« حيّ على خير العمل » تاريخها العقائدي والسياسي
السيد علي الشهرستاني
منذ 15 سنةحيّ على خير العمل
تاريخها العقائدي والسياسي
قد يقترح البعض ضرورة إكثارنا من ذكر مصادر أهل السنّة والجماعة حين الكلام عن جزئيّة « حيّ على خير العمل » وعدم الاكتفاء بما نقلناه ، بل عدم استساغة ما روته طرق الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة ، والزيديّة ، والإسماعيليّة وبعض علماء أهل السنّة عن أهل البيت والصحابة ، بزعم أنّ ذلك ليس ملزِماً للآخرين.
هذا الكلام قد يكون له مساغ لو ضربنا بمعطيات التاريخ عرض الجدار ؛ إذ الموقف تجاه المتغيّرات في التاريخ والحديث ، وما فعلته ريشة الحكّام بالنصوص والموازين ، وخنقهم لكلّ ما هو أصيل ممّا لا يعجبهم ، وخصوصاً بعد أن اتّضح لنا دور الأمويين في التحريف والتعتيم ، كلّ ذلك يدلّك على سرّ انحسار مثل نصوص الحيعلة الثالثة في مدرسة الخلفاء.
بل إن تصر يح الإمام الباقر والإمام زيد وغيرهما بأن عمر بن الخطاب كان وراء رفع « حيّ على خير العمل » إنّما ينم عن الظروف القاسية العصيبة التي جعلت المعاجم الحديثيّة السنيّة تكاد تخلو من أمثال هذه الأحاديث رغم ثبوتها على عهد رسول الله ؛ فرأينا أنّه لا محيص من الرجوع إلى التاريخ ، للوقوف على مجريات الأحداث ، ومنها الوقوف على صحّة وأصالة ما قالته الشيعة وما جاء في الروايات اليتيمة في كتب الفقه والحديث عند أهل السنّة والجماعة ، ومن خلال عرضنا للمسألة من وجهة نظر تاريخيّة سيقف القارئ على جواب القول السابق وأمثاله.
إنّ ثبوت « حيّ على خير العمل » لم يقتصر على العلويين ـ حسنيين كانوا أم حسينيين ـ بل تعدّاهم إلى بعض أهل السنّة والجماعة ، وقد مرّ عليك ما كان بأيديهم من بقايا هذا الأذان الأصيل.
ومن المعلوم أنّ المسلمين انقسموا بعد وفاة رسول الله إلى نهجين :
الأوّل : نهج الصحابة.
والثاني : نهج أهل البيت.
وعُرف النهجان بالتخالف فيما بينهما في كثير من المسائل ، بحيث تجاوز حدَّ النزاع حول الإمامة والخلافة ليشمل كافّة مجالات الشريعة وأحكامها.
وبمعنى آخر : إنّ الخلاف الحاصل بين النهجين قد تجاوز الصعيد السياسيّ ليشمل أصعدة أخرى فكريّة وعقائديّة واجتماعيّة. وفي حال اعتبار مصدر تشريع الأحكام في الفقه من الأُمور المهمّة والحسّاسة جدّاً ، فلا عجب أن ترى بين قادة النهجين أحكاماً فقهيّة متضادّة ، قد تصل إلى حدّ التناقض في المسألة الواحدة ، فتجد ما يقوله عمر بن الخطاب يخالف ما يقوله عليّ بن أبي طالب تماماً ، فعلى الرغم من التزام وتعبّد عليّ عليه السلام بمنهج رسول الله في جواز المتعة مثلاً ، ترى اجتهاد عمر شاخصاً أمامك في قبال شريعة رسول الله ، محرّماً للمتعتين ، قائلاً : « أنا أُحرمهما وأُعاقب عليهما ».
لقد أخذ أهلُ السنّة الكثيرَ من فقههم من مجتهدي الصحابة الأوائل ، وخصوصاً الخلفاء ، وانتهجوا سيرة الشيخين ، ولهذا فإنّ الكثير من موارد المنع في فقه أهل السنّة والجماعة يرجع أساساً إلى سنّه عمر بن الخطاب وغيره من مجتهدي الصحابة. وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا كلّ ما لا يرتضونه من الروايات والأحكام المغايرة لاجتهادات السلف على النسخ والوضع. ولكي يضفوا صبغة شرعيّة على تلك الأحكام تراهم ينسبون روايات إلى رسول الله تؤيّد ما ذهبوا إليه.
وإيماناً منّا بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور في الشريعة ورفع الستار عنها ، خصصنا هذا الفصل كي نؤكّد على أن الصراع حول جزئيّة « حيّ على خير العمل » بين الطالبيين والنهج الحاكم له جذوره وأصوله العقائديّة والتاريخيّة ، ولم يكن صراعاً سياسيّاً بحتاً ، وهذا إن دّل على شيء فإنّما يدّل على عمق الخلاف بين الفريقين.
إذ أنّ استمرار الصراع العقائدي السياسي لمدّة طويلة من الزمن ينبئ عن وجود أصل شرعي مُختلَف فيه عندهم.
ولمّا كان النهج الحاكم ـ على مرّ العصور ـ يدعو إلى « الصلاة خير من النوم » تبعاً للخليفة الثاني والأمويين من بعده ، ولمّا كان الطالبيون لا يؤمنون بشرعية هذا الجزء ، فمن المؤكّد أن يكون عدم إتيان الحفّاظ والمحدّثين بما يدلّ على شرعيّة « حيّ على خير العمل » في الصحاح والسنن قد كان خاضعاً لأمور سياسيّة.
إنّ الطالبيّين قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بكلِّ قوّة ، وبذلوا كلّ ما يمكنهم في التعبير عن عدم الرضوخ أمام تغيير السنّة ، وقد كلّفهم ذلك الكثير الكثير ، وتحمّلوا المصاعب العظام من أجل الحفاظ على سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله ومنها الإتيان بـ « حيّ على خير العمل » في أذانهم. وقد جرت بين الطرفين مناوشات كلاميّة اتّهم فيها كلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة ، محافظاً على شعاريّته ، ورافضاً شعاريّة الطرف الآخر بكلّ عنف.
ومن يتصفّح التاريخ يجد بين طيّاته صوراً حيّة لمدى قوّة تمسّك الطالبيّين بهذا الجزء من الأذان ، حتّى وصلت الحال في بعض الفترات إلى أن يكون هو الشعار المحرِّك للثوار والثورة في مراحل مختلفة من التاريخ.
لقد تمسّك الطالبيّيون بـ « حيّ على خير العمل » وقدّموا قرابين نفيسة من أجل إبقائها سنّة حتّى صارت شعاراً للشيعة في كلّ الأصقاع ، وصبغة عقائديّة يُميَّزون بها عن غيرهم ، وقد استمدّوا العزم من مواقف أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الذي قال حين سمع أذان ابن النبّاح بـ « حيّ على خير العمل » : « مرحباً بالذي قال عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وسهلاً » (1).
وقد تجلّت مواقف الشيعة بوضوح في موقف الحسين بن عليّ ـ صاحب فخّ ـ وغيره من الطالبيين (2) الذين أصرّوا على إعلانها جهاراً في الأذان.
وعليه فلا يصحّ ما قاله البعض من عدم صحّة تلك الأخبار أو نسخها أو ... ، بل الأمر يرجع إلى أمور أعمق ممّا يقولون ، والحوادث التاريخيّة تؤكّد ما قلناه.
إنّ متابعة السير التاريخيّ للأذان وما آل إليه في « حيّ على خير العمل » يكشف لنا عن أُمور عديدة متمادية الأطراف ترجع جذورها إلى عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله. ويمكن تلمّس ذلك بوضوح من خلال دراسة التاريخ والسيرة والحديث ، وهذه المسألة من الأهميّة بمكان ، بحيث إنّك كلّما بحثت في مسألة من مسائلها تفتّحت لك أبواب مسائل أُخرى ذات ارتباط عميق بها ، ولا يمكنك تركها أو التهاون بها ، فالمسألة أكبر من كون « حيّ على خير العمل » شعار الشيعة و « الصلاة خير من النوم » شعار السنّة.
صحيح أنَّ الحركات التغييريّة التي قادها الشيعة عبر فترات التاريخ المختلفة تُبيِّنُ أنَّهم قد أظهروا مسألة « حيّ على خير العمل » في الأذان كعنصر تحدٍّ وتعاملوا معها كشعار لهم ـ كما حصل في الدولة الفاطميّة في مصر ، والدولة الزيديّة في طبرستان ، والبويهيّة في بغداد ، والحمدانيّة في حلب ـ إلّا أنَّ ذلك لا يتجاوز ظاهر المسألة.
ذلك أنّ مصادر الحديث والتاريخ والسيرة تُظِهر لنا بأنّ « حيّ على خير العمل » لها جذور وأصالة شرعيّة ، فهي أوسع من أن تتضيق في زاوية كونها شعار فرقة أو طائفة أو مذهب.
نعم ، كان بلال يؤذِّن بها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد أذّن مرّة أو مرّتين للزهراء والحسنين في زمن أبي بكر ولم يُتمّ أذانه. ويظهر من جمع الأدلّة المارّة وما قلناه أنّه كان يؤذّن بـ « حيّ على خير العمل » ، ولذلك امتنع عن الأذان في زمن الشيخين أبي بكر وعمر ؛ إذ جاء في الخطط للمقريزيّ ـ ت ٨٤٥ هـ ـ وغيره : « ... وأنَّ عمر أراده أن يؤذِّن له فأبى عليه » (3) لماذا ؟!
إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذكره المقريزيّ في باب « ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف » وربطنا ذلك بما توصّلنا إليه من السير التاريخيّ لمسألة الأذان فيما يخصّ المسألة المبحوثة وشعاريّتها ، وما أُثير حولها من محاولات عامدة للحؤول دون ترسيخها في قلوب المسلمين ، وجمعنا ذلك مع ما بحوزتنا من رواياتنا ورواياتهم فسنحصل على ثمرة يانعة تشفي غليل المتطّلع الى الحقيقة ، وعلى نتيجة جليّة لا غبار عليها ، ويستبين عندئذ أنّها لا تتعدَّى كونها في أصلها شعيرة إلهيّة وشعاراً إسلاميّاً أصيلاً يحمل وراءه نهجاً إسلاميّاً فكريّاً يتبع « الرمز » القدوة الحسنة الذي دعا القرآن الكريم إلى الاقتداء به ، ويرمي بعيداً كلّ ما يمتّ بِصلة إلى الاجتهاد بالرأي والاستحسان المقابل لمنهجيّة التعبّد المحض ؛ ذلك أن « حيّ على خير العمل » سنّة نبويّة ، أمّا « الصلاة خير من النوم » فهي دعوة مُستحدَثة لا تمثل جانباً من رؤية الإسلام.
ولدى مرورنا بالنصوص والأحداث سنوضح ـ وفق منهجنا ـ ملابسات المسألة خلال الصراع الأموي العلوي ثمّ الصراع العبّاسي العلوي ، والسلجوقي البويهي ، والأيوبي الفاطمي ، وكيفيّة نشوء الحركات الشيعيّة في الأمصار ، وذلك فيه التجسيم الحقيقي للصراع بين الرفض والإذعان ، أو قل صراع الأصوليين الإسلاميين ضدّ الحكّام الأمويّين أو العباسيّين ومن حذا حذوهم.
لأنّ أصحاب النهج الحاكم ـ أمويّين وعباسيّين وغيرهم ـ كانوا يَدْعُون إلى اتّباع سيرة الشيخيين على نحو الخصوص. أمّا الثوار والمعارضون من الطالبيين فكانوا يذهبون إلى شرعيّة خلافة الإمام عليّ وأولاده المعصومين ويَدْعون الناس إلى اتّباع نهج عليّ وولده.
وقد بدأ الخلاف بين النهجين أولاً في موضوع الخلافة ومن هو الأحّق بها ، وهل هناك تنصيب من الله ، أم أنّ الأمر شورى بين الأمّة ـ أو أصحاب الحَلّ والعقد منهم ـ ؟ ثمّ انجرّ هذا الخلاف إلى الشر يعة ، فوجدنا أحكاماً تُغيَّر وأخرى تُستحدَث ، إمّا دعماً لمواقف الخليفة ، أو للتعرف على رجال الطالبيين ، أو لغيرهما من العلل والأسباب.
وقد استفحل هذا الخلاف بعد مقتل عثمان بن عفان ، فانقسم المسلمون إلى فئتين كبيرتين :
فجلّ أهل البصرة وأهل الشام كانوا ذوي أهواء عثمانيّة في الانتماء الفكري والسياسي ، وأهل الكوفة والأنصار من أهل المدينة وعدد كبير من أهل الحجاز كانوا علويّي الفكرة والعقيدة.
وبعد استشهاد الإمام عليّ وصلح الإمام الحسن تمّ استيلاء معاو ية بن أبي سفيان على الحكم ، فغلبت العثمانيّة على مجريات الأحداث وانحسر الطالبيّون فبدؤوا يعيشون حالة التقيّة.
وإنّما جئنا بهذا الكلام كي نوضح بأن عملنا في هذا الفصل سيكون في محور ين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ، لأنّهما وجهان لعملة واحدة ، هما :
١ ـ المحور السياسي.
٢ ـ المحور التشريعي.
فقد نفرض أن يتغاضى الحاكم الأموي عن شعارية « حيّ على خير العمل » في بعض الأحيان ، لكن ذلك لا يعني رضاه وسكوته عن ذلك في كلّ الحالات ، لأنّ الحيعلة الثالثة كما علمت لها جانبان تشريعي صلاتيّ وعقائدي سياسي ، فإذا كان الإتيان بها منحصراً في حدّ المسألة التشريعيّة سكت الحكّام عنها على مضض ، وإن اتّخذت طابعها العقائدي السياسي قامت قيامتهم واستبدّ بهم الغيظ ؛ لأنّ معناها العقائدي السياسي هو فرع لمعناها التشريعي الصلاتي الذي هو « محمّد وآل محمّد خير البريّة » و « الولاية » و « بِرّ فاطمة وولدها » ، وهذا البعد التشريعي يتلوه البعد السياسي الذي يعني أنّهم أحقّ بالخلافة والحكم من الآخرين.
فلو دعا الإمام الباقر أو الصادق إلى جزئيّتها في العهد الأموي ، أو أتى بها عليّ بن الحسين ، فقد يسكت الحاكم عنه على مضض ، لكن ليس معنى هذا سكوتهم كذلك عن الطالبيين الثوّار لو أذّنوا بـ « حيّ على خير العمل » ؛ لأنّ الأمويّين لو أرادوا معارضة الإمامين الصادق والباقر وقبلهما الإمام عليّ بن الحسين ، لفتحت أمامهم جبهة جديدة هم في غنى عنها في تلك المرحلة من تاريخ المعارضة ، ولدخل الأمر في إطاره السياسي قبل أوانه.
ذلك أنّ الأمّة الإسلاميّة بدأت تعي الأوضاع بعد شهادة الإمام الحسين سنة ٦١ هـ ، وأخذت تتّضح لها معالم الظلم والمكر الأموي وسعيه لهدم الإسلام ، لأنّ ما فعله يز يد بن معاوية بن أبي سفيان بعترة رسول الله واستحلاله المدينة المنوّرة لثلاثة أيّام وضربه مكّة وغير ذلك كان كلّ واحد منها كافياً لإحداث هذا التحوّل الفكري لدى عامّة الناس.
نعم ، هاجت عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام عليه السلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة شيعيّة باسم حركة التوّابين « ٦١ ـ ٦٤ هـ » (4) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي « ٦٤ ـ ٦٧ هـ » ثمّ قيام زيد بن عليّ « ١٢٢ هـ » بالعراق ، وابنه يحيى « ١٢٥ هـ » بخراسان ، وعبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الذي قاد حركته في سنة « ١٢٨ هـ » في إصفهان.
فالامويّون والعباسيّون في حدود المسألة التشريعيّة لا يمكنهم الوقوف أمام تأذين عليّ بن الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق بـ « حيّ على خير العمل » ، لوجود أمثال عبدالله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهما ممّن أذّن بها.
على أنّه يمكن حمل سكوت الأمويين هذا على أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سياسيّاً ، وهو التعرّف على الطالبيين وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً في كتابنا « وضوء النبيّ » أنّ الطالبيين هم المعارضون الحقيقيّون للحكومتين الأمويّة والعباسيّة.
واستقراراً على هدفهم هذا سعوا أن يجمعوا الأمّة على فقه يخالف فقه الإمام عليّ بن أبي طالب ؛ الذي فيه الجهر بالبسملة ، والجمع بين الصلاتين ، وعدم مسح الخفّين ، والمسح على الأرجل ، والتكبير على الميّت خمساً ، وغيرها من الأمور الشرعيّة ذات البُعد الشعاري التي استخدمها النهج الحاكم للتعرف على جماعات الطالبيين.
وفي هذه الظروف وهذا الخضمّ كان من الطبيعي أن تكون الحيعلة الثالثة من تلك المسائل الشرعيّة السياسيّة التي كان للحكّام من وراء حذفها ومحاربتها هدف بل أهداف.
وفي قبالة ذلك التيار الجارف نجد أن الإمامين الباقر والصادق كانا يدعوان إلى الحيعلة الثالثة ، ويؤكّدان على شرعيّتها بدون خوف واكتراث من السلطة ، لكن الأمر نفسه لم يكن عند الثوار في ظروف التعبئة السريّة ، بل كانوا يتّقون ويخافون من تعرف السلطة على مواقعهم العسكريّة وتجمعاتهم الثوريّة ، فلم يقولوا بـ « حيّ على خير العمل » إلّا في الصحراء وحين يأمنون مكر السلطة.
ومن المعلوم أنّ الدولة العباسيّة أُسّست على شعار الرضا من آل محمّد (5) وأنّهم قد تذرعوا بطلب ثار الشهداء من أبناء فاطمة : الحسين بن عليّ ، زيد بن عليّ بن الحسين ، وولده يحيى وسواهم.
لكنّهم سرعان ما قلبوا للعلويين ظهر المجنّ فلم يَفُوا بما عاهدوا عليه الأمّة ، ولم يحافظوا على الدلالة الصادقة لمقولة « الرضا من آل محمّد » ، بل نقضوا ما بايعوا عليه محمّد بن عبدالله بن الحسن « النفس الزكيّة » قبل الانتصار.
وبعد خيانة العباسيين لشعار الرضا من آل محمّد ، ادّعَوا أنّهم أولى بالخلافة من العلويين ؛ لمكان العبّاس عم الرسول ، وأنّه أولى بالنبي من عليّ وفاطمة وأبنائها ! وهنا كان من الطبيعي أن تغيظهم الحيعلة الثالثة المشيرة إلى أولويّة عليّ وأولاده المعصومين بالخلافة من بني العبّاس وغيرهم.
وبما أنّ الحكومتين الأمويّة والعباسيّة كانتا تقدّمان الشيخين على الإمام عليّ فعله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بعترة رسول الله واستحلاله المدينة المنوّرة لثلاثة أيّام وضربه مكّة وغير ذلك كان كلّ واحد منها كافياً لإحداث هذا التحوّل الفكري لدى عامّة الناس.
نعم ، هاجت عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام عليه السلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة شيعيّة باسم حركة التوّابين « ٦١ ـ ٦٤ هـ » (6) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي « ٦٤ ـ ٦٧ هـ » ثمّ قيام زيد بن علي « ١٢٢ هـ » بالعراق ، وابنه يحيى « ١٢٥ هـ » بخراسان ، وعبد الله بن معاوية (7) بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي قاد حركته في سنة « ١٢٨ هـ » في إصفهان.
