مناظرة هشام بن الحكم مع النظام في بقاء أهل الجنة إلى الاَبد
في العقائد
2013 Apr 2روى علي بن محمد بن قتيبة ، عن يحيى بن أبي بكر قال : قال النظّام (١) لهشام بن الحكم (٢) : إنَّ أهل الجنة لا يبقون في الجنة بقاء الاَبد ، فيكون بقاؤهم كبقاء الله ، ومحال أن يبقوا كذلك ؟
فقال هشام : إنَّ أهل الجنة يبقون بمبقٍ لهم ، والله يبقى بلا مبقٍ ، وليس هو كذلك.
فقال : محال أن يبقوا للاَبد.
قال : قال : ما يصيرون ؟
قال : يدركهم الخمود.
قال : فبلغك أنّ في الجنة ما تشتهى الاَنفس (٣)؟
قال : نعم.
قال : فإن اشتهوا أو سألوا ربّهم بقاء الاَبد.
قال : إنّ الله تعالى لا يلهمهم ذلك.
قال : فلو أنّ رجلاً من أهل الجنة نظر إلى ثمرة على شجرة ، فمدّ يده ليأخذها فتدلّت إليه الشجرة والثمار ، ثمّ حانت منه لفتةً فنظر إلى ثمرة أخرى أحسن منها ، فمدّ يده اليسرى ليأخذها فأدركه الخمود ، ويداه متعلّقتان بشجرتين، فارتفعت الاَشجار وبقي هو مصلوباً ، فبلغك أنّ في الجنة مصلوبين؟!
قال : هذا محال !
قال : فالّذي أتيت به أمحل منه ، أن يكون قوم قد خُلقوا وعاشوا ، فأدخلوا الجنان ، تموتهم فيها يا جاهل (٤).
____________
(١) هو : أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري المعروف بالنظام ابن أخت أبي الهُذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وكان النظام أستاذ الجاحظ ، قالت المعتزلة : إنّما سمّي بذلك لحسن كلامه نظماً ونثراً ، وقال غيرهم : إنّما سُمي بذلك لاَنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها ، قيل : وإليه تنسب الطائفة النظامية ، ووافق المعتزلة في مسائلهم وانفرد عنهم بمسائل أخرى ، وقد ذكر الصفدي في الوافي جملة منها ، والتي منها : عدم إمكان خروج أحد من الجنة ولو بالقدرة ، وأن الاَجماع ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس ليس بحجة ، وإنّما الحجة قول الاِمام المعصوم ، وان النبي صلى الله عليه واله نص على أن الاِمام عليّ عليه السلام وعينه ، وعرفت الصحابة ذلك...الخ ، وأن الثاني ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ، توفي النظام في سنة ٢٣٠ هـ تقريباً.
راجع ترجمته في : سفينة البحار : ج ٢ ص ٥٩٧ ، الوافي بالوفيات للصفدي : ج ٦ ص ١٤ ـ ١٨ ، الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٥٩.
(٢) هو هشام بن الحكم ، أبو محمد ، مولى كندة ، ولد بالكوفة ونشأ في واسط ، وتجارته ببغداد ، عين الطائفة ووجهها ومتكلمها وناصرها ، له نوادر وحكايات ومناظرات ، ممن اتفق علمائنا على وثاقته ورفعة شأنه ومنزلته عند أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وقد قال في حقّه الاِمام الصادق عليه السلام : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، وكان هشام من الحاذقين بصناعة الكلام ، والمدافعين عن إمامة أهل البيت عليهم السلام ولذا له مناظرات كثيرة مع المخالفين في هذا الشأن ، عُد من أصحاب الاِمامين الصادق والكاظم عليهم السلام ، توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة وقيل في خلافة المأمون العباسي سنة ١٩٩ هـ ، راجع ترجمته في : رجال النجاشي : ج ٢ ص ٣٩٧ رقم : ١١٦٥ ، سفينة البحار : ج ٢ ص ٧١٩ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٠ ص ٥٤٣ ترجمة رقم : ١٧٤ ، تنقيح المقال للمامقاني : ج ٣ ص ٢٩٤.
(٣) جاء ذلك في بعض الآيات الشريفة وهي :
١ ـ قوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الاَنفس وتلذ الاَعين ) الزخرف : ٧١.
٢ ـ قوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون ) فصلت : ٣١.
٣ ـ قوله تعالى : ( وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) الاَنبياء : ١٠٢.
(٤) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج ٢ ص ٥٥٢ ح ٥٩٣ ، بحار الاَنوار : ج ٨ ص ١٤٣ ح ٦٦.
التعلیقات