مناظرة الصاحب بن عباد في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام
في العقائد
منذ 15 سنة
| 1 قالت : أبا القاسم استَخْفَفْتَ بالغــــَزَل | * | ِفقلتُ : ما ذاك من همِّي ولا شغلـي |
| 2 قالت : أُريد اعتــذاراً منكَ تظهـــرُهُ | * | فقلتُ : عذراً وما أخشى مـن العَذَلِ |
| 3 قالت : أُلِحُّ على تكريـــرمسألتـــي | * | فقلتُ : ما أنا عن رأيي بذي حـوَلِ |
| 4 قالــت : أُريد رشـاداً منكَ أتبعُـــهُ | * | فقلتُ : سمعاً فانَّ الرشدَ مــن قبلي |
| 5 قالـــت : أبِنْهُ فانـي جدُّ سامعـــة | * | فقلتُ : كيف اجتماعُ الشيـب والغزل |
| 6 قالت : وكيف اقتضاك الشيبُ تركَ هوىً | * | فقلتُ : فــيالشيب إدناءٌ من الاَجَلِ |
| 7 قالت : فما اختـــرتمن دينٍ تفوزُ بهِ | * | فقلت : إنـــي شيعيٌّ ومعتزلي (2) |
| 8 قالت : أقلَّدت أم قـــد دنت عننظـرٍ | * | فقلت : كلاّ فإنـــي واحـدُ الجدَلِ |
| 9 قالت : فكيف عرفتَ الحقَّ هات بـــه | * | فقلت : بالفكر فـيالاَقــوالِ والعِلَل |
| 10 قالت : فهل هذه الاَجســام محدثــةٌ | * | فقلت : جدّاً وإنْ رمتِ الدليلَ سلــي |
| 11 قالت : أُريدُ دليلاً فيـــه مختصـراً | * | فقلت : أنْ ليس فيهـــا غيرُ مُنْتَقلِ |
(في صفات الباري عزّ وجلّ)
| 12 قالت : فهل صانعٌ تدعو إليــه أجِبْ | * | فقلت : لا بدّ قـولاً غيـــرَ ذي مَيَل |
| 13 قالت : فهـــل من دليلٍ فيه تذكرهُ | * | فقلت : بيتٌ بلا بــانٍ مـن الخَطـَل |
| 14 قالت : فهــل هو ذو شِبْهٍ وذو مثلٍ | * | فقلت : قد جلّ عنشبــه وعـن مَثَل |
| 15 قالت : أبِنْ لـي أجسمٌ ذاك أم عَرَضٌ | * | فقلت : بل خــالقُ الجِنسَين فانتقلـي |
| 16 قالت : وما ضرَّ لــو اثبتَّهُ جسـداً | * | فقلت : لا توجدُ الاَجسام فــي الاَزل |
| 17 قالت : فقلْ لي أبالاَبصارنـــدركُهُ | * | فقلت : جَلَّ عـنالاِدراكِ بالـــمُقلِ |
| 18 قالت : ولِمْ ذا وهـل شــيءٌ يغيِّبُهُ | * | فقلت : ما هــو محجوبٌ فيظهرُ لي |
| 19 قالت : لعلَّ حجاباً عنــكيستُــرُهُ | * | فقلت : أخبرتِ عن شخصٍ وعن طَلَل |
| 20 قالت : فما القولُ في القـرآن سُقْهُ لنا | * | فقلت : ذاك كـــلامُ الله أينَ تُلــي |
| 21 قالت : فأينَ دليلُ الخَلْقِ فيـه أبــِنْ | * | فقلت : تركيبُهُ مـــن أحرفِ الجُمَلِ |
| 22 قالت : فــأعمالُنا منْ ذا يكوِّنُهــا | * | فقلت : نحنُ مقالاً صِيْنَ عـــن خَلَل |
| 23 قالت : ولِمْلا يكــونُ الله ُخالقَهــا | * | فقلت : لـــو كُنَّ خلْقاً لم يكنْ عملي |
| 24 قالت : أيُلــزم نفساً فوق طاقتِهــا | * | فقلت : حاشاه هذافعــــلُ ذي خَبَل |
| 25 قالت : يشاءُ معاصينــا ويؤثِرهُــا | * | فقلت : لو شاءها لــم نَخْشَ من زَلَل |
(في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام )
| 26 قالت : فمــن صاحبُ الدين الحنيف أجبْ | * | فقلت : أحمدُ خيــرُ الســـادةالرُّسُل |
| 27 قالت : فهــل معجزٌ وافى الرسولُ بــه | * | فقلت : القرآنُ وقد أعيــاعلـى الاَوَلِ |
| 28 قالت : فَمَنْ بعده يُصفـْى الــولاء لــه | * | فقلت : الوصيُّ الذي أربــىعلى زحل |
