أدلة المتعة من الكتاب
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 455 ـ 460
(455)
والأصل في ذلك قوله سبحانه : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ (2) غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (3).
دلالة الآية على المُتْعَة
وقد ذَكَرَتْ أُمّةٌ كبيرةٌ من أهل الحديث والتفسير نزول الآية في مورد المتعة ،
أو جعلوا نزولها فيها أقوى الاحتمالين نشير إلى بعضهم :
1 ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل ( م 241) في مسنده (4).
2 ـ أبو جعفر الطبري ( م 310 ) في تفسيره (5).
3 ـ أبو بكر الجصّاص الحنفي ( م 370 ) في أحكام القرآن (6).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(2) - المراد من الإحصان هو إحصان التعفف لا إحصان التزوّج ، أي متعففين لا متزوجين ، ومَن فسّره
بإحصان التزوُّج فقد أخطأ ، ويشهد لما ذكرنا من التفسير قوله : { غَيْرَ مُسَافِحِينَ }أي غير
زانين .
(3) - سورة النساء : الآيتان 23 ـ 24.
(4) - مسند أحمد : ج 4، ص 436.
(5) - تفسير الطبري : ج 5، ص 9.
(6) - أحكام القرآن : ج 2، ص 178.
________________________________________
(456)
4 ـ أبو بكر البيهقي ( م 458 ) في السنن الكبرى (1).
5 ـ محمود بن عمر الزمخشري ( م 538 ) في الكشّاف (2).
6 ـ أبو بكر يحيى بن سعدون القرطبي ( م 567 ) في تفسيره (3).
7 ـ أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي ( م 606 ) في تفسيره (4).
8 ـ أبو الخير القاضي البيضاوي ( م 685 ) في تفسيره (5).
9 ـ علاء الدين البغدادي ( م 741 ) في تفسيره (6).
10 ـ الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي ( م 745 ) في تفسيره (7).
11 ـ جلال الدين السيوطي ( م 911 ) في الدر المنثور (8).
12 ـ أبو السعود العمادي الحنفي ( م 982) في تفسيره (9).
13 ـ القاضي الشوكاني ( م 1250) في تفسيره (10).
14 ـ شهاب الدين السيّد محمود الآلوسي البغدادي ( م 1270) في
تفسيره (11).
وينتهي نقل هؤلاء إلى أُناس أمثال : ابن عباس ، وأُبَيّ بن كعب ، وعبد الله بن
مسعود ، وعمران بن حصين ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ،
ومجاهد ، كما أنّ ناقل هذه الروايات رجال الحديث والتفسير كما عرفتَ ، فلا يمكن
اتّهامهم بالوضع والجعل ، هذا حسب أسباب النزول .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - السنن الكبرى : ج 7، ص 205.
(2) ـ الكشاف : ج 1، ص 360.
(3) - تفسير القرطبي : ج 5، ص 130.
(4) - مفاتيح الغيب : ج 3، ص 200.
(5) - تفسير البيضاوي : ج 1، ص 267.
(6) - تفسير الخازن : ج 1، ص 357.
(7) - تفسير ابن كثير : ج 1، ص 774.
(8) - الدر المنثور : ج 2، ص 140.
(9) - هامش تفسير الرازي : ج 3، ص 251.
(10) - تفسير الشوكاني : ج 1، ص 414.
(11) - روح المعاني : ج 5، ص 5.
________________________________________
(457)
ثمّ إنّ هناك قرائن تؤيّد كون المراد من قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، نكاح المتعة ، وهي :
1 ـ أنّ جماعة من عظماء الصحابة كعبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله
الأنصاري ، وعمران حصين ، وابن مسعود ، وأُبي بن كعب ، كانوا يفتون
بإباحتها ، ويقرأون الآية هكذا: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ( إلى أجل مسمّى )
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }. وهذا صريح في نكاح المتعة ، ومن المعلوم ـ ولا
يحتمل غيره ـ أن ليس مرادهم سقوط هذه الجملة من الذكر الحكيم ، بل المراد
بيان معنى الآية على نحو التفسير الّذي أَخذوه من الصادع بالوحي ، ومن أُنزل
عليه ذلك الكتاب ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ . ومَن زعم أنّ هذه الجملة عند هؤلاء ،
جزء القرآن فقد أخطأ.
