ما معنى كون الهداية و الضلالة بيده سبحانه ؟
العدل الإلهي
2024 Sep 7المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج٢، ص ٣٨٧ ـ ٣٩٥
(٣٨٧)
السؤال الرابع
ما معنى كون الهداية و الضلالة بيده سبحانه؟
دلّت الآيات القرآنية على أنَّ الهداية و الضلالة بيده سبحانه ، فهو يضل
من يشاء و يهدي من يشاء . فإذا كان أمر الهداية مرتبطاً بمشيئته ، فلا يكون
للعبد دور لا في الهداية و لا في الضلالة ، فالضال يعصي بلا اختيار ،
والمهتدي يطيع كذلك ، و هذا بالجبر أشبه منه بالإِختيار .
قال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(١).
و قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(٢).
وقال سبحانه: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ}(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة إبراهيم: الآية ٤.
(٢) سورة النحل: الآية ٩٣.
(٣) سورة فاطر: الآية ٨ .
________________________________________
(٣٨٨)
إلى غير ذلك من الآيات المخصصة للهداية والإِضلال باللّه تعالى .
أَمَّا الجواب : فإن تحليل أمر الهداية و الضلالة الذي ورد في القرآن
الكريم من المسائل الدقيقة المتشعبة الأبحاث ، و لا يقف على المحصل من
الآيات إلاَّ من فسّرها عن طريق التفسير الموضوعي ، بمعنى جمع كل ما ورد
في هذين المجالين في مقام واحد ، ثمّ تفسير المجموع باتخاذ البعض قرينة
على البعض الآخر . و بما أنَّ هذا الطراز من البحث لا يناسب وضع
الكتاب ، نكتفي بما تمسك به الجبريون في المقام من الآيات لإِثبات
الجبر ، و بتفسيرها و تحليلها يسقط أهم ما تسلحوا به من العصور الأولى .
حقيقة الجواب تتضح في التفريق بين الهداية العامة التي عليها تبتنى
مسألة الجبر و الإِختيار ، و الهداية الخاصة التي لا تمت إلى هذه المسألة
بصلة.
الهداية العامّة
الهداية العامة من اللّه سبحانه تعمّ كل الموجودات عاقلها و غير
عاقلها ، و هي على قسمين:
أ ـ الهداية العامة التكوينية : والمراد منها خلق كل شيء و تجهيزه بما
يهديه إلى الغاية التي خلق لها : قال سبحانه حاكياً كلام النبي موسى
ـ عليه السَّلام ـ : { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(١) . و جهّز
كل موجود بجهاز يوصله إلى الكمال ، فالنبات مجهز بأدقّ الأجهزة التي
توصله في ظروف خاصة إلى تفتح طاقاته ، فالحبّة المستورة تحت الأرض
ترعاها أجهزة داخلية و عوامل خارجية كالماء و النور إلى أن تصير شجرة مثمرة
مِعطَاءة . و مثله الحيوان والإنسان ، فهذه الهداية عامة لجميع الأشياء ليس
فيها تبعيض و تمييز.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة طه: الآية ٥٠.
________________________________________
(٣٨٩)
قال سبحانه: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي
قَدَّرَ فَهَدَى}(١).
و قال سبحانه : { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ}(٢).
و قال سبحانه: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا}(٣).
إلى غير ذلك من الآيات الواردة حول الهداية التكوينية التي ترجع
حقيقتها إلى الهداية النابعة من حاق ذات الشيء بما أودع اللّه فيه من الأجهزة
و الإِلهامات التي توصله إلى الغاية المنشودة والطريق المَهْيع ، من غير فرق
بين المؤمن و الكافر . قال سبحانه : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لاَ يَعْلَمُونَ}(٤).
فهذا الفيض الإلهي الذي يأخذ بيد كل ممكن في النظام ، عام لا
يختص بموجود دون موجود ، غير أن كيفية الهداية و الأجهزة الهادية لكل
موجود تختلف حسب اختلاف درجات وجوده . وقد أسماه سبحانه في بعض
الموجودات « الوحي » و قال : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ
بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ
رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(٥).
و من الهداية التكوينية في الإِنسان العقل الموهوب له ، المرشد له إلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة الأعلى: الآيات ١ ـ ٣.
(٢) سورة البلد: الآيات ٨ ـ ١٠.
(٣) سورة الشمس: الآيتان ٧ و ٨.
(٤) سورة الروم: الآية ٣٠.
(٥) سورة النحل: الآيتان ٦٨ و ٦٩.
________________________________________
(٣٩٠)
معالم الخير و الصلاح ، و ما ورد في الذكر الحكيم من الآيات الحاثَّة على
التعقل و التفكر و التدبر خير دليل على وجود هذه الهداية العامة في أفراد
الإِنسان ، وإن كان قسم منه لا يستضيء بنور العقل و لا يهتدي بالتّفكّر و التّدبّر.