فالامويّون والعباسيّون في حدود المسألة التشريعيّة لا يمكنهم الوقوف أمام تأذين عليّ بن الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق بـ « حيّ على خير العمل » ، لوجود أمثال عبد الله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهما ممّن أذّن بها.
على أنّه يمكن حمل سكوت الأمويين هذا على أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سياسيّاً ، وهو التعرّف على الطالبيين وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً في كتابنا « وضوء النبيّ » أنّ الطالبيين هم المعارضون الحقيقيّون للحكومتين الأمويّة والعباسيّة.
الصراع الفكري العقائدي في الشريعة ، وإليك الآن بعض النصوص في ذلك :
زيد بن عليّ بن الحسين « ١٢٢ هـ »
روى الحافظ العلوي بسنده إلى يزيد بن معاوية بن إسحاق ، قال : كنّا بجبّانة سالم (8) ، وقد أَمِنَّا أهل الشام ، فأمر زيدُ بن عليّ معاويةَ بن إسحاق فقال : أذِّن بـ « حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل » (9).
يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين « ١٢٥ هـ »
أخرج الحافظ العلوي بسنده عن زياد بن المنذر ، قال : حدّثني حسّان ، قال : أذّنت ليحيى بن زيد بخراسان ، فأمرني أن أقول : حيّ على خير العمل ، [ حيّ على خير العمل ].
وبإسناده عن صباح المزني ، قال : أذّن رجل كان مع يحيى بن زيد بخراسان ، قال : ما زال مؤذّنهم ينادي بحيّ على خير العمل حتّى قُتل (10).
إبراهيم بن عبدالله بن الحسن « ١٤٥ هـ »
أخرج الحافظ العلوي باسناده عن سالم الخزاز ، قال : كان إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن يأمر أصحابه إذا كانوا في البادية أن يزيدوا في الأذان « حيّ على خير العمل » (11).
الحسين بن عليّ « صاحب فَخّ » « ١٦٩ هـ »
روى أبو الفرج الإصفهانيّ أنّ إسحاق بن عيسى بن عليّ ، وَلِي المدينة في أيّام موسى الهادي ، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب ، يُعرف بعبد العزيز بن عبدالله ، فحمل على الطالبيّين ، وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض [ عليه ] كلّ يوم ، وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كلّ واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه ، فضمن الحسينُ بن عليّ ، ويحيى ابن عبدالله بن الحسن : الحسنَ بن محمَّد بن عبدالله بن الحسن ، ووافى أوائل الحاجّ ، وقَدِم من الشيعة نحو من سبعين رجلاً فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسيناً وغيرَه ، فبلغ ذلك العمريّ فأنكره ، وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمّد بن عبدالله ، وابن جندب الهذلي الشاعر ، ومولى لعمر ابن الخطاب وهم مجتمعون ، فأشاع أنّه وجدهم على شراب ، فضرب الحسن ثمانين سوطاً ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً ، وضرب مولى عمر سبعة أسواط ، وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشّفي الظهور ليفضحهم ، فبعثت إليه الهاشميّة ـ صاحبة الراية السوداء في أيّام محمّد بن عبدالله ـ فقالت له : لا ولا كرامة ، لا تشهّر أحداً من بني هاشم ، وتشنّع عليهم وأنت ظالم ، فكفَّ عن ذلك وخلّى سبيلهم ... إلى أن يقول : ثمّ عرضهم يوم الجمعة ... فدعا باسم الحسن بن محمَّد ، فلم يحضر ؛ فقال ليحيى والحسين بن عليّ : لتأتياني به أو لأحبسنَّكما ، فإنَّ له ثلاثة أيّام لم يحضر العرض ، ولقد خرج أو تغيَّب ... أريد أن تأتياني بالحسن بن محمَّد.
فقال له الحسين : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطّاب ، فاجمعهم كما جمعتنا ، ثمَّ اعرضهم رجلاً رجلاً ، فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك ، فقد أنصفتنا.
فحلف [ العمريّ ] على الحسين بطلاق امرأته وحريّة مماليكه ، أنّه لا يخلّي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنّه إن لم يجيء به ليركبنّ إلى سويقِهِ فيخرّبها ويحرقها وليضربنَّ الحسين ألف سوط ...
فوثب يحيى مُغضَباً ، فقال له : أنا أعطي الله عهداً .. ثمّ وجَّهَ [ الحسين ] فجاءهُ يحيى ، وسليمان ، وإدريس ـ بنو عبدالله بن الحسن ـ وعبدالله بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن الحسن ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وعبدالله بن جعفر بن محمَّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .. ووجَّهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا .. ستّة وعشر ين رجلاً من ولد عليّ ، وعشرة من الحاجّ ، ونفر من الموالي.
فلمَّا أذَّن المؤذِّن للصبح دخلوا المسجد ، ثمَّ نادوا : « أحد ، أحد » ، وصعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبيّ صلّى الله عليه وآله ، عند موضع الجنائز ؛ فقال للمؤذِّن : أذِّن بـ « حيَّ على خير العمل » ، فلمَّا نظر إلى السيف في يده أذَّن بها. وسمعه العمريّ ، فأحسَّ بالشرِّ ، ودهش ... وولَّى هارباً ... فصلَّى الحسين بالناس الصبح ؛ ودعا بالشهود العدول الذين كان العمريّ أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه ، ودعا بالحسن ؛ وقال للشهود : « هذا الحسن قد جئت به ، فهاتوا العمريّ وإلّا والله خرجت من يميني ، وممَّا عَلَيَّ ». ولم يتخلَّف عنه أحد من الطالبيّين (12).
غير أنّهم حرّفوا الخلاف العقائدي السياسي إلى خلاف سياسي بحت ، فنراهم يشككون في أهداف ثورة صاحب فخ ويتّهمونه وكلَّ الثوار بأنّهم ثاروا للدفاع عن شخص سكّير ـ والعياذ بالله ـ وهو الحسن بن محمّد بن عبدالله بن الحسن « ابن النفس الزكيّة » (13) !
ومثله قالوا عن ثورة الإمام زيد وشككوا في دواعي ثورته الخالصة ، زاعمين أنّها جاءت على أثر خلاف ماليّ بينه وبين بعض أعوان السلطة وهو خالد بن عبدالله (14) أو أنّه وابني الحسن تخاصما في وقف لعلي (15) أو ما شابه ذلك من التهم الفارغة التي تباين شخصيّة هؤلاء الأفذاذ ، وما هذا إلّا كصنيع الأمويين مع النصوص والأحداث.
لقد سعت حكومة عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان والحكومة الأمويّة ، إلى تجريد الحيعلة الثالثة من طابعها السياسي ، بل حاولوا إدخالها في إطار اختلاف وجهات النظر والاجتهاد بين الصحابة كما يسمّونه ، لكنّ الأمر أخذ يختلف في العهد العباسي الأوّل ثمّ من بعده في الحكومات اللاحقة ، إذ راح يتبلور أكثر فأكثر كون الحيعلة الثالثة شعاراً دينيَّاً سياسيّاً للثوار ، وأخذت الحكومة تتحسس منه ولا تستطيع خنقه.
فإبراهيم بن عبدالله بن الحسن ـ أخو النفس الزكيّة الذي خرج بالبصرة بعد شهادة أخيه ـ يأمر أصحابه أن يؤذّنوا بالحيعلة سراً كي لا يقف النهج الحاكم وجواسيسه عليهم. وهكذا حال الحسين صاحب فخ ، فإنّه لم يكن تأذينه وأتباعُهُ بالحيعلة الثالثة إلّا معنى آخر للثورة وليعلنوا أنّهم هم الأولى بالله ورسوله وخلافته.
طبرستان « سنة ٢٥٠ هـ »
خرج بطبرستان الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
وكان سبب ظهوره أنّ محمّد بن عبدالله بن طاهر لمّا ظفر بيحيى بن عمر أقطعه المستعين بالله العبّاسي من ضواحي السلطان بطبرستان قطائعَ ، منها قطيعة قرب ثغر الديلم وهما كلار وشالوس ، وكان بحذائهما أرض يحتطب منها أهل تلك الناحية ، وترعى فيها مواشيهم ، ليس لأحد عليها ملك إنّما هي مَوات ، وهي ذات غياض ، وأشجار ، وكلأ.
فوجّه محمّد بن عبدالله نائبه لحيازة ما أُقطِع ، واسمه جابر بن هارون النصراني ، فلمّا قَدِم جابر عَمَد فحاز ما اتّصل به من أرض مَوات يرتفق بها الناس.
وكان في تلك الناحية يومئذ أخوانِ لهما بأسٌ مذكوران بإطعام الطعام وبالإفضال ، يقال لأحدهما : محمّد ، وللآخر : جعفر ، وهما ابنا رستم ، فانكرا ما فعل جابر من حيازة الموات وكانا مُطاعَين في تلك الناحية ، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حيازة ذلك الموات ؛ فخافهما جابر فهرب منهما فلحق بسليمان بن عبدالله بن طاهر وكان عامل طبرستان يومئذ ، وخاف محمّد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان ، فراسلوا جيرانهم من الدَّيلم يذكّرونهم العهد الذي بينهم ، ثمّ أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلى رجل من الطالبيين ـ اسمه محمّد بن إبراهيم كان بطبرستان ـ يدعونه إلى البيعة ، فامتنع ، وقال : لكنّي أدلّكم على رجل منّا هو أقوم بهذا الأمر منّي ، فدلّهم على الحسن بن زيد وهو بالري ، فوجّهوا إليه عن رسالة محمّد بن إبراهيم يدعونه إلى طبرستان ، فشخص إليها ، فأتاهم وقد صارت كلّ الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته ، فبايعوه كلّهم وطردوا عمّال ابن أوس عنهم ـ وكان هذا من عمّال سليمان بن عبدالله عامل طبرستان ـ فلحقوا بسليمان بن عبدالله ، وانضمّ إلى الحسن بن زيد أيضاً جبال طبرستان.
ثمّ تقدم الحسن ومن معه نحو مدينة آمل ثمّ سارية ، وقيل إنّ سليمان انهزم اختياراً لأنّ الطاهريّة كلّها كانت تتشيّع ، فلمّا أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان تأثّم سليمان من قتاله لشدّته في التشيع ، وقال :
نبّئتُ خيل ابن زيد أقبلت خَبَباً |
تُريدنا لتُحَسِّينا ألامَرَّيْنا |
|
يا قَومُ إن كانت الأنباءُ صادقةً |
فالوَيلُ لي ولجميع الطاهريّينا |
|
أمّا أنا فإذا اصطفّت كتائبُنا |
أكونُ من بينهم رأَس المُوَلّينا |
|
فالعُذرُ عند رسول الله منبسطٌ |
إذا احتسبت دماء الفاطميّينا |
فلمّا التقوا انهزم سليمان ، فلمّا اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلى « جندا » مع رجل من أهله يقال له الحسن بن زيد أيضاً ، فملكها وطرد عنها عامل الطاهريّة ، فاستخلف بها رجلاً من العلويين يقال له محمّد بن جعفر وانصرف عنها » (16).
وقد جاء في تاريخ طبرستان لابن اسفنديار الكاتب المتوفّى ٦١٣ هـ قوله :
« استقر الداعي الكبير ابن زيد في آمُل ، وأعلن في أطراف طبرستان وكيلان والديلم أنّه : قد رأينا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وما صحّ عن أمير المؤمنين ، وإلحاق حيَّ على خير العمل ، والجهر بالبسملة ، والتكبير خمساً على الميّت ، ومن خالف فليس منّا » (17).
وقد حكى الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة عن تاريخ طبرستان : ٢٤٠ أن الداعي إلى الحقّ الحسن بن زيد كتب في سنة ٢٥٢ منشورة عن آمل إلى سائر بلاده ، بإعلاء شعائر التشيّع من تقديم أمير المؤمنين عليه السلام ، والأخذ بما صحّ عنه في جميع الأصول والفروع من قول « حيّ على خير العمل » والجهر بـ « بسم الله الرحمن الرحيم » وغير ذلك (18).
هكذا نجح الحسن بن زيد في تكوين هذه الدولة التي تُعرف بالدولة الزيديّة بطبرستان ، واقتطع من ملك بني العبّاس وآل طاهر طرفاً عظيماً تحميه جبال طبرستان والديلم ، واستمرت هذه الحكومة نحو قرن كامل « ٢٥٠ ـ ٣٥٥ هـ » تولّى فيها :
١ ـ الحسن بن زيد الداعي ٢٥٠ ـ ٢٧٠.
٢ ـ محمّد بن زيد القائم بالحق ٢٧٠ ـ ٢٧٩.
٣ ـ احتلال الدولة السامية لطبرستان ٢٧٩ ـ ٣٠١.
٤ ـ تولي الحسن الأطروش بن عليّ بن عمر بن زين العابدين ٣٠١ ـ ٣٠٤ على طبرستان مرّة أُخرى.
٥ ـ الحسن بن القاسم بن عليّ بن عبدالرحمن ومعه أولاد الأُطروش ٣٠٤ ـ ٣٥٥.
ويبدو أنّ المنشور الذي أعلنه الداعي الكبير سنة ٢٥٢ هـ ظل ساري المفعول حتّى نهاية هذه الدولة العلويّة الزيديّة ، فكانت المآذن تؤذن بـ « حيّ على خير العمل » لأكثر من قرن ، منبّهين على أنّ هذا المرسوم صدر في وقت مبكر جداً من أوائل حكومة هذا الداعي الكبير ، لما له من هيبة دينيّة وبُعد سياسي ، وما له من أثر في ترسيخ حكومة تقوم على أساس الدين من وجهة نظر علويّة ، ويؤكّد صحةَ هذا ما نراه اليوم وبعد أكثر من ألف عام في التراث الزيدي ، فلو راجعت كتبهم الفقهيّة والحديثيّة القديمة عرفت ثبوتها عندهم ، وهذا الموقف من الحسن بن زيد وغيره هو امتداد لشرعيّتها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله.
حمص / مصر / بغداد « سنة ٢٩٠ هـ »
جاء في كتاب بغية الطلب في أخبار حلب لابن العديم المتوفى « ٦٦٠ هـ » :
« ... فصار [ صاحب الخال ] إلى حمص ودُعي له بكورها وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات ، وأن يخطبوا بعد الظهر ويكون أذانهم : أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن عليّاً ولي الله ، حيّ على خير العمل » (19).
وجاء في كتاب « أخبار بني عبيد » لمحمّد بن عليّ بن حماد في ترجمة عبيدالله « ٣٢٢ هـ » ـ مؤسس الدولة العبيدية في مصر ـ :
... وكان ممّا أحدث عبيدالله أن قطع صلاة التراويح في شهر رمضان ، وأمر بصيام يومين قبله ، وقنت في صلاة الجمعة قبل الركوع ، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح : « الصلاة خير من النوم » ، وزاد : « حيّ على خير العمل » ، « محمّد وعلي خير البشر » ، ونصّ الأذان طول مدّة بني عبيد بعد التكبير والتشهدين : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح مرّتين ، حيّ على خير العمل محمد وعلي خير البشر مرّتين مرّتين ، لا إله إلّا الله مرّة (20).
هذان نصّان أحدهما عن الطالبيين في حلب والآخر في مصر ، وهما يؤكّدان أنّ النزاع الفكري بين الطالبيين والنهج الحاكم كان مستمراً عبر جميع القرون ، ولم يختصّ ببلدة دون أخرى.
ويدلّ على أصالة الحيعلة الثالثة ، وامتداد التأذين بها زماناً ، وانتشارها مكاناً ، ما رواه القاضي التنوخي المتوفّى ٣٨٤ هـ عن أبي فرج الاصفهاني فيما حدث في بغداد في نفس تلك الفترة تقريباً ، قال :
أخبرني أبو الفرج الاصفهاني « المتوفّى ٣٥٦ هـ » قال : سمعت رجلاً من القطيعة (21) ، يؤذّن : الله أكبر ، الله أكبر ، هد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّد رسول الله ، أشهد أن عليّاً ولي الله ، محمّد وعلي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، ومن رضي فقد شكر ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله (22) ...
ولتأكيد وجود الخلاف الفقهي العقائدي في تلك البرهة من التاريخ إليك كلام المقريزي في « المواعظ والاعتبار » عند ذكره مذاهب أهل مصر ونِحَلِهم ، قال :
قال أبو عمر الكندي في كتاب « أمراء مصر » : ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بالبسملة في الجامع العتيق إلى سنة ثلاث وخمسين ومائتين « ٢٥٣ هـ » ، قال : ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمير مصر من الجهر بالبسملة في الصلوات بالمسجد الجامع ، وأمر الحسين بن الربيع إمام المسجد الجامع بتركها وذلك في رجب سنة ثلاث وستّين ومائتين « ٢٦٣ هـ » ، ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بها في المسجد الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها أرجون.
إلى أن يقول : ... إلى أن قدم القائد جوهر من بلاد إفريقيّة في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة « ٣٥٨ هـ » بجيوش مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة ، فمن حينئذ فشا بديار مصر مذهب الشيعة ، وعمل به في القضاء وأنكر ما خالفه ، ولم يبقَ مذهب سواه ، وقد كان التشيّع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك.
قال أبو عمر الكندي في كتاب الموالي ، عن عبدالله بن لهيعة أنه قال : قال يزيد بن أبي حبيب : نشأت بمصر وهي علويّة فقلبتُها عثمانيّة (23).
ثمّ عمد المقريزي إلى شرح الأدوار التي مرّت بها الشيعة في مصر وكيف كانت علويّة وصارت عثمانيّة حتّى يصل إلى صفحة ٣٤٠ ، وفيها يذكر حوادث سنة « ٣٥٣ و ٣٥٦ هـ » وأن « جوهراً » أعلن حيّ على خير العمل وفضّل الإمام عليّاً وأولاده على غيره وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ، ممّا سيأتي في ما ننقله عن حوادث مصر في تلك السنة.
هذا نموذج بسيط عن مسار الاتّجاهين الفكري. وقد أكّدنا أكثر من مرّة على أنّ لكلّ واحد من النهجين قادة وجماهير.
ولما حكم نهج الاجتهاد والرأي ـ في الحكومات الأمويّة والعباسيّة أو السلجوقيّة والأيوبيّة ـ حكّم آراء الخلفاء وفقههم في الشريعة.
أمّا النهج الشيعي فقد دعا إلى الأخذ بسنة رسول الله عن عليّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاكم في زمن الشيخين وعثمان وطيلة الحكم الاُموي والعباسي. ولا ننسى أن شعارية « حيّ على خير العمل » وغيرها قد تجسدت في العصر العبّاسي الأوّل والثاني ، أيّ بنشوء الدول الشيعيّة كالدولة الإدريسيّة في المغرب والحمدانيّة في حلب ، والبويهيّة في بغداد ، والزيديّة في طبرستان ، والفاطميّة في مصر و ...
وقد اتّخذ كلّ اتجاه أُصولاً في عمله ، فأحدهم يمنع من تدوين الحديث والآخر يصرّ عليه وإن وضعت الصمصامة على عنقه.
والأوّل يذهب إلى عدم تنصيص النبيّ على أحد بل ترك الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر يعتقد بلزوم الوصاية والخلافة وقد عيّن النبيُّ بالفعل عليّاً إماماً وخليفة من بعده.