| 29 قالت : فهل أحَدٌ فـي الفضــلِ يقــدمُهُ | * | فقلت : هل هضبةٌ تـرقى علــى جبل |
| 30 قالت : فَمــَـنْأوَّلُ الاَقــوام صــدقَهُ | * | فقلت : مَنْ لم يصِرْ يومـاً إلى هُبَــلِ |
| 31 قالت : فمــن بـاتمن فوق الفراش فدىَ | * | فقلت : أثْبَتُ خلــق الله في الوَهــَلِ |
| 32 قالت : فمــن ذا الذي أخــاه عـن مِقَةٍ | * | فقلت : مَنْ حاز ردَّ الشمس فـي الطَّفَلِ |
| 33 قالت : فمـن زوُجَ الزهــراءَ فاطمــةً | * | فقلت : أفضلُ من حــافٍ ومُنْتَعــلِ |
| 34 قالت : فمــن والــدُ الـسبطَيْنِ إذ فَرَعا | * | فقلت : سابق أهــلالسَّبــق في مَهَل |
| 35 قالت : فمـن فاز فــي بــدرٍ بمفخرها | * | فقلت : أضـْرَبُ خلــق الله للـقُلَـلِ |
| 36 قالت : فمــن ســاد يوم الرَّوْع في أُحُدٍ | * | فقلت : مَنْ هالهم بأسـاًولــم يُهَــلِ |
| 37 قالت : فمن فــارسُ الاَحــزاب يفرسُها | * | فقلت : قاتل عمرو الضيغمِ البـــَطَل |
| 38 قالت : فخيبـــرُ مــن ذا هدَّ مــعقلها | * | فقلت : سائق أهل الكفـرفـــي عُقُل |
| 39 قالت : فيــوم حنينٍ مَنْ بــرى وفـَرى | * | فقلت : حاصدُ أهل الشـركفـي عَجَل |
| 40 قالت : فمن صاحبُ الرايــات يحملُهــا | * | فقلت : مَنْ حِيطَ عن غشٍ وعـن وغل |
| 41 قالت : بـــراءةُمَنْ أدّى قــوارعَهــا | * | فقلت : مَنْ صِينَ عن خَتلٍ وعن دغـل |
| 42 قالت : فمن ذا دعــي للطيــر يأكلــهُ | * | فقلت : أقـــربُ مرضــيٍ ومُنتحَل |
| 43 قالت : فمـــنراكــعٌ زكّى بــخاتمه | * | فقلت : أطعنُهم مُذْ كــان بـــالاَسَل |
| 44 قالت : ففيمــن أتى في (هل أتى) شرفٌ | * | فقلت : أبْــذَلُ خلـــــقالله للنَّفَل |
| 45 قالت : فمــنتلـــوهُ يوم الكساء أجبْ | * | فقلت : أنْجــَبُمكســُوٍّ ومُشْتَمِــل |
| 46 قالت : فمن بَاهَــل الطهــرُ النبيُّ بـه | * | فقلت : تاليــه فــي حلٍّ ومـرتحل |
| 47 قالت : فمن ذا قسيـمُ النــار يــسهِمُها | * | فقلت : مَن رأيُهُ أذكى مــنالشُّعَــل |
| 48 قالت : فمن شبــههــارون لنعــرفه | * | فقلت : مَن لم يَحُل يومـاً ولــم يَزُل |
| 49 قالت : فمــن ذا غــدا باب المدينةِ قُلْ | * | فقلت : مَن سألوهالعلـــمَ لم يَســل |
| 50 قالت : فمــن ســاد في يوم الغدير أبِن | * | فقلت : مَن صــار للاِسلام خيرَ ولي |
| 51 قالت : فمــن قاتــل الاَقـوامَ إذ نكثوا | * | فقلت : تفسيرهُ فــي وقعــة الجملِ |
| 52 قالت : فمن حارب الاَنجــاس إذ قسطوا | * | فقلت : صفِّين تُبدي صـــفحةالعمَل |
| 53 قالت : فمن قارع الاَرجـــاسَ إذ مرقوا | * | فقلت : معناه يوم النهــروانِ جلــي |
| 54 قالت : فمن صاحبُ الحوض الشريف غداً | * | فقلت : مَن بيتُه في أشــرف الــحِلَلِ |
| 55 قالت : فمن ذا لـواءُ الحمــد يحملــهُ | * | فقلت : مَن لم يكن في الرَّوْع بالوَكل (3) |
| 56 قالت : أكُلُّ الذي قــد قلتَ في رجــلٍ | * | فقلت : كلُّ الذي قد قلت فـي رجــل |
| 57 قالت : ومَن هو هذا المرء (4) سمِّ (5) لنا | * | فقلت : ذاك أميــر المؤمنيــن علي |
| 58 قالت : مـعاويــةالطــاغي أتلعنــهُ | * | فقلت : لعنتُهُ أحلـى مــن العســل |
