المساواة بين الأخوة
الشيخ أحمد الوائلي
منذ سنةالمساواة بين الأخوة
في أحد الأيّام جاء أحد الصحابة عند رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكان في يده ورقة ، فقال : روحي فداك يا رسول الله إنّي احتاج شهادتك وأريد أن توقّع على هذه الورقة ، فعندي قضيّة أريدك أن تكون شاهداً عليها.
فقال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله : ما هذه القضية ؟
قال : عندي بستان جيّدة أعطيتها إلى ابني فلان.
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : هل لديك أولاد غيره ؟
قال : بلى.
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : هل أعطيت إلى كلّ أولادك أم فقط هذا الولد أعطيته بستاناً ؟
قال : لا فقط هذا الولد أعطيته بستاناً.
فقال النبي صلّى الله عليه وآله : أعطيت هذا الولد دون أخوته ؟!
فقال : على كلّ حال لم أعطي لغيره شيئاً.
فهنا لو كان المبرّر صحيح لم يعترض النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله على هذا الأمر ، فالمبرّر الصحيح مثلاً يكون الولد أكثر حزن من غيره ، أو هو الذي يدير البيت ، أو يدير العمل ويدير الأسرة ، يكون موزون هو أذكى أخوته شاطر عنده جوانب علميّة ، فانظر لا بدّ من وجود مبرّر فتزوّده قليلاً عن الآخرين.
فهذا الأمر معقول ، بالتالي حياتك الشخصيّة وأنت حرّ فيها ، ففي حياتك تفضّل أحد أولادك على سائر أخوته ، ومرّة يكون الولد مُستقيماً ، صائماً ، مصلياً ، صادقاً في قوله ، معاملة طيّبة مع الناس. وواحد سارح في الشوارع ، فقطعاً هنا تقدّم الشاب المستقيم على سائر أخوته ، هذا يعتبر مبرّر يقبله الجميع. لكن إذا كان هناك مبرّر ما تقتنع به النفس فلم يكن مقبولاً ، مثلاً هذا الولد أمّه جميلة ، نعم وذاك أمّه غير جميلة. هذا أمّه شابة وذاك أمّه عجوزه. طيّب عندما تزوّجتها كانت شابة فافنت شبابها في بيتك ، فهذا غير مقبول أن يكون مبرّراً لكي تدمر العائلة. فالعائلة تذهب للفناء لأن الأخوة سوف يحقدون وينطلق حقدهم على أخيهم. فهذا الشخص جاء للنبي الأكرم صلّى الله عليه وآله ، وقال يا رسول الله : اشهد لي على هذا الأمر.
فالنبي صلّى الله عليه وآله لمح عند هذا الشخص انّه بحاجة إلى شهادته ، لأن مبرّره غير شرعي ، لأنه يميل إلى والدة هذا الأبن ، فرمى النبي بالورقة وقال له : إذهب لم أفعل ذلك لا تشهدني على جور هذا الأمر جور وانا لم أشهد عليه. (1)
وهذا الأمر طبيعي من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
وربّما تقول لي أن هذه النظريّات لم تعرف إلّا بعد 1400 سنة بعدما تقدّم علم النفس وعلم الإجتماع في القرن العشرين ، فمن أين جاء بها النبي الأكرم حيث عاش في الصحراء ؟ ومن أين جاء بهذه المعلومات ؟
فواقع الحال أن السماء سددته (2).
فالنبي صلى الله عليه وآله يقول له : « لا تشهدني على جور ». هذه العملية جور سوف تدمر عائلتك وأسرتك فذهب وأخرج من عندي.
فهذا السبب الذي جعل النبي يعقوب عليه السلام يراعي يوسف عليه السلام ، ويحن عليه هو وأخيه ، فإخوته حقدوا عليه. كيف هذا يكون أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبة. ( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (3).
الهوامش
1. عن النعمانِ بن بشير ، قال : سألَتْ أمي أبي لي بعضَ الموهبةِ لي ، فوهبها لي ، فقالت : لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم. قال : فأخذ أبي بيدي وأنا غلام ، وأتى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : يا رسولَ الله ، إن أمَّ هذا ابنةَ رواحة زاولَتْني على بعضِ الموهبة له ، وإني قد وهبتُها له ، وقد أعْجَبَها أن أُشْهِدَك. قال : « يا بَشيرُ ، ألَكَ ابْنٌ غَيْرُ هذا ؟ » قال : نعم ، قال : « فَوَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ الذي وَهَبْتَ لِهذا ؟ » قال : لا ، قال : « فلا تُشْهِدْني إذاً ، فإنِّي لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ ». [ مسند أحمد بن حنبل / المجلّد : 30 / الصفحة : 314 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1 ]
2. علم الغيب ، هو معرفة الأشياء المستورة عن الحواس بصورة عادية. وطبقاً للمعارف الشيعيّة إنّ الإطلاع على مثل هذا العلم في حدّ ذاته يختصّ بالله تعالى وهو يُطلع من يشاء من عباده ، كالأنبياء والمعصومين عليهم السلام والصالحين.
والحكمة في اطلاعهم على العلوم الغيبيّة المختلفة هي القيام الأفضل بالوظائف الإلهيّة تجاه الناس ، والمجتمع البشري مثل الهداية والقيادة الدينيّة. أمّا مدى درجة الإطلاع على هذا النوع من العلم ومدى شمولیّته يختلف باختلاف الأشخاص ، والنبي الأكرم صلّی الله عليه وآله وسلّم وخلفائه الأئمّة الأطهار عليهم السلام هم الذين لهم الحظّ الأكبر من الغيب.
كان نبي الإسلام صلّی الله عليه وآله أكثر الأنبياء اطلاعاً على الأمور الغيبيّة لشمول رسالته مكاناً وزماناً ، وكان خبيراً بكلّ ما يحتاج إليه لأداء رسالته بإذن من الله تعالى ، والقرآن الكريم يشير إلى بعض هذه المصاديق والعلوم التي كان النبي صلّی الله عليه وآله عالماً بها قبل حدوثها ( تِلْك مِنْ أَنْباءِ الْغَيبِ نُوحيها إِلَيك ما كنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُك مِنْ قَبْلِ ) [ سورة هود : الآية 49 ].
3. يوسف : 8.
التعلیقات