والسنيّ يقول باجتهاد النبيّ ، والشيعي لا يرتضي ذلك .. وهلمّ جرّاً.
اذاً يمكن تلمس النهج السنّي في تصرّف الدولتين الاُمويّة والعباسيّة ، ثمّ بعدهم السلجوقيّة والنوريّة والصلاحيّة والعثمانيّة ، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما شُرّع على عهد الخلفاء وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري : « كنّا نكره تدوين الحديث حتّى أكرهنا السلطان على ذلك ، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس » ـ وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق ، غافلين عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعيّة ، كتدوين الحديث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوى ذلك.
وفي المقابل نرى النهج العلوي بأمرائه وجماهيره وعلمائه وفقهائه يسعون ـ عند وصولهم إلى الحكم ـ لتطبيق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام عليّ ، فيصرّون على الإتيان بالحيعلة الثالثة مثلاً ويأبَون بِدعيتها ، وهكذا الأمر في غيرها من المسائل المختلف فيها.
وهذا التخالف بين الجناحين يومئ إلى أنّ الخلاف بين الحكومات العلويّة الشيعيّة والحكومات السنيّة على مرّ التاريخ كان يدور في محاور عقائديّة فكريّة استراتيجيّة ، مضافاً لما بينهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين يستدلّ على صحّة عمله بأقوال وأفعال من يعتقد به من الصحابة أو أهل البيت.
وعليه فلا يجوز أن نتغافل عن جذور الحيعلة الثالثة وأشباهها في كتب الفقه والحديث والتاريخ ، بل بذكرنا خلافيات الفريقين يمكن الوقوف على جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هي تشريعات ذات أبعاد سياسيّة عقائديّة.
ولا يمكننا أن ننكر أنّ الشيعة قد كانوا يَمَسّون الصحابة في بعض الأحيان ؛ لما وقفوا عليه في التاريخ من غصب حقّ الإمام عليّ ، ومنع الزهراء من فدك والهجوم على بيتها ، ولعن الإمام عليَّ على المنابر في زمن معاوية ومَن بعده ، وضياع أحكام كثيرة من دين الله و ...
وهذا يوضح أنّ لكلّ واحد من النهجين شعائره ومقدّساته. ويجب أن يتّضح لنا أنّ هذا الموقف من الاعتقاد الشيعي أو ذاك الموقف من الاعتقاد السنّي إنّما يبتني على ما يحمله كلّ طرف من المتبنّيات الفكريّة الأيدلوجيّة والأصول التي اعتمد عليها ، والتي تدلّ على شرعيّته عنده وأنّه لم يكن وليد ساعته !
إنّ كلامنا هذا يرمي إلى بيان البُنَى التحتية للفريقين ، دون الخوض في أصل شرعيّة حكم الفاطميين أو عدم شرعيّة حكم العباسيين أو العكس وإلى البحث عن مدى صحّة ما روي عنه صلّى الله عليه وآله : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، أو أن حكم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل يجوز المسح على الخفين أم لا ؟ إذ أن شرعية هذه الأحكام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن ديمومية هذا الخلاف من قبل الفريقين ينبئ عن وجود أصل مختلف فيه بينهما ، لا كما يصوّرونه من عدم وجود أصل فيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أو عن حكومات غير المتعبّدين.
الأندلس « ما بعد سنة ٣٠٠ هـ »
ذكر ابن حزم الأندلسي في « نَقْط العروس في تواريخ الخلفاء » تحت عنوان : مَن خَطَب لبني العبّاس أو لبني عليّ بالأندلس ، فقال :
عمر بن حفصون خطب في أعماله بريَّةَ (24) لإبراهيم بن قاسم بن إدريس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب صاحب البصرة ، ثمّ خطب لعبيد الله صاحب افريقيّة ، وأذّن في جميع أعماله « بحيّ على خير العمل » (25).
حلب / مصر « سنة ٣٤٧ هـ »
قال المقريزي في « المواعظ والاعتبار » : « ... وأوّل مَن قال في الأذان بالليل : « محمّد وعليّ خير البشر » (26) الحسين المعروف « بأمير ابن شكنبة » ، ويقال اشكنبة ، وهو اسم اعجميّ معناه : الكرش ، وهو : عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمّد بن أسعد الجوباني النسّابة.
ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه « حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر » إلى أيّام نور الدين محمود ، فلمّا فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ، فلمّا سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع (27) ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك.
وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم [ يعني الشيعة الفاطميّين ] إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطميّة في سنة سبع وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وصار يؤذّن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمرّ الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم (28) ...
وممّا يجب الإشارة إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة ٣٥٦ هـ اتّسعت وشملت حلب وانطاكيّة وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ، وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولّى بعده أخوه ناصر الدولة. وكانت دولة شيعيّة اثني عشريّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر.
روى ابن ظافر في أحداث سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتَي ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته « ستّ الناس » وضرب دنانير كبيرة ، في كلّ دينار منها ثلاثون ديناراً وعشرون وعشرة عليها مكتوب : « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فاطمة الزهراء. الحسن. الحسين. جبريل : ». وعلى الجانب الآخر « أمير المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان : ناصر الدولة ، سيف الدولة. الأميران أبو تغلب وأبو المكارم » (29).
وواضح ممّا تقدم أنّ الشيعة كانوا يعلنون عن معتقداتهم بكلّ رصانة وهدوء وبالدليل والمنطق حين تستقر بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن يؤذّن بالحيعلة الثالثة وبفضل محمّد وآل محمّد من على رأس المنارة !!
وجاء في الكامل لابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبي في حوادث سنة ٣٥١ هـ : وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاوية ، ولَعَنَ من غَصَبَ فاطمةَ حقَّها من فَدَك ، ومَن منع الحَسَن أن يُدفن مع جدّه ، ومن نفى أبا ذَرٍّ. ثمّ إنَّ ذلك مُحي في الليل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن يُكتَب مكان ما مُحي : « لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله » ، وصرّحوا بلعنة معاوية فقط (30).
وفي ثامن عشر ذي الحجّة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة « ٣٥٢ هـ » عُمل عيد غدير خُمّ وضُربت الدبادب ، وأصبح الناس إلى مقابر قر يش للصلاة هناك ، وإلى مشهد الشيعة (31).
القاهرة « سنة ٣٥٦ هـ »
جاء في كتاب « المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار » للمقريزي : « ... وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة أُخذ رجل يعرف بابن أبي الليث يُنسَب إلى التشيع فضُرب مائتي سوط ودَرّة.
ثمّ ضرب في شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل في عنقه غِلّ وحُبِس ، وكان يُتفقَّد في كلّ يوم لئلّا يُخفّف عنه ، ويُبصَق في وجهه ، فمات في محبسه ، فحُمل ليلاً ودفن.
فمضت جماعة إلى قبره ينبشوه وبلغوا إلى القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشيديّة والكافوريّة فأبَوا وقالوا : هذا قبرُ رافضي ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا كثيراً حتّى تفرّق الناس.
وفي سنة ستّ وخمسين كتب في صفر على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل ، فأمر الأستاذ كافور الإخشيدي بإزالته ، فحدّثه جماعة في إعادة ذكر الصحابة على المساجد فقال : ما أُحدِث في أيّامي ما لم يكن ، وما كان في أيّام غيري فلا أزيله ، ثمّ أمر من طاف وأزاله من المساجد كلّها.
ولما دخل جوهر القائد بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها « حيّ على خير العمل » وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ...
وفي ربيع الأوّل سنة اثنين وستّين عَزّر سليمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصيارفة ، فشغبوا وصاحوا : معاوية خال عليّ بن أبي طالب ، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة لكن خشي على الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة ، وكانوا لا يفعلون ذلك ، وزِيدَ في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية ، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام ، وأن لا يرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عمّ ، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأمِّ إلّا من يرث مع الولد أو الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأم إلّا من يرث مع الولد.
وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد ـ قاضي مصر ـ القائدَ جوهراً في بنت وأخ ، وأنه حكم قديماً للبنت بالنصف وللأخ بالباقي ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألحّ عليه قال : يا قاضي ، هذا عداوة لفاطمة عليها السلام !! فأمسك أبو الطاهر فلم يراجعه بعد ذلك ... (32)
القاهرة « سنة ٣٥٨ هـ »
قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : أقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر إلى جامع ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (33).
وقال بعده : وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة : اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطَي الرسول ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، اللّهمّ صلّ على الأئمّة الطاهرين آباء أمير المؤمنين (34).
وجاء في « المنتظم » في حوادث سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين ، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر وسائر أعمالها يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة ، وكان الخاطب في هذا اليوم عبدالسميع بن عمر العباسي.
وقد أشار محقّق الكتاب في الهامش إلى نصّ كتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع « ... وردّ المواريث إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وأن يقدم من أَمَّ مساجدكم وتزيينها ، وإعطاء مؤذّنيها وقومتها ومن يؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن يجري فرض الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره وقنوت لياليه والزكاة والحجّ والجهاد على ما أمر الله في كتابه وسنّة نبيّه ، وإجراء أهل الذمّة على ما كانوا عليه » (35).
وفي كتاب « العبر في خبر من غبر » : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي ، فأخذوا ديار مصر ، وأقاموا الدعوة لبني عُبيد ، مع أنّ دولة معزّ الدولة [ البويهي ] هذه المدة رافضيّة ، والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير (36).
وفي « مآثر الإنافة » للقلقشندي قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمي إلى مصر سنة ٣٥٨ واستولى عليها وأذّن بـ « حيّ على خير العمل » وقطع الخطبة للعباسيين (37).
وفي « تاريخ الخلفاء » للسيوطي قال : ... لمّا مات كافور الاخشيدي صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ [ الفاطمي ] يطلبون منه عسكراً ليسلّموا إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة ألف فارس فملكها ... وقطع خطبة بني العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض ، وأمر أن يقال في الخطبة : « اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول ، وصلّ على الأئمّة آباء أمير المؤمنين المعزّ بالله » (38).
وفي « سير أعلام النبلاء » (39) و « نهاية الأرب » (40) والنصّ للأوّل : ... وضربت السكّة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليٌّ خير الوصيّين ، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ ، واعلن بـ « حيّ على خير العمل » ، ونودي : « من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال كلّه للبنت » ، فهذا رأي هؤلاء.
قال الذهبي : ظهر في هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبيديّة ، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ « حيّ على خير العمل ».
وفي « البداية والنهاية » لابن كثير ... دخل أبو الحسين جوهر القائد الرومي في جيش كثيف من جهة المعزّ الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر بقيت من شعبان ، فلمّا كان يوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمي على منابر الديار المصريّة وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذّنين بالجوامع أن يؤذّنوا بـ « حيّ على خير العمل » وان يجهر الأئمّة بالتسليمة الأولى (41).
جامع ابن طولون / مصر « سنة ٣٥٩ هـ »
قال النويري في « نهاية الاَرب في فنون الأدب » : ... وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في يوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربيع الآخر ، صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون وأذّن بـ « حيّ على خير العمل » ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلك بالجامع العتيق بمصر في الجمعة (42).
وقال ابن خلدون في تاريخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّى فيه وأمر بزيادة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، فكان أوّل أذان أُذِّن به في مصر (43).
وقال ابن الأثير في الكامل : ... وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار جوهر إلى جامع ابن طولون وأمر المؤذّن فأذّن بـ « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أذن بمصر ، ثمّ أذن بعده في الجامع العتيق وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (44).
وفي « شذرات الذهب » لابن العماد الحنبلي : ... في ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ٣٥٩ صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون بعسكر كثير ، وخطب عبدالسميع بن عمر العبّاسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ، ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة ، وأذن بـ « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أُذّن به بمصر ... وقنت الخطيب في صلاة الجمعة ، وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بـ « حيّ على خير العمل » (45).
وقال المقريزي في « المواعظ والاعتبار » : ... وكان الأذان أوّلاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر ، الله أكبر وباقيه كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمرو بالفسطاط ، وفي جامع العسكر ، وفي جامع أحمد ابن طولون وبقيّة المساجد إلى أن قَدِم القائد جوهر بجيوش المعزّ لدين الله وبنى القاهرة ، فلمّا كان في يوم الجمعة الثامن من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلّى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسميع بن عمر العبّاسي بقلنسوة وسبنى ، وطيلسان دبسيّ ، وأذّن المؤذّنون « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أذّن به بمصر.
وصلّى به عبدالسميع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وقنت في الركعة الثانية ، وانحطّ إلى السجود ، ونسي الركوع ، فصاح به عليّ بن الوليد قاضي عسكر جوهر : بطلت الصلاة ، أعد ظهراً أربع ركعات ، ثمّ أذّن بـ « حيّ على خير العمل » في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبدالله (46).
وأنكر جوهر على عبدالسميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة ، ولا قرأها في الخطبة ، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك.
ولأربع بقين من جمادى الأولى المذكور أذّن في الجامع العتيق بـ « حيّ على خير العمل » ، وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة ، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدّة الخلفاء الفاطميين ؛ إلّا أنّ الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّني القصر ، وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ، وقرأ أبو عليّ العباسي سجلّا فيه الأمر بترك « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح : الصلاة خير من النوم ، وأن يكون ذلك من مؤذّني القصر عند قولهم : « السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله » (47).
فامتثل ذلك ، ثمّ عاد المؤذّنون إلى قول « حيّ على خير العمل » في ربيع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذّني جامع القاهرة ومؤذّني القصر من قولهم بعد الأذان : « السلام على أمير المؤمنين » وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمك الله ... » (48).
وفي كتاب « النجوم الزاهرة في أعلام مصر والقاهرة » : ... ثمّ في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة أذّنوا بمصر بـ « حيّ على خير العمل » واستمرّ ذلك ، ثمّ شرع جوهر في بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر (49).
وفي تاريخ الخلفاء : في ربيع الآخر سنة ٣٥٩ أذّنوا بمصر بـ « حيّ على خير العمل » (50).
دمشق « سنة ٣٦٠ هـ »
قال الذهبي في تاريخ الإسلام : ... وفي صفر أعلن المؤذّنون بدمشق « حيّ على خير العمل » بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله ، ولم يجسر أحد على مخالفته ، وفي جمادى الآخرة أمرهم بذلك في الإقامة فتألم الناس لذلك فهلك لِعامِهِ والله أعلم (51). وفي « سير أعلام النبلاء » : ... وفي سنة ستين تملّك بنو عبيد مصر والشام وأذنوا بدمشق بـ « حيّ على خير العمل » وغلت البلاد بالرفض شرقاً وغرباً وخفيت السنة قليلاً (52).
ثمّ قال في « ج ١٦ : ٤٦٧ » : ... وقطعت الخطبة العباسيّة وألبس الخطباء البياض وأذنوا بـ « حيّ على خير العمل ».
وقال ابن كثير في « البداية والنهاية » : ... استقرّت يد الفاطميّين على دمشق في سنة ٣٦٠ ، وأذّن فيها وفي نواحيها بـ « حيّ على خير العمل » أكثر من مائة سنة ، وكتب لعنة الشيخين على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد.
وفي مصر خطب جوهر لمولاه وقطع خطبة بني العبّاس ، وذكر في خطبته الأئمّة الاثني عشر وأمر فأذّن بـ « حيّ على خير العمل » (53).
وقال بعد ذلك : وفيها أذن بدمشق وسائر الشام بـ « حيّ على خير العمل » ، قال ابن عساكر في ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق : وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطميّين :
أخبرنا أبو محمّد الأكفاني ، قال : قال أبو بكر أحمد بن محمّد بن شرام : وفي يوم الخميس لخمس خَلَونَ من صفر من سنة ٣٦٠ أعلن المؤذّنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر المساجد بحيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح ، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح ولم يقدروا على مخالفته ، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بُدّاً.
وفي يوم الجمعة الثامن من جمادى الآخرة أُمر المؤذّنون أن يُثنّوا الأذان والتكبير في الاقامة مَثْنى مَثْنى ، وأن يقولوا في الإقامة « حيّ على خير العمل » ، فاستعظم الناس ذلك وصبروا على حكم الله (54).
وجاء في « النجوم الزاهرة » : ... وهي السنة الثانية لولاية جوهر ... على مصر وهي سنة ٣٦٠ ، وفيها عمل الرافضة المآتم ببغداد في يوم عاشوراء على العادة في كلّ سنة من النَّوح واللطم والبكاء ، وتعليق المُسوح ، وغلق الأسواق ، وعملوا العيد والفرح يوم الغدير وهو يوم ثامن عشر من ذي الحجّة.
وفي صفر أعلن المؤذّنون بـ « حيّ على خير العمل » بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ الفاطمي ، ولم يجسر أحد على مخالفته ، ثمّ في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور بذلك في الإقامة فتألم الناس (55).
وقال أيضاً : ... وفيها ـ أيّ سنة ٣٦٠ ـ قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمير ولي دمشق لبني عبيد المغربي ، والعجب أن القرمطي أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بكى عليه ورثاه لأنّهما يجمع بينهما التشيّع (56).
وقد كتب المقريزي عن المعزّ لدين الله : أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنين وستّين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر : « خير الناس بعد رسول الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام » (57).
حلب « سنة ٣٦٧ هـ »
جاء في زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفّى سنة ٦٦٠ : ... وانهزم « بكجور » إلى القلعة فاستعصى بها وذلك في رجب سنة خمس وستّين وثلاثمائة ، ثمّ أقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدّة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلمها « بكجور » في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وستّين وثلاثمائة.
وولى سعدُ الدولة بكجورَ حمص وجندها ، وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي الحسن عليّ بن الحسين بن المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.
واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة الأسوار في سنة سبع وستين. وغيَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فيه : « حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر » ، وقيل : أنّه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقيل : سنة ثمان وخمسين. وسير سعد الدولة في سنة سبع وستين وثلاثمائة الشريف أبا الحسن إسماعيل بن الناصر الحسني يهنّئ عضد الدولة بدخوله مدينة السلام (58).
وقال أبو الفداء في « اليواقيت والضرب في تاريخ حلب » : ... وأقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدّة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلّمها بكجور إليه في شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٧ ، وولّى سعد الدولة بكجور حمص وجندها. وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي الحسن عليّ بن الحسين المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.
واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة الأسوار في سنة ٣٦٧ وغيّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فيه « حيّ على خير العمل » ، محمّد وعليّ خير البشر ، وقيل أنّه فعل ذلك في سنة ٣٦٩ وقيل سنة ٥٨ (59).
ملتان ـ الهند « قبل سنة ٣٨٠ هـ »
قال المقدسي المتوفّى « ٣٨٠ هـ » في كتابه « أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم » ضمن حديثه عن إقليم السند :
الملتان تكون مثل المنصورة غير أنّها أعمرة ليست بكثيرة الثمار غير أنّها رخيصة الأسعار ، الخبز ثلاثون منّاً بدرهم ، والفانيد ثلاثة أمنان بدرهم ، حسنة تُشاكل دور سيراف من خشب الساج طبقات ، ليس عندهم زنا ولا شرب خمر ، ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه ، أو حدّوه ، ولا يكذبون في بيع ، ولا يبخسون في كيل ، ولا يخسرون في وزن ، يحبّون الغرباء ، وأكثرهم عرب ، شربهم من نهر غزير ، والخير بها كثير ، والتجارات حسنه ، والنعم ظاهرة ، والسلاطين عادلة ، لا ترى في الأسواق متجملة ، ولا أحد يحدّثها علانية ... إلى ان يقول :
وأهل الملتان شيعة يحيعلون في الأذان ويُثنّون في الإقامة ، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة وليس به مالكيّة ولا معتزلة ، ولا عمل للحنابلة ، إنّهم على طريقة مستقيمة ، ومذاهب محمودة ، وصلاح وعفّة ، قد أراحهم الله من الغلوّ والعصبيّة والهرج والفتنة (60).
