مؤهّلات الإمام عند أهل السّنة
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةمؤهّلات الإمام عند أهل السنّة
إنطلاقاً من البحث السابق في تبيين ماهية الإمامة ، عند أهل السنّة لم يشترطوا في الإمام سوى عدّة صلاحيّات ، تشترط في عامة الرؤساء ، وإليك نصوصهم :
1 ـ قال الباقلاني « م 403 هـ » : « يشترط :
ـ أن يكون قُرَشِيّاً من صميم.
ـ وأن يكون في العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قُضاة المسلمين.
ـ وأن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب ، وتدبير الجيوش والسرايا ، وسدّ الثغور ، وحماية البيضة ، وحفظ الأُمّة ، والإنتقام من ظالمها ، والأخذ لمظلومها » (1).
2 ـ وقال عبد القاهر البغدادي « م 429 هـ » : « قال أصحابنا إنّ الّذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف :
ـ أحدها : العلم. وأقلّ ما يكفيه منه ، أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام ، وفي سائر الأحكام.
ـ الثاني : العدالة والورع. وأقلّ ما يجب له من هذه الخصلة ، أن يكون ممّن يجوز قبول شهادته تَحَمُّلاً وأداءً.
ـ والثالث : الإهتداء إلى وجوه السياسة وحُسْنِ التدبير ، وأن يعرف مراتب الناس ، فيحفظهم عليها ، ولا يستعين على الأعمال الكبار ، بالعُمَّال الصغار ، ويكون عارفاً بتدبير الحروب.
ـ الرابع : النَّسَب من قُرَيْش » (2).
3 ـ وقال أبو الحسن البغدادي الماوردي « م 450 هـ » : « الشروط المعتبرة في الإمامة سبعة :
أحدها : العدالة على شروطها الجامعة. الثاني : العلم المؤدّي إلى الإجتهاد في النوازل والأحكام. الثالث : سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان. الرابع : سلامةُ الأعضاء. الخامس : الرأي المُفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح. السادس : الشجاعة والنجدة. السابع : النَّسب ، وهو أن يكون من قريش » (3).
4 ـ وقال ابن حزم « م 456 هـ » : « يشترط فيه أمور :
1 ـ أن يكون صلبه من قريش ، 2 ـ أن يكون بالغاً مميّزاً ، 3 ـ أن يكون رجلاً ، 4 ـ أن يكون مسلماً ، 5 ـ أن يكون متقدِّماً لأمره ، 6 ـ عالماً بما يلزمه من فرائض الدين ، 7 ـ متَّقياً لله بالجملة ، غير معلن الفساد في الأرض. 8 ـ أن لا يكون مولّىً عليه » (4).
5 ـ وقال القاضي سراج الدين الأرْمَوي « م 689 هـ » : « صفات الأئمّة تسع :
1 ـ أن يكون مجتهداً في أُصول الدين وفروعه ، 2 ـ أن يكون ذا رأي وتدبير ، 3 ـ أن يكون شجاعاً ، 4 ـ أن يكون عدلاً ، 5 ـ أن يكون عاقلاً ، 6 ـ أن يكون بالغاً ، 7 ـ أن يكون مُذَكَّراً ، 8 ـ أن يكون حُرّاً ، 9 ـ أن يكون قُرَشيّاً » (5).
6 ـ وقال التفتازاني « م 791 هـ » : « قد ذكرنا في كتبنا الفقهية أنّه لا بدّ للأُمّة من إمام يحيي الشريعة ، ويُقيم السنّة ، وينتصف للمظلومين ، ويستوفي الحقوق ، ويضعها مواضعها ، ويشترط أن يكون مكلَّفاً ، مسلماً ، عدلاً ، حُرّاً ، ذَكَراً مجتهداً ، شجاعاً ، ذا رأي وكفاية ، سميعاً بصيراً ، ناطقاً ، قريشياً ، فإن لم يوجد من قريش من يستجمع هذه الصفات المعتبرة ، وُلِّي كِنانيّ ، فإن لم يوجد فَرَجلٌ من ولد اسماعيل ، فإن لم يوجد فَزَجُلٌ من العجم » (6).