ب ـ الهداية العامّة التّشريعية : إذا كانت الهداية التكوينية العامة أمراً
نابعاً من ذات الشيء بما أودع اللّه فيه من أجهزة تسوقه إلى الخير و الكمال ،
فالهداية التشريعية العامة عبارة عن الهداية الشاملة للموجود العاقل المدرك ،
المفاضة عليه بتوسط عوامل خارجة عن ذاته ، و ذلك كالأنبياء و الرسل
و الكتب السماوية و أوصياء الرسل و خلفائهم و العلماء و المصلحين و غير ذلك
من أدوات الهداية التشريعية العامة التي تعمّ جميع المكلفين. قال سبحانه:
{ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ}(١).
و قال سبحانه : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }(٢).
وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنْكُمْ }(٣).
و قال سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(٤) . و أهل الذكر في المجتمع اليهودي هم
الأحبار ، و المجتمع المسيحي هم الرُهْبان.
إلى غير ذلك من الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تشير إلى أنَّه
سبحانه هدى الإِنسان ببعث الرسل ، و إنزال الكتب ، و دعوته إلى إطاعة أُولي
الأمر ، والرجوع إلى أهل الذكر.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة فاطر: الآية ٢٤.
(٢) سورة الحديد: الآية ٢٥.
(٣) سورة النساء: الآية ٥٩ .
(٤) سورة الأنبياء: الآية ٧.
________________________________________
(٣٩١)
قال سبحانه مصرّحاً بأنَّ النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ هو
الهادي لجميع أُمته: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }(١).
و قال سبحانه في هداية القرآن إلى الطريق الأقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }(٢).
هذا ، و إن مقتضى الحِكْمَة الإِلهية أن يعمّ هذا القسم من الهداية
العامة جميع البشر ، و لا يختص بجيل دون جيل و لا طائفة دون طائفة.
و الهداية العامة بكلا قسميها في مورد الإِنسان ، ملاك الجبر و الإِختيار ،
فلو عمّت هدايته التكوينية و التشريعية في خصوص الإِنسان كل فرد منه ،
لارتفع الجبر ، و ساد الإِختيار ؛ لأنَّ لكل إنسان أن يهتدي بعقله ، و ما حَفَّهُ
سبحانه به من عوامل الهِدايَة من الأنبياء والرسل والمزامير و الكتب و غير
ذلك.
ولو كانت الهدايَة المذكورة خاصة بأُناس دون آخرين ، و أنَّه سبحانه
هدى أُمة و لم يهدِ أُخرى ، لكان لتوهم الجبر مجال و هو وَهْم واهٍ ، كيف
و قد قال سبحانه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(٣) . و قال سبحانه:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً }(٤) . و غير ذلك
من الآيات التي تدلّ على أنَّ نزول العذاب كان بعد بعث الرسول و شمول
الهداية العامّة للمُعَذبين و الهالكين ، و بالتالي يدلّ على أنَّ من لم تبلغه تلك
الهداية لا يكون مسؤولاً إلاّ بمقدار ما يدلّ عليه عقله و يرشده إليه لبّه.
الهداية الخاصّة
وهناك هداية خاصة تختص بجملة من الأفراد الذين استضاؤوا بنور
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة الشورى: الآية ٥٢.
(٢) سورة الإِسراء: الآية ٩.
(٣) سورة الإِسراء: الآية ١٥.
(٤) سورة القصص: الآية ٥٩.
________________________________________
(٣٩٢)
الهداية العامة تكوينها و تشريعها ، فيقعون مورداً للعناية الخاصة منه سبحانه.
ومعنى هذه الهداية هو تسديدهم في مزالق الحياة إلى سبل النجاة ، و توفيقهم
للتزود بصالح الأعمال ، و يكون معنى الإِضلال في هذه المرحلة هو منعهم
من هذه المواهب ، وخذلانهم في الحياة ، و يدلّ على ذلك ( أنَّ هذه الهداية
خاصة لمَن استفاد من الهداية الأولى ) ، قوله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ
يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}(١) . فعلّق الهداية على مَن اتصف بالإِنابة
و التوجّه إلى اللّه سبحانه .
و قال سبحانه : { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}(٢).
و قال سبحانه : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ}(٣) . فمَن أراد وجه اللّه سبحانه يمده بالهداية إلى سبله.
و قال سبحانه : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى }(٤).
و قال سبحانه: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا
عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ
إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}(٥).