مصر « سنة ٣٩٣ هـ »
شرح ابن خلدون حال الحاكم بأمر الله العبيدي الذي ولي الخلافة « ٣٨٦ ـ ٤١١ » فقال : ... وأمّا مذهبه في الرافضة فمعروف ، ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك ، فكان يأذن في صلاة التراويح ثمّ ينهى عنها ، وكان يرى بعلم النجوم ويُؤثِره. ويُنقل عنه أنّه منع النساء من التصرّف في الأسواق ، ومنع من أكل الملوخيا ، ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السنّة في التراويح بالرجم ، وفي الجنائز ، فكتب في ذلك سجلاً قُرئ على المنبر بمصر كان فيه : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين يتلو عليكم من كتاب الله المبين ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ...
إلى أن يقول : يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون ، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ، ولا هم عنها يُدَفعون ، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمّسون ، ولا يمنع من التكبير عليها المربّعون ، يؤذّن بـ « حيّ على خير العمل » المؤذّنون ، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون ... ولا يؤذن من بها لا يؤذنون ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة (61).
وقال ابن الأثير في الكامل عن سبب قتله « ... وقيل كان سبب قتله أنّ أهل مصر كانوا يكرهونه لما يظهر منه من سوء أفعاله ، فكانوا يكتبون إليه الرِّقاع فيها سَبّه ، ـ إلى أن يقول ـ : منها أنه أمر في صدر خلافته بسبّ الصحابة رضي الله عنهم ، وأن تكتب على حيطان الجوامع والأسواق ، وكتب إلى سائر عماله بذلك ، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
ثمّ أمر في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق ، وصلّى بهم [ إماماً ] جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصلِّ أحد التراويح إلى سنة ثمان وأربعمائة ، فرجع عن ذلك وأمر بإقامتها على العادة.
وبنى الجامع براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف ، والستور والحصر ما لم ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمّة على الإسلام ، أو المسير إلى مأمنهم ، أو لبس الغيار ، فأسلم الكثير منهم ، ثمّ كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له : إنّي أريد العود إلى ديني ، فيأذن له ، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ... (62)
وممّا يجب التنويه به هنا هو أن الحكّام ـ بوصفهم حكّاماً ـ قد يتّخذون بعض المواقف لمصلحة ، وقد تتدخل السياسة في بعض تصرّفاتهم ، ولا أستثني الفاطميين من العباسيين أو العكس ، فهم بشر كغيرهم لهم ميولاتهم ونزعاتهم ، ولا يمكن النجاة من ذلك إلّا بالإمام المعصوم.
بل الذي ذكرناه أو نذكره ما هو إلّا بيان لامتداد النهجين ، وإن استُغلّ من قبل الحكّام في بعض الحالات.
اليمامة « سنة ٣٩٤ هـ »
ذكر ناصر خسرو المروزي الملقّب بحجّة المتوفّى سنة ٤٥٠ هـ في رحلته وعند حديثه عن أحوال مدينة اليمامة : ... وأمراؤها علويّون منذ القديم ، ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم ... ومذهبهم الزيديّة ، ويقولون في الإقامة « محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل » (63).
المدينة / مصر « سنة ٤٠٠ هـ »
جاء في « النجوم الزاهرة » : أنّ الحاكم بأمر الله العبيدي أرسل إلى مدينة الرسول إلى دار جعفر الصادق مَن فتحها وأخذ منها ما كان فيها من مصحف وسرير والآت. وكان الذي فتحها ختكين العضدي الداعي ، وحمل معه رسوم الأشراف ، وعاد إلى مصر بما وجد في الدار. وخرج معه من شيوخ العلويّة جماعة ، فلمّا وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة وردّ عليهم السرير وأخذ الباقي ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعين عليه ، وشاع فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلك فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنّة شيخين يُعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدّثين إليها وأمر أن يقرأَ بها فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض في ذلك ، وأطلق صلاة التراويح والضحى ، وغيَّر الأذان وجعل مكان « حيّ على خير العمل » « الصلاة خير من النوم » ، وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص وصلّى فيه الضحى ، وأظهر الميل إلى مذهب مالك والقول به ... وأقام على ذلك ثلاث سنين ، وفعل ما لم يفعله أحد.
ثمّ بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الانطاكي والشيخ الآخر وخَلقاً كثيراً من أهل السنّة ، لا لأمر يقتضي ذلك ، وفَعَلَ ذلك كلّه في يوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جميع ما كان فعله (64).
وقال المقريزي في « المواعظ والاعتبار » : ... وفي صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة بعد أن ضربوا بسبب بيع الفقاع والملوخيا (65) والدلينس والترمس ، وفي تاسع عشر شهر شوّال أمر الحاكم بأمر الله برفع ما كان يؤخذ من الخمس والزكاة والفطرة والنجوى ، وأبطل قراءة مجالس الحكمة في القصر ، وأمر بردّ التثويب في الأذان ، وأذّن للناس في صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وأمر المؤذّنين بأسرهم في الأذان بأن لا يقولوا « حيّ على خير العمل » ، وأن يقولوا في الأذان للفجر : « الصلاة خير من النوم » ، ثمّ أمر في ثاني عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول « حيّ على خير العمل » في الأذان وقطع التثويب وترك قولهم « الصلاة خير من النوم » ، ومنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وفتح باب الدعوة ، وأعيدت قراءة المجالس بالقصر على ما كانت ، وكان بين المنع من ذلك والأذان فيه خمسة أشهر.
وضُرب في جمادى من هذه السنة جماعة وشُهروا بسبب بيع الملوخيا والسمك الذي لا قشر له وشرب المسكرات وتتبّع السكارى فضيّق عليهم (66).
وفي السادس والعشرين منه [ من المحرّم سنة ٤٠١ هـ ] قرئ بجامع مصر سجلّ يتضمن النهي عن معارضة الحاكم فيما يفعله وترك الخوض فيما لا يعني ، وإعادة « حيّ على خير العمل » إلى الأذان وإسقاط « الصلاة خير من النوم » والنهي عن صلاة التراويح والضحى ... (67)
بغداد « سنة ٤٤١ ـ ٤٤٢ هـ »
ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة : ... وفيها مُنع أهل الكرخ من النَّوح ، وفعل ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء ، فلم يقبلوا وفعلوا ذلك ، فجرى بينهم وبين السنيّة فتنة عظيمة قُتل فيها وجرح كثير من الناس ، ولم ينفصل الشرّ بينهم حتّى عبر الأتراك وضربوا خيامهم عندهم فكفّوا حينئذ.
ثمّ شرع أهل الكرخ في بناء سور على الكرخ ، فلمّا رآهم السنيّة من القلّائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلّائين ، وأخرج الطائفتان في العمارة مالاً جليلاً ، وجرت بينهما فتن كثيرة ، وبطلت الأسواق وزاد الشر حتّى انتقل كثير من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي فأقاموا به.
وتقدّم الخليفة إلى أبي محمّد بن النسوي بالعبور وإصلاح الحال وكفّ الشرّ ، فسمع أهل الجانب الغربي ذلك فاجتمع السنّة والشيعة على المنع منه ، وأذّنوا في القلّائين وغيرها بـ « حيّ على خير العمل » وأذّنوا في الكرخ بـ « الصلاة خير من النوم » وأظهروا الترحّم على الصحابة ، فبطل عبوره (68).
وفي « المنتظم » وضمن بيان حوادث سنة ٤٤٢ هـ : ... انّه ندب أبو محمّد النسوي للعبور وضبط البلد ، ثمّ اجتمع العامّة من أهلِ الكرخ والقلّائين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في أنّه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار أهل الكرخ إلى باب نهر القلّائين ، فصلّوا فيه وأذنوا في المشهد « حيّ على خير العمل » وأهل القلّائين بالعتيقة والمسجد بالبزّازين بـ « الصلاة خير من النوم » واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد عليّ والحسين (69).
وفي « تاريخ أبي الفداء » : ... وقعت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة ، وعَظُم الأمر حتّى بطلت الأسواق ، وشرع أهل الكرخ في بناء سور عليهم محيطاً بالكرخ ، وشرع السنّة من القلّائين ومن يجري مجراهم في بناء سور على سوق القلائين ، وكان الأذان بأماكن الشيعة بـ « حيّ على خير العمل » وبأماكن السنّة « الصلاة خير من النوم » (70).
وفي « النجوم الزاهرة » : ... فيها كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين أهل السنّة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة ، وسبب ذلك : أن أبا محمّد النسوي ولي شرطة بغداد وكان فاتكاً ، فاتّفقوا على أنّه متى رحل إليهم قَتَلوه ، واجتمعوا وتحالفوا ، وأُذّن بباب البصرة « حيّ على خير العمل » ، وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة ، ومضى أهل السنّة والشيعة إلى مقابر قريش ، فعدّ ذلك من العجائب ، فإنّ الفتنة كانت قائمة والدماء تُسكب والملوك والخلفاء يعجزون عن ردّهم حتّى ولي هذا الشرطة ، فتصالحوا على هذا الأمر اليسير (71).
بغداد « سنة ٤٤٣ هـ »
قال ابن الأثير في « الكامل » : ... في هذه السنة في صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة وعظمت أضعاف ما كانت قديماً ، فكان الاتّفاق الذي ذكرناه في السنة الماضية غير مأمون الانتقاض لما في الصدور من الإحن ، وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا في عمل باب السمّاكين ، وأهل القلّائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ ، وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : « محمّد وعليّ خير البشر » ؛ وأنكر السنيّة ذلك وادّعوا أنّ المكتوب : « محمّد وعليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر » ؛ وأنكر أهلُ الكرخ الزيادةَ وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمّام نقيب العبّاسيّين ، ونقيب العلويّين وهو عدنان بن الرضي ، لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيّين ، فأمر حينئذ الخليفة ونوّاب الرحيم بكفّ القتال ، فلم يقبلوا. وانتدب ابن المذهب القاضي ، والزهيريّ ، وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبدالصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك نوّابُ الملك الرحيم عن كفّهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السُّنّة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقُهُ ، فعظم الأمر عليهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف ، وصبّوا عليه ماء الورد ، ونادوا : الماء للسبيل ؛ فأغروا بهم السُّنّة.
وتشدّد رئيس الرؤساء على الشيعة ، فمحوا : « خير البشر » ، وكتبوا : « عليهما السلام » ، فقالت السُّنّة : لا نرضى إلّا أن يُقلع الآجرّ الذي عليه « محمّد وعليّ » وأن لا يؤذَّن : « حيَّ على خير العمل » ؛ وامتنع الشيعة من ذلك ، ودام القتال إلى ثالث ربيع الأوّل ، وقُتل فيه رجل هاشميّ من السنيّة ، فحمله أهله على نعش ، وطافوا به في الحربيّة ، وباب البصرة ، وسائر محالّ السُّنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدّم.
فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن فأُغلق بابه ، فنقبوا في سوره وتهدّدوا البوّاب ، فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وسُتور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور ، وأدركهم الليل فعادوا.
فلمّا كان الغد كثر الجمع ، فقصدوا المشهد ، وأحرقوا جميع الترب والآراج ، واحترق ضريح موسى ، وضريح ابن ابنه محمّد بن عليّ الجواد ، والقُبّتان الساج اللتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بُوَيْه ، مُعزّ الدولة ، وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقبر الأمين محمّد بن الرشيد ، وقبر أمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجرِ في الدنيا مثله.
فلمّا كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه.
وسمع أبو تمّام نقيب العبّاسيّين وغيره من الهاشميّين السنيّة الخبرَ ، فجاؤوا ومنعوا عن ذلك ، وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيّين فنهبوه ، وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد السَّرَخْسيّ ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء. وتعدّت الفتنة إلى الجانب الشرقيّ ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بَجّ ، والأساكفة ، وغيرهم.
ولمّا انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دُبَيْس بن مَزيد عَظُم عليه واشتدّ وبلغ منه كلّ مبلغ ؛ لأنّه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل وتلك الولاية كلّهم شيعة ، فقُطعت في أعماله خطبةُ الإمام القائم بأمر الله ، فروسل في ذلك وعُوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولايته شيعة ، واتّفقوا على ذلك ، فلم يمكنه أن يَشُقّ عليهم كما أنّ الخليفة لم يمكنه كفّ السفهاء الذين فعلوا بالمشهد ما فعلوا ، وأعاد الخطبة إلى حالها (72).
وقد ذكر ابن الجوزي هذه الحادثة في « المنتظم » إلى أن يقول : ... وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر خطب بجامع براثا وأسقط « حيّ على خير العمل » ودق الخطيب المنبر وقد كانوا يمنعون منه ، وذكر العبّاس في خطبته (73).
بغداد « سنة ٤٤٤ ـ ٤٤٥ هـ »
ذكر ابن الأثير عدّة حوادث في هذه السنة ، وقال : « وفيها عُمل محضرٌ ببغداد يتضمّن القدح في نسب العلويّين أصحاب مصر ، وأنّهم كاذبون في ادّعائهم النسبَ إلى عليّ عليه السلام ، وعَزَوهم فيه إلى الدَّيصانيّة من المجوس ، والقدّاحيّة من اليهود ، وكتب فيه العلويّون ، والعبّاسيّون ، والفقهاء ، والقضاة ، والشهود ، وعُمل به عدّة نسخ ، وسُيِّر في البلاد ، وشُيّع بين الحاضر والباد ...
وفيها حدثت فتنة بين السُّنة والشيعة ببغداد ، وامتنع الضبط ، وانتشر العيّارون وتسلّطوا ، وجَبَوا الأسواق ، وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال ، وكان مقدّمهم الطِّقطِقيّ والزَّيْبق ، وأعاد الشيعة الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، وكتبوا على مساجدهم : « محمّد وعليّ خير البشر » ؛ وجرى القتال بينهم ، وعظم الشرّ (74).
ثمّ صدّر حوادث سنة خمس وأربعين وأربعمائة بذكر الفتنة بين السنّة والشيعة ببغداد ، فقال :
في هذه السنة ، في المحرّم ، زادت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم من السُّنّة ، وكان ابتداؤها أواخر سنة أربع وأربعين [ وأربعمائة ].
فلمّا كان الآن عظم الشرّ ، واطّرحت المراقبة للسلطان ، واختلط بالفريقَيْن طوائف من الأتراك ، فلمّا اشتدّ الأمر اجتمع القوّاد واتّفقوا على الركوب إلى المحالّ وإقامة السياسة بأهل الشرّ والفساد ، وأخذوا من الكرخ إنساناً علويّاً وقتلوه ، فثار نساؤه ، ونَشَرنَ شعورهنّ واستَغَثنَ ، فتَبعهنّ العامّة من أهل الكرخ ، وجرى بينهم وبين القوّاد ـ ومَن معهم من العامّة ـ قتال شديد ، وطَرَح الأتراك النار في أسواق الكرخ ، فاحترق كثير منها ، وألحقتها بالأرض ، وانتقل كثير من الكرخ إلى غيرها من المحالّ.
وندم القوّاد على ما فعلوه ، وأنكر الإمام القائم بأمر الله ذلك ، وصلح الحال ، وعاد الناس إلى الكرخ ، بعد أن استقرّت القاعدة بالديوان بكفّ الأتراك أيديهم عنهم (75).
وفي « تاريخ أبي الفداء » : ... وفي هذه السنة « ت ٤٤٤ هـ » كانت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة ، واعادت الشيعة الأذان « بحيّ على خير العمل » ، وكتبوا على مساجدهم : « محمّد وعليّ خير البشر » (76).
بغداد « سنة ٤٤٨ هـ »
ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة : ... وفيها أمر الخليفة بأن يؤذّن بالكرخ والمشهد وغيرها : « الصلاة خير من النوم » ، وأن يتركوا : « حيّ على خير العمل » ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة وقوتها (77).
وقال ابن الجوزي في « المنتظم » : ... وفي هذه السنة أقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ بـ « الصلاة خير من النوم » ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان من « حيّ على خير العمل » وقلع جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من « محمّد وعليّ خير البشر ».
ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السنّة من باب البصرة فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابة ، وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبدالله بن الجلاب شيخ البزّازين بباب الطاق ، لِما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقُتل وصلب على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونُهبت داره ، وتزايد الغلاء فبيع الكرّ الحنطة بمائة وثمانين ديناراً (78).
وفي « البداية والنهاية » : ... وفيها ألزم الروافض بترك الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وأمروا أن ينادي مؤذّنهم في أذان الصبح وبعد حيّ على الفلاح ، « الصلاة خير من النوم » مرّتين ، وأزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة : « محمّد وعليّ خير البشر » ، ودخل المنشدون ... ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ، وذلك أنّ نوءُ الرافضة اضمحلّ ، لأنّ بني بويه كانوا حكّاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهب دولتهم (79).
وفي « السيرة الحلبية » : ... وذكر بعضهم أنّ في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول بعد الحيعلتين « حيّ على خير العمل » ، فلمّا كانت دولة السلجوقيّة منعوا المؤذّنين من ذلك وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك « الصلاة خير من النوم » (80).
وفي « النجوم الزاهرة » : وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ بـ « الصلاة خير من النوم » على رغم أنف الشيعة ، وأُزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من « حيّ على خير العمل » (81).
وممّا يجب التنبيه عليه أنّ جماعة من السنّة ببغداد قد ثاروا في سنة ٤٤٧ هـ وقصدوا دار الخلافة وطلبوا أن يسمح لهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فأذن لهم وزاد شرهم ، ثمّ استأذنوا في نهب دور البساسيري [ ذي الميول الشيعيّة الذي أجاز الأذان بالحيعلة الثالثة ] وكان غائباً في واسط فأذن لهم الخليفة.
وهي تلك السنة التي وقعت فيها الفتنة بين الشافعيّة والحنابلة ببغداد وأنكرت الحنابلة على الشافعيّة الجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والترجيع بالأذان (82).
وذكر ابن الأثير بعض حوادث هذه السنة ، فقال : ... فتبعهم من العامّة الجم الغفير وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعوا من الترجيع في الأذان ، والقنوت في الفجر ، ووصلوا إلى ديوان الخليفة ، ولم ينفصل حال ، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير ، فنهوا امامه عن الجهر بالبسملة فأخرج مصحفاً وقال : أزيلوها من المصحف حتّى لا أتلوها (83).
وهذا يشير إلى أن الخلاف الفقهي بين المسلمين لا ينحصر في الحيعلة الثالثة ولا ينحصر بالطالبيين ، فقد يذهب بعض أهل السنّة إلى خلاف المشهور عندهم لثبوت شرعيّتها عنده وهذا ما نريد قوله ، وهو وجود أصل متجذر للمختلف فيه بين المسلمين ، وأن الطالبيين كانوا جادّين في الحفاظ على ما تلقوه ورووه من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ونهج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
أمّا عموم اتباع نهج الخلفاء فكانوا يتبعون عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء فيما شرعوه من الاُمور التي أشار الامام علي عليه السلام اليها سابقاً.
