عصمة النبي في تبليغ الرسالة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 183 ـ 184
( 183 )
المرتبة الثانية للعصمة
عصمة النبي في تبليغ الرسالة
ذهب جمهور المتكلمين من السنّة والشيعة إلى عصمة الأنبياء في هذه
المرحلة ، ونُسب إلى أبي بكر الباقلاني (المتوفى سنة 403 هـ) تجويز الخطأ في إبلاغ
الرسالة سهواً ونسيانا ً، لا عمداً وقصداً.
قال صاحب المواقف : « أجمع أهل الملل والشرائع على عصمتهم عن تعمُد
الكذب فيما دلّت المعجزة على صدقهم فيه ، كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله.
وفي جواز صدوره عنهم على سبيل السهو والنسيان خلاف ، فمنعه الأُستاذ وكثير
من الأئمة ، لدلالة المعجزة على صدقهم ، وجوّزه القاضي مصيراً منه إلى عدم
دخوله في التصديق المقصود بالعجزة»(1).
هذا رأي الأشاعرة ، وأمّا المعتزلة فإليك رأيهم بلسان القاضي عبد الجبّار ،
قال:
«إنّا لا نجوز عليه (النبي) السهو والغلط فيما يؤدّيه عن الله تعالى ، و إنّما
نجوّز عليه أن يسهو في فعل قد بيّنه من قبل ، وأدّى ما يلزم فيه حتى لم يغاير منه
شيئاً. فإذا فعله مرة لمصالحه ، لم يمتنع أن يقع فيه السهو والغلط . ولذلك لم يشتبه
على أحد الحال في أنّ الّذي وقع منه من القيام في الثانية هو سهو ، وكذلك ما وقع
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المواقف : ص 358.
________________________________________
( 184 )
منه في خبر ذي اليدين إلى غير ذلك»(1).
أقول : نظر القاضي في الإستثناء هو أنّ النبي لا يسهو في التبليغ ، ولكن
يعرض له السهو في عالم التطبيق . وقد نسبوا إليه السهو في الصلاة حيث سلّم في
الركعة الثانية ، فاعترض عليه ذو اليدين : « أَقَصَرْتَ الصلاة أم نسيت» ،
وسيوافيك الحال في هذا الإستثناء عند البحث في المرحلة الثالثة.
ثمّ إنّا نقول : إنّ العصمة في مرحلة تبليغ الرسالة على وجهين:
أ ـ العصمة عن الكذب ، وهو داخل في العصمة عن المعصية ، الّتي تقدم
البرهان عليها.
ب ـ العصمة عن الخطأ سهواً في تلّقي الوحي وتحمّله (وعيه) وأدائه ،
وهذا هو الّذي نركز البحث عليه.
إنّ الدليل الأوّل ، أعني كون حصول الوثوق مرهوناً بالعصمة ، كما يُثبت
عصمة الأنبياء عن المعصية ، فكذلك يُثبت عصمتهم في هذا المجال. ولأجل
ذلك اكتفى به المحقق الطوسي في إثبات العصمة على الإطلاق ، سواء في مقام الفعل
والعمل ، أو في مقام التبليغ والرسالة.
توضيح ذلك : إنّ الهدف الأسمى من بعث الأنبياء ، هو هداية الناس إلى
التعاليم الإلهية الّتي ترشدهم إلى طريق السعادة ، ولا تحصل هذه الغاية إلاّ بإيمان
الناس بصدق المبعوثين ، وإذعانهم بكونهم مرسلين من جانبه سبحانه ، وأَنّ كلامهم
وأقوالهم ، كلامه وقوله سبحانه. وهذا الإذعان لا يحصل إلاّ بعد إذعان آخر ،
وهو اعتقاد مصونيتهم عن الخطأ في المراحل الثلاث من مراحل تبليغ الرسالة ،
أعني : التلقّي ، والتحمّل ، والأداء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المغنى : ج 1، ص 281.
التعلیقات