النسخ بالآيات.. ومناقشته
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج1 ، ص 199 ـ 252
________________________________________ الصفحة 199 ________________________________________
الفصل الرابع
النسخ بالآيات.. ومناقشته
________________________________________ الصفحة 200 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 201 ________________________________________
النسخ بالآيات:
إننا قبل أن نذكر الآيات التي ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو لتشريع هذا الزواج، ونبين فساد تلك الدعوى نحب أن نشير إلى أمر مثير للدهشة، والاستغراب، ألا وهو نسبتهم القول بنسخ هذا الزواج وتحريمه إلى أمثال علي (عليه السلام)، وابن عباس، وآخرين، ممن لا يشك من له أدنى اطلاع على مثل هذه الأمور بأنهم في طليعة من يقول ببقاء تشريع هذا الزواج، فلنلاحظ معاً ما يأتي من نصوص ومطالب.
بعض من نسب إليهم النسخ بالآيات:
لقد نسب القول بالحرمة والنسخ إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأنه قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، قال: إنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل الله النكاح، والطلاق، والعدّة، والميراث بين
________________________________________ الصفحة 202 ________________________________________
الزوج والمرأة نسخت»(1).
وعن علي (عليه السلام) قال: «نسخ رمضان كل صوم، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث»(2).
ونسب القول: بأن آية المتعة نسخت بآية الطلاق، والميراث والعدة بالإضافة إلى علي (عليه السلام) إلى ابن مسعود وإلى سعيد بن المسيب، ورواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)(3).
____________
(1) سنن الدارقطني ج 3 ص 260، وراجع الاستذكار ج 6 ص 297، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 177، وتحريم نكاح المتعة ص 47 و 55 و 56، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203، وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207، وكنز العمال ج 22 ص 99، وراجع التمهيد ج 9 ص 118.
(2) فتح الباري ج 9 ص 150.
(3) راجع في ذلك كلاً أو بعضاً: الدر المنثور ج 2 ص 140، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 501 وص 505، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وكنز العمال ج 16 ص 328 ط مؤسسة الرسالة، وسنن البيهقي ج 7 ص 207، وفتح الباري ج 9 ص 150، ونصب الراية ج 3 ص 180، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 268 عن الدارقطني، والتمهيد ج 9 ص 118، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 297، ومجمع الزوايد ج 4 ص 264، وراجع: الروض النضير شرح مسند زيد ج 4 ص 213، والأم ج 7 ص 174، والمغني ج 6 ص 644، والآثار لأبي يوسف ص 298، ومعرفة السنن والآثار ج 10 ص 141، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، ونيل الأوطار ج 6 ص 274 عن أبي هريرة، وكذا في فقه السنة ج 2 ص 45 ورسالة تحريم نكاح المتعة ص 47 عن أبي هريرة..
________________________________________ الصفحة 203 ________________________________________
ونسب إلى ابن عباس: ذلك أيضاً(1) وأنها منسوخة بآية العدة(2).
ونسب إلى ابن عباس: أن الآية الأولى من سورة الطلاق قد نسخت المتعة(3).
وعن عمر بن الخطاب: هدم المتعة: النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث(4).
ونسب إلى زيد بن علي: القول بنسخها بآية العدة والميراث(5).
النسبة عشوائية:
ونحن نرى: أن نسبة القول بالنسخ إلى هؤلاء الأعلام قد جاءت على غير هدى، ولسوف يتضح أن نسبة ذلك إلى:
____________
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 49، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 205 و 206.
(2) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 178، والدر المنثور ج 2 ص 140، والتمهيد ج 9 ص 120.
(3) المرأة في القرآن والسنة ص 179 والتفسير الحديث ج 9 ص 53.
(4) لباب التأويل ج 1 ص 343 والمرأة في القرآن والسنة ص 180 والتفسير الحديث ج 9 ص 154.
(5) مسند زيد هامش ص 305.
________________________________________ الصفحة 204 ________________________________________
علي (عليه السلام)، وابن عباس رحمه الله فضلاً عن النسبة إلى: سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وابن مسعود. لا تصح..
وسيأتي في فصل: علي (عليه السلام) وابن عباس. وفصل: النصوص والآثار، وفصل: آراء ومذاهب، وفي سائر فصول القسم الثالث من هذا الكتاب، دلائل وشواهد كثيرة لا تدع مجالاً لأية شبهة في ذلك..
الآيات الناسخة بزعمهم:
تقدم أنهم ذكروا عدة آيات ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو فقل لتشريع زواج المتعة، بصورة عامة، والآيات هي التالية:
1 ـ قال النحاس عن ابن عباس: «إن آية المتعة قد نسخت بآية: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء..)»(1).
2 ـ وقال ابن أبي حاتم: «نسخها قوله تعالى: (محصنين غير
____________
(1) زاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، والناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192، وفي هامشه عن أبي عبيد ج 1 ص 246 وعن الجصاص ج 2 ص 147 والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207.
________________________________________ الصفحة 205 ________________________________________
مسافحين)»(1).
3 ـ وروي: أنها نسخت بقولـه تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم..)(2).
4 ـ وقيل: بآية حفظ الفروج(3).
5 ـ وقيل: بقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم)(4).
6 ـ وقيل: بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء..)(5).
7 ـ وقيل: بآيات تشريع النكاح، وقد تقدم نسبة ذلك إلى علي (عليه السلام) وغيره.
____________
(1) الدر المنثور ج 2 ص 140 (2) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 206 وعن الطبراني أيضاً.
(3) ستأتي المصادر لذلك وراجع أحكام القرآن ج 3 ص 13، قال ابن عربي: قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم نكاح المتعة.
(4) الناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192 والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص 505 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص 207.
(5) راجع: زواج المتعة حلال ص 86.
________________________________________ الصفحة 206 ________________________________________
8 ـ وقيل: بآية العدة. وقد تقدمت مصادر ذلك أيضاً.
ولسوف نتحدث ـ إن شاء الله ـ عن مدى صحة هذه الأقوال فيما يأتي من مطالب..
اعترافهم بنزول القرآن بالمتعة:
ومن الواضح الجلي:
أن القول بنسخ آية المتعة يستبطن الاعتراف بأنها قد نزلت في خصوص زواج المتعة، مع أننا نجدهم يكابرون ويبالغون في إنكار أن تكون الآية قد نزلت بتحليل هذا الزواج، ويحاولون حصر القول بذلك بابن عباس، وأبي بن كعب، بسبب روايتهما قراءة الآية المذكورة بإضافة كلمة «إلى أجل مسمى».
وقد تنبه لهذا الأمر بعض متأخريهم فحاول التهرب من هذا الأمر، فقال حول النسخ بآية المعارج، والمؤمنون: «نحن نقول: إن آية النساء لا تدل على نكاح المتعة إطلاقاً. وعليه فلا نسخ في الآيتين بل كلتاهما محكمتان»(1).
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص304.
________________________________________ الصفحة 207 ________________________________________
ولكن ذلك لا ينفع فإن رواتهم، وأقوال متقدميهم تنفي أن يكون ذلك هو مقصودهم.
1 ـ آية حفظ الفروج:
إن عمدة ما استدلوا به لنسخ آية المتعة هو آية حفظ الفروج، والاستدلال بها شائع بين القائلين بالتحريم وهي قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين) (1).
وقد ذهب إلى ناسخيتها لآية المتعة جماعة من المتأخرين(2) ونقل ذلك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعن ابن عباس، وعن عائشة أيضاً(3) من الصحابة.
____________
(1) سورة المؤمنون / الآية 5 و 6.
(2) راجع على سبيل المثال: مدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج 3 ص 301 ولباب التأويل نفسه ج 1 ص 343.