بغداد « سنة ٤٥٠ هـ »
قال ابن الأثير في « الكامل في التاريخ » : .. ثمّ إن البساسيري (84) وصل إلى بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام على غاية الضر والفقر ، وكان معه أبو الحسن بن عبدالرحيم الوزير ، فنزل البساسيري بمشرعة الروايا ، ونزل قريش بن بدران وهو في مائتي فارس عند مشرعة باب البصرة ، وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بازاء عسكر البساسيري ، وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي صاحب مصر ، وأمر فأذّن بـ « حيّ على خير العمل » وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر (85).
وجاء في « النجوم الزاهرة » : ... ثمّ دخل الأمير أبو الحارث أرسلان البساسيري بغداد في ثامن ذي القعدة بالرايات المستنصريّة وعليها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر ، فمال إلى البساسيري أهل باب الكرخ وفرحوا به لكونهم رافضة ، والبساسيري وخلفاء مصر أيضاً رافضة ، فانضمّوا إلى البساسيري وتشفّوا من أهل السنّة وشمخت أنوف المنافقين الرافضة وأعلنوا بالأذان بـ « حيّ على خير العمل » ببغداد.
واجتمع خلق من أهل السنّة على الخليفة القائم بأمر الله العبّاسي وقاتلوا معه وفشت الحرب بين الفريقين في السفن أربعة أيّام.
وخطب يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحيّ على خير العمل ، وعقد الجسر وعبرت عساكر البساسيري إلى الجانب الشرقي (86).
وذكر ابن الجوزي في المنتظم : ... وعاود أهل الكرخ الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وظهر فيهم السرور الكثير وحملوا راية بيضاء ونصبوها في وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المستنصر بالله وأقام بمكانه والقتالُ يجري في السفن بدجلة.
فلمّا كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في جامع المنصور ، وزيد في الأذان « حيّ على خير العمل » وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (87).
وفي « نهاية الأرب في فنون الأدب » عند ذكر استيلاء أبي الحارث البساسيري على العراق ، قال : ثمّ وصل البساسيري إلى بغداد في يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام في غاية الضرّ والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروايا وكان معه قريش بن بدران وهو في مائتي فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بإزاء عسكر البساسيري وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر العلوي صاحب مصر فأذّن « حيّ على خير العمل » وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر واجتمعوا فيه وخطب في الجمعة الثانية للمصري بجامع الرصافة ... (88)
وفي تاريخ بغداد : ... فلمّا كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور وزيد في الأذان « حيّ على خير العمل » ، وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (89).
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ... ثمّ قدم البساسيري بغداد في سنة خمسين ومعه الرايات المصريّة ، ووقع القتال بينه وبين الخليفة ، ودعي لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزيد في الأذان « حيّ على خير العمل » ، ثمّ خطب له في كلّ الجوامع إلّا جامع الخليفة ، ودام القتال شهراً ثمّ قبض البساسيري على الخليفة في ذي الحجّة وسيّره إلى غابة وحبسه بها و ... (90)
مكّة / حلب « سنة ٤٦٢ هـ »
قال ابن خلدون (91) والذهبي (92) والسيوطي (93) : إنّ محمّد بن أبي هاشم خطب بمكّة للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان (94) ، وأسقط خطبة العلوي صاحب مصر وترك « حيّ على خير العمل » من الأذان.
وقال ابن الأثير : ... وفيها ورد رسول صاحب مكّة محمّد بن أبي هاشم ومعه ولده إلى السلطان ألب أرسلان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم بأمر الله وللسلطان بمكّة وإسقاط خطبة العلوي صاحب مصر ، وترك الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة وأجرى له كلّ سنة عشرة الآف دينار (95).
ثمّ ذكر في حوادث سنة ٤٦٣ كيفيّة استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب ، إلى أن قال : ... وقد وصلها نقيب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائميّة ، والخلع ، فقال له محمود ؛ صاحب حلب : أسالك الخروج إلى السلطان واستعفائه لي من الحضور عنده ، فخرج نقيب النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائميّة وخطب ، فقال : أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذّنون « حيّ على خير العمل » ؟ ولابد من الحضور ودوس بساطي ، فامتنع محمود من ذلك.
فاشتدّ الحصار على البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان يوماً وقرب من البلد ، فوقع حجر منجنيق في فرسه ، فلمّا عظم الأمر على محمود خرج ليلاً ، ومعه والدته منيعة بنت وثّاب النميري ، فدخلا على السلطان وقالت له : هذا ولدي فافعل به ما تحبّ ، فتلقّاهما بالجميل وخلع على محمود وأعاده إلى بلده فأنفذ إلى السلطان مالاً جزيلاً (96).
وخطب محمود بن صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ، وقالوا : هذه حُصُرُ عليّ بن أبي طالب ، فليأتِ أبو بكر بحُصُر يصلّي عليها الناس (97).
وفي « النجوم الزاهرة » (98) عن الشيخ شمس الدين بن قزاوغلي في المرآة ، قال : ... وضاقت يد أبي هاشم محمّد أمير مكّة بانقطاع ما كان يأتيه من مصر ، فأخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح الباب والميزاب ، وصادر أهل مكّة فهربوا ، وكذا فعل أمير المدينة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر [ الفاطمي ] وخطبا لبني العبّاس ـ الخليفة القائم بأمر الله ـ وبعثا إلى السلطان ألب أرسلان السلجوقي حاكم بغداد بذلك ، وأنّهما أذّنا بمكّة والمدينة الأذان المعتاد وتركا الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، فأرسل ألب أرسلان إلى صاحب مكّة أبي هاشم المذكور بثلاثين ألف دينار ، وإلى صاحب المدينة بعشرين ألف دينار ، وبلغ الخبر بذلك المستنصر فلم يلتفت إليه لشغله بنفسه ورعيّته من عظم الغلاء (99).
وفي أحداث سنة ٤٦٤ قال : بعث الخليفة القائم بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد الزينبي إلى أبي هاشم محمّد أمير مكّة بمال وخلع ، وقال له : غيِّر الأذان وأبطل « حيّ على خير العمل » ، فناظره أبو هاشم مناظرة طويلة وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فقال له أخو الشريف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن الخطاب روي عنه أنّه أذّن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر ! فأسقطه من الأذان (100).
وجاء في تاريخ الخلفاء بأن الخطبة اُعيدت للعبيدي بمكّة في سنة ٤٦٧ (101).
الشام « سنة ٤٦٨ هـ »
جاء في « مآثر الإنافة » للقلقشندي : ... تغلّب على دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمي المعروف بالاقسيس ، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي [ ابن ألب ارسلان ] في سنة ٤٦٨ وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي (102)العبّاسي ، ومنع الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ولم يخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطميّين وبقي بها إلى ما بعد خلافة المقتدي (103).
وفي « الكامل » لابن الأثير : ... ودخلها هو [ أيّ الاقسيس ] وعسكره في ذي القعدة وخطب بها يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة للمقتدي بأمر الله الخليفة العبّاسي ، وكان آخر ما خطب فيها للعلويّين المصريّين ، وتغلب على أكثر الشام ، ومنع الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، ففرح أهلها فرحاً عظيماً ، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم (104).
وفي « البداية والنهاية » لابن كثير ، قال : ... الاقسيس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمي ، ويلقب بالملك المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميّين وأزال الأذان منها بـ « حيّ على خير العمل » بعد أن كان يؤذّن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة وستّ سنين « ١٠٦ سنة » ، وكان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنين والخطباء أن يترضّوا عن الصحابة أجمعين (105).
وفي تاريخ الخلفاء : ... خطب للمقتدي العبّاسي بدمشق وأبطل الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وفرح الناس بذلك (106).
وفي تاريخ ابن خلدون : ... وخطب فيها اتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين ، وتغلّب على أكثر الشام ، ومنع من الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، ثمّ سار سنة تسع وستّين إلى مصر وحاصرها حتّى أشرف على أخذها ، ثمّ انهزم من غير قتال ، ورجع إلى دمشق وقد انتقضَ عليه أكثر الشام ، فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة ، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ... (107)
مصر « سنة ٤٧٨ هـ »
ولي المستنصر بالله الفاطمي من سنة « ٤٢٨ ـ ٤٨٧ هـ » وهو معد أبو تميم حفيد الحاكم بأمر الله ، وقد قرب هذا بدرَ الجماليَّ لولاية اُمور الحضرة.
قال صاحب « النجوم الزاهرة » : ... كان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جبّاراً قتل خلقاً كثيراً من العلماء وغيرهم ، وأقام الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، وكبّر على الجنائز خمساً ، وكتب سبَّ الصحابة على الحيطان ... (108)
وفي « المنتظم » : وفي شهر ذي القعدة قبض بدر الجمالي ـ أمير مصر ـ على ولده الأكبر وأربعة من الأمراء ... ونفى مذكِّري أهل السنّة ، وحمل الناس أن يكبّروا خمساً على الجنائز ، وأن يسدلوا أيمانهم في الصلاة ، وأن يتختّموا في الأيمان ، وأن يثوّبوا (109) في صلاة الفجر « حيّ على خير العمل » ، وحبس أقواماً رووا فضائل الصحابة (110).
مصر « سنة ٥٢٤ هـ »
ولي الحافظ لدين الله الفاطمي « عبدالمجيد حفيد المستنصر بالله » بعد قتل ابن عمّه أبي عليّ منصور الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
قال العلّامة أبو المظفر في مرآة الزمان : ... ولما استمرّ الحافظ في خلافة مصر ضعف أمره مع وزيره أبي عليّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش ، وقويت شوكة الوزير المذكور وخطب للمنتظر المهدي ، وأسقط من الأذان « حيّ على خير العمل » ، ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر « بناصر إمام الحقّ ، هادي العصاة إلى اتّباع الحق ، مولى الأمم ، ومالك فضيلتي السيف والقلم » فلم يزل حتّى قتل الوزير (111).
وقد تكلّم المقريزي في « اتعاظ الحنفاء » عن أبي عليّ أحمد بن الأفضل ، فقال : « وكان إماميّاً متشدّداً فالتفت عليه الإماميّة ولعبوا به حتّى أظهر المذهب الإمامي وتزايد الأمر فيه إلى التأذين فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم باسمه ونقش عليها « الله الصمد ، الإمام محمّد » ... إلى أن يقول : ... وكان قد أسقط منذ إقامة الجند ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيليّة ، وأزال من الأذان قولهم فيه « حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر » ، وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يُدعى به على المنابر ... (112)
وقال أبو الفداء في تاريخه : ... ثمّ دخلت سنة ستّ وعشرين وخمسمائة ، فيها قُتِلَ أبو عليّ بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو عليّ المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويّين وخطب لنفسه خاصّة وقطع من الأذان « حيّ على خير العمل » فنفرت منه قلوب شيعة العلويّين وثار به جماعة من الممالك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره (113).
وفي « وفيات الأعيان » : ... وقبض على الحافظ المذكور واستقلّ بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادَرين أموالهم ، وأظهر مذهب الإماميّة وتمسّك بالأئمّة الاثني عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، ونهى أن يؤذّن بـ « حيّ على خير العمل » ، وأقام كذلك إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة في النصف من المحرم سنة ستّ وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبايعوه ولقبوه بالحافظ ودعي له على المنابر (114).
وفي « بدائع الزهور في وقائع الدهور » قوله : ... وكان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِكْرَ اسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيليّة ، وأزال من الأذان قولهم فيه « حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر » وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يدعى به على المنابر (115).
وفي « نهاية الأرب في فنون الأدب » : قال المؤرّخ : لما بويع الحافظ لدين الله ثار الجند الأفضليّة وأخرجوا ابن مولاهم أبا عليّ أحمد بن الافضل الملقب بكتيفات ، وولّوه أمر الجيوش وذلك في يوم الخميس السادس من ذي القعدة منها ، فحكم ، واعتقل الحافظ صبيحة يوم بيعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوي أمر ابن الأفضل.
وفي سنة خمس وعشرين رتّب أحمد بن الافضل في الأحكام أربعة قضاة : الشافعيّة ، والمالكيّة ، والإسماعيليّة ، والإماميّة ، يحكم كلّ قاضي بمقتضى مذهبه ويورّث بمقتضاه ، فكان قاضي الشافعيّة الفقيه سلطان ، وقاضي المالكيّة اللبني ، وقاضي الاسماعيليّة أبو الفضل ابن الأزرق ، وقاضي الإماميّة ابن أبي كامل.
وسار أحمد بن الأفضل سيرة جميلة بالنسبة إلى أيّام الآمر ، وردّ على الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإماميّة الاثني عشريّة ، وأسقط من الأذان قولهم « حيّ على خير العمل » وأمر بالدعاء لنفسه على المنابر بدعاء اخترعه (116).
وفي تاريخ ابن خلدون : فأشار عليه الإماميّة بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ، ونقش عليها : « الله الصمد ، الإمام محمّد » وهو الإمام المنتظر. وأسقط ذِكْرَ إسماعيل من الدعاء على المنابر وذِكْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان « حيّ على خير العمل » (117).
وفي « المواعظ والاعتبار » : ... ولمّا تغلّب أبو عليّ بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيّام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبدالمجيد بن الأمير أبي القاسم محمّد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقيّده ، واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلى دار الوزارة ، وكان إماميّاً متشدّداً في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيليّة ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان « حيّ على خير العمل » وقولهم « محمّد وعليّ خير البشر » ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيليّة ، فلمّا قتل في سادس عشر المحرّم سنة ستّ وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أُسقط منه (118).
وفي بعض كلام المؤرّخين هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإماميّة والثابت عندهم هو جزئيّة « حيّ على خير العمل » فلا يجوز رفعه إن كان كتيفات هذا إماميّاً بالمصطلح.
وأمّا الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذكر إسماعيل بن جعفر من الخطبة فكانت خطوة سياسيّة احتمى بها ابن كتيفات ؛ لأنّه كان سنيّاً لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر.
وهذا ما صرح به الذهبي في « العبر في خبر من غبر » بأن أبويه كانا سنيّين ، قال : ... فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أكثر ما في القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ، لأنّه كان سنيّاً كأبيه ، لكنّه أظهر التمّسك بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان « حيّ على خير العمل » ، وغيرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه (119).
وقال اليافعي في « مرآة الجنان وعبرة اليقظان » : ... وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ؛ لأنّه كان سنّياً كأبيه ، لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان « حيّ على خير العمل » وغيّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا عليه ، فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة .. (120).
حلب « سنة ٥٤٣ هـ »
جاء في « زبدة الحلب من تاريخ حلب » : ... وشرع نور الدين (121) في تجديد المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاويين في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، واستدعى برهان الدين عليّ بن الحسن البلخي الحنفي وولّاه تدريسها ، فغيّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذّنين من قولهم « حيّ على خير العمل » ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم يؤذّن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمرّ الأمر من ذلك اليوم ... (122)
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (123) في ترجمة عليّ بن الحسن بن محمّد أبي الحسن الحنفي الفقيه : سمع بما وراء النهر وتنتسب إليه المدرسة البلخيّة ويلقب بالبرهان ، وهو الذي أبطل من حلب الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، مات سنة ٥٤٨.
وكان المقدسي قد نوه عن إبطال الأذان بـ « حيّ على خير العمل » ، بقوله : ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال « حيّ على خير العمل » في أواخر تأذين الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنّة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيليّة وأهل التَّشَيُّع ... (124)
وفي « العبر في خبر من غبر » ، قال : أبو الحسن البلخي عليّ بن الحسن الحنفي ... وكان يلقّب برهان الدين ... وهو الذي قام في إبطال « حيّ على خير العمل » من حلب (125).
وجاء في « البداية والنهاية » لابن كثير : افتتح نور الدين أبو القاسم التركي السلجوقي وكان حنفي المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذين بـ « حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح » ، ولم يكن يؤذّن بهما في دولتي أبيه وجدّه وإنّما كان يؤذّن بـ « حيّ على خير العمل » لأن شعار الرفض كان ظاهراً بها (126).
وفي « النجوم الزاهرة » (127) وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين (128) وخطط الشام لمحمّد كرد عليّ (129) وغيرها والنصّ للثاني : قال أبو يعلى التميمي : وفي رجب من هذه السنة [ أي ٥٤٣ هـ ] ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال « حيّ على خير العمل » في أواخر تأذين الغداة ، والتظاهرِ بسبّ الصحابة ، وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيليّة وأهل التشيّع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سكنوا وأحجموا للخوف من السطوة النوريّة المشهورة والهيبة المحذورة ...
حلب « سنة ٥٥٢ هـ »
اشتدّ المرض في شهر رمضان بنور الدين وخاف على نفسه ، فاستدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران ، وأسد الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء والمقدمين ، وأوصى إليهم وقرّر أن يكون أخوه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ويكون مقيماً في حلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة نصرة الدين ... واتّفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب وعصى عليه ، فثارت أحداث حلب ... ، ودخل نصرة الدين في أصحابه وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد ، واقترحوا على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم في التأذين « حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر » فأجابهم إلى ما رغبوا فيه وأحسن القول لهم والوعد ... (130).
وفي « زبدة الحلب من تاريخ حلب » : ... ثمّ عاد نور الدين إلى حلب فمرض بها في سنة أربع وخمسين مرضاً شديداً بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصر الدين أمير اميران محمّد بن زنكي ، وأرجف بموت نور الدين ، فجمع أمير اميران الناسَ واستمال الحلبيّ وملك المدينة دون القلعة ، وأذِن للشيعة أن يزيدوا في الأذان « حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر » على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك (131).
مصر « سنة ٥٦٥ هـ »
جاء في « نهاية الأرب في فنون الأدب » : ... قال المورّخ : ولعشر مضين من ذي الحجّة سنة خمس وستين وخمسمائة أمر الملك الناصر [ أي صلاح الدين الأيّوبي ] أن يسقط من الأذان قولهم « حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر » وكانت أوّل وصمة دخلت على الشيعة والدولة العبيديّة ، ويئسوا بعدها من خير يصل إليهم من الملك الناصر ، ثمّ أمر أن يذكر في الخطبة بكلام مجمل ، ليلبس على الشيعة والعامة : اللّهم أصلح العاضد لدينك ... (132)
ونقل أبو شامه عن ابن أبي طي فيما جرى في مصر سنة ٥٦٦ هـ قوله : في هذه السنة شرع السلطان ـ يعني صلاح الدين ـ في عمارة سور القاهرة لأنّه كان قد تهدّم أكثره وصار طريقاً لا يردّ داخلاً ولا خارجاً ، وولّاه لقراقوش الخادم ، وقبض على القصور وسلّمها إليه ، وأمر بتغيير شعار الإسماعيليّة وقطع من الأذان « حيّ على خير العمل » وشرع في تمهيد أسباب الخطبة لبني العبّاس (133).
وجاء مثله عند ابن كثير في البداية والنهاية (134).
وقال ابن الأثير : كان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين له وضعف أمر العاضد وهو الخليفة بها .. كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضديّة وإقامة الخطبة العباسيّة ، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويّين ، فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه إلزاماً لا فسحة له فيه (135).
