فقدان الهيبَة في خِلافَة عثمان
الشيخ محمّد جواد آل الفقيه
منذ 7 أشهرفِقدَان الهيبَة في خِلافَة عُثمان
ويلاحظ المتتبع ، أن الخلافة بدأت تفقد هيبتها ـ كسلطة زمنية ودينية ـ في السنة الثانية من خلافة عثمان ، وأخذت تتحول الى سلطة زمنية فحسب ، تقوم على القوة ، والقهر ، والإغراء بالمال ، بعيداً عن طابعها الحقيقي.
فقد بدأ الأمويون يهيئون لهذه الخطة منذ اليوم الاول لخلافة عثمان ، وذلك ، عن طريق نفوذهم في الحكم ، حيث أصبح زمام السلطة بأيديهم يوجهونه أنى شاؤا ، دون أن يجرأ على معارضتهم في ذلك أحد ، واذا ما حاول بعض المخلصين من الصحابة ذلك ، وجدوا في الخليفة حاجزاً يحميهم ، ويداً طولى تساعدهم على تنفيذ مخططاتهم.
نعم ، بدأت فكرة التحويل من اليوم الاول لخلافة عثمان ، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ما قاله بعض أقطاب الامويين في أكثر من مناسبة.
روى الشعبي ، قائلا : « فلما دخل عثمان رحله ـ يعني بعد البيعة ـ دخل اليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب ( وكان أعمى ) : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا. قال : يا بني أميَّة ، تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ، ولا حساب ، ولا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة . » (1)
وقصد مرة قبر حمزة أسد الله وأسد رسوله ، فلما وصل اليه « ركله برجله ، وقال : يا أبا عمارة ، إن الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف ، أمسى في يد غلماننا يتلعبون به. » (2)
وفي السنة الثانية من خلافته ، مورست خطة التحويل عمليا ، فبالاضافة الى الهبات والقطائع الضخمة التي كان يمنحها الخليفة الى المقربين ـ كما ستقرأ ـ ، كان الولاة من بني أمية يستغلون منصب الولاية لتكريس مقدرات الامة لمصالحهم الشخصية ويتصرفون مع المسلمين من هذا المنطلق المنحرف عن الخط الاسلامي ، فكان بعضهم يرى أن الفيیء الذي أفاءه الله على المسلمين إنما هو بستان لقريش ليس لأحد دونها حق فيه ، كما قال سعيد بن العاص والي الكوفة مخاطبا بعض جلسائه (3).
بل أكد ذلك الوليد بن عقبة بقوله ، مخاطبا سعداً : « لا تجزعنَّ أبا إسحاق ، كل ذلك لم يكن ، وانما هو الملك ، يتغداه قوم ، ويتعشاه آخرون . ! » (4)
قالها الوليد حين ولي إمارة الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص عنها.
وبذلك ، يتضح أن خلافة عثمان كانت فرصة لانقضاض الأمويين على مقدرات الامة وأرزاقها ، ولو لا يقظة بعض أقطاب المسلمين وحذرهم ، لتم لهم ذلك بسرعة ، لكن المعارضة المستمرة كانت تحول دون ذلك ـ جزئياً ـ معارضة أبي ذر الغفاري وأمثاله.
ولو أن عثمان تقبل من مخلصي الصحابة ما كانوا يلفتونه اليه ، ويحذرونه منه ، لما انتهى الأمر الى ما انتهى ، ولظلت الخلافة الاسلامية في مركزها وهيبتها ، فان إفراطه في التغاضي عن سلوك ولاته والمقربين منه كانت نتيجته : فقدان هيبة الخلافة في أيامه.
الهوامش
1. شرح النهج 9 / 53.
2. حياة الامام الحسن 1 / 212 نقلا عن ابن عساكر 6 / 407.
3. راجع الكامل 3 / 139.
4. الكامل 3 / 83.
مقتبس من كتاب : أبو ذر الغفاري / الصفحة : 104 ـ 106
التعلیقات