(3) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 503، والسنن الكبرى ج 7 ص 206 و 207، والدر المنثور ج 5 ص 5، والاستذكار ج 6 ص 297، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 393، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والغدير ج 6 ص 235، وليراجع: التسهيل ج 1 ص 137، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وعن ابن عباس في جواهر الأخبار والآثار ج 4 ص 22، وتفسير البحر المحيط ج 3 ص 397، وراجع مجلة الهلال المصرية عدد 13
=>
________________________________________ الصفحة 208 ________________________________________
ونقل ذلك أيضاً عن زيد بن علي (1) والشافعي(2) فراجع أقوالهم في كتب الحديث والتاريخ المعدة لذلك.
كيفية الاستدلال بالآية:
ويوجهون الاستدلال بهذه الآية على ذلك، فيقولون: بأنه ليس للشيعة أن يقولوا: إن المتمتع بها مملوكة لبداهة بطلانه، أو زوجة، لانتفاء لوازم الزوجية، كالميراث، والعدة، والطلاق، والنفقة، والقسم، وانتفاء لوازم الزوجية يوجب انتفاء الملزوم، فإذا لم تكن زوجة، ولا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية(3).
____________
<=
جمادى الأولى 1397 هـ أول مايو سنة 1977، والجامع الصحيح ج 3 ص 430، وجامع الأصول ج 12 ص 132، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن الطبراني، والبيهقي عن ابن عباس وص 449 و 450 عن عائشة والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والتمهيد ج 9 ص 116 عن القاسم بن محمد، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 225، والمنار في المختار ج 1 ص 461 عن ابن عباس وروح المعاني ج 5 ص 8 عن القاسم بن محمد.
(1) مسند زيد هامش ص 305.
(2) راجع: تفسير الخازن تفسير الآية 24 من سورة النساء.
(3) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج 5 ص 17، وجواهر الكلام ج 30 ص 149، وعن تفسير الآلوسي، والتفسير الكبير ج 1 ص 50، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج 12 ص 106، وراجع أيضاً تحفة الأحوذي ج 4 ص 296 عن الطــيبي زاد قوله: «بل هي مستأجرة نفسها أياماًً معدودة» وراجع: فتح
=>
________________________________________ الصفحة 209 ________________________________________
وزاد ابن قدامة، على لوازم الزوجية المنتفية: الظهار واللعان(1).
وزاد الرازي قوله: «.. ولثبت النسب، لقوله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش» وبالاتفاق لا يثبت..»(2).
وقال الجصاص: «(فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) تقتضي تحريم نكاح المتعة، إذ ليست بزوجة ولا مملوكة يمين»(3).
وقال ابن عربي: «قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم المتعة، لأن الله قد حرم الفرج إلا بالنكاح أو بملك اليمين: والمتمتعة ليست بزوجة».
وهذا يضعف، فإنا لو قلنا: «إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل، يطلق عليها اسم الزوجة.
____________
<=
القدير ج 1 ص 450 وحاشية السندي على سنن ابن ماجة ج 1 ص 604 ط دار الجيل، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 297، وأحكام الأسرة في الإسلام لشلبي ص 146 وفقه السنة ج 2 ص 38.
(1) المغني ج 7 ص 573.
(2) التفسير الكبير ج 10 ص 50 (3) أحكام القرآن للجصاص ج 5 ص 92.
________________________________________ الصفحة 210 ________________________________________
وإن قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من تحريم نكاح المتعة، لما كانت زوجة؛ فلم تدخل في الآية، وبقيت على حفظ الفرج فيها، وتحريمه من سببها»(1).
واستدل آخرون أيضاً بهذه الآية على تحريم نكاح المتعة، فراجع كلماتهم(2).
أما عائشة فكانت إذا سئلت عن المتعة قالت: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) قالت: فمن ابتغى غير ما زوجه الله وما ملكه فقد عدا(3).
وعن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى إذا
____________
(1) أحكام القرآن لابن عربي ط دار المعرفة ج 3 ص 1311.
(2) فتح القدير ج 3 ص 474.
(3) التمهيد ج 9 ص 116 والسنن الكبرى ج 7 ص 206 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152 وفتح القدير ج 1 ص 449 و 450. ومستدرك الحاكم ج2 ص305.
________________________________________ الصفحة 211 ________________________________________
نزلت الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام(1).
وبه قال: وحدثنا محمد، حدثنا أحمد بن أبي عبد الرحمن، عن الحسن بن محمد، عن الحكم بن ظهير، عن السدي، عن ابن عباس في قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) قال نساؤهم، وقوله: (أو ما ملكت أيمانهم) قال السراري، قوله: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) الذين يعدون الحلال إلى الحرام، فأولئك هم العادون، قال: فلم يحل الله له إلا زوجة أو ملك يمين، والزوجة قد أنزل الله أحكامها وميراثها وعدتها(2).
ويقال: إن يحيى بن أكثم قد استدل على المأمون بما يقرب من هذا أيضاً حينما نادى المأمون بإباحة المتعة(3).
____________
(1) ستأتي مصادر ذلك في الفصل التالي: النسخ بالأخبار، تحت عنوان: روايات نسخ المتعة، الحديث رقم 12.
(2) كتاب العلوم لأحمد بن قيس بن زيد ج 3 ص 13.
(3) وفيات الأعيان ج 2 ص 259 ط إيران، والسيرة الحلبية ج 3 ص 46.وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336 و 337.
________________________________________ الصفحة 212 ________________________________________
ونقول:
إن هذه الآية غير صالحة لنسخ آية المتعة أصلاً، وذلك لما يلي:
أولاً: لا يصح تقدم الناسخ:
إن آيتي حفظ الفروج الواردتين في سورتي المعارج والمؤمنون ـ مكيتان ـ متقدمتان.
وقد حكى الآلوسي الاتفاق على مكيتهما(1).
وآية المتعة مدنية، متأخرة، والمتقدم لا ينسخ المتأخر، بالبديهة و الاتفاق، بل الأمر على العكس، وهذا الإشكال آت في جميع الآيات الأخرى المدعى ناسخيتها لآية المتعة.
وقد يعترض على ذلك بأن قولهم: إن السورة الفلانية مكية، لا يعني أن جميع آياتها كذلك فلعل بعضها مدني.
والجواب: أن ذلك لا يرفع الإشكال، وذلك لما يلي:
أ ـ إن كلام الآلوسي ناظر إلى الآية، لا إلى السورة.
ب ـ حتى لو كانت آية الفروج مدنية فهي أسبق من آية
____________
(1) روح المعاني ج 5 ص 8، وراجع: جواهر الكلام ج 30 ص 147.
________________________________________ الصفحة 213 ________________________________________
المتعة التي نزلت حسب دعواهم في فتح مكة، أو في عام أوطاس، حيث أحلت ثلاثة أيام فقط، أو في حجة الوداع، أو تبوك.
وهل يعقل أن تكون آية حفظ الفروج قد نزلت في خصوص هذه الأيام الثلاثة دون سواها؟.. وكيف يثبتون لنا ذلك، فإن التشريع ثابت وعلى مدعي النسخ إثبات مدعاه، وإحراز تأخر الناسخ بنحو قطعي، ولا يكفي مجرد الادعاء والاحتمال.
ثانياً: آية حفظ الفروج محكمة:
إن آيتي سورتي المعارج والمؤمنون، في قوله تعالى: (الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم إلخ..) هي من الآيات المحكمة التي لم تنسخ وهي مكية، فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد رخص بالمتعة، وقلنا: إن المتمتع بها ليست زوجة، وقلنا إن هذه تحرم المتعة لكان الترخيص في خيبر نسخاً لآية حفظ الفروج!! فكيف مع تكرر النسخ، فإذا كان هناك يقين بأنها لم تنسخ فلا بد من القول، بأن المتمتع بها من جملة الزوجات(1).
____________
(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 304.
