض بعض الاحاديث النبوية الشريفة المتضمنة لذلك .
١ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « كنا عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله ( ص ) : قد أتاكم أخي !
قال جابر : ثم التفت رسول الله (ص) الى الكعبة ، فضربها بيده ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة . . ثم قال : إنه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله تعالى ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، واعظمكم عند الله مزيِّة .
قال : ونزلت فيه « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » .
قال : وكان أصحاب محمد (ص) اذا أقبل عليهم علي عليه السلام ، قالوا : قد جاء خير البرية » (٤) .
٢ ـ أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . « ان هذه الآية لما نزلت ، قال (ص) لعلي : هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين . . (٥) الخ .
٣ ـ أخرج أحمد في المناقب أنه ( ص ) قال لعلي ( ع ) : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين ، وذريتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذريتنا ، وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا . »
٤ ـ واخرج الديلمي : يا علي ان الله عز وجل قد غفر لك ، ولذريتك ، ولولدك ، ولأهلك ولشيعتك ، ولمحبي شيعتك .
٥ ـ وأخرج الطبراني عن علي (ع) قال : يا علي ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه أعداؤك غضابا مُقمَحين (٦) . .
٦ ـ وأخرج ابن مردويه ، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله ( ص ) ألم تسمع قول الله : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » هم انت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض ، اذا جائت الامم للحساب ، تدعون غُرَّاً محجلين .
٧ ـ وفي النهاية ( لإبن الاثير ـ مادة قمح ) : وفي حديث علي (ع) قال له النبي (ص) : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين . ثم جمع يده الى عنقه يريهم كيف الإقماح .
٨ ـ عن ربيع الأبرار ، يروى عن رسول الله ( ص ) أنه قال : يا علي ، اذا كان يوم القيامة ، أخذتُ بحُجزة الله تعالى ، وأخذت أنت بحُجزتي وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم . فتُرى أين يؤمر بنا ؟ (٧)
وأما الأحاديث الأخرى التي تدعو المسلمين الى التمسك بعلي ( عليه السلام ) وأهل البيت الطاهر فان استقصاءها وذكرها يحتاج الى وضع مجلد ضخم . لكننا نذكر بعضاً منها هنا ، لأجل التبرك بها من جهة ، ولاطلاع القاریء الكريم على مدى ما تحمل من أهمية ، من جهة أخرى .
١ ـ روى الجويني بسنده عن ابن عباس (رض) قال : قال رسول الله (ص) :
من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليقتدِ بالأئمة من بعدي ، فانهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (٨).
٢ ـ وعن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أنس ، أسكب لي وضوءاً ( قال : ) ثم قام فصلى ركعتين ثم قال : يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب ، أمير المؤمنين ( وسيد المسلمين ) وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .
قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الانصار ـ وكتمته ـ اذ جاء علي صلوات الله عليه ، فقال : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي . فقام ( ص ) مستبشراً ، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق وجه علي بوجهه .
فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ، ما صنعت بي من قبل ؟
قال (ص) : وما يمنعني ، وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي .
٣ ـ وعن ابي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنا خاتم الأنبياء ، وأنت يا علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
ولفظ أبي ذر : أنا خاتم النبيين ، كذلك علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
٤ ـ وعن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي . ( هذا الحديث رواه الجويني بعدة طرق ، وهو حديث مشهور وهو المسمى بحديث ( المنزلة ) . ورواه مسلم في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص عن أبيه » راجع فضائل الصحابة / ٤ ـ ١٨٧٠ ) .
٥ ـ وجاء في حديث طويل ، عن أبي أيوب الأنصاري :
يا عمار ، إن علياً لا يردك عن هدى ، ولا يدلك على ردى .
يا عمار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله عز وجل . !
٦ ـ وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
علي بن أبي طالب حلقة معلقة بباب الجنة ، من تعلق بها دخل الجنة .
٧ ـ وعن انس بن مالك ، قال :
إن سائلا أتى المسجد وهو يقول : من يقرض المليّ الوفي ؟ وعلي ـ عليه السلام ـ راكع يقول (٩) بيده خلفه للسائل خذه ، أي اخلع الخاتم من يدي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عمر ، وجبت .