| 59 قالت : تُكَفِّـرهُ فيمــا أتــى وعَتــا | * | فقلت : أي وإلهِ الســهـلوالجبــل |
| 60 قالت : أهَلْ لك مــن نظــمٍ لِنَرْوِيَـه | * | فقلت : إنَّ جوابي فــيه حــيَّ هلِ |
| 61 قالت : فَأملِ على هذا الفتـى عَجــِلاً | * | فقلت : هـذا ولــم ألْبَثْ ولــم أتُل |
| 62 قالت : أمُبتَدِهاً فــي القــول مرتجلاً | * | فقلت : ما قلتُ شعراً غيرمـــرتَجَل |
| 63 قالت : أتيـتَ ابنَ عــبادٍ بمعجــزةٍ | * | فقلت : لا تعجبي فالشعر مــن خولي |
| 64 قالت : فهل منشــدٌ ترضىلينشــدها | * | فقلت : ابنُ صالحٍ النحريرُ ينشد لي (6) |
____________
(1) هو : أبو القاسم ، اسماعيل بن عباد بن العباس ، بن أحمد بن إدريس الملقب بالصاحب (الاِصفهاني) ولد سنة 326 هـ ، أحد أقطاب الاَدب العربي ، له منهج خاص في الاَدب ، واسلوبه المتميز في نثره وشعره ، وقد ترك أثراً كبيراً في دنيا العلم والادب في ذلك العصر الزاهر ، والذي حفظ إلينا بعض الشيء منه ، وسماه بالصاحب الاَمير أبو منصور بويه ركن الدولة لما صحبه إلى بغداد سنة 347 هـ ، وأنس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة ولما تولى الحكومة استدعى الصاحب من أصفهان وولاه الوزارة ، ودبرها برأي وثيق ، وقد نال من الهيبة والمقام السامي أيام وزارته ما لم ينل مثله أحد من أمثاله ، قرأ الصاحب على الكثير من علماء عصره واُدباءه وروى عنهم ، أمثال العميد ، وبن فارس ، والسيرافي ، وابن كامل وغيرهم ، وقد كانت له مكتبة حافلة بأنفس الكتب ، وقيل ان عنده من الكتب ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر ، فكانت من منابع ثقافته وأدبه . وقد أخذ من كل فن بالنصيب الوافر ، وما أوتيه من الفصاحة والاطلاع الواسع بالتفسير والحديث والكلام واللغة والنحو والعروض والنقد الاَدبي ، والتاريخ ، والطب ، وقد عدَّ له بعضهم سبعاً وثلاثين مؤلفاً وقد طبع منها اثني عشر كتاباً ، وقد أثنى عليه علماء السلف . قال عنه المجلسي : انه من أفقه فقهاء الشيعة ، وعده القاضي في مجالسه من وزراء الشيعة ، وعده ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وقال الرافعي : وكتبه ورسائله ومناظراته دالة على قدره ، وكان يناظر ويدرس ويصنف ويملى الحديث ، ومن اطلع على أدبه اذعن بولائه الصادق لاَهل البيت : والذي انعكس في شعره والذي لا يخلو أكثره ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ مما يرتبط بالنبوة والاِمامة وفضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم ، كما ضمنها أيضاً بعض مسائل التوحيد والعدل ـ انطلاقاً من واجبه الديني الذي يملي عليه ، كما هو شأن الموالي صادق العقيدة ، والذي يسخر كل طاقاته في الدفاع عنهم ، واظهار فضلهم ، وعدم الاكتراث بما يسمعه من جاحدي حقهم كابن عباد الذي يقول :
| فـكـم دعـونـي رافضياً لحبكم |
* |
فلم ينثني عنكم طويل عوائهم |
ولذا ضمن قصائده الحوادث والمناظرات والمحاورات التي تتضمن الاَخذ والرد في مجال العقيدة ، فجزى الله الصاحب بن عباد جزاء المحسنين الذي ما فتىء مدافعاً عن عقيدته الصادقة حياً وميتاً ، توفي عليه الرحمة عام 385 هـ ودفن في داره بالري ، ثمّ نقل إلى تربة له باصفهان .