________________________________________ الصفحة 214 ________________________________________
ولأجل هذا الإشكال بالذات نجد الآلوسي يعترف بعدم صحة الاستدلال بهذه الآية على تحريم المتعة لمن يعلم أنها أحلت بعد نزولها.
ثالثاً: أبو حيان وآية حفظ الفروج:
قال أبو حيان: «لا يظهر التحريم من هذه الآية(1) يعني آية حفظ الفروج».
رابعاً: المتمتع بها زوجة:
إن قولهم: إن المتمتع بها ليست زوجة، فلا تشملها آية الحفظ، غير صحيح وذلك للأمور التالية:
أ ـ قال ابن عربي: «وهذا يضعف، فإنا لو قلنا، إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل يطلق عليها اسم الزوجة(2)».
ب ـ إن المتعة عقد نكاح شرعي صحيح، جاء به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) والقرآن العظيم من الله عز وجل.
____________
(1) البحر المحيط ج 6 ص 397.
(2) أحكام القرآن ج 3 ص 1311.
________________________________________ الصفحة 215 ________________________________________
ج ـ لقد ورد على لسان الصحابة، والتابعين التعبير عن المتعة بأنها: نكاح، وزواج، وعن المتمتع بها بأنها زوجة في اكثر من مورد، وأكثر من مناسبة، وفي رواية سبرة: «فتزوجتها»(1).
وفي لفظ عبد الرزاق: «فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر يقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل: فليعطها إلخ..»(2).
وأمثال ذلك كثير ويتضح ذلك بمراجعة فصل: النصوص والآثار.
د ـ إن نفس آية المتعة تدل على ثبوت الزوجية، لاقتران جملة: (فما استمتعتم إلخ..) بجملة: (محصنين غير مسافحين).
هـ ـ قال النحاس في الناسخ والمنسوخ: «.. وإنما المتعة أن تقول: أتزوجك يوماً، وما أشبهه»(3).
و ـ وقال الزمخشري:
____________
(1) راجع: سنن ابن ماجة، الحديث رقم 1962.
(2) المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 504.
(3) الناسخ والمنسوخ ج 2ص 193.
________________________________________ الصفحة 216 ________________________________________
«.. فإن قلت: هل فيه دليل على تحريم المتعة؟ قلت: لا، لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح»(1).
ولا أظن إثبات هذا الأمر يحتاج إلى أكثر من مراجعة أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة، والتابعين، وفيما ذكرناه كفاية.
خامساً: الوجه هو التخصيص لا النسخ:
إن آية حفظ الفروج، وسائر الآيات التي ادعي ناسخيتها لحكم آية المتعة.. كلها متقدمة، وهي عامة، وآية المتعة متأخرة، وهي خاصة.. فالمتعّين ليس النسخ بل لا بد من تخصيص تلك العمومات المتقدمة بهذا الخاص المتأخر..
ونظير ذلك تخصيص آية حفظ الفروج بأمة الغير، التي أذن في وطيها: فإنها ليست زوجة، ولا ملك يمين.. وقد أفتى بجواز هذا الإذن والتحليل كل من ابن عباس، وطاووس، وقال الثاني: هي أحل من الطعام.
بل ربما يظهر من بعض النصوص الصحيحة السند: أن
____________
(1) الكشاف ط بيروت ج 3 ص 177.
________________________________________ الصفحة 217 ________________________________________
ذلك كان شائعاً ومعروفاً جداً في زمن التابعين، فراجع ما قاله عطاء لابن جريج في خصوص ذلك(1).
سادساً: انتفاء لوازم الزوجية:
قد ذكروا في مقام الاستدلال على نسخ آية المتعة بآية حفظ الفروج انتفاء لوازم النكاح في المنقطع(2).
وبمثل ذلك استدلوا أيضاً لناسخية آية الطلاق والميراث إلخ.. لآية المتعة ـ أيضاً ـ فإذا انتفت لوازم الزوجية، كان سفاحاً.. وهذا كلام غريب منهم، وعجيب، وذلك للأمور التالية:
أ ـ متى ثبت لهؤلاء: أن لوازم النكاح الدائم، لا بد أن تكون هي بعينها لوازم النكاح المنقطع، بحيث إذا ثبت للدائم بعض الأحكام، فلا بد من ثبوتها بعينها للمنقطع؟.
ب ـ هل مجرد جعل حكم أوأثر في مورد، يكون نسخاً
____________
(1) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 216، فإنه قد نقل ذلك عن طاووس، وابن عباس، كما أنه قد نقل كلام عطاء أيضاً..
(2) وذكروا بعض الروايات حول ناسخية الطلاق، والميراث، والعدة، والنكاح، والصداق عن علي (عليه السلام) وغيره، فراجع سنن البيهقي ج 7 ص 207، وراجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 505، وفتح الباري ج 9 ص 146 و 149 و 150.
________________________________________ الصفحة 218 ________________________________________
ورفعاً للحكم الثابت في ذلك المورد؟.
وهل عدم جعل بعض الآثار لحكمٍ في مورد، يكون دليلاً على انتفاء الحكم نفسه، أو دليلاً على رفعه ونسخه؟. مع العلم بأن النسخ شيء، وعدم جعل الحكم أو اللازم، أو الأثر، شيء آخر، ولا ربط لأحدهما بالآخر..
ج ـ لماذا لم يمنع انتفاء هذه اللوازم المدعاة من تشريع أصل المتعة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ مع أن آية المتعة، وتشريع هذا الزواج، قد كان بعد نزول آية الطلاق وغيرها من الآيات المثبتة لبعض تلكم اللوازم.
د ـ إن القول بأن هذه الأمور لوازم غير منفكة عن الزوجية غير صحيح إذ قد توجد الزوجية حتى الدائمة، ولا توجد اللوازم المذكورة(1)، فلا يصح إذن ما رتبوه على ذلك، من قولهم: إن الآيات المثبتة لهذه اللوازم ناسخة لآية (فما استمتعتم..) الخ.. أو ناسخة للمتعة.. ونوضح ذلك ضمن العناوين التالية:
____________
(1) راجع: كنز العرفان ص 166 وجواهر الكلام ج 30 ص 149 و 144.
________________________________________ الصفحة 219 ________________________________________
أ ـ القسم والليلة:
أما بالنسبة للقسم والليلة فهما يسقطان في السفر، مع بقاء صدق الزوجية..
وكذا لا قسم للصغيرة، ولا للمجنونة، ولا للناشز مع صدق الزوجية أيضاً.
ب ـ النفقة:
أما النفقة، فإنه لا نفقة للناشز، مع أنها زوجة قطعاً.
وأما بالنسبة للإرث، فسيأتي الحديث عنه.
ج ـ ثبوت النسب:
وأما بالنسبة لقول الرازي: إن النسب لا يثبت بالمتعة فهو محض تجنّ، لا واقع له.
وقال السيد المرتضى: «إن الولد يلحق بعقد المتعة، من ظن خلاف ذلك علينا، فقد أساء بنا الظن»(1).
____________
(1) الانتصار ص 115.
________________________________________ الصفحة 220 ________________________________________
وقد تقدم بعض ما يشير إلى ذلك فلا نعيد.
قال ابن إدريس: «يلحق الولد بالزوج، ويلزمه الاعتراف به، ويجب عليه إلحاقه به»(1). وكذا قال آخرون(2).
لكن ذكر البعض أن لأهل السنة قولين فيما يرتبط بإلحاق الولد بأبيه حين تشريع المتعة في أول الإسلام.
الأول: وهو الأقرب أنه يلحق بالمستمتع.
وبعد التحريم أيضاً هناك اختلاف بين علماء السنة، فقيل: إنه يلحق به، وقيل: لا، وقيل: يحدّ المستمتع، وقيل: لا يجري عليه الحدّ.. كذا عن القرطبي.