قال : بأبي انت وأمي يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : وجبت له الجنة . والله ما خلعه من يده ، حتى خلعه من كل ذنب وخطيئة (١٠) .
٨ ـ وعن ابن عباس رضي الله عنه ، قال :
أقبل عبد الله بن سلّام ، ومعه نفر من قومه ، ممن قد آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ، ولا متحدث دون هذا المجلس ، وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله ، وصدقناه ، رفضونا ، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ، ولا يناكحونا ( أي لا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم ) ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا .
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ » ( ٥٥ ـ المائدة )
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج الى المسجد ، والناس بين قائم وراكع ، وبصر بسائل .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل أعطاك أحد شيئاً ؟
قال : نعم ، خاتم من ذهب.
فقال النبي (ص) : من أعطاكه ؟
قال : ذلك القائم ـ وأومأ بيده الى علي بن أبي طالب ـ .
فقال النبي (ص) : على أي حال أعطاك ؟
قال : اعطاني وهو راكع ! .
فكبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : « وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » ( ٥٦ ـ المائدة ) .
فأنشأ حسان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
وكل بطيیء في الهوى ومسارع | |
أيذهب مدحي والمحبين ضائعاً |
وما المدح في جنب الإله بضائع | |
فأنت الذي اعطيت اذ كنت راكعاً |
فدتك نفوس القوم يا خير راكع | |
فانزل فيك الله خير ولاية |
وبينها في محكمات الشرائع (١١) |
وقصة التصدّق بالخاتم ـ هذه ـ من أشهر المشهورات ، وقد رواها الجويني بعدة طرق ، وبأسانيد مختلفة ، كما رواها غيره من أرباب الحديث .
ونكتفي هنا بهذا العرض لبعض الروايات في هذا المضمون ، والتي هي نزر قليل من الكثير الكثير ، اذ لو أردنا استقصاء وذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، والمشتملة على النص بالولاية منه (ص) له (ع) من بعده ، وعلى إلزام المسلمين بالأخذ عن أهل البيت (ع) معالم دينهم لألزمنا ذلك بافراد كتاب مستقل ، ولأخرجنا عن الموضوع .
ومجمل القول :
فان الشيعة يعتقدون بأن الإمامة ، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى ، على لسان النبي ، أو على لسان الإمام الذي قبله ، وأن الإمام لا بد وأن يكون معصوماً من جميع الرذائل ، ومن السهو والخطأ والنسيان ، كما لا بد وأن يكون أفضل الناس بعد النبي (ص) .
ولا يهمنا من بحث الإمامة هنا « اثبات انهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهية ، فان ذلك أمر مضى في ذمة التأريخ ، وليس في اثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة الى أهلها ، وانما يهمنا منه ، ما ذكرنا من لزوم الرجوع اليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية ، وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به ، وان في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ، ولا يستضيئون بنورهم ، ابتعاداً عن محجة الصواب في الدين . » (١٢)
الهوامش
١. متن اللغة ٣ / مادة شيع
٢. راجع كتاب الغدير ج ١ من ص ٨ الى ص ١٥١ .
٣. الشيعة وفنون الاسلام ص ٣١ .
٤. فرائد السمطين ١ / ١٥٦ .
٥. الصواعق المحرقة / ١٥٩ .
٦. حق اليقين ١ / ١٧١ و ٢٠٥ .
٧. أصل الشيعة وأصولها ١١٠ / ١١١ .
٨. فرائد السمطين / للجويني بسنده / ٥٣ .
٩. يقول : يشير .
١٠. فرائد السمطين ١ / ١٤٥ و ١٤٧ و ١٢٣ و ١٧٨ و ١٨٠ و ١٨٨ .
١١. فرائد السمطين ١ / ١٨٩ / ١٩٠ . راجع مجمع البيان وشواهد التنزيل ، وذخائر العقبى . فانه أشار فيه الى هذه الآية وثماني آيات نزلت في علي . راجع ص ٨٨ ـ ٨٩ ـ ومن أحب الاستزادة في فضائل الامام ، فليراجع صحيح مسلم م ٤ ص ١٨٧٠ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ، وغيرها .
١٢. عقائد الشيعة الامامية / ٩٩ .
مقتبس من كتاب : أبو ذر الغفاري / الصفحة : ٤٤ ـ ٥٣
التعلیقات