لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟
معرفة الله
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج1 ، ص 23 ـ 26
(23)
6ـ لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟
و قبل أنْ نركز على أسباب معرفته سبحانه و دلائل وجوده ، نقوم
________________________________________
(24)
بالإِجابة عن سؤال كثيراً ما يطرح نفسه بين الشباب ، و هو مأخوذ من دسائس
الماديين لا سيما الماركسيين في الأوساط الإِسلامية.
وحصيلة السؤال هو: إنَّ البحث عن ما وراء المادة بحث لا صلة له
بالحياة ، و ليس من الموضوعات التي تقع في إطار الحياة التي يحياها
الإِنسان في أدوار عمره المختلفة ، من صباه إلى شبابه إلى كهولته
و شيخوخته . و البحث عمّا وراء الطبيعة ، و أنَّ هناك موجودات عليا مجردة عن
المادة و أحكامها ، كالملائكة و العقول و النفوس ، وفوقها مبدعها و مبدع جميع
العوالم : مادّيها و مجرّدها ، لا ينفع في الحياة ولو أُثبت بألف دليل ، فَصَرْفُ
الوقت حول هذه المباحث يعوق الشاب عن القيام بوظائفه اللازمة.
و الإِجابة عن هذا السؤال واضحة بعد الإِطّلاع على ما ذكرنا ، فقد
عرفت أنَّ للدّين دوراً قوياً و تأثيراً عظيماً في تكامل العلوم ، كما أنّه ضمان
للأخلاق ، و خير دعامة لها ، بل ضمان لتنفيذ القوانين الصالحة ، و الحصن
الحصين في متقلبات الأحوال.
فإذا كان له ذلك الشأن العظيم في حياتنا العلمية و الأخلاقية و الاجتماعية
فطي الصفح عنه و الاشتغال بغيره ، خسارة عظيمة للإِنسانية. فما يتشدَّق به
المادي من أنَّ البحث عن الدّين و ما وراء الطبيعة لا صلة له بالحياة ،
مكذوب على الدين ، و كلام خال عن التحقيق . نعم ، ما ذكرنا من دور الدّين ،
و تأثيره في الجوانب الحيوية من الإِنسان ، إنَّما هو من شؤون الدّين الحقيقي
الذي يواكب العلم و الأخلاق و لا يخالفهما ، و أمّا الأديان المختلفة المنسوبة
إلى الوحي و السماء بكذب و زور ، فخارجة عن موضوع بحثنا.
دفع الضرر المحتمل:
إِنَّ هناك عاملا ًروحياً يحفّزنا إلى البحث عن هذه الأمور الخارجة عن
إطار المادة و الماديات ، و هو أنَّ هناك مجموعة كبيرة من رجالات الإِصلاح
________________________________________
(25)
و الأخلاق الذين فدو أنفسهم في طريق إصلاح المجتمع و تهذيبه ، وراحوا
ضحية رقيّه ، توالوا على مدى القرون و الأعصار ، و دعوا المجتمعات البشرية
إلى الاعتقاد بالله سبحانه و صفاته الكمالية ، و ادَّعوا أنَّ له تكاليف على عباده
و وظائف وضعها عليهم ، و أنَّ الحياة لا تنقطع بالموت ، و ليس الموت آخرها
وآخر مقطع منها ، و إنّما هو جسر يعبر به الإِنسان من دار إلى دار، و من حياة
ناقصة إلى حياة كاملة ، و أنَّ من قام بتكاليفه و وظائفه فله الجزاء الأوفى ،
و أمّا من خالف واستكبر فله النكاية الكبرى.
هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي و الإِصلاح ، ولم
يكن هؤلاء متهمين بالكذب و الإِختلاق ، بل كانت علائم الصدق لائحة من
خلال حياتهم و أفعالهم و أذكارهم . عند ذاك يدفع العقل الإِنسان المفكر إلى
البحث عن صحة مقالتهم دفعاً للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه مقالة
هؤلاء . و ليس إخبار هؤلاء بأقل من إخبار إنسان عادي عن الضرر العاجل أو
الآجل في الحياة الإنسانية ، فترى الإنسان العاقل يهتمّ بإخباره ، و يتفحص عن
وجوده حتى يستريح من الضرر المخبر عنه.
و هذا ما اعتمد عليه علماء الكلام في إثبات لزوم البحث عن معرفة الله
سبحانه. فأوجبوا هذا البحث دفعاً لذاك الضرر المحتمل أو المظنون.
معرفة الله و شكر المُنعِم:
لا شكّ أنَّ الإِنسان في حياته غارق في النعم ، فهي تحيط به منذ نعومة
أظفاره إلى أخريات حياته ، و هذا الشيء ممّا لا يمكن لأحد إنكاره.
و من جانب آخر إنَّ العقل يستقل بلزوم شكر المنعم ، و لا يتحقق
الشكر إلاَّ بمعرفته.
و على هذين الأمرين يجب البحث عن المنعِم الذي غمر الإِنسان
________________________________________
(26)
بالنّعم و أفاضها عليه ، فالتعرف عليه من خلال البحث إجابة لهتاف العقل ،
ودعوته إلى شكر المنعِم المتفرع على معرفته.
هذه الوجوه الثلاثة (دور الدّين في الحياة ، دفع الضرر المحتمل ،
و لزوم شكر المنعم عقلاً ) التي ألمعنا إليها بالإِجمال تحفز الإِنسان إلى
البحث عن معرفة الله ، و الاهتمام بها أكثر من اهتمامه بما هو دخيل على حياته
المادية ، و إنّما يعرض من يعرض عن هذه المسائل لعلل روحية غير خافية
على الباحث ، إذ لا شكّ أنَّ معرفة الله ، و الاعتقاد به لا ينفكّ عن الالتزام
بقيود و حدود في الحياة ، و رعاية الأصول الأخلاقية و الاجتماعية ، و القيام
بالوظائف الفردية ، و كل ذلك ينافي الحرية المطلقة و الإِباحية التي يتوخاها
الماديون و المنسلكون في عدادهم . فإنكار الدّين و المبدأ ليس إنكاراً لنفسه
بل للفرار ممّا يترتب عليه من الضمانات و الإلتزامات ، و القيود و الحدود.
و هي تخالف هوى الإِنسان الإباحي الذي لا يرى أصلاً في الحياة إلاّ
اللذة.
***
التعلیقات