أما عند فقهاء الإمامية: فلا خلاف في إلحاقه بأبيه لأنه نكاح مشروع ومباح(3).
أضف إلى جميع ما تقدم: أنه لو كان ولد المتعة لا يلحق بأبيه عند هؤلاء فلا بد أن نسألهم عن ابن الزبير ابن من يكون..
____________
(1) السرائر ص 624.
(2) الروضة البهية ج 5 ص 288 وقال: هو مروي والرواية في الوسائل كتاب النكاح، أبواب المتعة، باب 33، وتهذيب الأحكام ج2 ص191، والاستبصار ج3 ص152 و 149.
(3) نكاح المتعة حرام في الإسلام ص 8 و 9.
________________________________________ الصفحة 221 ________________________________________
فإنه وكذلك آخرون من ابناء الصحابة قد ولدوا في المتعة حسبما سيأتي..
د ـ الظهار واللعان:
وأما بالنسبة للظهار واللعان والإيلاء، فقد قال ابن إدريس: يصح الظهار منها عند بعض أصحابنا، وكذلك اللعان عند السيد(1).
وقال السيد المرتضى: «والظهار أيضاً يقع بالمستمتع بها وكذلك اللعان»(2).
وقال البعض عن اللعان عند أهل السنة: «واللعان لا يقع بين الحر والأمة عند كثير منهم»(3).
كما: «إن أبا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعاً غير كافرين ولا عبدين»(4).
____________
(1) السرائر ج 2 ص 624 ط مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ـ إيران.
(2) الانتصار ص 115.
(3) أصل الشيعة وأصولها ص 166 ط دار البحار ـ بيروت.
(4) الانتصار ص 115.
________________________________________ الصفحة 222 ________________________________________
ويقول الشيخ محمد حسن النجفي: «وعدم اللعان والظهار والإيلاء فلاشتراطها بالدوام، لا الزوجية.
ولو فرض ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصها بالدائمة جمعاً بينه وبين ما دل على عدم لحوقها بالمتعة»(1).
رواية ابن عباس:
بالنسبة لرواية ابن عباس التي ذكرت: أن المتعة كانت حلالاً في أول الإسلام، إلى أن نزلت آية حفظ الفروج، كان الرجل يقدم البلدة إلخ..
نقول:
1 ـ قد تقدم أن ابن عباس قد استمر على القول بالتحليل إلى آواخر أيام حياته، ومساجلته مع ابن الزبير في هذا الأمر وتهديد ابن الزبير له بالرجم أشهر من أن تذكر.
وقد صرح أن آية المتعة محكمة غير منسوخة.
كما أن أتباعه من أهل مكة وغيرها قد تابعوه على هذا
____________
(1) جواهر الكلام ج 30 ص 149.
________________________________________ الصفحة 223 ________________________________________
الرأي، واستمروا عليه عشرات السنين بعد وفاته.
وقد صرح بأنه لم يرجع عنها كثيرون حسبما قدمناه.
2 ـ قال الآلوسي: «لا أدري ما عنى بأول الإسلام إن عنى ما كان في مكة قبل الهجرة أفاد الخبر أنها كانت تفعل قبل.. إلى أن نزلت الآية. فإن كان نزولها قبل الهجرة لا إشكال في الاستدلال بها على الحرمة، لو لم يكن بعد نزولها إباحة، لكنه قد كان ذلك.
وإن عنى ما كان بعد الهجرة، أو أولها، وأنها كانت مباحة إذ ذاك إلى أن نزلت الآية كان ذلك قولاً بنزول الآية بعد الهجرة، وهو خلاف ما روي عنه من أن السورة مكية»(1).
1 ـ آية حفظ الفروج تحرم المتعة:
وقد ادعى بعض القائلين بتحريم المتعة: أن آيتي حفظ الفروج محكمتان.. لأن آية (فما استمتعتم به منهن) يراد بها النكاح الدائم.
____________
(1) روح المعاني ج 5 ص 10 ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
________________________________________ الصفحة 224 ________________________________________
وحديث عائشة يدل على أنها ترى تحريم المتعة بآية حفظ الفروج، لا لكونها ناسخة لآية المتعة، وإلا لصرحت بالنسخ. ولأنها لم تكن لتجهل تقدم نزول آية حفظ الفروج على آية المتعة، وأن المتقدم لا ينسخ المتأخر.
وقد استحسن أبو محمد القيسي هذا الكلام من عائشة لأن المتعة ليست بملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. فتدل آية حفظ الفروج على تحريمها لأنها حصرت الحلال في هذين الأمرين.. والمتعة ـ حتى على كلامهم ـ لا تسمى عقد نكاح أبداً.
أما المتعة فكانت بإباحة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهى عنها، فيكون من نسخ السنة بالسنة(1).
ونقول:
أولاً:
إذا كانت آية حفظ الفروج تدل على التحريم على النحو الذي ذكروه، وكانت مكية فإنها تمنع من إباحة النبي (صلى الله عليه وآله) للمتعة في المدينة أيضاً، إذ إن المتعة ليست ـ على زعمهم ـ ملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. وإذا كان الحلال منحصراً من أول الإسلام بهذين الأمرين.. وكانت
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للقيسي ص 133 و134 بتصرف وتلخيص.
________________________________________ الصفحة 225 ________________________________________
هذه الآية محكمة غير منسوخة، فذلك يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يحل المتعة بعد نزول آية حفظ الفروج أبداً.. مع أن المتفق عليه عند الأمة كلها: أن هذا الزواج قد أباحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطعاً..
والمدعون للنسخ بالسنة والأخبار فإنما يدعون ذلك في عام خيبر، أو تبوك، أو الفتح، أو حجة الوداع الخ.. وكل هذه المواطن إنما كانت في المدينة في أواخر حياة الرسول (صلى الله عليه وآله).. فهل أحل لهم (صلى الله عليه وآله) ما دل القرآن صريحاً على تحريمه؟! وهل ينسخ القرآن بالأخبار؟.
ثانياً:
قولهم: إن المتعة ليست عقد نكاح صحيح، مجرد دعوى فإنها عقد نكاح صحيح بلا شك وقد كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، غير أن هؤلاء يدعون النسخ فعليهم الإثبات.
ثالثاً:
قولهم: إنه حتى على كلام القائلين بحلية المتعة، فإنها لا تسمى عقد نكاح أبداً.. غير صحيح.. وقد تقدم وسيأتي في هذا الكتاب ما يدل على ذلك، وحديث سبرة خير شاهد عليه.
________________________________________ الصفحة 226 ________________________________________
2 ـ نسخ آية المتعة بآية الميراث:
وقد نسب إلى سعيد بن جبير(1) وإلى ابن المسيب(2) وغيرهما(3):
أن آية المتعة قد نسخت بآية الميراث، وقد تقدم عن علي (عليه السلام) وابن مسعود، وأبي هريرة مثل ذلك.
وقال الرازي: «لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما، لقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وبالاتفاق لا توارث بينهما»(4).
بل قال بعضهم: «لا يوجد في الكتاب ولا السنة المطهرة حكم ميراث امرأة
____________
(1) فتح القدير ج1 ص449، والغدير ج6 عنه، والتسهيل ج1 ص 137، ذكره بلفظ قيل.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 والاستذكار ج 16 ص 298، والمصنف لابن أبي شيبة ج 3 ص 390.
(3) راجع: الاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202، والمصادر المتقدمة تحت عنوان: بعض من نسب إليهم النسخ بالآيات، وراجع: التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137. وعن علي عليه السلام في سنن الدارقطني ج1 ص260 والسنن الكبرى ج7 ص207 و عن الاعتبار للحازمي ص428 والمصنف للصنعاني ج7 ص505 وعن أبي هريرة في نيل الأوطار 3/6/138.
(4) التفسير الكبير ج 10 ص 5. وتحريم المتعة في الكتاب والسنة ص137.