2 ـ إنّ الاستمتاع في الآية ظاهر في هذا النوع من الزواج ، وقد كان معروفاً
في صدر الإسلام بالمتعة والتمتع ، فلا بدّ أن يحمل على هذا النوع من النكاح ، لا
على المعنى اللغوي الموجود في الزواج الدائم والمنقطع .
3 ـ إنّ النكاح الدائم قد مرّ تشريعه في صدر السورة حيث قال تعالى :
{ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } (1) ، ولا وجه لتكراره ،
وتوهم أنّ وجه التكرار هو تبيين حكم صَداقِهِن الوارد في قوله : { أُجُورَهُنَّ } ،
مدفوع بأنّه مرّ بيانه أيضاً في صدر السورة ، عند قوله : { وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } (2) ، بل جاء بيانه أيضاً قبل هذه الآية بقليل ، في قوله تعالى :
{ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئًا } (3).
ولا يصحّ جعل هذه الفقرة تأكيداً لقوله : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ
زَوْجٍ } ؛ لأنّ الآية السابقة آكد بياناً من هذه الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النساء : الآية 3.
(2) - سورة النساء : الآية 4.
(3) - سورة النساء : الآية 20.
________________________________________
(458)
4 ـ إنّ الآية تُفَرّع وجوب دفع الأُجور على الاستمتاع ، وهو يناسب الزواج
المنقطع ، الّذي هو المطلوب فيها ، وأمّا المهر في النكاح الدائم فهو يملك بنفس
العقد ، غير أنّه لو طلق قبل المسّ يسقط النصف.
5 ـ ما تضافر نقله عن بعض الصحابة والتابعين من دعوى كون الآية
منسوخة ببعض الآيات ، فلو لم تكن الآية واردة في مورد المتعة فما معنى ادّعاء
النسخ؟
وهذه القرائن لا تدع للآية ظهوراً إلاّ في العقد المنقطع.
ثمّ إنّ صاحب المنار أَصَرّ على أنّ المراد من الآية هو النكاح الدائم ،
واستدلّ بأنّ المتمتع بالنكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون المسافحة ، بل يكون
قصده المسافحة ، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ، ومنعها من التنقل في
دمن الزنا ، فإن لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة الّتي تؤجّر نفسها كلّ طائفة
من الزمن لرجل ، فتكون كما قيل :
كرة حذفت بصوالجة * فتلقفها رجل رجل (1).
يلاحظ عليه : أنّه جعل السفاح في قوله: { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } ،
بالمعنى اللغوي ، وهو صَبُّ الماء وسفحه على الأرض ، ومن ثَمّ جعل العقد
المنقطع مصداقاً له ، فصارت الآية ناهية عنه ، وظاهرة في العقد الدائم .
لكن عزب عنه أنّ المراد من السفح هنا ، هو الزنا لا المعنى اللغوي ، والآية
تؤكّد على أنّ الطريق المشروع في نيل النساء ومباشرتهن ، هو النكاح لا الزنا ،
والزواج لا السفاح ، وتدعو المؤمنين إلى التزوج لا الفجور . فتفسير : { غَيْرَ
مُسَافِحِينَ } بالمعنى اللُّغوي ، لا يناسب مفاد الآية.
والعجب أنّه غفل عن أنّ السفح ، بمعنى صبّ الماء ، مشترك بين الدائم
والمنقطع والزنا ، فلو أخذ به لم يبق مورد لمقابله ، أعني قوله تعالى :
{ مُحْصِنِينَ } .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المنار : ج 5 ، ص 13.
