الزهراء سلام الله عليها حوراء إنسيّة
السيّد علي الحائري
منذ 15 سنةالسؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّ يا ربّ على محمّد و على آله الطيبين الطاهرين.
ورد في المصادر المعتبرة بأنّ أصل نطفة خلق الزهراء عليها السلام ، هو ثمرة من الجنّة ، أكلها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وورد بأنّها حوراء أنسية.
سؤالي هو مركّب من عدّة أوجه :
أوّلاً : ما الذي نستفيده من جنس مادّة الخلق إذا كان من تراب الجنّة أو من تراب الأرض ؟ ونحن نعلم بأنّ أوّل من جادل بالرجوع لجنس مادّة الخلق هو إبليس ، عندما قال : أنّه أفضل من آدم ؛ لأنّه مخلوق من نار ، و آدم مخلوق من تراب ، فكان المفكّرون الإسلاميون يقولون : بأنّ المقايسة بالمادّة باطلة.
ثانياً : وهذا سؤال قديم حديث لأنّي لم أفهم الإجابة ؛ فأرجو التفصيل فيها ، والسؤال هو : إذا كانت الزهراء عليها السلام حوراء إنسيّة ، فكيف تستحقّ هذه الدرجة التي وصلت إليها ، ولا يصل إلى هذه الدرجة إلّا مَن ابتلاه الله البلاء العظيم واختبره الاختبارات المزلزلة ، والحال أنّها حوراء إنسيّة منذ خلقها ـ أيّ لا يجري عليها البلاءات والاختبارات الآداميين ـ ؟
ثالثاً : هل أبناء الزهراء عليها السلام الذين يحيون بيننا فيهم شيئاً من هذا التميّز في مادّة جنس الخلق بسبب الوراثة ، وإلّا يستدعي ذلك نوعاً من التفرقة العنصريّة رجوعاً إلى الواقع ؟
الجواب :
أوّلاً : لم يتّضح لنا وجه السؤال ، إذ لا شكّ في أنّها حوراء إنسيّة ، ولا شكّ في أنّ مادّة الخلق إذا كانت من الجنّة فلا تقاس بها مادّة الخلق الأرضيّة.
وأمّا إبليس فلم تكن مشكلته سوى التكبّر والعناد أمام الأمر الإلهي وعدم الاستسلام له ، وحاشا الحوراء الإنسيّة سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أن تتكبّر أمام الله تبارك وتعالى.
ففكرة « الحوراء الإنسيّة » حينما تطرح لا يرى بها سوى بيان أمر واقع ، وهو أنّ الله تبارك وتعالى أتحف نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم بتفاحة الفردوس والخلد (1) ، وخصّ بها رسوله الأعظم ، فالله أراد لها ذلك ، فهل من مشكلة ؟ كما أراد لها أن تكون هي « الكوثر » المعطى ، وأراد لها أن تكون أمّ الأئمّة النجباء.
ثانياً : أنّها حوراء إنسيّة (2) ، وأنّها أيضاً ممتحنة امتحنها الله قبل أن يخلقها ، فوجدها لما امتحنها صابرة ، كما ورد في زيارتها (3) ، بمعنى أنّ الله علم منها ذلك قبل أن يخلقها ، علم منها أنّها سوف تصبر أمام كلّ الزلازل ، و تصبر على كلّ البلاءات والمصائب ، وهذا هو معنى « العصمة » فيها وفي غيرها من المعصومين عليهم السلام ، كما ورد في دعاء الندبة :
اَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيائِكَ ، الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَلَا اضْمِحْلَالَ ، بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ ، وَزُخْرُفِهَا وَزِبْرِجِهَا ، فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ.
فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ وَقَدَّرْتَ لَهُمُ ... (4)
ثالثاً : فنحن نرفض العنصريّة بمعناها المصطلح ، لكنّنا نكرم أبناء الزهراء إكراماً للزهراء وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله وسلامه عليهم.
الهوامش
1. راجع : علل الشرايع « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 1 / الصفحة : 183 / الناشر : منشورات المكتبة الحيدرية.
راجع : الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 153 / الناشر : دار المعرفة.
راجع : المعجم الكبير « للطبراني » / المجلّد : 22 / الصفحة : 400 ـ 401 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 2.
2. راجع : الأمالي « للشيخ الصدوق » / الصفحة : 546 / الناشر : مركز الطبعة والنشر في مؤسسة البعثة.
راجع : تفسير فرات الكوفي « لفرات بن ابراهيم الكوفي » / الصفحة : 216 / الناشر : مؤسسة الطبعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي / الطبعة : 1.
راجع : معاني الأخبار « للشيخ الصدوق » / الصفحة : 396 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين في حوزة العلميّة بقم.
3. راجع : تهذيب الأحكام « للشيخ الطوسي » / المجلّد : 6 / الصفحة : 9 ـ 10 / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : 4.
راجع : مصباح المتهجّد « للشيخ الطوسي » / الصفحة : 711 / الناشر : مؤسسة الفقه ـ البيروت.
راجع : المزار « للشيخ المفيد » / الصفحة : 178 / الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر.
راجع : المزار « لابن المشهدي » / الصفحة : 79 ـ 80 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ نشر القيوم / الطبعة : 1.
4. إقبال الأعمال « لسيّد بن طاووس » / المجلّد : 1 / الصفحة : 504 / الناشر : مكتب الإعلام الإسلامي / الطبعة : 1.
راجع : المزار « لابن المشهدي » / الصفحة : 574 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ نشر قيوم / الطبعة : 1.
راجع : بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 99 / الصفحة : 104 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 3.
التعلیقات
١