مصر « سنة ٥٦٧ هـ »
جاء في « نهاية الأرب في فنون الأدب » : ... كان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدين الله ، وذلك في يوم الجمعة لسبع مضين من المحرم سنة سبع وستّين وخمسمائة ، وكان سبب ذلك أنّ صلاح الدين يوسف لمّا ثبتت قدمه في صلب الديار المصرية واستمال الناس بالأموال ، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مكانه قراقوس الأسدي الخصي خادم عمّه ، ثمّ كانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم « حيّ على خير العمل » ، وأبطل مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية ، فعند ذلك كتب الملك العادل نور الدين إلى الملك الناصر صلاح الدين يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه والخطبة للخليفة المستضي بنور الله ، وكان المستضيء قد راسله في ذلك فامتنع صلاح الدين ... (136)
وذكر ابن العماد في الشذرات هذا الموضوع فيما جرى في سنة ٥٦٩ ، فقال : وفيها مات نور الدين الملك العادل أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ، تملَّك حلب بعد أبيه ثّم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة وكان مولده في شوال سنة ٥١١ ... وأزال الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وبنى المدارس وسور دمشق (137).
حلب « سنة ٥٧٠ هـ »
وفي هذه السنة عزم صلاح الدين الأيّوبي الدخول إلى الشام [ وذلك بعد موت نور الدين ] ، فلمّا استقرّت له دمشق نهض إلى حلب ونزل على أنف جبل جوشن ، وكان على حلب آنذاك ابن نور الدين ، والأخير جمع أهل حلب وقال لهم : يا أهل حلب ، أنا ربيبكم ونزيلكم ، واللاجئ إليكم ، كبيركم عندي بمنزلة الأب ، وشابّكم عندي بمنزلة الأخ ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشيجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبكاء والعويل ، وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك ، نقاتل بين يديك ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدُّعاء له ، والترحُّم على أبيه.
وكانوا قد اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على قاعدتهم القديمة ، وأن يُجهر بـ « حيّ على خير العمل » في الأذان ، والتذكير في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة الاثني عشر ، وأن يصلُّوا على أمواتهم خمس تكبيرات ، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطَّاهر أبي المكارم حمزة بن زُهْرة الحسيني ، وأن تكون العصبيّة مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشياء كثيرة اقترحوها ممّا كان قد أبطله نور الدين رحمه الله تعالى ، فأُجيبوا إلى ذلك.
قال ابن أبي طيّ : فأذّن المؤذّنون في منارة الجامع وغيره بـ « حيّ على خير العمل » ، وصلّى أبي في الشَّرْقية مُسْبِلاً ، وصلَّى وجوه الحلبيّين خلفه ، وذكروا في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا على الأموات خمس تكبيرات ، وأُذِنَ للشريف في أن تكون عقود الحلبيّين من الإماميّة إليه ، وفعلوا جميع ما وقعتِ الأيمان عليه (138).
مكّة « سنة ٥٧٩ هـ »
قال ابن جبير : وللحرم المكّي أربعة أئمّة سنية وإمام خامس لفرقة تسمّى الزيديّة ، وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم ، وهم يزيدون في الأذان « حيّ على خير العمل » إثر قول المؤذّن « حيّ على الفلاح » ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يجمعون مع الناس إنّما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمّة من صلاتها ، فأوّل الأئمّة السنية الشافعي ، وإنّما قدمنا ذكره لأنّه المقدم من الإمام العبّاسي وهو أوّل من يصلّي وصلاته خلف مقام إبراهيم إلّا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة يصلّونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها ، يبدأ مؤذّن الشافعي بالإقامة ثمّ يقيم مؤذّنوا سائر الأئمّة ، وربّما دخل في هذه الصلاة على المصلّين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كلّ جهة ، فربّما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي ، أو سلم أحدهم بغير سلام إمامه ، فترى كلّ أُذُن مصغية لصوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافَة السهو ، ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس.
ثمّ المالكي وهو يصلّي قبالة الركن اليماني ... (139)
مكّة « سنة ٥٨٢ هـ »
وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة وضرب الدنانير فيها باسم أخيه ، ومنع من قولهم « حيّ على خير العمل » (140).
مكّة « سنة ٦١٧ هـ »
وفيها توفّي الشريف أبو عزيز قتاده بن إدريس الزيدي الحسني المكّي أمير مكّة.
كان شيخاً عارفاً مصنفاً ، نقمةً على عبيد مكّة المفسدين ، وكان الحاج في أيّامه في أمان على أموالهم ونفوسهم ، وكان يؤذّن في الحرم بـ « حيّ على خير العمل » على قاعدة الرافضة ، وما كان يلتفتُ إلى أحد من خلق الله تعالى ، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره ، وكان يحمل إليه من بغداد في كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكّة ، وهو يقول : أنا أحقّ بالخلافة من الناصر لدين الله ، ولم يرتكب كبيرة فيما قيل ... (141)
مكّة « سنة ٧٠٢ هـ »
جاء في « الدرر الكامنة » قوله : أبطل [ بزلغى التتري حينما كان على الحج ] الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وجمع الزيديّة ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام (142).
إيران « سنة ٧٠٧ هـ تقريباً »
كان مذهب أهل السنّة والجماعة هو الغالب على إيران إلّا في مناطق معيّنة كطبرستان ، والريّ ، وقم ، وأقسام من خراسان ، وقد ذكر المؤرّخون عللاً وأسباباً في تشيّع إيران (143) ، إلّا أنّ الثابت هو حدوثه في عهد العلّامة الحلّي « الحسن بن يوسف » المتوفى ٧٢٦ هـ الذي كان السبب في تشيّع السلطان الجايتو محمّد المغولي الملقّب بشاه خدابنده المتوفى ٧١٧ أو ٧١٩ هـ.
فلمّا تشيّع السلطان أمر في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها ، وبذكر أسامي أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمّة : على المنابر ، وبذكر « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وبتغيير السّكّة ونقش الأسامي المباركة عليها (144).
المدينة [ القرن الثامن ]
نقل السمهودي في « وفاء الوفاء » : ... عن ابن فرحون المتوفى سنة ٧٩٩ هـ قوله : وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة ... وكانت بدعة وضلالة يصلّي فيها الشيعة ... ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذّن بأعلى صوته « حيّ على خير العمل » وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم (145).
وذكر صاحب التحفة اللطيفة في ترجمة عزاز ، أحد الأشراف : كان يقف على باب المقصورة المحيطة بالحجرة النبويّة ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا فزع قائلاً « حيّ على خير العمل » ؛ قاله ابن فرحون في تاريخه (146).
القطيف « سنة ٧٢٩ هـ »
ذكر ابن بطوطة في رحلته سفره إلى القطيف ، فقال : ثمّ سافرنا إلى مدينة القُطَيف ـ وضبط اسمها بضمّ القاف كأنّه تصغير قَطِيف ـ وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير ، يسكنها طوائف العرب ، وهم رافضيّة غلاة ، يظهرون الرفض جهاراً لا يتّقون أحداً ، ويقول مؤذّنهم في أذانه بعد الشهادتين : « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » ، ويزيد بعد الحيعلتين « حيّ على خير العمل » ويزيد بعد التكبير الأخير : « محمّد وعليّ خير البشر من خالفها فقد كفر » (147).
مكّة « سنة ٧٩٣ هـ »
جاء في صبح الاعشى : ... وولي ابنه صلاح [ بن عليّ بن محمّد ] وتابعه الزيديّة ، وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه ، فيقول : « أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان » ، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيديّة من بيعته ... إلى أن يقول : قال في مسالك الأبصار : ولشيعة هذا الإمام فيه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّى أنّهم يستشفون بدعائه ، ويُمرُّون يده على مرضاهم ، ويستسقون به المطر إذا اجدبوا ، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا يَكْبُرُ لإمام هذه سيرته ـ في التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب ـ أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه ، قال : وزيُّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك ، وينادى عندهم بالأذان « حيّ على خير العمل » (148).
صنعاء « سنة ٩٠٠ هـ تقريباً »
ذكر صاحب البدر الطالع في ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزيدي اليماني « المولود ٨٣٦ والمتوفّى ٩٣١ » ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهّاب صنعاء ومايليها من البلاد [ كان ] يجلّه ويقبل شفاعته لأجل اتّصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزّالدين بن الحسن.
ولما صلّى السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذّن أن يسقط من الأذان « حيّ على خير العمل » فمنعه محمّد بن الحسن الزيدي ، فالتفت إليه جميع من في المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفة ، وعُدَّ ذلك من تصلّبه في مذهبه (149).
حضرموت « سنة ١٠٧٠ هـ »
جاء في كتاب « سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي » للعاصمي : قوله :
وفي سنة ١٠٦٥ جهز الإمام إسماعيل (150) ابنَ أخيه الإمام أحمدَ بن الحسن على حضرموت ونواحيها لكونهم لم يخطبوا له [ بعد أن سيطر على أغلب اليمن ] فالتقى هو والأمير حسين الرصاص ، لكون بلده أقرب البلدان إلى دولة الإمام إسماعيل ، وحصل منهم قتال ، فلمّا عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلى قبيلة يافع ـ وهم قبائل كثيرون ـ بالأموال خفيّة ، وطلبوا منه أن يكونوا معه على الرصاص ... فتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرة ... حتّى قتل ... واستولى الزيديّة على غالب حضرموت.
ثمّ في سنة ١٠٧٠ استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان « حيّ على خير العمل » وترك الترضي عن الشيخين ... ثمّ لم يزل الإمام إسماعيل قائماً بأعباء الإمامة الكبرى إلى أن توفّاه الله تعالى إلى رحمته سنة ١٠٨٧ هـ (151).
نجد « سنة ١٢٢٤ هـ »
قال عبدالحي بن فخر الدين الحسيني « المتوفى ١٣٤١ هـ » في « نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر » : ... الزيديّة بعد ما خالف الشريف حمود بن محمّد على أهل نجد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف أن يزيد أهلها قول « حيّ على خير العمل » في ندائهم للصلوات ويَدَعُوا ما توارثوه من السلف في أذان الفجر من قولهم « الصلاة خير من النوم » فإنّه كان يراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضي الله عنه في إمرته (152).
وأختم حديثي بما نقله القلقشندي في صبح الأعشى عن الزيديّة فقال : ... وهم يقولون : إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَيْعَلَتينِ (153) : « حَيّ على خَيْر العَمَلِ » يقولونها في أَذانِهم مرّتين بدل الحَيْعلَتَيْن ، وربَّما قالوا قبل ذلك : « محمدٌ وعَلِيٌّ خَير البَشَر ، وعِتْرتُهما خير العِتَر » ومن رأَى أنّ هـذا بِدعةٌ فقد حاد عن الجَادَّة.
وهم يسوقون الإِمامة في أوْلاد عَلِيّ كَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة عليها السلام ، ولا يُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة في غير بنيهما ؛ إلّا أنَّهم جَوَّزُوا أن يكونَ كلُّ فاطميِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة ، سواء كان من ولد الحَسَنِ أو الحُسَينِ عليهما السلام ، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ. وهم يَرَوْن أن الإِمام المَهْدِيَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَين دون ولد الحسَن رضي الله عنهما ، ومن خالف في ذلك فقد أخْطَأ. ومن قال : إِنَّ الشيخين أبا بَكْر وعُمَر أفضلُ من عَلِيٍّ وبَنِيه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَيداً في مُعْتَقَدِه. ويقولون : إنّ تَسْلِيم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاويةَ كان لمصْلَحة اقتضاها الحال ، وإن كان الحقُّ له.
قال في « التعريف » : وأَيْمانُهم أَيْمانُ أهْلِ السُّنَّة ، يعني فيحلَّفون كما تقدّم ، ويزاد فيها : وإِلَّا بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زَيْد بن عَلِيّ ، ورأيتُ أنَّ قَوْلِي في الأذانِ : « حَيَّ على خَيْرِ العَمَل » بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم الواجب الطَّاعة ، وآدّعَيْتُ أن المَهْدِيَّ المنتَظَر ليس من وَلَد الحُسَينِ بن عليّ ، وقلتُ بتَفْضِيل الشيخين على أمير المؤمنين عَلِيٍّ وبَنِيه ، وطعَنْتُ في رَأْي ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ عليه فيه (154).
النتيجة
وعليه فشرعيّة « حيّ على خير العمل » ثابتة عند الشيعة بفرقها الثلاث : ـ الإماميّة الاثني عشريّة ، والزيديّة ، والإسماعيليّة ـ وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هي أصل لما فُسّر في كلام الأئمّة : بـ « محمّد وعليّ خير البشر » و « محمّد وآل محمّد خير البريّة » و « أنّ عليّاً وليّ الله » ، فتارة كانت الشيعة تصرح بهذا التفسير ، وأخرى لا تصرح به ، نتيجة للظروف القاسية التي كانت تمرّ بها.
ويؤكّد التفسيريّة التي قلناها ما أجاب به السيّد المرتضى رحمه الله « ت ٤٣٦ هـ » فإنّه سئل : هل يجب في الأذان بعد قول « حيّ على خير العمل » : « محمّد وعليّ خير البشر » ؟ فأجاب : إن قال « محمّد وعليّ خير البشر » على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإنّ لم يكن فلا شيء عليه (155).
وقال ابن البراج « ت ٤٨١ هـ » في مهذبه : ويستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند « حيّ على خير العمل » : « آل محمّد خير البريّة » مرّتين (156).
وكذا يُفهم من كلام الشيخ الصدوق « ت ٣٨١ هـ » أن الذين كانوا يأتون بهذه الصيغ الثلاث أو الأربع ! كانوا يأتون بها على أنّها صادرة عن أئمّة أهل البيت ؛ لقوله رحمه الله : « وفي بعض رواياتهم ... ومنهم من روى بدل ذلك ... » (157).
فاختلاف الصيغ عند المؤذّنين ، وإتيانها في بعض الأحيان بعد الحيعلة الثالثة وأخرى بعد الشهادة الثانية تشير إلى عدم جزئيّتها وكونها تفسيريّة.
إذاً عمل الشيعة وتفسيرهم هذا لم يكن عن هوى ورأي ، بل لما عرفوه ووقفوا عليه في مرويّات ائمّتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلى سيرة المتشرّعة من الشيعة في كلّ الأزمان والاصقاع في « حيّ على خير العمل » وأنّ المعنيَّ به عندهم الولاية لوقفت على حقيقة أخرى لم تنكشف لك من ذي قبل (158). وممّا يستأنس به لذلك أذان الشيعة بحلب سنة ٣٦٧ هـ حيث إنّهم كانوا يقولون في أذانهم « حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر » ، وكذلك في أذانهم باليمامة سنة ٣٩٤ هـ ، ففيه « يقولون في الإقامة : محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل ».
ومن هذا الباب ما ذُكر من أنّ الحسين بن عليّ بن محمّد ... بن علي بن أبي طالب ـ المعروف بابن شكنبة ـ كان أوّل من جهر في الأذان بـ « محمّد وعليّ خير البشر » في زمن سيف الدولة الحمداني سنة ٣٤٧ هـ ، ولا يخفى عليك بأنّ هذا المؤذّن والحمدانيين شيعة اثنا عشريّة ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلك في حلب كان قبل هذا التاريخ.
ويضاف إليه ما قلناه قبل قليل من أن الشيعة الاثني عشريّة « القطعيّة » أذنوا في بغداد « ٢٩٠ ـ ٣٥٦ هـ » بـ « أشهد أن عليّاً ولي الله » ، وأعلوا هذا الإعلان على الماذن في القرن الثامن في القطيف كذلك ، وغير ذلك من النصوص ، فكلّها تؤكّد التفسيريّة التي كان يبوح بها الشيعة أيّام قوتهم ، وأنّ كلّ ما كانوا يقولونه مأخوذ من كلمات رسول الله صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت : وأنّ ذلك كلّه تفسير وتوضيح للحيعلة الثالثة (159) التي حذفها عمر وسار على نهجه الحذفيّ أتباعُهُ. ولذلك عظم على الرافضة !! وأهل التشيّع حذف الحيعلة الثالثة من الأذان في سنة ٣٦٩ هـ من قبل نور الدين عمّ صلاح الدين الأيّوبي.
وبهذا فقد تبيّن لنا من كلّ ما سبق أنّ لـ « حيّ على خير العمل » أصلاً شرعيّاً ثابتاً ، لكنَّ الظروف السياسيّة العصيبة ونهي عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً كبيراً في طرح شرعيّتها جانباً ـ وقد مرّت عليك بعض الروايات التي صُرّح فيها بحذف الحيعلة الثالثة للتقيّة من الرواة الذين كانوا يخافون على أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمين ـ ومع كلّ ذلك العسف ترى الصمود الشيعي في جانب آخر ، لذلك راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّكين بها يدّعون بأنّها منسوخة ، وعلى الرغم من شراسة الحملة الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعيّ وعنف وقسوة رموزها ، إلّا بأنّ المنصفين لم يتمكّنوا من التجّرؤ والقول بأنَّ « حيّ على خير العمل » بدعة ، وأكثر ما توصّلوا إليه أن يقولوا عنها : إنّ ذلك الأمر لم يثبت ، و : ما لم يثبت فمن الأولى تركه وعدم الإتيان به !
ولكن ، هل مال جميع المسلمين إلى ذلك ؟
أبداً ، فكثير من الصحابة وكل أهل البيت وعدّة من التابعين أصرّوا إصراراً شديداً على التمسّك بالإتيان بـ « حيّ على خير العمل » في أذانهم والتأكيد الحازم الجازم على شرعيّة الإتيان بها ، وأن ليس من عامل شرعيّ قطعيّ دعا إلى طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت في مطاوي البحوث شواهد كثيرة تؤيِّد صحّة ذلك بموضوعيّة ، وقد كان هذا الفصل هو الموضّح لكيفيّة « تحوّل هذا الأصل الشرعيّ » إلى شعار يميّز الشيعة عن غيرهم ، وقد اتّضحت بين ثناياه الدوافع التي دعت أهل السنّة لأن يتّخذوا من « الصلاة خير من النوم » شعاراً لهم ، حيث كانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخليفة عمر ! لا سنّة رسول الله.
لقد تجسدت شعاريّة هذا الموضوع بوضوح في العصور المتأخِّرة ، ويمكن القول بأنّها تجلّت واضحة في العصر العبّاسيّ الأوّل (160) ، وعلى الخصوص في زمن أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ ، كما وتجسّدت معالم شعاريّة « حيّ على خير العمل » بوضوح أيضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جليّاً وجود تيّارين متباينين ، أحدهما يصرّ بإلحاح جادّ على الإتيان بـ « حيّ على خير العمل » ، بينما يحاول الآخر منع ذلك بشتى الطرق ولا يرضى بالإتيان بها.
وانطلاقاً من هذا الأساس المتشنّج كانت جميع الحركات الشيعيّة ودُولها في حال استلامها لزمام أُمور السياسة لا تتردّد في إعلاء « حيّ على خير العمل » من على المآذن في الأذان إعلاناً عن هويّتهم الحقيقيّة ، بل كان المدّ الجماهيري الشيعي في أحايين قوته يراهن على شرعيتها ، ولا يتنازل عن الهوية المحمديّة العلويّة.
نعم ، يمكن القول بذلك على أساس اتّخاذ الشيعة « حيّ على خير العمل » شعاراً لهم ، وإن كانت هذه الحيعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوي ، فشرعيّتها أقدم من تاريخ شعاريّتها بكثير ، حيث هي مسألة شرعيّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد بيّنّا ذلك بما فيه الكفاية.