________________________________________ الصفحة 227 ________________________________________
المتعة. بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة امرأة المتعة»(1).
ونقول:
أولاً:
إن آية الميراث قد نزلت قبل آية المتعة، فكيف تكون ناسخة لها؟. وقد تقدم ذلك.
ثانياً:
إن مسألة عدم التوارث ليست إجماعية عند الإمامية، فإن بعضهم قد ذهب إلى ثبوت الإرث إلا مع اشتراط عدمه(2).
ثالثاً:
قد اشتبه الأمر عليهم بين النسخ وبين التخصيص، فالآية ليست ناسخة لحكم المتعة، وإنما هي مخصصة بآية المتعة لأن آية الإرث وهي قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) عامة للأزواج جميعاً من دائم أو منقطع. وقد خصصت بالدليل الدال على عدم إرث المتمتع بها. والدليل هو الروايات المعتبرة الدالة على ذلك.
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 137.
(2) السرائر: ج 2 ص 624 والانتصار للسيد المرتضى: ص 114.
________________________________________ الصفحة 228 ________________________________________
وقد اعترض بعضهم:
بأن الدليل الخاص المزعوم ليس هو قول الله ورسوله.
والجواب:
أن الدليل المخصص هو نفس تشريع المتعة في زمن الرسول، وعدم تشريع الإرث للمتمتع بها آنئذٍ، سواء نسخت المتعة بعد ذلك أم لم تنسخ.
والحديث الذي ذكره هو نفسه عن علي (عليه السلام) يدل على ذلك أيضاً، حيث قال: فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت، فراجع..
فإن ذلك يدل على أنه ليس في المتعة التي كانت مشرعة ميراث ولا عدة الخ..
وإن كنا نعتقد عدم صحة هذا الحديث من أساسه، خصوصاً وأنه ذكر أن لا عدة في المتعة.
رابعاً:
إن عدم الإرث لا ينافي الزوجية، والزوجية لا تستلزم الإرث، لكن دل الدليل على وجود إرث بين الزوجين، ولكن إذا تزوجت الأمة غير مالكها، فإن هذا الزواج لا يوجب توارثاً بينها وبين زوجها، وهذا تخصيص آخر لآية إرث الزوجة..
كما أن الكافرة الذمية لا ترث زوجها المسلم عندهم، مع
________________________________________ الصفحة 229 ________________________________________
أنهم يفتون بصحة تزويج الكتابية زواجاً دائماً مع عدم التوارث بينهما، فخصصوا عمومات الإرث هنا، فلماذا لا يخصصونها هناك.
والقاتلة أيضاً لا ترث زوجها المقتول.. ولا العكس مع ثبوت سائر الأحكام مثل العدة، وغير ذلك.
وكذا الحال في الزوجة المعقود عليها في المرض الذي توفي فيه الزوج ولم يدخل بها.
وقال ابن شهر أشوب: «إن فقد الميراث ليس علامة لفقد الزوجية، لأن الزوجة الذمية، والأمة والقاتلة، لا يرثن، وهن زوجات»(1).
وقد اعترض بعضهم:
بأن عدم إرث القاتلة خصصته السنة النبوية المطهرة، وقد قال أهل السنة: إن المتعة نسخت من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) كما ثبت بالدليل القاطع..
فشتان ما بين تخصيصهم من قبل رسول الله، وتخصيص الشيعة من قبل أئمتهم. وعقد الزواج يقتضي الميراث فحرمانها
____________
(1) متشابه القرآن ومختلفه ص 189 والانتصار للمرتضى ص 114 وكنز العرفان وجواهر الكلام ج 30 ص 149.
________________________________________ الصفحة 230 ________________________________________
منه دليل عدم الزوجية.
واعترض أيضاً بأن عدم إرث الكافرة والقاتلة والمملوكة إنما هو لوجود المانع وهو الكفر والقتل والرقية فالمانع طارىء قابل للزوال(1).
ونقول في الجواب:
أ: إن التمتع أيضاً مانع طارىء فيمكن استبداله بالدائم. فهو كالرقية ونحوها مما زعم هذا القائل أنه مانع طارىء.
ب: إن هذا القائل يريد إثبات نسخ تشريع المتعة من جهة أن المتمتع بها لا ترث، وعدم إرثها هو بسبب نسخ تشريع المتعة. فلزم الدور.
ج: قول أهل السنة إن المتعة نسخت ليس دليلاً على من لا يقول بالنسخ.
د: دعوى وجود دليل قاطع على النسخ هو محل النزاع، فإننا نقول: إن ما استدلوا به ضعيف. بل هو في غاية الضعف، لأنها أخبار آحاد، متناقضة لا يمكن التعويل عليها..
____________
(1) تحريم المتعة ص 137 ـ 139.
________________________________________ الصفحة 231 ________________________________________
هـ: إن تخصيص أهل السنة إنما يصح إسناده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو ثبت هذا التخصيص بالدليل القاطع. وليس الأمر كذلك..
و: إن أئمتنا أتقياء أبرار، لا يقولون على الله ما لم يقله، بل هم يأخذون علومهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). ويعترف بتقواهم وإخلاصهم أئمة الجرح والتعديل الذين يرجع إليهم هذا الرجل نفسه، فلا داعي للغمز واللمز والتجريح والتذاكي في هذا المجال..
ز: قد قلنا أكثر من مرة: إن العقد الذي يقتضي الميراث هو العقد الدائم، لا عقد المتعة.
خامساً:
قد قرر المفيد (ره) أن الزوجة لم يجب لها الميراث، ويقع بها الطلاق لمجرد كونها زوجة، وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية، بدليل أنها إذا كانت أمة لم ترث، وإن كانت الزوجية ثابتة، وكذا القاتلة والذمية، كما أن الملاعنة تبين بغير طلاق، ولذا الأمة المبينة والمختلعة، والمرتد عنها زوجها، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن
________________________________________ الصفحة 232 ________________________________________
الأم. مع أن كل هؤلاء زوجات على الحقيقة(1).
وقد اعترض البعض:
بأن القاتلة لو اعتدى عليها شخص فماتت قبل موت زوجها، فإن زوجها يرثها ولا ترثه هي. والمتمتع بها ليست كذلك فإنها لو ماتت قبل زوجها لم يرثها أيضاً.
والجواب:
أ: إن إرث الزوج للقاتلة قد جاء على وفق القاعدة. فإن القاتلة هي التي لا ترث زوجها. أما زوجها فإنه يرثها.
ب: إن عدم إرث المتمتع بها قد جاء أيضاً وفق القاعدة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي قرر ذلك حين شرع هذا الزواج فنحن نأخذ بما شرع وقرر.. وتشريعه هذا يثبت أن الإرث ليس من لوازم مطلق الزوجية، بل هو من لوازم الزوجية في خصوص النكاح الدائم حسبما ذكرناه أكثر من مرة..
سادساً:
إن القائلين بأن الزوجية يلزمها الإرث، ولا إرث في المتعة هم أنفسهم يقولون: «بأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) لا يرثن». ويستدلون على ذلك بحديث لهم: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث». فكما دل الدليل الخاص على عدم
____________
(1) زواج المتعة حلال ص 121 و 122.
________________________________________ الصفحة 233 ________________________________________
إرث جميع من تقدم، فليكن الدليل الخاص دالاً على عدم إرث المتمتع بها..
سابعاً:
ومن جهة أخرى فقد ترث المرأة مع كونها ليست بزوجة، كما لو طلقها في المرض، ومات مباشرة، فإنها ترثه مع أنها ليست زوجة. وذلك يدل على أن مطلق الزوجية لا توجب توارثاً..
إن قلت: إن هؤلاء قد منعن عن الميراث لدليل خاص.
قلنا: في المتعة أيضاً قد نفي الإرث بدليل خاص.
