كيف يتم الانتفاع به في الغيبة
الإمام المهدي عليه السلام
منذ 15 سنة
كيف يتم الانتفاع به في الغيبة
السؤال : لقد جاء في الحديث المنسوب للإمام المهدي عليه السلام : « أمّا أوجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس حين تغيبها عن الانظار السحاب » ، كيف يتم الانتفاع حين تحجب بالسحاب ، وما هو أوجه الشبه في ذلك ؟
الجواب : من سماحة الشيخ هادي العسكري
سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، الذي هو بالحق ناطق : كيف ينتفع بالإمام الغائب ؟ قال : « كانتفاعكم بالشمس حين تستر بالسحاب » .
قديماً قالوا : كلام الملوك ملوك الكلام ، وأقول : لو كان كلام دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق ، فهذا أحدها الذي لا يعرف أحد مغزاه ، ولا يحيط بتمام معناه ، وكامل تفسيره إلا من قاله ونطق به ، والدليل على ذلك : إننا لا نستطيع أن نعرف حقيقة الشمس وجوهرها ، ونعلم كل آثارها ، وكمية أخذ كل موجود من الموجودات ، واكتساب كل المخلوقات جميعها من الحيوان والنبات والجماد على هذه الكرة الأرضية من نورها وحرارتها واثرها وتأثيرها ، واستمدادها في وجودها ، وتكوينها واحيائها هذا ما في البراري والقفار ، ويبقى ما في البحار وعجائب المخلوقات فيها بل يبقى ما في سائر السياراة وما يتبعها من الانجم والمجرات ، فمن الذي يعلم ويمكنه أن يحيط بكل أسرارها وآثارها ، وفعلها وانفعال غيرها بها ، فكل واحد من الفلكي والرياضي والطبيعي و ... و ... وإنّما يعرف موضوع علمه وموضع عمله وموضعة خبرته ، ولو فرضنا أنّ كل هؤلاء العلماء علموا جمعاء كل اثارها إلى هذا الحين ، واكتشفوا كل اسرارها ، فمن الذي يضمن أنّهم لم يكتشفوا في المستقبل القريب والبعيد والعصور الآتية اضعاف ما علموا ويظهر لهم كثير ما جهلوا .
ثمّ لنفرض أنّها لو وقفت عن الحركة ساعة مإذا يحدث في الكون من خلال وقفتها ، ومإذا يحصل في نظام العالم من سكونها ، ومدى ما تؤدي من نقص وخلل من فرارها ووهن واختلاف من استقرارها ، فليس في وسع العلم أن يدعى الاحاطة بمعرفتها ، ثمّ يأخذ بعد وجود السحاب وآثارها ، ويعلن مقدار كمها وكيفها ، ونتيجة الانتفاع بها معها ، ويقيس نسبة وجود السحاب وعدمها ، ويعطي خلاصة الحساب ، ودرجة الانتفاع بها لنا ، فليس لنا أن تدعى معرفة هذا الكلام بكاملها بل نذكر ونعطى مقدار معرفتنا لها فنقول : اتفق المسلمون على قول الرسول صلى الله عليه وآله أنّه قال: « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، فبدلالة هذه الصحيحة الثابة ، فنفس عرفان الإمام ، ومجرد الاعتقاد والإيمان بوجوده ، وليس مع شرط الحضور والوصول إليه يوجب الابتعاد عن الهلاك والنيران ، والسلامة عن الكفر والطغيان ، والقبض على مفاتيح الجنان هذا أوّلاً .
وبعده العمل بأقواله ، ومتابعة ارائه ، والسير على منهاجه ، وعدم الانحراف عن طريقته ، والالتزام بقيادته هذا ثانياً .
ولا تغفل عن آثار حالة الانتظار ، والتألم والتأثر بها ، وما ورد من الأجر فيها ، وطول الابتلاء والامتحان بها ، والابتلاء والاختبار بها سنة الله في عباده ، والاشتياق إلى اللقاء ، والتشوق إلى فرجه الملتقى وهذا ثالثاً .
وبعده أثر الامل ، والرجاء في سكون النفس ، وراحة الروح ، وسلامة الإنسان ، وهل يُعلم من مرارة العيش ما في اليأس والاًسى ، وهل يخفى ما في الامال والرجاء من حلاوة الحياة ، وحصول الطيب والسعادة والهناء وهذا رابعاً .