وأمّا فيما يخصّ ذِكر أذان الإمام زين العابدين عليه السلام الثابت للجميع وليس ثمّة منكر له ، فله ميزة خاصّة ، وذلك لمكانته بين المسلمين عموماً ، فالإماميّة والزيديّة ، بل مختلف فرق الشيعة ـ باستثناء الكيسانيّة المنقرضة ـ تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهيه الشرعيّة ، ويقرّون له عليه السلام بأنّه إمام للمسلمين وحجّة لله على خلقه ، وبالنسبة لباقي الفرق فهم يتعاملون معه كأحد علماء المدينة على أقلّ ما يقال ..
فإتيان الإمام زين العابدين عليه السلام بـ « حيّ على خير العمل » يمثِّل ـ بلا ريب ـ شرعيّتها وامتداد جذورها إلى عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا على قوله عليه السلام « إنّه الأذان الأوّل » والذي يوضّح بأنّ الأذان شرّع في الإسراء والمعراج ، وأن « حيّ على خير العمل » ، إشارة إلى ولاية الإمام عليّ وولده ، والذي كتب على ساق العرش.
وكذا الحال بالنسبة إلى فعل ابن عمر ، فإنّ إتيانه بها في أذانه ـ وهو فقيه أهل السنّة والجماعة ـ ليؤكّد شرعيّتها ، ونحن لو أضفنا هذين الموردين إلى ما أورده الدسوقي في حاشيته عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنّه كان يأتي بها ، وإلى ما ذُكر عن الإمامين الباقر والصادق : ، لاتّضح لنا ولغيرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل أصيل في الدين ، بل هناك أصل لما نقول به في كتب أهل السنّة والجماعة مستقى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بيقين.
فـ « حيّ على خير العمل » أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عريقة وراسخة تعود إلى عهد رسول الله ، وقد أتى بها الصحابة أيضاً ، إلّا أنَّه قد دبّ الخلاف فيها منذ عهد عمر بن الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلّة والشواهد التاريخيّة والروائيّة ، إلّا أنَّ التعصّب الأعمى دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبويّة المباركة لأن يدّعي أنَّ الشيعة هم الذين أدخلوا هذه الروايات في كتبهم ، بل ودفع ذلك التعصّب المقيت بالبعض الآخر لأن يدّعي ويزعم أنَّ كتبهم المعتبرة خالية من مثل هذه الروايات ، ولا ندري ما نقول لمن يريد إخفاء عين الشمس بغربال !
ونحن لو دققنا النظر في مسألة نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحيّ على خير العمل ـ على ما أورده القوشجي في « شرح التجريد » ـ لانكشف لنا الترابط فيما بين هذه المسائل الثلاث ، وأنّ مسألة « حيّ على خير العمل » تعني ارتباطها بمسألة هامّة ترتبط بصميم الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام في الصفحات السابقة (161) ، وقد عرفت كيف تحوّلت الحيعلة الثالثة إلى شعار للطالبيين ولشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومحبّي الزهراء البتول عليها السلام عبر القرون ، وأنّ ثبات الشيعة عليها وتمسّكهم بها يمثّل بحثا استراتيجيّاً بين الفريقين وحدّاً فاصلاً بينهما ، ولعلّ ما روي عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام عن تبيان علّتي النهي الظاهرة والخفيّة ـ التي مرّ ذكرها ـ جاء للكشف عن النوايا والتوجّهات الحكوميّة التي أرادت أن تطمس أنَّ خير العمل هو : « برّ فاطمة وولدها ».
وبعد أن بينا تعاريف « خير العمل » في روايات أهل البيت : سابقاً ، وانها تعني : « الولاية » و « برّ فاطمة وولدها » ، نصل إلى أنّ نهي الخليفة يمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببرّ فاطمة ، وهو ما يعود بالنتيجة إلى الولاية والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا يريد الإشارة إلى خلافة غيره ، بل إنّه لا يريد الإشارة إلى كلّ ما يتعلّق بها.
وممّا يدعم هذا المعنى ما تنطوي عليه العقوبة التي فرضها عمر بن الخطاب على القائل بها ، فقوله « أنهى عنها » أو « عليها » بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعيّة « حيّ على خير العمل » ، واعتراف ضمني على ما يجول في دواخله ، ولذلك فقد ربط نهيه عن « حيّ على خير العمل » بنهييه عن متعتَي النساء والحجّ ، اللَّذَيْنِ أكّد الإمام عليّ وابن عبّاس ورعيل من الصحابة على شرعيّتها ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركها ، فترك هذه الثلاث عُمَرِيٌّ ، وأمّا لزوم الإتيان بها أو جوازه فهو علوي ، إذاً الأمر لم يكن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأمور المنهيّ عنها.
لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ، حيث إنّ الصراع الفكريّ والاعتقاديّ في تلك الفترة الزمنيّة قد اشتدّ كثيراً ، فسيطر على الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بين الشيعة والسنّة ، كلٌّ يدّعي أنَّ الحقّ في جانبه ، ولم يصلا لقاسم مشترك يرضي الطرفين في محاولة للعودة إلى حالة الألفة وعدم التنازع ، فكلٌّ منهما متمسِّك بصلابة بما توصّل إليه ؛ هؤلاء بأئمّتهم ، وأولئك بحكوماتهم.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على النصوص التي مرّت في حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٤٤٣ هـ ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفيّة واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة « حيّ على خير العمل » الذي تزامن طرحها مع مسائل اعتقاديّة أُخرى بشكل لا يمكنك التفكيك بينها ، مثل مسألة الغدير ، ولبس السواد وما إلى ذلك. فلماذا يمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح ؟ ولماذا تقع الفتنة يوم الغدير ؟
قال الذهبيّ في أحداث سنة ٣٨٩ هـ : « كانت قد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزينة يوم الغدير ، والوقيد (162) في ليلته ، فأرادت السنّة أن تعمل في مقابلة هذا أشياء ، فادّعت أنَّ اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبيّ وأبو بكر في الغار ، فعملت فيه ما تعمل الشيعة في يوم الغدير ، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوماً بعده بثمانية أيّام إلى مقتل مصعب ... » (163).
فانظر إلى الأصالة والتحر يف معاً ، وكيف تُغيّر الوقائع والأحداث عن مجرياتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرين !
ومن الحوادث التاريخيّة التي برزت فيها شعاريّة « حيّ على خير العمل » كرمز للشيعة والتشيّع ما أورده ابن الجوزيّ في « المنتظم » في أحداث سنة ٤١٧ هـ ، وما جاء في « مرآة الجنان » في أحداث سنة ٤٢٠ هـ ، حيث ذكرا بإنّ الصراع والصدامات بين الشيعة والسنّة في بغداد كانت على أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّى الأساليب التجرُّؤ على مكانة الإمام عليّ عليه السلام الرفيعة السامية ، وبذلوا كلّ ما باستطاعتهم من النيل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلى هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسيّ ظاهراً ـ أحد وعّاظه ـ إلى مسجد براثا (164) ـ مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه (165) ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولى التي ألهبت حالة الصدامات فيما بين السنّة والشيعة في بغداد في تلك السنة ، وعلى أثر ذلك فقد كتب الشيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : « محمّد وعليّ خير البشر ، فَمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر ».
ومن خلال هذه الحادثة ومثيلاتها التي حدثت في بغداد على مرّ الأيّام يظهر لنا أنَّ « حيّ على خير العمل » أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشيعة ، لأنَّ ديدن الجميع هو التأكيد والتركيز عليها ، وعدم التنازل عنها وذلك للاعتقاد الجازم بجزئيّتها ، بخلاف الحكومات التي خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت على حذفها ، ولهذا يقول صاحب السيرة الحلبيّة : « إنَّ الرافضة لم يتركوا « حيّ على خير العمل » أيّام البويهيّين إلى أن تملّك السلجوقيّين سنة ٤٤٨ هـ ، فألزموهم بالترك وإبدالها بالصلاة خير من النوم » (166).
وقد مرّ عليك تحت عنوان « مكّة / حلب ٤٦٢ هـ » كيف أن نقيب النقباء أبو الفوارس لمّا أبلغ القائم بأمر الله بأن محمود بن صالح [ والي حلب ] لبس الخلع القائميّة وخطب للقائم.
قال له القائم : أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذّنون « حيّ على خير العمل » (167) ؟!
كما وقفت على المناظرة الطويلة التي ناظرها أبي هاشم أمير مكّة وقوله لهم :
هذا أذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (168).
وجاء في الايضاح للقاضي النعمان بن محمّد بن حيون المتوفى ٣٦٣ هـ عن أبي سليم قال أخبرنا عبدالرحمن بن القاسم القطان قال أخبرنا إسماعيل بن إسحاق عن حسن بن حسين عن علي بن القاسم عن بن الربيع عن منصور عن هلال بن سنان عن علقمة بن قيس قال : أمر علي بن الصباح أن يلحق في أذانه : حيّ على خير العمل (169).
إذَنْ ، فقد قيّد التاريخ بين صفحاته بأنّ « حيّ على خير العمل » كانت شعاراً للشيعة على مرّ العصور ، ومؤشِّراً على تشيِّع حكومات وحركات ثورية عديدة ، مضافاً إلى الإجماع القاطع عليها من قَبِل أهل البيت ، وقد مرّ عليك أنّ حجّة شرعيّتها هو إجماع أهل البيت على الإتيان بها ، وقد نوه الشوكانيّ والأمير الصنعانيّ وغيرهما إلى حجيّة إجماع أهل البيت.
ومن المؤثّرات الأُخرى التي يمكن لنا أن نجعلها دليلاً شاخصاً على شعاريّة « حيّ على خير العمل » للشيعة هو ما كُتِب على المساجد والحسينيّات والتكايا القديمة ، التي هي اليوم من المعالَم الأثريّة والحضاريّة للمسلمين في مختلف بقاع العالَم ، وحتّى حديثاً فقد ذكر مؤلّف كتاب تاريخ مسجد الكوفة ، بأنَّ أمجد عليّ شاه أمر بكتابة « محمّد وعليّ خير البشر ، فمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر » على مأذنه مسجد الكوفة ، وكذا الحال في روضة مسلم بن عقيل (170) ، كما يمكننا ملاحظة شعاريّة « حيّ على خير العمل » في آثار شمال أفريقيّا التاريخيّة في المغرب والجزائر وتونس ، إذ انتشر التشيّع هناك بعد شهادة محمّد بن عبدالله بن الحسن ذي النفس الزكيّة ، وذلك بعد أن تفرّق الشيعة في مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا يتنفسون الصعداء بعيداً عن سطوة الحكومات الجائرة.
وبهذا فقد ثبت لك ممّا سبق وجود اتّجاهين عند المسلمين :
أحدهما : يتبع الخلفاء ويتّخذ الاجتهاد والرأي حتّى على حساب القرآن والسنّة في استنباطه.
والآخر : يأخذ بكلام أهل البيت والنصّ القرآني والنبوي ولا يرتضي الرأي.
وكان الاتجاهان على تضاد فيما بينهما ، فالذي لا يرتضي خلافة الإمام عليّ ابن أبي طالب وولده لا يحبذ شعارية « حيّ على خير العمل ».
أمّا الذي يعتقد بشرعيّة خلافة الأوصياء ، ويفهم من الحيعلة الثالثة أنّها دعوة إلى برّ فاطمة وولدها الذين هم خير البريّة بصريح الكتاب العزيز ـ أيّ محمّد وعليّ والزهراء والحسن والحسين ـ فيصرّ على شعاريّتها وإن كلفه ذلك الغالي النفيس.
وليس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاريخيّاً بين القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة الثالثة ، فهي إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بين نهج التعبد المحض ، وبين نهج الاجتهاد والرأي.
إنّ ما تنطوي عليه الحيعلة الثالثة من حقيقة الإمامة حينما دخلت الصراع يكشف بلا ريب عن أنّ حلبة هذا الصراع أكبر من كونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما « حيّ على خير العمل » إلّا نافذة من تلك النوافذ الكثيرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها في ذلك شأن التكبير على الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل ، والقول بمشروعيّة المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض في الصلاة ، والتختّم في اليمين أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعيّة صلاة التراويح والضحى أو شرعيّتها ، وحرمة شرب الفقاع وأكل السمك الذي لا قشر له أو حليتهما ، وجواز لبس السواد في محرم والاحتفال بيوم الغدير أو بدعيتهما وإجراء أحكام المواريث والمناكح طبق هذا المذهب أو ذاك و ...
فكلّ هذه المفردات تشير إلى وجود نهج يخالف الحكّام وما سنوه من سنن تخالف سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فندرة وجود ما يؤيّد هذا النهج في مدرسة الخلفاء لا يخدش في شرعيّتها ، بل يؤكّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً ـ رغم كلّ الظروف التي مرّت بها ـ ليؤكّد ارتباطها واستقاءها من أهل البيت ، وهو الآخر قد وضح لك سرّ الاختلاف في الوضوء والأذان وغيرها من عشرات المسائل التي اختلف فيها المسلمون والتي لم يذكرها ابن حزم وغيره بل قبلوها على أنّها ثابتة لا لبس ولا تنازع فيها.
وممّا يجب التأكيد عليه هنا هو : أنّنا حينما نتّخذ بعض الحكّام فاطميّين كانوا أم عباسيّين كنماذج للنهجين لا نريد أن نعتبرهم القدوة والأسوة ، مادحين هذا أو ماسّين بذاك ، فلا يحقّ لنا أن نسقط تصوّراتنا على هذا المذهب أو ذاك طبق ما عرفناه من أعمال هذا الحاكم أو ذاك ، فهؤلاء أناس لهم سلوكيّاتهم وتصرّفاتهم ، وكلّ ما في الأمر أنّهم يلتزمون نهجاً خاصّاً ، فقد يكونون متعبدين بما عرفوه من ذلك النهج ، وقد يكونون متجاوزين على أصوله غير عاملين بأوامره ، فلا يمكن القول بأنّ كلّ حكّام هذا الفريق كذا ، وحكّام ذاك الفريق كذا ، لأن بعض هؤلاء تخطَّوا الموازين ، كما تخطّى الطرف الآخر كذلك ، لكنّ ما نريد بيانه في هذا الفصل هو وجود اتّجاهين عند المسلمين دون النظر إلى سلوكيّات الأفراد والحكومات.
الهوامش
1. من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٨ ح ٨٩٠ ، وانظر : كتاب الأذان بحيّ على خير العمل : ٤٨ ، ٥٠ للحافظ العلوي.
2. وإليك مجمل الحركات الشيعيّة في العصر العباسي الأول « ١٣٢ ـ ٢٣٢ » :
١ ـ حركة محمّد النفس الزكيّة في المدينة سنة ١٤٥ هـ ، في عهد المنصور العباسي.
٢ ـ حركة إبراهيم ـ أخي النفس الزكيّة ـ في البصرة سنة ١٤٥ هـ.
٣ ـ حركة الحسين بن علي « صاحب فخّ » في المدينة سنة ١٦٩ هـ ، في عهد الخليفة الهادي.
٤ ـ حركة يحيى بن عبدالله ـ أخي النفس الزكيّة ـ في بلاد الديلم سنة ١٧٥ هـ ، في عهد هارون الرشيد.
٥ ـ حركة إدريس بن عبدالله ـ أخي النفس الزكيّة ـ في بلاد المغرب سنة ١٧٢ هـ ، في عهد الرشيد.
٦ ـ حركة محمّد بن إبراهيم وأبي السَّرايا في الكوفة سنة ١٩٩ هـ ، في عهد المأمون.
٧ ـ حركة محمّد بن جعفر الصادق في مكّة سنة ٢٠٠ هـ ، في عهد المأمون.
٨ ـ حركة أبي عبدالله « أخي أبي السرايا » في الكوفة سنة ٢٠٢ هـ ، في عهد المأمون.
٩ ـ حركة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب في اليمن سنة ٢٠٠ هـ ، في عهد المأمون.
١٠ ـ حركة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب في اليمن سنة ٢٠٧ هـ ، في عهد المأمون.
١١ ـ حركة محمّد بن القاسم بن عمر بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب في خراسان سنة ٢١٩ هـ ، في عهد المعتصم.
3. الخطط المقريزية ٢ : ٢٧٠. وانظر الفصل الثاني من هذا الباب «حذف الحيعلة ، وامتناع بلال عن التأذين».
4. وصف الطبري في تاريخه ٥ : ٥٥٨ هذه الحركة بقوله « فلم يَزَل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين ، فكان يجيبهم القومُ بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية » عام ٦٤ هـ ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته في حين كان ضمن مخططهم الثورة على يز يد وعلى النظام الحاكم عام ٦٥ هـ ، فلم يفلحوا في ذلك.
5. انظر : تاريخ الطبري ٧ : ٣٥٨ احداث سنة ١٢٩ و ٧ : ٣٩٠ احداث سنة ١٣٠ هـ وغيرهما.
6. وصف الطبري في تاريخه ٥ : ٥٨٨ هذه الحركة بقوله « فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين ، فكان يجيبهم القوم بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية » عام ٦٤ هـ ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته في حين كان ضمن مخطّطهم الثورة على يزيد وعلى النظام الحاكم عام ٦٥ هـ ، فلم يفلحوا في ذلك.
7. زوجته عُليّه بنت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام وهي أخت الإمام الباقر عليه السلام.
8. أهل الكوفة يسمّون مكان دفن الأموات جبّانة ، كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة ، وجبانه سالم تنسب إلى سالم بن عمارة بن عبدالحارث « انظر : معجم البلدان ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠ ».
9. الأذان بحيّ على خير العمل : ٨٣ للحافظ العلوي.
10. الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي : ٨٧ وانظر : إمالي أحمد بن عيسى ١ : ٩٧ الحديث ٢٣٦.
11. الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي : ٨٨ ، ٨٩ ، وبتحقيق عزّان : ١٤٧ ح ١٨٦ ، ١٨٧.
12. مقاتل الطالبيّين : ٤٤٣ ـ ٤٤٧ وقد رويناه مختصراً.
13. تاريخ الطبري ٨ : ١٩٢ ، ١٩٣ ، الكامل في التاريخ ٥ : ٧٤ ـ ٧٥.
14. تاريخ الطبري ٧ : ١٦٠. وقد أجاب الإمام زيد عن هذه التهمة وقال ليوسف بن عمر : أنّى يودعني مالاً وهو يشتم آبائي على منبره.
فارسل [ يوسف ] إلى خالد فاحضره في عباءة فقال له : هذا زيد ، زعمت أنك قد أودعته مالاً ، وقد أنكر.
فنظر خالد في وجههما ثمّ قال : أتريد أن تجمع مع إثمك فيّ إثماً في هذا ! كيف أودعه مالاً وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر ! قال : فشتمه يوسف ، ثمّ رده ، « تاريخ الطبري ٧ : ١٦٧ ».
15. تاريخ الطبري ٧ : ١٦٣ احداث سنة ١٢١.
16. انظر : تفاصيل هذا الأمر في الكامل لابن الأثير ٥ : ٣١٤ ـ ٣١٧ حوادث سنة ٢٥٠.
17. تاريخ طبرستان لابن اسفنديار الكاتب : ٢٣٩ وعنه في تاريخ طبرستان للمرعشي ٨٨١ هـ.
18. الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٧ : ٢٧٠.
19. بغية الطلب ٢ : ٩٤٤.
20. اخبار بني عبيد ١ : ٥٠.