ثامناً:
قول بعضهم أين الدليل من الكتاب والسنة على أن امرأة المتعة زوجة، وأنها ترث(1).
يجاب عنه:
بأن نفس تشريع المتعة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يثبت أنها زوجة وإلا كان (صلى الله عليه وآله) قد شرع السفاح والزنا.
كما أننا نسأل:
هل كانت امرأة المتعة ترث في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم لا؟. فإن كانت ترث أو لا ترث
____________
(1) تحريم المتعة ص 137.
________________________________________ الصفحة 234 ________________________________________
فليقبل هذا البعض بهذا الزواج وليورث الزوجة أو لا يورثها تماماً كما كان الحال في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله).
على أن جابراً وغيره كما سيأتي في فصل: «النصوص والآثار عند أهل السنة» يصرح بأنهم كانوا يتزوجون متعة، وأن زوجة المتعة لا ترث.. ولا ريب في أنهم قد أخذوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
تاسعاً:
قول بعضهم: «بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة امرأة المتعة»(1).
غير صحيح فراجع تمهيد الكتاب لتطلع على الجوامع والفوارق في الأحكام بين الزواج الدائم وزواج المتعة..
ولو سلم أنه ليس له أحكام فالإشكال إنما يرد على الشارع الحكيم حين شرع هذا الزواج في صدر الإسلام.
3 ـ النسخ بآية ثبوت الإحصان:
وقد رووا عن ابن عباس نزول آية المتعة في الزواج
____________
(1) المصدر السابق.
________________________________________ الصفحة 235 ________________________________________
المنقطع(1) وأنهم كانوا يقرأون الآية بإضافة كلمة: «إلى أجل» حتى نزلت: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله تعالى: (محصنين غير مسافحين) فتركت المتعة: إذا شاء طلق،وإذا شاء أمسك، ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء(2).
ونقول:
أ ـ إن الآية تريد أن تقول: إن المطلوب هو النكاح الشرعي في مقابل السفاح والزنا، والمتعة نكاح شّرعه الله تعالى. ومن الثابت أن ابن عباس كان يذهب إلى حلية المتعة مما يدل على عدم اهتمامه بهذه الرواية لو صح نقلها عنه.
ب ـ وبالنسبة لنسخ المتعة بالإحصان فإننا قد تحدثنا عن أن المتعة توجب إحصاناً.. بمعنى التعفف، وهو المقصود بالآية الشريفة.. بل لقد أفتى البعض بأنها توجب الإحصان الذي يستتبع الرجم حسبما فصلناه فيما سبق.
____________
(1) تقدمت مصادر هذا القول في فصل: قطعية تشريع زواج المتعة، تحت عنوان: آية المتعة في الكتاب العزيز.
(2) راجع: عون المعبود ج 6 ص هامش ص 83 والمنتقى ج 2 هامش ص 521 وراجع الدر المنثور ج 2 ص 140.
________________________________________ الصفحة 236 ________________________________________
ج ـ إن قوله محصنين غير مسافحين قد جاء مقترناً بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)، فما معنى أن تقول الرواية حتى نزلت: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله: (محصنين غير مسافحين) فتركت المتعة؟!!
د ـ إن الإحصان في الزواج الدائم لا ينافي جواز المتعة، فلماذا يوجب تركها..
4 ـ حرمت عليكم أمهاتكم:
وأما آية: (حرمت عليكم أمهاتكم..) فلا تصلح للنسخ أيضاً لأنها تنص على المحرمات في الدائم والمنقطع. ومن المعلوم: أن الزواج المنقطع بالمحرمات لم يكن جائزاً في أي وقت.
5 ـ وأما آية الطلاق:
فهي أيضاً لا يمكن أن تكون ناسخة لآية المتعة، وذلك لما يلي:
أ ـ لقد قلنا: إنها أيضاً قد نزلت قبل آية المتعة، فلا يمكن
________________________________________ الصفحة 237 ________________________________________
أن تكون آية المتعة منسوخة بها.. بل لا بد من التزام تخصيصها بآية المتعة.. أو على قاعدة المستدلّين لا بد من نسخ آية المتعة لها، وهو ما لايلتزمون به.
ب ـ إن المراد بآية الطلاق هو الزوجة التي تبين بالطلاق، وهي خصوص الزوجة الدائمة، لا مطلق الزوجة.. وليس في آية الطلاق تعرض لموارده، وأنه في أي مورد يكون، وفي أي مورد لا يكون. أي: أن المقصود بالآية هو: بيان الحكم في المورد الذي يصح فيه الطلاق، لا مطلقاً..
ج ـ إن الزوجية لا تلازم الطلاق؛ ولأجل ذلك نجد بعض الأديان لا تسمح بالطلاق أصلاً مع قبولها بثبوت الزوجية.
د ـ كما أن انفصام عقدة الزوجية لا ينحصر بالطلاق، بل هو كما يكون بالطلاق، كذلك يكون بغيره، ولو كان الطلاق من لوازم الزوجية التي لا تنفك عنها لم يصح ذلك إلا بالطلاق، مع أننا نرى: أن الملاعنة، والمختلعة(1)، وكذلك المرتدة، والمرتد زوجها، والأمة المبيعة، والأمة التي أعتقت ـ كما في قضية بريرة ـ، كل واحدة من هؤلاء تبين من زوجها بدون طلاق.
____________
(1) إن قلنا: إن الخلع ليس نوعاً من الطلاق..
________________________________________ الصفحة 238 ________________________________________
كما أن الأمة المزوجة إذا اشتراها زوجها تبين بغير طلاق، وزوجة المجنون إذا فسخت عقدها، والزوجة التي ملكت زوجها المملوك(1).
وكذلك الحال بالنسبة للزوجة الصغيرة، التي ترضعها أم زوجها، فإنها تبين من زوجها أيضاً بغير طلاق.
ومثل ذلك الزوجة الصغيرة التي ترضعها الزوجة الكبيرة، فإنها تبين بغير طلاق أيضاً.
وكذلك الحال بالنسبة لفسخ النكاح، ولا سيما من قبل الزوجة بسبب ظهور بعض العيوب التي توجب ذلك.
فلماذا لا تكون آية الطلاق ناسخة لكل تلكم الأحكام؟ أو تكون تلك الأحكام ناسخة للطلاق!.
هـ ـ إنه إنما يحتاج إلى الطلاق في فرض ثبات الزوجية ودوامها، ومن الواضح أنه لا حاجة للطلاق في المتعة، لأن انتهاء المدة أو هبتها من قبل الزوج يغني عنه(2).
و ـ قول بعضهم: إنه لا يصح قياس الطلاق على التسري
____________
(1) ذكر بعض ذلك السيد المرتضى في الانتصار ص 114.
(2) راجع: الانتصار ص 115.
________________________________________ الصفحة 239 ________________________________________
باطل لأن التسري ملك لا يحتاج إلى طلاق والزواج عقد فيحتاج للطلاق(1).
مجرد مغالطة، لأن الإشكال هو على قولهم: إن آية الطلاق نسخت المتعة حيث لا طلاق في المتعة مما يعني: أن كل ما لا طلاق فيه فهو زنا..
فأجاب عنه: بأنه ليس كل مورد لا طلاق فيه يكون زنا لوجود موارد قد شرعها الله ويتم الفراق فيها بغير الطلاق ولا تكون زنا.. مثل موارد فسخ العقد.
وموارد الملاعنة وموارد التسري فإن الفراق في هذه الموارد يتم بغير الطلاق.. فلا معنى لقولهم: إن كل ما لا طلاق فيه فهو زنا.
فإن قصدوا خصوص ما فيه عقد لم يصح وإن عمموه إلى كل نكاح ـ حتى التسري ـ فهو لا يصح أيضاً.. فهي إجابة عامة وشاملة لجميع الاحتمالات، مع علم المجيب بأن هذا عقد، وذاك ملك.