7 ـ وقال الفضل بن روزبهان : « وشروط الإمام أن يكون مجتهداً في الأُصول والفروع ليقوم بأمر الدين ، ذا رأي وبصارة بتدبير الحرب ، وترتيب الجيوش ، شجاعاً ، قويَّ القلب لِيَقْوَى على الذَّبِّ عن الحوزة » (7).
ويلاحظ على هذه الشروط
أَوّلاً : إنّ اختلافهم في عدد الشرائط قلّة وكثرة ، ناشئ من افتقادهم النصّ الشرعي في مجال الإمامة واعتقادهم أنّ منصب الإمامة ، ـ مع عظمته ـ لم تنبس فيه النبي الأكرم ببنت شفة ، وإنّما الموجود عندهم نصوص كليّة لا تتكفّل بتعيين هذه الشروط ، ولا تتكفل بتبيين صيغة الحكومة الإسلاميّة بعد النبي ، والمصدر لهذه الشروط عندهم هو الإستحسان ، والإعتبارات العُقَلائيّة ، وملاحظة الأهداف الّتي يمارسها الإمام والخليفة بعد النبي الأكرم.
وهذا ممّا يقضي منه العَجَب ، وهو أنّ النبي كَيْفَ ترك بيان هذا الأمر المُهِمّ ، شرطاً وصفةً ، مع أنّه بَيَّن أبسط الأشياء وأدناها ، من المكروهات والمستحبات.
وثانياً : إنّ اعتبار العدالة لا ينسجم مع ما ذهبوا إليه من أنّ الإمام لا ينخلع بفسقه وظلمه ، وغيره ممّا نقلناه عنهم.
كما أنّهم جعلوا القَهْرَ والإستيلاء ، أحد الأُمور الّتي تنعقد بها الإمامة ـ كما سيأتي ـ وتجعل المستولي والقاهر ولي أَمر ، يشمله قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (8). ومن المعلوم أنّ القاهر والمستولي بالحرب والنّار ، لا يهمّه إلّا السلطة وإعمال القدرة ، سواءٌ أَجْتَمَعَت فيه هذه الشروط أَوْ لا. أفهل يجب إطاعة مثل هذا ؟
حيث أنّ وجوب طاعته لا ينسجم مع اعتبار هذه الشروط ; وعدم وجوب طاعته لا ينسجم مع كون القهر والغلبة من الأُمور الّتي تنعقد بها الإمامة.
وثالثاً : إنّ التاريخ الإسلامي يشهد بأنّ الخلَفاء بعد عليّ ـ عليه السلام ـ ، كانوا يفقدون أكثر هذه الصلاحيّات ومع ذلك يمارسون الخلافة.
فهذه صحائف تاريخهم ، من لدن تَسَنُّمِ معاوية عرش الخلافة ، إلى آخر خلفاء بني مروان ، خضبوا وجه الأرض بدماء الأبرياء ، وقتلوا الصحابة والتابعين ، ونهبوا الديار والأموال ، وقد بلغ جورهم وظلمهم الذروة ، حتّى ثارت عليهم الأُمّة ، وقتلت صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق منهم إلّا مَنْ فرَّ إلى الأندلس. وبَعْدَهم تسلّط العباسيّون ، باسم حماية أهل البيت ، ولكن حدث ما حدث ، ولم تكن سيرتهم أَحسن حالاً من سيرة الأمويين ، حتّى قال القائل :
يا لَيْتَ جَوْرَ بني مَرْوانَ دام لنا |
ولَيْتَ عَدْلَ بني العبّاسِ في النارِ |
الهوامش
1. التمهيد ، ص 181.
2. أصول الدين ، لأبي منصور البغدادي ، م 429 هـ ، ص 277. ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
3. الأحكام السلطانيّة ، ص 6.
4. الفِصَل ، ج 4 ، ص 186.
5. مطالع الأنوار ، ص 470.
6. شرح المقاصد ، ج 2 ، ص 271.
7. دلائل الصدق ، ج 2 ، ص 4.
8. سورة النساء : الآية 59.
مقبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة 16 ـ 19
التعلیقات