مناظرة هشام بن الحكم مع النظام في بقاء أهل الجنة إلى الاَبد
في العقائد
منذ 15 سنةروى علي بن محمد بن قتيبة ، عن يحيى بن أبي بكر قال : قال النظّام (1) لهشام بن الحكم (2) : إنَّ أهل الجنة لا يبقون في الجنة بقاء الاَبد ، فيكون بقاؤهم كبقاء الله ، ومحال أن يبقوا كذلك ؟
فقال هشام : إنَّ أهل الجنة يبقون بمبقٍ لهم ، والله يبقى بلا مبقٍ ، وليس هو كذلك.
فقال : محال أن يبقوا للاَبد.
قال : قال : ما يصيرون ؟
قال : يدركهم الخمود.
قال : فبلغك أنّ في الجنة ما تشتهى الاَنفس (3)؟
قال : نعم.
قال : فإن اشتهوا أو سألوا ربّهم بقاء الاَبد.
قال : إنّ الله تعالى لا يلهمهم ذلك.
قال : فلو أنّ رجلاً من أهل الجنة نظر إلى ثمرة على شجرة ، فمدّ يده ليأخذها فتدلّت إليه الشجرة والثمار ، ثمّ حانت منه لفتةً فنظر إلى ثمرة أخرى أحسن منها ، فمدّ يده اليسرى ليأخذها فأدركه الخمود ، ويداه متعلّقتان بشجرتين، فارتفعت الاَشجار وبقي هو مصلوباً ، فبلغك أنّ في الجنة مصلوبين؟!
قال : هذا محال !
قال : فالّذي أتيت به أمحل منه ، أن يكون قوم قد خُلقوا وعاشوا ،  فأدخلوا  الجنان ، تموتهم فيها يا جاهل (4). 
____________
  (1) هو : أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري المعروف بالنظام ابن  أخت أبي الهُذيل  العلاف شيخ المعتزلة ، وكان النظام أستاذ الجاحظ ، قالت المعتزلة : إنّما  سمّي بذلك لحسن كلامه  نظماً ونثراً ، وقال غيرهم : إنّما سُمي بذلك لاَنّه كان ينظم الخرز في سوق  البصرة ويبيعها ، قيل :  وإليه تنسب الطائفة النظامية ، ووافق المعتزلة في مسائلهم وانفرد عنهم  بمسائل أخرى ، وقد ذكر  الصفدي في الوافي جملة منها ، والتي منها : عدم إمكان خروج أحد من الجنة  ولو بالقدرة ، وأن  الاَجماع ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس ليس بحجة ، وإنّما الحجة قول  الاِمام المعصوم ،  وان النبي صلى الله عليه واله نص على أن الاِمام عليّ عليه السلام  وعينه ،  وعرفت الصحابة ذلك...الخ ، وأن الثاني  ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ، توفي  النظام في سنة 230 هـ  تقريباً.
 
راجع ترجمته في : سفينة  البحار : ج 2 ص 597 ، الوافي بالوفيات للصفدي : ج 6 ص 14 ـ  18 ، الملل والنحل للشهرستاني : ج 1 ص 59.
 (2) هو هشام بن الحكم ، أبو محمد ، مولى كندة ، ولد بالكوفة ونشأ في واسط ،  وتجارته ببغداد ،  عين الطائفة ووجهها ومتكلمها وناصرها ، له نوادر وحكايات ومناظرات ، ممن  اتفق علمائنا  على وثاقته ورفعة شأنه ومنزلته عند أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله وسلامه  عليهم ـ وقد قال  في حقّه الاِمام الصادق  عليه السلام  : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ،  وكان هشام من الحاذقين بصناعة  الكلام ، والمدافعين عن إمامة أهل البيت عليهم السلام ولذا له مناظرات  كثيرة مع المخالفين في هذا  الشأن ، عُد من أصحاب الاِمامين الصادق والكاظم عليهم السلام ، توفي بعد  نكبة البرامكة بمدة يسيرة  وقيل في خلافة المأمون العباسي سنة 199 هـ ، راجع ترجمته في : رجال النجاشي  : ج 2 ص  397 رقم : 1165 ، سفينة البحار : ج 2 ص 719 ، سير أعلام النبلاء : ج 10 ص  543 ترجمة  رقم : 174 ، تنقيح المقال للمامقاني : ج 3 ص 294.
 (3) جاء ذلك في بعض الآيات الشريفة وهي :
 
1 ـ قوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الاَنفس وتلذ الاَعين ) الزخرف :  71.
 
2 ـ قوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون )  فصلت : 31.
 
3 ـ قوله تعالى : ( وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) الاَنبياء : 102.
 (4) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج 2 ص 552 ح 593 ، بحار الاَنوار : ج 8 ص  143 ح 66.

التعلیقات