ز ـ وزعم بعضهم أنه لا دليل من الكتاب والسنة على أن
____________
(1) راجع: تحريم المتعة ص144.
________________________________________ الصفحة 240 ________________________________________
انقضاء الأجل في المتعة، أو هبة المدة الباقية أيضاً سبب للفراق؟!
كما أن الطلاق أمر وجودي شرعه الله في كتابه. أما انتهاء أجل المتعة أو هبة المدة فهو أمر عدمي.
كما أن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد، أي أن هناك رجعة. وهبة المدة في المتعة ليست كذلك(1).
والجواب:
1 ـ إن الله قد شرع زواج المتعة في صدر الإسلام دون شك. والخلاف إنما هو في نسخه فهل شرعه لهم مع طلاق أو بدون طلاق. فالقائل بعدم النسخ يقول: أنا راض بهذا الزواج على النحو الذي شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام.
2 ـ في أي آية أو رواية جاء هذا التحديد وذاك التفريق بين الأمر العدمي والوجودي؟!.
3 ـ ان هبة المدة الباقية أمر وجودي، وليس بعدمي كما زعم..
____________
(1) راجع: تحريم المتعة ص144.
________________________________________ الصفحة 241 ________________________________________
4 ـ قوله: إن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد، أي أن هناك رجعة يرد عليه: أن هذا إنما هو في غير الطلاق الثالث. أو فقل: في غير قوله: «أنت طالق ثلاثاً» حسب رأي هذا الزاعم، وحتى في الطلاق الرجعي حيث لا رجعة بعد العدة.
5 ـ إن الملاعنة والمختلعة ليس فيها رجعة.
وثمة ايراد آخر، وهو:
إنه قد زعم بعضهم: أنه لا يصح قياس فسخ النكاح على الطلاق لوجود فروق بينهما. فالطلاق إنهاء للعقد، أما الفسخ فهو نقض لأصل العقد فالطلاق لا يكون إلا بناء على عقد صحيح لازم فليس فيه ما يتنافى مع نفس العقد، أو يكون سبباً لعدم لزومه.
وانتهاء مدة المتعة أو هبتها لا تنافي نفس العقد. فلا يصح قياسها على الفسخ(1).
ونقول:
1 ـ إن هؤلاء قد ادعوا أن آية الطلاق ناسخة للمتعة لعدم
____________
(1) راجع المصدر السابق ص145 و146 بتصرف وتلخيص.
________________________________________ الصفحة 242 ________________________________________
وجود طلاق فيها. فصح الاعتراض عليهم بأنه لو صح ذلك لصح القول بأن آية الطلاق تنسخ جواز فسخ العقد وتنسخ اللعان وغير ذلك. لأن الفراق فيهما ليس بالطلاق، سواء أكان ذلك إنهاء للعقد، أم كان نقضاً له من أصله..
2 ـ إن الفسخ هو إنهاء للعقد كالطلاق..
والقول بأن الفسخ إنما يكون حيث يكون ثمة ما يقتضي عدم لزوم العقد، صحيح، لكن ذلك إنما هو بيان لمورد الفسخ الذي ليس هو مورد الطلاق جزماً..
والإشكال إنما هو في: أنه إذا كان لمورد الفسخ خصوصية تختلف عن مورد الطلاق، فكذلك الحال بالنسبة للمتعة، فإن لها خصوصية تختلف عن مورد الطلاق أيضاً.. وهي أن الأجل داخل في طبيعة هذا العقد بحيث حدد دائرته في زمان معين.
هبة المدة والطلاق:
وأما الدليل على أن هبة المدة توجب انتهاء مدة المتعة.. فهو أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ولا يمكن لأحد أن يطعن في طهرهم ووثاقتهم أبداً.
________________________________________ الصفحة 243 ________________________________________
6 ـ النسخ بآية العدة:
وقد ادعوا: أن المتعة منسوخة بالعدة(1) وروي ذلك عن ابن عباس(2) وغيره كما تقدّم.
والكلام في هذه الدعوى أغرب، وأعجب، فمن الذي قال: إن المتمتع بها لا عدة لها؟! فإن ثبوت العدة مما لا ريب فيه عند كل من قال بمشروعية هذا الزواج من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا بل إن ثبوت العدة من الضروريات.
وأما ما نقله صاحب تفسير المنار عن بعض المفسرين من أنه لا عدة على المتمتع بها عند الشيعة فهو محض افتراء واضح، وكذب فاضح على الشيعة، وهو من أجلى مصاديق البهتان عليهم، فإن ذلك لم يـرد على لسان أي إنسان منهم على مدى التاريخ ولو بصورة الاحتمال..
هذا وقد كان السؤال عن مقدار العدّة شائعاً في زمن
____________
(1) راجع: الاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202.
(2) الاستذكار ج 16 ص 299، ولباب التأويل ج 1 ص 343 وعن علي في سنن الدارقطني ج1 ص 260 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص 207 والاعتبار للحازمي ص 428 والمصنف للصنعاني ج7 ص 505.
________________________________________ الصفحة 244 ________________________________________
الصحابة أنفسهم؟.
فكان الناس يسألونهم عن مقدارها ويجيبونهم، ويسألون فيجابون.. فراجع مصنّف عبد الرزاق، والدر المنثور، وغيرهما من كتب الحديث، والجوامع الفقهية والروائية.. وراجع أيضاً ما سيأتي في فصل النصوص والآثار في مصادر أهل السنة، الروايات رقم2 و8 و93.
وبعد.. فهل يعقل أن الصحابة في عهد الرسول وبعده، وكذلك التابعون كانوا يتزوجون النساء متعة، ثم لا تعتد تلكم النساء بعد انقضاء الأجل؟!.
أوليست المتمتع بها زوجة شرعية، فتثبت لها أحكام الزوجية، إلا ما أخرجه الدليل؟! ولقد أخرج الدليل النفقة والتوارث ـ على المشهور ـ ولم يخرج العّدة، فتثبت في المنقطع كالدائم؟!.
وأيضاً فإن آية العدة مطلقة وعامة للدائمة والمنقطعة ثم جاءت الروايات فخصصتها وأخرجت المنقطعة منها.
وقد يقال: إن عدة المتمتع بها أقل من عدة المطلقة، وذلك يقتضي الالتزام بالنسخ، فتكون آية العدة ناسخة لآية المتعة..
________________________________________ الصفحة 245 ________________________________________
وجواب ذلك: أنه ليس ثمة ما يدل على لزوم أن تكون عدد النساء على نحو واحد، فإن عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة المتمتعة، وعدة المطلقة تختلف كل واحدة منها عن الآخرى، وكذلك الحال في عدة الأمة.
قال السيد المرتضى عن موقف أهل السنة من آية العدة: «فهم يخصون الآية التي تلوها في عدة المتوفى عنها زوجها لأن الأمة عندهم زوجة وعدتها شهران وخمسة أيام، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل، خصصنا المتمتع بها بمثله..»(1).
القرآن لم يشرع المتعة لتنسخ بآية العدة:
وقد حاول البعض أن يتخلص من الإشكالات على مقولة النسخ بآية العدة، فادعى:
أن القرآن لم يشرع نكاح المتعة، ليقال: إنه منسوخ بآية العدة، لأن العدة إنما هي عند الطلاق والوفاة لا عند انتهاء مدة المتعة.
فإن قيل: إن المتعة أيضاً لها عدة لكنها نصف عدة
____________
(1) الانتصار ص 114.
________________________________________ الصفحة 246 ________________________________________
الدائم..
أجابوا:
أولاً:
بأن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا بتنصيف العدة، وذلك من دون دليل، لا من الكتاب ولا من السنة.