21. رجّح محقّق كتاب نشوار المحاضرة أن يكون المقصود من القطيعة هي قطيعة أمّ جعفر ، وهي محلّة ببغداد عند باب التبن وهو الموضع الذي فيه مشهد الإمام موسى ابن جعفر ، لكن ترجيحه ليس براجح بنظرنا ، لأن أبا الفرج لو أراد تلك القطيعة لقال : رجلُ من أهل القطيعة أو رجل من قطيعة أمّ جعفر ؛ وذلك لتمييزها عن القطائع الكثيرة الأخرى ـ والتي ذكرها صاحب معجم البلدان ٤ : ٣٧٦ ـ كقطيعة إسحاق ، وقطيعة الرقيق ، وقطيعة الربيع ، وقطيعة زهير ، وقطيعة العجم ، وقطيعة عيسى وغيرها.
وحيث لا يمكن الترجيح أو القول بأن القطيعة هي علم لقطيعة أم جعفر فلابدّ من احتمال أن تكون القطيعة هي تصحيف للقطعية وهي الفرقة التي قطعت بموت موسى ابن جعفر وإمامة عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام ، وهم في مقابل الواقفيّة التي وقفت على إمامة موسى بن جعفر الكاظم ولم تقل بإمامة مَن بعده ، ويترجّح احتمالنا حينما نرى التنوخي يأتي بـ « خبر أذان رجل من القطيعة » بعد خبر « حجّام يحجم بالنسيّة إلى الرجعة » وكلاهما يرتبط بأمر تقوله الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة.
ويتقوى احتمالنا هذا حينما نرى الإصفهاني ـ الزيدي العقيدة ـ ينقل هذا الخبر ، وهو تأكيد لأذان الإمامية القطعيّة في الكاظميّة ، وأنّهم كانوا يؤذّنون بالشهادة الثالثة. ولو أحببت أن تتأكّد بأن القطعية هو اصطلاح للشيعة الاثني عشريّة راجع كتب الشيخ الصدوق ومقالات الإسلامين للأشعري ١ : ١٧ ، والملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٩ ، وخاتمة المستدرك ٤ : ٢٤٨ عن النوبختي في كتاب مذاهب فرق أهل الامّة.
وعلى فرض أن يكون المراد قطيعة أمّ جعفر ، فهي أيضاً كانت من الأماكن التي يقطنها الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة ، قال الحموي في معجم البلدان ٤ : ٤٤٨ ، وأهل الكرخ كلهم شيعة إماميّة لا يوجد فيهم سنيّ ألبتة. وانظر : حول تشيعها الاثني عشري البداية والنهاية ١١ : ٣٠٧ / احداث سنة ٣٧٩ ، وموسوعة العتبات المقدّسة « الكاظمية » ٩ : ١١٥.
هذا وقد أضاف المحقّق جملة من بعض النسخ تشمئز منها النفوس ولا تتّفق مع السير التاريخي وارتباط هند وابن عمر بمسألة الأذان ، فراجع.
22. نشوار المحاضرة للتنوخي ٢ : ١٣٣.
23. الخطط المقريزية ٢ : ٣٣٤.
24. بناحية اكشونيت.
25. رسائل ابن حزم الأندلسي ٢ : ٨٤ الرسالة الثانية « نَقط العروس في تواريخ الخلفاء » تحقيق احسان عباس بيروت ١٩٨٧.
26. هذا اشتباه من الكاتب ، ذلك ان الزيديّة كانت تقول بهذا قبل هذا التاريخ حسبما وضحناه.
27. يعني به الذي ليس فيه « حيّ على خير العمل ، المفسر بمحمد وعلي خير البشر » !
28. خطط المقريزي ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.
29. أعيان الشيعة ٨ : ٢٦٩.
30. تاريخ الإسلام : ٨ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ ، الكامل في التاريخ ٧ : ٤ ، المنتظم ١٤ : ١٤٠.
31. تاريخ الإسلام : ١٢ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ.
32. المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والأثار للمقريزي ٢ : ٣٤٠.
33. وفيات الأعيان لابن خلكان ١ : ٣٧٥ وانظر : أخبار بني عبيد ١ : ٨٤.
34. وفيات الأعيان ، لابن خلكان ١ : ٣٧٩.
35. المنتظم ١٤ : ١٩٧.
36. العبر في خبر من غبر ٢ : ٣١٦.
37. مآثر الانافة للقلقشندي ١ : ٣٠٧.
38. تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.
39. سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٦٠ وتاريخ الإسلام.
40. نهاية الارب في فنون الادب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.
41. البداية والنهاية ١١ : ٢٨٤.
42. نهاية الارب في فنون الأدب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.
43. تاريخ ابن خلدون ٤ : ٤٨.
44. الكامل في التاريخ ٧ : ٣١.
45. شذرات الذهب ٣ : ١٠٠.
46. انظر : قريباً منه في أخبار بني عبيد ١ : ٨٥.
47. مرّ عليك أنّ معاوية بن أبي سفيان هو أوّل من ابتدع هذه المقولة ورسّخ أركانها « كما عن كتب الأوائل السيوطي : ٢٦ ». وقد كان لهذا الأمر جذر متجذر في زمان عمر ، ذلك أنّه لمّا قدم عمر مكّة أتاه أبو محذورة وقد أذّن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح ، قال : ويحك أمجنون أنت ؟! أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتّى تأتينا. « مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٣٠٧ ».
48. المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧١.
49. النجوم الزاهرة ٤ : ٣٢.
50. تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.
51. تاريخ الإسلام : ٤٨ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ.
52. سير أعلام النبلاء ١٥ : ١١٦ ، تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.
53. البداية والنهاية ١١ : ٢٨٤.
54. البداية والنهاية ١١ : ٢٨٧ ، وكلام ابن كثير يشير إلى عمل أهل السنة والجماعة بالتقيّة لو احسوا الضرورة لذلك ، كما يفعله اليوم الخط السلفي واتباع الطالبان ، فلا يرتضي أحد منهم أن يُنسَب إلى ابن لادن خوفاً من القتل والسجن !
55. النجوم الزاهرة ٤ : ٥٧.
56. النجوم الزاهرة ٤ : ٥٧.
57. المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤٠ ـ ٣٤١.
58. زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم المتوفّى ٦٦٠ هـ ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، تحقيق سامي الدهان ، طـ المعهد الفرنسي.
59. اليواقيت والضرب لإسماعيل أبي الفداء : ١٣٤ ، تحقيق محمّد جمال وفالح بكور.
60. احسن التقاسم في معرفة الاقاليم : ٤٨٠ وفيه « يهوعلون » ويبدو أنّه تصحيف : يحوعلون أو يحيعلون ، ومعناه قولهم « حيّ على خير العمل » في الأذان.
61. تاريخ ابن خلدون ٤ : ٦٠ ـ ٦١.
62. الكامل في التاريخ ٧ : ٣٠٥ حوادث سنة ٤١١.
63. سفر نامه ناصر خسرو : ١٢٢.
64. النجوم الزاهرة ٤ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
65. لانّه كان قد قرئ في سنة ٣٩٥ سِجِلٌّ فيه منع الناس من تناول الملوخيا أكلة معاوية ابن أبي سفيان المفضَّلة ومنعهم من أكل البقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة ومن المتوكّلية المنسوبة إلى المتوكّل ، والمنع من عجين الخبز بالرِّجل ، والمنع من أكل الدلينس ، وكان في هذا الكتاب أيضاً : المنع من عمل الفقاع وبيعه في الأسواق ، لما يؤثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كراهيّة شرب الفقاع ، وضرب في الطرقات والأسواق بالجرس ونودي أن لا يدخل أحد الحمام إلّا بمئزر ، ولا تكشف امرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاده أحد من الصيادين. المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤١ »
66. المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤٢.
67. نهاية الارب في فنون الأدب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.
68. الكامل في التاريخ ٨ : ٥٣.
69. المنتظم ١٥ : ٣٢٥.
70. تاريخ أبي الفداء ١ : ١٧٠.
71. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ٥ : ٤٩.
72. الكامل في التاريخ ٨ : ٥٩ ـ ٦٠ حوادث سنة ٤٤٣.
73. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ١٥ : ٣٣١ وتاريخ ابي الفداء ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١ ، وتاريخ الإسلام ٣٠ : ٩.
74. الكامل في التاريخ ٨ : ٦٤ ، وانظر كلام ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة ٤٠٢ « الشذرات ٣ : ١٦٢ ».
75. الكامل في التاريخ ٨ : ٦٥.
76. تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٧٢ ، البداية والنهاية ١٢ : ٦٨ ، العبر في خبر من غبر ٣ : ٢٠٥ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٣٠ : ٩.
77. الكامل في التاريخ ٨ : ٧٩ ، وفي النجوم الزاهرة ٥ : ٥٩ مثله.
78. المنتظم ١٦ : ٧ ـ ٨.
79. البداية والنهاية ١٢ : ٧٣.
80. السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٥.
81. النجوم الزاهرة ٥ : ٥٩.
82. تاريخ أبي الفداء ٢ : ١٧٤.
83. الكامل في التاريخ ٨ : ٧٢ ـ ٧٣ حوادث سنة « ٤٤٧ ».
84. كان البساسيري مملوكاً تركياً من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة [ البويهي ] ، تقلبت به الأمور حتّى بلغ هذا المقام المشهور ، واسمه أرسلان وكنيته أبو الحارث. انظر : الكامل لابن الأثير ٨ : ٨٧ أحداث سنة ٤٥١.
85. الكامل في التاريخ ٨ : ٨٣ ، وانظر : البداية والنهاية ١٢ : ٨٢ ، تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٤٩.
86. النجوم الزاهره ٥ : ٦.
87. المنتظم ١٦ : ٣٢ حوادث ٤٥٠.
88. نهاية الارب في فنون الادب ٢٣ : ٢٢٧.
89. تاريخ بغداد ٩ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ ، ومثله في بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ٣ : ١٣٥٢ ، والبداية والنهاية ١٢ : ٨٤.
90. تاريخ الخلفاء ١ : ٤١٨.
91. تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٠.
92. سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٩٠.
93. تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢١.
94. ولي هذا خراسان بعد وفاة والده جغري بك دواد سنة ٤٥٢ ، وداود كان أخ السلطان طغرلبك السلجوقي المعروف.
95. الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٧.
96. الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٩.
97. الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٨.
98. في أحداث سنة ٤٢٨.
99. النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣.
100. النجوم الزاهرة ٥ : ٨٩.
101. تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٣.
102. ولي المقتدي ٤٦٧ بعد وفاة والده القائم بالله ، وممّا يجب التنبيه عليه أنّ الخطبة للعلويّين أعيدت بمكّة بعد وفاة القائم بالله وقطع خطبة المقتدي وكانت مدّة الخطبة العباسيّة بمكّة أربع سنين وخمسة أشهر ، ثمّ أعيدت في ذي الحجّة سنة ثمان وستين وأربعمائة « انظر : الكامل في التاريخ ٨ : ١٢١ ».
103. مآثر الإنافة للقلقشندي ٢ : ٥.
104. الكامل في التاريخ ٨ : ١٢٢ أحداث سنة ٤٦٨ هـ.
105. البداية والنهاية ١٢ : ١٢٠ ، ١٢٧.
106. تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٤.
107. تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.
108. النجوم الزاهرة ٥ : ١٢٠.
109. وقد عبّر ابن الجوزي عن الحيعلة الثالثة بالتثويب تساهلاً منه ؛ لأنّها حلّت محلّ « الصلاة خير من النوم ».
110. المنتظم في تاريخ الامم والملوك ١٦ : ٢٤٢.
111. النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣٨.
112. اتعاظ الحنفاء في تاريخ الائمّة الخلفاء ٣ : ١٤٣.
113. تاريخ أبي الفداء ٣ : ٦.
114. وفيات الاعيان ٣ : ٢٣٦. تاريخ ابن خلدون ٤ : ٧١ ـ ٧٢.
115. بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمّد بن أحمد بن إياس الحنفي طـ الهيئة المصريّة العامة ١٤٠٢ هـ.
116. نهاية الارب في فنون الادب : ٧٤٦٧.
117. تاريخ بن خلدون.
118. المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ : ٢٧١ ، وانظر : قصّة قتل أبي علي بن كثيفات في الكامل في التاريخ ٨ : ٣٣٤ أحداث سنة ٥٢٦ هـ.
119. العبر في خبر من غبر ٤ : ٦٨ ، شذرات الذهب ٢ : ٧٨ ، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٥٠٩ ـ ٥١٠.
120. مرآة الجنان وعبرة اليقظان ٣ : ٢٥١.
121. هو نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر ، المولود سنة ٥١١ هـ ، وكان حنفي المذهب داعية إلى مذهبه ، وهو مؤسّس الدولة النوريّة في الشام.
122. زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ٢ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦.
123. سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٢٧٦.
124. الروضتين في أخبار الدولتين ١ : ٢٠٢.
125. العبر في خبر من غبر ٤ : ٦٣١ ، الدارس في تاريخ المدارس ١ : ٣٦٨.
126. البداية والنهاية ١٢ : ٢٩٨.
127. النجوم الزاهرة ٥ : ٢٨٢.
128. الروضتين في اخبار الدولتين ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.
129. خطط الشام لمحد كرد علي ٢ : ٢١.
130. الروضتين في اخبار الدولتين ١ : ٣٤٧ ، بغية الطلب في تاريخ حلب ٤ : ٢٠٢٤.
131. زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم ٢ : ٤٨٦.
132. نهاية الارب في فنون الأدب الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.
133. الروضتين في أخبار الدولتين ٢ : ١٨٤.
134. البداية والنهاية ١٢ : ٢٨٣.
135. انظر الكامل ٩ : ١١١ وعنه في الروضتين في أخبار الدولتين ٢ : ١٩٠.
136. نهاية الارب في فنون الأدب الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.
137. انظر : شذرات الذهب ٤ : ٢٢٨.
138. الروضتين في أخبار الدولتين ٢ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ : ٣٠٩ وفيه : شرط عليه الروافض. وانظر حاشية الشيخ اغا بزرك الطهراني على مستدرك وسائل الشيعة والمطبوع معه ٣ : ٨.
139. رحلة ابن جبير ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، وقد ذكر بعض ما يتعلق بأئمّة المذاهب الأربعة ، وأغفل ما يتعلّق بإمام الزيديّة !!
140. النجوم الزاهرة ٦ : ١٠٣ ، الروضتين في أخبار الدولتين ٣ : ٢٧١.
141. النجوم الزاهرة ٦ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
142. الدرر الكامنة ٢ : ٩.
143. طبع موخّراً المؤرّخ الحجّة الشيخ رسول جعفريان رسالة الجايتو والتي ألّفها باللغة الفارسيّة موضحاً فيها أسباب تشيّعه فليراجع.
144. روضة المتّقين للعلّامة المجلسي ٩ : ٣٠ احقاق الحق ١ : ١١ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ، مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٦. وانظر : خاتمة مستدرك الوسائل للنوري وغيرها.
145. وفاء الوفاء للسمهودي ١ ـ ٢ : ٦١٢ الفصل ٢٧.
146. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ٢ : ٢٦٠ الترجمة ٢٩٦٥.
147. رحلة ابن بطوطه : ١٨٦ / بعد ذكره لمدينة « البحرين ».
148. صبح الاعشى ٧ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.
149. البدر الطالع ٢ : ١٢٢.
150. ابن المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي بن محمّد بن الرشيد بن أحمد بن الحسين بن عليّ بن يحيى بن محمّد بن يوسف الاشل بن القاسم بن محمّد بن يوسف الأكبر بن المنصور بن يحيى بن الناصر بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
151. سمط النجوم العوالي ٤ : ١٩٨ ـ ٢٠٠.
152. نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر : ١٦٤٦.
153. هذا غلط من القلقشندي فالزيديّة تقول بالحيعلة الثالثة بعد الحيعلتين لابدلهما.
154. صبح الاعشى في صناعة الإنشاء للقلقشندي ١٣ : ٢٣١.
155. رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٩. ومثله جواب القاضي ابن البراج في جواهر الفقه : ٢٥٧.
156. المهذب ١ : ٩٠.
157. من لا يحضره الفقيه ١ : ١٨٨ باب الأذان والإقامة وثواب المؤذّنين ح ٣٥.
158. سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالى في الباب الثالث من هذه الدراسة « أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعيّة والابتداع ».
159. وقد تكون الشهادة الثالثة هي تفسير للشهادة الثانية كذلك وهذا ما سنوضحه لاحقاً في الباب الثالث « أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعيّة والابتداع ».
160. هي الفترة السياسيّة لخلافة بني العبّاس ؛ من خلافة أبي العبّاس السفّاح إلى خلافة الواثق بالله ، أيّ خلافة : أبي العبّاس السفّاح ، والمنصور الدوانيقيّ ، والمهدي العبّاسيّ ، والهادي العباسيّ ، وهارون الرشيد ، والأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، وآخرهم الواثق بالله ، ومن بعد وفاته إلى الغزو المغوليّ لبغداد ، اصطلح عليه بين المؤرّخين بالعصر العبّاسيّ الثاني.
161. انظر : الفصل الثالث « حيّ على خير العمل ، دعوة للولاية وبيان لاسباب حذفها ».
162. أيّ إيقاد الشموع والقناديل والإضاءة.
163. تاريخ الاسلام : ٢٥ حوادث سنة ٣٨١ ـ ٤٠٠ هـ.
164. ومسجد براثا من المساجد العريقة والقديمة جدّاً ، وكان يومذاك بمثابة معقل الشيعة وحصنهم الحصين ، وتخرّج منه الكثير من الرجال الذين دخلوا تاريخ عالَم التشيّع ، حتّى قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ١١ : ٢٧١ حوادث سنة ٣٥٤ هـ ، إنّه : « عشّ الرافضة » ، وكان ابن عقدة يعطي دروسه فيه ، ونقل عنه أنّه كان حافظاً لستمائة ألف حديث ، ثلاثمائة ألف حديث منها كانت في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، هذا مضافاً إلى إيواء المسجد لعدد كبير من علماء الشيعة ، وكانوا على درجة عالية من الوعي والصلابة في الدين ، جعلت من أحد النواصب لأن يسمّيه بغضاً وتعنتاً بـ « مسجد ضرار » انظر البداية والنهاية ١١ : ١٧٣.
165. البداية والنهاية ١٢ : ٢٨ ـ ٢٩ حوادث سنة ٤٢٠ هـ.
166. انظر السيرة الحلبيّة ٢ : ٣٠٥.
167. الكامل ١٠ : ٦٤.
168. النجوم الزاهرة ٥ : ٩٢.
169. الايضاح : ١٠٩ المطبوع في « ميراث حديث شيعه » دفتر دهم.
170. قال الشيخ محمّد رضا المظفر في ترجمته لصاحب جواهر الكلام الشيخ محمّد حسن النجفي : ومن آثار الشيخ بناء مأذنة مسجد الكوفة وروضة مسلم بن عقيل ... وكان ذلك ببذل ملك الهند أمجد علي شاه وقد أرخ الشيخ ابراهيم صادق ذلك من قصيدة مدح بها الشيخ والملك هذا ، فقال مؤرخاً للمأذنة في آخرها :
واستنار الافق من مأذنه |
أذن الله بأن ترقى زحل |
|
لهج الذاكر في تأريخها |
علناً حيّ على خير العمل |
جواهر الكلام ١ : ٢١.
مقتبس من كتاب : [ الأذان بين الاصالة والتحريف ] / الصفحة : 337 ـ 426
التعلیقات