من خلق الله عز وجل ؟
الإلهيات
منذ 15 سنة
من خلق الله عز وجل ؟
السؤال : سؤال يطرح عليّ دائماً في نقاشاتي مع الماديين الذين لا يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ، وهو : من خلق الله عز وجل ؟ أو بعبارة اُخرى : سر تكوينه ؟
الجواب: من سماحة الشيخ محمّد السند
السؤال عن مبدأ الخلقة لو تابعناه فإنّه لا يقف عند حدّ ، ويتتابع السؤال حتى عند المادي القائل بأن المادة الطبيعية هي أصل كل الموجودات ، فإن السؤال يتكرر عليه : كيف وجدت هذه المادة ؟ هل وجدت من نفسها ؟ لا سيّما وان المادة كما نشاهد منفعلة ، لا تكتسب كمالها من ذاتها بل من غيرها ، فكيف هي أوجدت نفسها ؟ مضافا الى ما نشاهده من هذا النظم الذي يحيّر العقول والى يومنا هذا ، ورغم ما توصل اليه البشر من علم وتقنية وأجهزة الا أنهم يقفون حائرين أمام أسرار الخلقة والقوانين المودعة فيها ، ولم يكتشف العلم البشري الى يومنا هذا الا أقل القليل من ذلك ، فهذا النظم الباهر للعقول والمعجز للبشر لا يجئ من المادة الناقصة عن الكمال لا سيما المادة الطبيعية البسيطة في اوائل تكونها . وعلى ذلك فإننا نواجه هذا السؤال في كل ما نفرضه أول ومبدأ للخليقة ، وحينئذ فإن جعلنا ما هو مبدأ للتكوين والكون هو كتم العدم والفقدان نفسه ، فإن هذا الفرض يحكم العقل والبديهة بامتناعه ؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه ، فلا محالة وأن يكون رأس سلسلة الوجود حقيقة غنية بذاتها .
وبعبارة اُخرى : إننا لمّا نشعر بحقيقة وجودنا وبأية واقعية ، فإننا ندرك أن السفسطة النافية لكل حقيقة مذهبٌ كاذب ، وصدق القضية الاولى وكذب القضية الثانية سببه تطابقها مع الواقعية التي تحيط بحقيقتنا المحدودة ، فتلك الواقعية الوسيعة ندرك انها قبل حقيقتنا وبعدها ، تلك الحقيقة الوسيعة التي تطابق كل شيء له صدق بها ندرك أنها سرمدية أزلية ، حتى أن القائل بالسفسطة عندما يريد أن يتبنّى صدق مذهبه فهو مذعن بأن مذهبه صادق بمطابقته للواقع والحقيقة المطلقة ، ولا يمكنه أن يفرض أن الواقع مقيد والا لما كان صدق مذهبه بصدق مطلق ، فالصدق المطلق يبتني على تلك الحقيقة الوسيعة السرمدية والأزلية.
وهذا البيان ليس خاصاً بالوجود بل كذلك يتكرر في كل كمال ، كالعلم والقدرة والحياة وغيرها ؛ فإن سلسلة العلوم لا يمكن أن تخرج من كتم العدم والجهل تلقائياً ، بل كل علم خاص ومحدود لكي يصدق لا بدّ أن يتطابق مع علم وسيع سرمد أزلي ، وكذلك القدرة والحياة وبقية الكمالات ، فهناك حقيقة أزلية سرمدية ، وكذلك هي علم سرمدي وأزلي ، وهي قدرة أزلية وحياة سرمدية أزلية ، وهي ينبوع الكمالات ، بل هي تحيط بالعدم والمعدومات ، والا لكان العدم هو الأصل ، وقد سبق امتناعه
التعلیقات