ثانياً:
قد تضاربت آراء القائلين بالمتعة حول عدتها. فقيل شهر ونصف إن كانت لا تحيض، وإن كانت تحيض فهي حيضة واحدة. وفي نص آخر حيضة ونصف، أو حيضتان. وعدة الوفاة خمس وستون يوماً أو أربعة أشهر وعشراً..(1) الخ..
ونقول:
أولاً:
إنه لا شك في أن المتعة قد شرعت في أول الإسلام، فهل شرعت بعدة أو من دون عدة. فإن كانت لها عدة، فنحن نسأله عن مقدارها.
ثانياً:
إن النسخ بآية العدة لا يتوقف على كون التشريع بالقرآن أيضاً، إذ يمكن أن يشرع على لسان الرسول، ثم ينسخ بالآية..
____________
(1) راجع: تحريم المتعة ص 141 ـ 143.
________________________________________ الصفحة 247 ________________________________________
ثالثاً:
إن العدة التي هي عند الطلاق والوفاة هي عدة النكاح الدائم ولم يذكر في القرآن عدة نكاح المتعة، وقد بينتها السنة.
رابعاً:
إن هذا البعض نفسه قد ذكر في صفحة سابقة حديثين يدلان على النسخ بآية العدة والطلاق والميراث(1)، وغير ذلك فما معنى إنكاره للقول بالنسخ.
خامساً:
قوله: إن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا بالتنصيف من دون دليل من الكتاب والسنة، لا يصح أيضاً؛ لأن رواياتهم عن أهل البيت متصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله) لوجود نصوص دلت على أنهم ينقلون كل شيء عن آبائهم عنه (صلوات الله عليهم أجمعين).
سادساً:
الاختلاف في مقدار العدة لا يدل على عدم وجود العدة، وإلا للزم نفي كثير من الأحكام الثابتة، بسبب اختلاف الروايات حول بعض التفاصيل فيها وهذا باطل.
____________
(1) راجع: تحريم المتعة ص140 وأشار في هامشه إلى مصادر الروايات التي ذكرها، وهي: سنن الدارقطني ج1 ص260 والسنن الكبرى ج7 ص207 والاعتبار للحازمي ص428 والمصنف لعبد الرزاق ج7 ص505 عن علي، ونيل الأوطار ج3/6/38 عن الدارقطني عن أبي هريرة بسند حسن.
________________________________________ الصفحة 248 ________________________________________
7 ـ آية النكاح نسخت المتعة:
قد ذكر الحديث المروي عن علي (عليه السلام): «أن المتعة قد نسخت حين أنزل النكاح والطلاق إلخ..».
ونقول:
1 ـ إن هذا الحديث قد ضعّفه ابن القطان في كتابه(1) واستغربه غيره(2).
2 ـ إن النكاح لم يزل حلالاً منذ بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله) نبياً، وقبل تشريع زواج المتعة.. ومقتضى الحديث عن أن المتعة نسخت حين أنزل النكاح والطلاق: أن المتعة قد شرعت قبل الزواج الدائم.
وسيأتي المزيد من الكلام حول ذلك الحديث إن شاء الله.
وقد روي نظير هذا الحديث عن عمر بن الخطاب، ولعله به أولى وأشبه. لأنه هو المصر على تحريم هذا الزواج كما سيتضح بحوله وقوته تعالى.
____________
(1) التعليق المغني على الدارقطني ج 3 ص 259 عن الزيلعي.
(2) راجع: المصدر السابق.
________________________________________ الصفحة 249 ________________________________________
8 ـ نسخ آية العدد:
واستدلوا على أن آية المتعة منسوخة بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(1) إذ يجوز في المتعة أن يتزوج بأي عدد شاء من النساء، فجاءت الآية السابقة لتنسخ ذلك أو تحدد العدد بالأربع.
ونقول في الجواب:
أولاً:
إن آية العدد السابقة تشمل الدائمة والمنقطعة والمنكوحة بملك اليمين فجاءت الروايات فأخرجت زواج المتعة عنها، وكذا ملك اليمين على سبيل التخصيص لا النسخ.
ثانياً:
أ ـ ستأتي رواية عمران بن حصين التي تقول: إن آية المتعة نزلت في كتاب الله، ولم تنزل آية تنسخها، قال رجل برأيه ما شاء.
ب ـ ستأتي رواية عبد الله بن مسعود حول حلية زواج المتعة، وقال في آخرها: «ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين أمنوا لا
____________
(1) سورة النساء، الآية 3
________________________________________ الصفحة 250 ________________________________________
تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».
فإن قراءته لهذه الآية دليل على أنه يذهب إلى أن آية المتعة لم تنسخ لا بآية العدد ولا بغيرها.
ج ـ سيأتي أن ابن عباس وكذلك الحكم بن عتيبة قد صرحا بأن آية المتعة لم تنسخ.
د ـ ستأتي إن شاء الله روايات كثيرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن ابن مسعود، وعمران بن الحصين وغيرهم كثير، تدل على عدم نسخ هذا الزواج.
9 ـ بين آية تحريم الزنا، وآية المتعة:
إن الفرق بين المتعة والزنا، كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، وقد تحدثنا عن ذلك في مواضع أخرى من هذا الكتاب.. غير أننا في الرد على من زعم أن آية الزنا قد حرمت المتعة لأن المتعة من الزنا ـ نقتصر هنا على ما يلي:
1 ـ إن من يقول: إن المتعة زنا وسفاح، لا بد أن يلتزم بأن آية المتعة المدنية ناسخة لآيات تحريم الزنا المكية، ولبعض
________________________________________ الصفحة 251 ________________________________________
المدنية وهي النازلة قبل آية المتعة!!.
2 ـ بل اللازم على قول من يقول بتحليل المتعة ونسخها مرات عدة، أن تكون آيات تحريم الزنا قد نسخت، ثم أحكمت عدّة مّرات!!.. ولم يقل أحد بأن آيات تحريم الزنا قد طرأ عليها نسخ، أو يمكن أن يطرأ عليها نسخ أصلاً.
ومن هنا نعرف أيضاً:
أن الالتزام بأن المتعة زنا قد أبيح للضرورة لا مبرر له أصلاً، بل هو قبيح جداً..
3 ـ بل إن نفس الآية التي شرعت المتعة تدل على أن المتعة ليست زنا، وذلك لاقتران جملة: (فما استمتعتم به منهن) بجملة: (محصنين غير مسافحين) وذلك يدل أيضاً: على أن المتعة، تحقق الزوجية، والنكاح، لا السفاح، حسبما قدمناه..
التدرّج في تحريم الزنا:
وما تقدم يوضّح لنا: أن ما ذكره صاحب المنار، من: «أن تشريع المتعة هو من قبيل التدرج في تحريم الزنا كالتدرج في
________________________________________ الصفحة 252 ________________________________________
تحريم الخمر(1)»!!.
لا يصح، لأن آيات التحريم القاطع للزنا، قد نزلت في مكة، قبل الهجرة، وفي المدينة قبل تشريع المتعة، كما قلنا..
كما أننا قد أثبتنا في موضع آخر: أنه لم يكن ثمة تدرّج في تحريم الخمر، فراجع(2).
لا آية تبيح المتعة لكي تنسخ:
وبعدما تقدم يتضح: أن لا صحة لما يدعيه البعض من أن لا أحد غير الشيعة، يقول: بأن آية: (فما استمتعتم به منهن..) قد نزلت في نكاح المتعة. وقد أجمعت الأمة على تحريم المتعة ولم يقل أحد إن قول الله تعالى: (فما استمتعتم به منهن..) قد نسخ!!(3).
فما ذكرناه في هذا الفصلين يؤكد كثرة القائلين بنزول الآية في زواج المتعة.. ووجود كثيرين يقولون بنسخها بالإجماع، وبالآيات.
____________
(1) تفسير المنار ج 5 ص 13 و 14.
(2) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 5 ص 300 (3) الوشيعة ص 166.
التعلیقات