ما حكم من يلعن الصحابة
الصحابة والتابعين
منذ 15 سنةما حكم من يلعن الصحابة
السؤال : أنا من مقلدي السيد الخوئي على البقاء ، ما حكم لعن الصحابة ( الخلفاء ) مع الدليل ؟ وما هو الواجب تجاه شخص يلعن الصحابة ( الخلفاء ) ؟
الجواب : من سماحة الشيخ هادي العسكري
السباب والشتم ليس من عادتنا ، والقذف والقدح ليس من مذهبنا ، وهذه المسألة ليست من المسائل الفرعية التي يجوز التقليد فيها ، أو يمكن الاكتفاء بقبول قول الغير بها ، بل معرفة الصحابة ، وتقييمهم وتشخيص المؤمن والفاسق منهم من المسائل العقائدية الأصولية الأساسية التي يستوجب تحصيل القطع والعلم بها ، وإدلاء الحجج ، وإثبات الأدلة لسلامتها ، وقناعة النفس بها ، وهي مركز بناء المسائل العملية ، والأخذ بقولها ، وبعدما انقسم الصحابة بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى قسمين : قسم بقى ومضى في سبيل الله ، وعلى طريق الحق ، ومتابعة الرسول واستمر على منهاجه القويم ، وقسم استحوذ عليهم الشيطان الرجيم ، وانحرفوا عن الصراط المستقيم ، ورجعوا القهقرى إلى الكفر والارتداد ، وانقلبوا بصريح القرآن الكريم ، وأثبت التاريخ صحة الغيب الذي نزل من السماء ، وظهر كظهور الشمس ارتداد بعضهم ، ومحاربتهم للحق وللقرآن وللرسول سيد الأنبياء .
فالواجب بعد معرفة الرسول صلى الله عليه وآله معرفة الصحابة ، وتعيين القسم الثاني عن الأوّل ، والفرق بين هذا وهذا ، وأمّا حديث الاعتراف بهما وقبول كليهما ، والغضّ والسكوت عما صدر منهم ، فهو قول باطل سخيف ، وخرافة ، وكلام مردود ، وخدع وخداعة ، وهو من دسيسة الشياطين ، ووسيلة المأجورين من خدمة الكفر والظالمين ، وكلمة رجال القصعة ، ورباة موائد الأمويين ، وسلاح وعّاظ السلاطين لمرضاة إبليس اللعين ، فيستحيل قبول كلهم والسكوت عنهم ، إلا إذا اجتمع الحق والباطل معاً واتفقا وتحابيا ، أو اجتمع الظلام مع الضياء ، واجتمعت الأرض مع السماء ، والحق والباطل ، والصحيح والفاسد لا يجتمعان ولا يتقاربان ، بل يتنافران تنافر الجنة من النار ، والليل عن النهار ، فالمفروض واللازم على كل مسلم أن يعرف الحق ، ويعلمه بالدليل والبرهان ، فيعتنقه ويتبعه ويتابع أهله ، ويشخص الباطل ويميزه بالحجة والسلطان ، فيرفضه ويبغضه ويترك أتباعه وأشياعه ، وله شرطان أساسيان:
الشرط الأوّل: أن يترك العصبية العمياء ، وينبذ جهالة الجهلاء ، ومتابعة الأهواء ، وتقليد الأمهات والآباء ، ويستمع إلى العديد من الآيات في القرآن المبين ، عن قول اليهود والمشركين:{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزخرف/23) ، فلا يكون منهم ، وليخرج عنهم ويثبت أنّه ليس مثلهم .
والشرط الثاني : أن يسمع حديث الطرفين ، ويطالع كلام الخصمين ، ويتأمّل دليل القولين ، فيختار الحق من البين ، ويحكم به ويقبله ، ويرد الباطل ويفنده ، ولا يجوز الأخذ من أحد الجانبين ، ولا يصح الاكتفاء بأحد الدليلين ، ولا يعذر عند أحد من العقلاء ، ويكون مسؤولاً عند رب المشرقين والمغربين .
ثمّ بعد العلم بالحق واختياره ، ومعرفة أولياء الله عن أعدائه ، يجب عليه الموالاة لأئمّة الحق ورجاله ، وإتباعهم ، والبرائة من أعداء الله والمعاندين والمخالفين لأحكامه ، وهما فريضة من فرائض رب العالمين ، وفرضها الحكيم في كتابه الكريم ، وجعلها مطلوبة وأسوة حسنة لإمام الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(الممتحنة/4).
وقال :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ }(الممتحنة/1).
وقال :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}(النساء/144).
وقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}(التوبة/23).
واقرأ آخر آية من سورة المجأدلة ، والعشرات من أمثالها ، فهذا القرآن دستورنا ، وهو منهجنا ، وكتابنا فرّق بين الصالح والطالح ، والصادق و الكاذب ، والعامل والتارك ، والمطيع والآثم ، ولعن المنافق والفاسق ، والظالم ، وتبرّأ من المشرك والكافر ، ومدح المؤمن وعظمه ، ورغّب وحثّ بموالاته ، وحب العمل يوجب الموالاة لعامله ، وبغض الشيء يسبّب البراءة من فاعله ، فالموالاة والبراءة هما في الدين قوامه وفرعه وتبيانه وشعاره ، ألا وقد انقطع وارتفع عذر من سمع مقالتي ، أو قرأ كتابتي ، واُوصيه أن يطلب الهداية من ربه ، ثمّ يبادر إلى نجاة نفسه ، ثمّ ذويه وأهله ، هذا ما كان من البلاغ علينا .
التعلیقات