وبعده خامساً : ما في الدعاء بتعجيل الفرج نعم الدعاء ، وما أدراك ما الدعاء الذي هو مخ العبادة ، ولب الطاعة ، وحقيقة الاطاعة التي تظهر عند الطلب والإنابة ، والتضرع والتذلل والإستغاثة ، وبالاخص عندما لا يكون الدعاء لنفسه خاصة بل يكون للعموم ، وللمؤمنين عامة الذي ورد الاًمر به ، والجفاء بدونه ، ووعد الإجابة حتماً في ضمنه .
وبعده سادساً : الاستشفاع به والتوسل بدعائه سلام الله عليه ؛ فإنّه مالك النهي في الحياة وصاحب الأمر ، ومن تتنزل عليه الملائكة والروح في ليلة القدر لكل قضاء وقدر ، وبإذن ربهم من كل أمر ، ولكل أمن وسلام هي حتى مطلع الفجر بظهوره وكشف السحاب ، ورفع الحجاب بطلوع شمس وجوده ، وإقامة الحق ، والقسط والعدل ، وابادة الظلم والجور والبغي بباتر سيفه ، وصارم بيانه ، وعسى الله أن يكون قريباً .
وبعده سادبعاً : وهو الذي يكون السموات السبع ومن الأرض مثلهن وما بينهن متنعّم بفضل وجوده وبركاة جوده ، وهل يحصر أو يعدّ أم هو خارج عن الحساب والحدّ فكم وكم وكم ، وهل يحصر بالعدّ وبالكم الناجي والناجح بدعائه ، والمفلح المنجح ببركة جاهه ، فمن يعلم يومياً كم من مستغيث به يغاث ، ومستجير به يجار، وملهوف ومكروب به مُستغاث ، ومريض يشفى ، وعليل يعافا ، وسجين وأسير يطلق ، وبه أبواب ظلم وجور يغلق ، وضعيف ينحد ، وشقي يسعد بل بوجوده يمسك السماء ، وبفيض جوده رزق الورى ، وبه يندفع الاسواء ، وينكشف الغطاء ، ويرتفع البلاء ، ويدفع المحن والاذى ، فكم وجدنا ، وكم رأينا ، وكم سمعنا ، وكم قرأنا ، أليس الصحف والطوامير منها ملاءا ، وهي بمسمع ومنظر منا ، ومرئى في أناس نالوا بكرامته ، وفازوا بعنايته ، ونجحوا بشفاعته ، وسعدوا بهدايته بل انا اتحدى لم يكن أحد منا لم يجد ويشاهد في حياته بنفسه عناية منه حتى يكون عن نقل غيره مستغنياً وفي غنى .
وبعدها ثامناً : من الواضح المستحيل أن يغمّ الغمام ، ويعم السحاب ولو يوماً واحداً كل العالم وجميع أقطار الدنيا ، فيعلم بالقطع واليقين بل يتجاوز حتى عن عين اليقين إلى حق اليقين ، أنّ هناك كل يوم قوم لا يحجبهم عنه حجاب ، ولا يمنعهم عنه سحاب ، فيستضيئون بنور وجوده ، ويدركون فيض حضوره ، وينعّمون بنعمة لقائه ، ويشرّفون بشرف زيارته ، فهنيأ لهم الف هناء ، وهذا الذي شبه به الإمام لم يكن أحسن منه في الكلام ، فهل يمكن إذا الشمس كورت وانهارت وانعدمت ، فهل يبقى لهذا الكون بعدها باقية كلا ، كلا ، فكذلك يعلم لا يمكن ومن المحال أن يبقى العالم من غير إمام .
ومن وجه آخر حاجة كل المخلوقات ونظام الكون إلى الشمس واستغنائها عنها يثبت حاجتنا في البقاء إلى الإمام ، وعدم حاجته إلينا ، ولهذا خلق الله الخليفة في الكون قبل الخليقة ، بل هل يمكن تصور الإمام المقتدى به متأخّراً عن المأموم ؟ ! فوجوده أيضاً قبل وجود المأموم ، ومقدم عليه ، فمن المستحيل وجود المخلوف المأموم من غير وجود الإمام .
هذا ما أنا عرفته من هذه الآية القيمة ، وما أنا الا ذرّة بل أقل من الذرّة ، ما شأني ومعرفة هذه الآية ؟ بل على غيري من أكابر العلماء والمحققين الأذكياء أن يكشفوا ويشرحوا هذه الجوهرة الثمينة بل الدرة اليتيمة ، وأسئل لي ولهم من الله التوفيق والسداد ، إنّه هو العليم الخبير بالرشاد ، والولي القدير بالإرشاد ، ومنه سلام الله عليه الشفاعة هنا ويوم المعاد.
التعلیقات
١