راجع ترجمته في : ديوان الصاحب بن عباد : ص 6 ـ 18 ، الغدير للاَميني : ج 4 ص 42 ـ 81 ، أعيان الشيعة للاَمين : ج 3 ص 328 ، معجم الاَدباء : ج 6 ص 168 ، يتيمة الدهر : ج 3 ص 188 ، وفيات الاَعيان : ج 1 ص 228 لسان الميزان : ج 1 ص 413 ، البداية والنهاية : ج 11 ص 314 ، المنتظم : ج 14 ص 375 ترجمة رقم (2911) ، سير أعلام النبلاء : ج 16 ص 511 .
(2) لا مذهباً ، بل في بعض الآراء التي وافقوا فيها الاِمامية في بعض مسائل الاعتقاد والتي منها على سبيل المثال ، كمسألة عدم التجسيم ومسألة نفي الرؤية عنه تعالى ، ومسألة القبح والحسن العقليين ، ومسالة وجوب اللطف، وغيرها .
قال ابن حجر في لسان الميزان : ج 1 ص 416 في ترجمة الصاحب ـ : قال ابن أبي طي : كان إمامي الرأي ، وأخطأ من زعم انّه كان معتزلياً ، وقد قال عبد الجبار القاضي لما تقدّم للصلاة عليه : ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي ، وعن ابن أبي طي : أن الشيخ المفيد شهد بأن الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه ، ونسب إليه ، وليس هو له . وقال العلامة الاَميني في الغدير : ج 4 ص 62 : وهناك نقول متهافتة يبطل بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارة ، وتمذهبه بالشافعية اُخرى ، وبالحنفية طوراً ، وبالزيدية مرّة ، وفي القاذفين من يحمل عليه حقداً يريد تشويه سمعته بكل ما توحي إليه ضغاينه...الخ .
(3) ورد عجزه في بعض النسخ : فقلت خير الملأ الاّتين والاُول .
(4) في بعض النسخ : هذا القرم ، وفي المناقب : الفرد .
(5) في المناقب وبعض النسخ : سِمْهُ ، وفي بعضها : صِفْهُ .
(6) ديوان الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، ص 38 ـ 47 ، الغدير للاَميني : ج 4 ص 40 ـ 41 ، بتفاوت ، كما ورد منها البيتان 26 و 27 في المناقب لابن شهر أشوب : ج 1 ص 99 ، والاَبيات 26 و 28 ـ 43 و 45 ـ 57 في المناقب : ج 2 ص 68 ـ 69 . والجدير بالذكر إنه يوجد للامية الصاحب بن عباد عدة نسخ خطية ـ كما ذكر ذلك العلامة المحقّق الشيخ محمد حسن آل ياسين محقق ديوان الصاحب بن عباد في ص 16 ـ 17 جزاه الله خير الجزاء ، ولا بأس بالاشارة إليها ، وهي : 1 ـ نسخة دار الكتب المصرية في القاهرة ، برقم (16 ش تاريخ) وتقع في ثلاث صفحات ، وأسماها مفهرس دار الكتب (المنظومة الفريدة) وجاء في آخرها تمت وبالخير عمت ، الفريدة المشتملة على أفضل كل عقيدة ، رحم الله منشئها ، وغفر لكاتبها ، وكان الفراغ من زبرها ليلة الاَحد عاشور محرم الحرام سنة تسع وثمانين [وألف] .
2 ـ نسخة ايطاليا المحفوظة بالمكتبة الاَمبروزيانية في ميلانو ، ضمن مجموعة برقم (74 (ب) وآثار القدم بارزة عليها .
3 ـ شرح هذه القصيدة للقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد البهلولي اليماني ، وقد عُثر منها على نسختين : الاُولى ، نسخة المكتبة الامبروزيانية بميلانو ـ ايطاليا تحت رقم (205 س) في (21) ورقة ، وعليها تملك تاريخ 1113 هـ . الثانية ، نسخة الخزانة التيمورية بالقاهرة، تحت رقم (380 مجاميع) في (14) ورقة ، وليس في آخرها تاريخ .

التعلیقات