الشيعة واتّهامهم بتحريف القرآن
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةالشيعة واتّهامهم بتحريف القرآن
إنّ القرآن الكريم أحد الثقلين اللّذين تركهما النبي الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بين الأُمّة الإسلاميّة وحثّ على التمسّك بهما ، وأنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليه الحوض ، وقد كتب سبحانه على نفسه حفظه وصيانته وقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1).
وقال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافع مشفع ، وما حلّ مصدّق ، منْ جَعَلَهُ أمامه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار » (2).
وقال أمير المؤمنين علي ـ عليه السَّلام ـ : « إنّ هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغش ، والهادي الّذي لا يضلّ » (3).
وقال ـ عليه السَّلام ـ : « ثمّ أنْزَلَ عليه الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقده ، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه ... وفرقاناً لا يخمد برهانه » (4).
بل إنّ أئمّة الشيعة جعلوا موافقة القرآن ومخالفته ميزاناً لتمييز الحديث الصحيح من الباطل ، قال الصادق ـ عليه السَّلام ـ : « ما لم يوافق من الحديث القرآن ، فهو زخرف » (5).
ومع ذلك كلّه اتّهمَتِ الشيعة ـ اغتراراً ببعض الروايات الواردة في جوامعهم الحديثة ـ بالقول بتحريف القرآن ونقصانه ، غير أنّ أقطاب الشيعة وأكابرهم رفضوا تلك الأحاديث كما رفضوا الأحاديث الّتي رواها أهل السنّة في مجال تحريف القرآن ، وصرّحوا بصيانة القرآن عن كلّ نقصان وزيادة وتحريف. ونحن نكتفي فيما يلي بذكر بعض النصوص لأعلام الإماميّة ، الواردة في هذا المجال :
1 ـ قال الصدوق ـ م 381 هـ ـ : « اعتقادنا في القرآن الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب » (6).
2 ـ وقال الشيخ المفيد ـ م 413 هـ ـ : « قد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان ثبتاً في مصحف أمير المؤمنين من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله الّذي هو المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً.
قال تعالى : ( وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) (7) ، فسمّى تأويل القرآن قرآناً. وعندي أنّ هذا القول أشبه بمقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، ولله أسال توفيقه للصواب وأما الزيادة فمقطوع على فسادها » (8).
3 ـ وقال الشيخ الطوسي ـ م 460 هـ ـ : أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها وأمّا النقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات .. إلى أن قال : ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسّك بما فيه وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه ، وعرضها عليه ، فما وافقه عُمِل به ، وما خالفه تُجُنِّب ولم يُلْتَفَت إليه » (9).
4 ـ قال الطبرسي مؤلّف مجمع البيان ـ م 548 ـ : « فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنّة أنّ في القرآن نقصاناً والصحيح من مذهبنا خلافه وهو الّذي نصره المرتضى ـ قدّس سرّه ـ ، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيّات ، وذكر في مواضع أنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم تبلغه فيما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أنْ يكون مغيّراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد (10).
هؤلاء هم أعلام الشيعة في القرون السابقة من ثالثها إلى سادسها ، ويكفي ذلك في إثبات انّ نسبة التحريف إلى الشيعة ظلم وعدوان.
وأمّا المتأخّرون فحدّث عنه ولا حرج فهم بين مصرِّح بصيانة القرآن عن التحريف ، إلى باسط القول في هذا المجال ، إلى مؤلّف أفرده بالتأليف.
ونختم المقالة بكلمة قيمة للأُستاذ الأكبر الإمام الخميني قال : « إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه ، قراءةً وكتابةً ، يقف على بطلان تلك المزعمة ـ التحريف ـ ، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة ، وما ورد فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدلّ به ، إلى مجعول تلوح منه أمارات الجعل إلى غريب يقضي منه العجب ، إلى صحيح ، يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل. ولولا خوف الخروج عن طور البحث لأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفتين وأنّ الاختلاف في القراءة ليس إلّا أمراً حديثاً لا صلة له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين » (11).