________________________________________
(459)
توضيح ذلك : أنّ الآية تحرض على أمر مشروع ، وهو قوله : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ } ، وتنهى عن مقابله ، الّذي يعدّ مفهوماً للآية ، فلو قلنا بأنّ المراد
من السفح في الآية ، هو صبّ الماء ، وهو مشترك بين الدائم والمنقطع والزنا ، لم
يبق لقوله محصنين مصداق ومورد.
وإنْ خُصّ بالزنا ، كما هو الحق ، يدخل الدائم والمنقطع تحت قوله :
{ مُحْصِنِينَ } ، ويبقى الزنا تحت قوله { مُسَافِحِينَ } .
ثمّ إنّ الإحصان الّذي يراد منه التعفف والاجتناب عن الزنا ، يحصل
بالدائم والمنقطع معاً ، فتخصيصه بالأوّل غفلة عن حقيقة العقد المنقطع.
وما في آخر كلامه من تشبيه المرأة المتمتع بها ، بِكُرَة تحذف بصوالجة
مختلفة ، يتلقها رجل عن رجل ، جسارة على التشريع الإلهي ، إذ لا شكّ أنّ
النبي الأكرم سوّغ المتعة مدة ، ولو في أمد قصير ، وإنّما اختلفت الأُمّة في نسخه
وعدمه . وعلى فرض النسخ ، اختلفوا في زمانه ، فهل يصحّ لنا التعبير عن سنّة
النبي ، الّذي لا يصدر إلاّ عن الوحي الإلهي ، بهذا الشعر المبتذل ، وما هو إلاّ
لضعف البصيرة ، وقلة المعرفة؟!
وربما يقال في تخصيص الآية بالنكاح الدائم أنّ الهدف من تشريع النكاح هو
تكوين البيت وإيجاد النسل والولد ، وهو يختص بالنكاح الدائم ، دون المنقطع
الّذي لا يترتب عليه إلاّ إرضاء القوة الشهوية ، وصبّ الماء وسفحه.
ولا يخفى أنّه خَلْطٌ بين الموضوع والفائدة المترتبة عليه ، وما ذكر إنّما هو من
قبيل الحكمة ، وليس الحكم دائراً مدارها ، ضرورة أنّ النكاح صحيح وإن لم
يكن هناك ذلك الغرض ، كزواج العقيم واليائسة والصغيرة ، بل أغلب المتزوجين
في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر ، واستيفاء الشهوة من
طريقها المشروع ، ولا يخطر على بالهم طلب النسل أصلاً وإن حصل لهم قهراً ،
ولا يقدح ذلك في صحة زواجهم.
ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر ، مع أنّها كالدائم قد يقصد
منها النسل ، والخدمة وتدبير المنزل ، وتربية الأولاد ، والإرضاع والحضانة.
________________________________________
(460)
ونسأل المانعين الذين يتلقون نكاح المتعة ، مخالفاً للحكمة الّتي لأجلها شرع
النكاح ، نسألهم عن الزوجين اللّذين يتزوجان نكاح دوام ، ولكن ينويان الفراق
بالطلاق بعد شهرين ، فهل هذا النكاح صحيح أولا؟ ، لا أظن فقيهاً من
فقهاء الإسلام ، يمنع ذلك ، وإلاّ فقد أفتى بغير دليل ولا برهان . فيتعين الأوّل ،
فأي فرق يكون حينئذٍ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى أنّ المدة مذكورة في
الأوّل ، دون الثاني .
يقول صاحب المنار : « إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة
يقتضي منع النكاح بنية الطلاق ، وإن كان الفقهاء يقولون : إنّ عقد النكاح يكون
صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ، ولم يشترطه في صيغة العقد ، ولكن كتمانه إيّاه
يعد خداعاً وغشٌاً ، وهو أجدر بالبطلان من العقد الّذي يشترط فيه التوقيت » (1).
أقول : نحن نفرض أنّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً ، حتى لا يكون هناك
خداع وغشّ ، فهو صحيح بلا إشكال.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المنار : ج 3، ص 17.
التعلیقات