بحث للشيخ الطوسي في تعريف الإيمان والكفر
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
منذ 10 أشهربحث للشيخ الطوسي في تعريف الإيمان والكفر
ـ الإقتصاد ص 140
الإيمان هو التصديق بالقلب ، ولا اعتبار بما يجرى على اللسان ، وكل من كان عارفاً بالله وبنبيه وبكل ما أوجب الله عليه معرفته مقراً بذلك مصدقاً به فهو مؤمن.
والكفر نقيض ذلك ، وهو الجحود بالقلب دون اللسان مما أوجب الله تعالى عليه المعرفة به ، ويعلم بدليل شرعي أنه يستحق العقاب الدائم الكثير.
وفي المرجئة من قال : الإيمان هو التصديق باللسان خاصة وكذلك الكفر هو الجحود باللسان ، والفسق هو كل ما خرج به عن طاعة الله تعالى إلى معصيته ، سواء كان صغيراً أو كبيراً. وفيهم من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معا ، والكفر هو الجحود بهما.
وفي أصحابنا من قال : الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان والعمل بالجوارح ، وعليه دلت كثير من الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام.
وقالت المعتزلة : الإيمان إسم للطاعات ، ومنهم من جعل النوافل والفرائض من الإيمان ، ومنهم من قال النوافل خارجة عن الإيمان. والإسلام والدين عندهم شيء واحد ، والفسق عندهم عبارة عن كل معصية يستحق بها العقاب ، والصغائر التي تقع عندهم مكفرة لا تسمى فسقاً . والكفر عندهم هو ما يستحق به عقاب عظيم ، وأجريت على فاعله أحكام مخصوصة ، فمرتكب الكبيرة عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل هو فاسق.
وقالت الخوارج قريباً من قول المعتزلة إلا أنهم لا يسمون الكبائر كلها كفراً ، وفيهم من يسميها شركاً.
والفضيلية منهم تسمي كل معصية كفراً صغيرة كانت أو كبيرة.
والزيدية من كان منهم على مذهب الناصر يسمون الكبائر كفر نعمة ، والباقون يذهبون مذهب المعتزلة.
والذي يدل على ما قلناه : أولاً ، هو أن الإيمان في اللغة هو التصديق ، ولا يسمون أفعال الجوارح إيماناً ، ولا خلاف بينهم فيه.
ويدل عليه أيضاً قولهم : فلان يؤمن بكذا وكذا وفلان لا يؤمن بكذا . وقال تعالى :
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. وقال : وما أنت بمؤمن لنا ، أي بمصدق ، وإذا كان فائدة هذه اللفظة في اللغة ما قلناه وجب إطلاق ذلك عليها إلا أن يمنع مانع ، ومن ادعى الإنتقال فعليه الدلالة ، وقد قال الله تعالى : بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ. وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ. وقال : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. وكل ذلك يقتضي حمل هذه اللفظة على مقتضى اللغة. وليس إذا كان هاهنا ألفاظ منتقلة وجب أن يحكم في جميع الألفاظ بذلك ، وإنما ينتقل عما ينتقل بدليل يوجب ذلك. وإن كان في المرجئة من قال ليس هاهنا لفظ منتقل ولا يحتاج إلى ذلك.
ولا يلزمنا أن نسمي كل مصدق مؤمنا لأنا إنما نطلق ذلك على من صدق بجميع ما أوجبه الله عليه. والإجماع مانع من تسمية من صدق بالجبت والطاغوت مؤمناً ، فمنعنا ذلك بدليل وخصصنا موجب اللغة ، وجرى ذلك مجرى تخصيص العرف لفظ الدابة ببهيمة مخصوصة ، وإن كان موجب اللغة يقتضي تسمية كل ما دب دابة ، ويكون ذلك تخصيصاً لا نقلاً. فعلى موجب هذا ، يلزم من ادعى انتقال هذه اللفظة إلى أفعال الجوارح أن يدل عليه.
وليس لأحد أن يقول : إن العرف لا يعرف التصديق فيه إلا بالقول ، فكيف حملتموه على ما يختص القلب ؟
قلنا : العرف يعرف بالتصديق باللسان والقلب ، لأنهم يصفون الأخرس بأنه مؤمن وكذلك الساكت ، ويقولون : فلان يصدق بكذا وكذا وفلان لا يصدق ، ويريدون ما يرجع إلى القلب ، فلم يخرج بما قلناه عن موجب اللغة.
وإنما منعنا إطلاقه في المصدق باللسان لأنه لو جاز ذلك لوجب تسميته بالإيمان وإن علم جحوده بالقلب ، والإجماع مانع من ذلك.
... وأما الكفر فقد قلنا إنه عند المرجئة من أفعال القلوب ، وهو جحد ما أوجب الله تعالى معرفته مما عليه دليل قاطع كالتوحيد والعدل والنبوة وغير ذلك ، وأما في اللغة فهو الستر والجحود ، وفي الشرع عبارة عما يستحق به العقاب الدائم الكثير ، ويلحق بفاعله أحكام شرعية كمنع التوارث والتناكح.
والعلم بكون المعصية كفراً طريقه السمع لا مجال للعقل فيه ، لأن مقادير العقاب لا تعلم عقلاً ، وقد أجمعت الأمة على أن الإخلال بمعرفة الله تعالى وتوحيده وعدله وجحد نبوة رسله كفر ، لا يخالف فيه إلا أصحاب المعارف الذين بينا فساد قولهم.
ولا فرق بين أن يكون شاكاً في هذه الأشياء أو يكون معتقداً لما يقدح في حصولها ، لأن الإخلال بالواجب يعم الكل.
فعلى هذا ، المجبرة والمشبهة كفار ، وكذلك من قال بالصفات القديمة لأن اعتقادهم الفاسد في هذه الأشياء ينافي الإعتقاد الصحيح من المعرفة بالله تعالى وعدله وحكمته.
مقتبس من كتاب : العقائد الإسلاميّة / المجلّد : 1 / الصفحة : 234 ـ 236
التعلیقات