تحريف القُرآن في روايات الفريقين
روى الفريقان روايات في تحريف القرآن ، وقد قام أخيراً أحد المصريين بتأليف كتاباً أسماه « الفرقان » ، ملأه بكثير من هذه الروايات. كما أنّ المحدث النوري ألف كتاباً باسم « فصل الخطاب » أودع فيه روايات التحريف ، وليس هذا وذاك أوّل من نقل روايات التحريف ، بل هي مبثوثة في كتب التفسير والحديث. وهذا هو القرطبي يقول في تفسير سورة الأحزاب : « أخرج أبو عبيد في الفضائل ، وابن مردوية ، وابن الأنباري عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّا على ما هو الآن » (12).
وهذا هو البخاري ، يروي عن عمر قوله : « لولا أنْ يقول الناس إنّ عمر زاد في كتاب الله ، لكتبت آية الرجم بيدي » (13).
وغير ذلك من الروايات الّتي نقل قسماً منها السيوطي في الإتقان (14).
ومع ذلك فنحن نُجِلّ علماء السنّة ومحقّقيهم عن نسبة التحريف إليهم ، ولا يصحّ الاستدلال بالرواية على العقيدة ، ونقول مثل هذا في حقّ الشيعة ، وقد تعرفت على كلمات الأعاظم منهم في العصور المتقدّمة ، وعرفت أنّ الشيخ المفيد يحمل هذه الروايات على أنّها تفسير للقرآن ، وأنّ ما يدلّ على التحريف بالدلالة المطابقيّة يضرب به عرض الجدار.
إنّ المحقّق الأستاذ الشيخ جواد البلاغي تدارس الروايات ، فخرج بهذه النتيجة وهي أنّ القسم الوافر منها يرجع أسانيده إلى بضعة أشخاص وصفوا في علم الرجال بالصفات التالية :
1 ـ ضعيف القول ، فاسد المذهب ، مجفو الرواية.
2 ـ مضطرب الحديث والمذهب ، يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء.
3 ـ كذّاب متّهم ، لا تستحلّ رواية حديث واحد من أحاديثه.
4 ـ غال كذّاب.
5 ـ ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه ومن الكذّابين.
6 ّـ فاسد الرواية يرمى بالغلو.
ومن المعلوم أنّ رواية هؤلاء لا تجدي شيئاً ، وإن كثرت وعالت وأمّا المراسيل فهي مأخوذة من تلك المسانيد.
هذا بعض القول في تنزيه الشيعة بل المسلمين عامّة عن وصمة التحريف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الرسائل المؤلّفة في هذا الموضوع (15).
الهوامش
1. سورة الحجر : الآية 9.
2. الكافي ، ج 2 ص 238.
3. نهج البلاغة ، الخطبة 176.
4. نهج البلاغة ، الخطبة 198.
5. الكافي، ج 1 ، كتاب فضل العلم ، باب الأخذ بالسنة ، الحديث 4.
6. عقائد الصدوق ، ص 93 من النسخة الحجريّة الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
7. سورة طه : الآية 114.
8. أوئل المقالات ، ص 55.
9. التبيان ، ج 1 ، ص 3.
10. مجمع البيان ، المقدّمة ، الفن الخامس ، ولاحظ بقيّة كلامه.
11. تهذيب الأُصول ، تقريراً لأبحاث الإمام الخميني في أُصول الفقه ، ج 2 ، ص 96.
12. تفسير القرطبي ، ج 14 ، ص 113 ، ولاحظ الدر المنثور ، ج 5 ، ص 180.
13. صحيح البخاري ، ج 9 ، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء ، ص 69 ، ط مصر.
14. الإتقان ، ج 2 ، ص 30.
15. لاحظ مقدّمة تفسير آلاء الرحمن للعلامة البلاغي ، ج 1 ، ص 26. وتفسير الميزان ، ج 12 ، ص 106 ، 137 ، وتفسير البيان للمحقّق الخوئي ، ص 215 ـ 254. وإظهار الحقّ للعلّامة الهندي ، ج 2 ، ص 128 ، فإن فيها كفاية وغنى لطالب الحقّ.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 449 ـ 453
التعلیقات