و كما أنَّه علق الهداية هنا على من جعل نفسه في مهب العِناية
الخاصّة ، علّق الضلالة في كثير من الآيات على صفات تشعر باستحقاقه
الضلال و الحرمان من الهداية الخاصة.
قال سبحانه : { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(٦).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة الرعد : الآية ٢٧.
(٢) سورة الشورى : الآية ١٣.
(٣) سورة العنكبوت : الآية ٦٩.
(٤) سورة محمّد : الآية ١٧.
(٥) سورة الكهف : الآيتان ١٣ و ١٤.
(٦) سورة الجمعة : الآية ٥.
________________________________________
(٣٩٣)
و قال سبحانه: { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(١).
و قال سبحانه : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ }(٢).
و قال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ
لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ }(٣).
و قال سبحانه: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ}(٤).
فالمراد من الإِضلال هو عدم الهداية لأجل عدم استحقاق العِناية
و التوفيق الخاص ؛ لأنّهم كانوا ظالمين و فاسقين ، كافرين و منحرفين عن
الحق. و بالمراجعة الى الآيات الواردة حول الهداية و الضلالة يظهر أنَّه
سبحانه لم ينسب في كلامه إلى نفسه إضلالاً إلاَّ ما كان مسبوقاً بظلم من
العبد أو فسق أو كفر أو تكذيب و نظائرها التي استوجبت قطع العِناية الخاصة
و حِرمانه منها.
إذا عرفتَ ما ذكرناه ، تقف على أنَّ الهداية العامة التي بها تناط مسألة
الجبر و الإِختيار ، عامة شاملة لجميع الأفراد ، ففي وسع كل إنسان أن يهتدي
بهداها . و أمَّا الهداية الخاصة والعِناية الزائدة فتختص بطائفة المنيبين
و المستفيدين من الهداية الأولى . فما جاء في كلام المستدل من الآيات من
تعليق الهداية و الضلالة على مشيئته سبحانه ناظرٌ إلى القسم الثاني لا الأوّل.
أما القسم الأوّل ؛ فلأنّ المشيئة الإِلهية تعلقت على عمومها بكل مكلف
بل بكل إنسان ، و أمّا الهداية فقد تعلقت مشيئته بشمولها لصنف دون صنف ،
و لم تكن مشيئته ، مشيئة جزافية ، بل المِلاك في شمولها لصنف خاص هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة إبراهيم : الآية ٢٧.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٦.
(٣) سورة النساء : الآيتان ١٦٨ و ١٦٩.
(٤) سورة الصف : الآية ٥.
________________________________________
(٣٩٤)
قابليته لأن تنزل عليه تلك الهداية ؛ لأنَّه قد استفاد من كل من الهداية
التكوينية و التشريعية العامتين ، فاستحق بذلك العِناية الزائدة.
كما أنَّ عدم شمولها لصنف خاص ما هو إلاَّ لأجل اتصافهم بصفات
رديئة لا يستحقون معها تلك العِناية الزائدة.
ولأجل ذلك نرى أنَّه سبحانه بعدما يقول : { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُُ} ، يذيله بقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(١) ، مشعراً بأنَّ
الإِضلال و الهداية كانا على وفاق الحكمة ، فهذا استحق الإِضلال ، و ذاك
استحق الهداية.
بقي هنا سؤال ، و هو أنَّ هناك جملة من الآيات تعرب عن عدم تعلق
مشيئته سبحانه بهداية الكل ، قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى
الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ}(٢).
و قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظًا }(٣).
و قال سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ
جَمِيعًا }(٤).
و قال سبحانه : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}(٥).
و قال سبحانه: { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا }(٦).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة إبراهيم : الآية ٤.
(٢) سورة الأنعام : الآية ٣٥.
(٣) سورة الأنعام : الآية ١٠٧.
(٤) سورة يونس : الآية ٩٩.
(٥) سورة النحل : الآية ٩.
(٦) سورة السجدة : الآية ١٣.
________________________________________
(٣٩٥)
والجواب : إنَّ هذه الآيات ناظرة إلى الهداية الجبرية بحيث تسلب
عن الإِنسان الإِختيار و الحرية فلا يقدر على الطرف المقابل . و لمّا كان مثل
هذه الهداية الخارجة عن الإِختيار ، منافياً لحكمته سبحانه ، و لا يوجب رفع
منزلة الإِنسان ، نفى تَعَلُّق مشيئته بها ، و إنَّما يُقَدَّرُ الإِيمان الذي يستند إلى
اختيار المرء ، لا إلى الجبر و الإِلحاد (١).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) هذا بعض الكلام في الهداية و الضَّلالة بالمقدار المناسب لوضع الكتاب ، والبحث في المقام
واسع يلاحظ فيه الموسوعات التفسيرية.
التعلیقات