مناظرة السيد محمد جواد المُهري مع الاَستاذ عمر الشريف في النص على الاَئمة الاثني عشرعليهم السلام
في العقائد
منذ 14 سنةيقول السيد محمد جواد المُهري في مذكراته المدرسية : بعد بضع ساعات وعندما حان وقت لقائنا، دخلت غرفة المعلمين بهلع وحذر، فلما وجدت الاَستاذ في مكانه كالمعتاد شعرت بالاِرتياح، وبعد ما حييته رد الجواب وحدثته بما دار بيني وبين المدير، فبدأ عليه الاِستياء والضجر، وقال بدهشة وحيرة:
كنت راغباً بالحوار والحديث أكثر من هذا، وأود معرفة رأيكم بشأن عدة قضايا فقهية مختلف فيها، وأريد معرفة آراء علماء وفقهاء الشيعة في ما يخص التقية، ومصحف فاطمة، والسجود على التربة، والجمع بين الصلاتين ، والكثير من المواضيع الاخرى، ولكن من الاَفضل في ظل هذا الوضع الذي استجد أن نطوي ملف المواضيع السابقة، إلى حين توفر الفرصة المناسبة في المستقبل لنواصل الحوار الممتع بإذن الله، وإلا فأنني آمل الاِطلاع على آراء الشيعة بشأن القضايا المختلفة من خلال التحقيق في كتبهم.
عبّرت له عن أسفي عمّا حصل ووعدته عقد لقاء أو لقائين آخرين لمواصلة حوارنا من أجل إنهاء موضوع الخلافة وأوصياء الرسول صلى الله عليه وآله فوافق على هذا الرأي. واصلت بحثنا السابق على الرغم من استيائنا لما حصل.
فقلت: كان موضوعنا يدور حول أهل البيت عليهم السلام الذين أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وآله في مواقف شتى ، وأمر أمتة بالرجوع إليهم واتباعهم وطاعتهم ، وأن لا يتخلفوا عنهم فيهلكوا، وتبيّن أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، وليس المراد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله ولا غيرهن.
وهنا سأل الاستاذ: أليس سائر أئمتكم من أهل البيت عليهم السلام ؟
قلت: إنهم ليسوا سوى أهل البيت عليهم السلام ، هم آل الرسول صلى الله عليه وآله وأوصياؤه وخلفاؤه بالحق، لهم الحكومة والاِمامة على اُمّة محمد إلى يوم القيامة، وهم وإن كانوا في الظاهر تحت كبت الحكومات الغاصبة الجائرة في عهودهم، إلاّ أنهم كانوا أئمة عصرهم وخلفاءه، وكان يجب على الناس ـ استناداً إلى أمر الرسول صلى الله عليه وآله ـ طاعتهم واتباعهم والاِنصياع لاَوامرهم كالاِنصياع لاَمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد كان لهم بطبيعة الحال أتباع أوفياء في كل عصر، لم يتخلفوا عنهم لحظة تحت أسوء الظروف السياسية ، ويتمسكون بأوامرهم الشرعية والاَخلاقية وإلاجتماعية والسياسية.
وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام لاَن هؤلاء فقط هم الذين كانوا في زمنه، وإلا فإن أهل البيت أو آل محمد يشمل جميع الاَئمة الذين يفتخر الشيعة بالاِنتماء اليهم، ولم يتخلفوا لحظة عن اتباعهم امتثالاً لاَمر الرسول صلى الله عليه وآله فيهم.
ومثلما أوصى الرسول لعلي عليه السلام ، فقد أوصى لاَبناء علي أيضاً، وهذا ما لم يشر اليه أبناء العامة في هذه الروايات بالكامل إلا بعض المنصفين منهم، مثل مؤلف كتاب « ينابيع المودّة » رحمه الله، لقد حدد الرسول الاَئمّة والاَوصياء بعده بإثني عشر خليفة وإماماً، وهذا ما بلغ حدّ التواتر في كتب الفريقين، فإن فكرة الاَئمة أو الخلفاء الاثني عشر لا تنطبق إلاّ على عقيدة الشيعة ، الذين يعتقدون بإثني عشر إماماً.
الاَستاذ: هل يمكنك ذكر الروايات التي تصفها بالمتواترة؟
قلت: لقد دونت بعض هذه الروايات احتياطاً مع اختلافها في الاَلفاظ وجلبتها معي ؛ لاَني كنت أعلم أن بحثنا سيتناول أوصياء الرسول صلى الله عليه وآله ، وهي كالتالي:
1 ـ « الاَئمة من بعدي إثنا عشر، من أهل بيتي » (1) .
تلاحظ في هذا الحديث أن الرسول جاء بكلمة « الاَئمة » وبعبارة « أهل بيتي »، حيث يتبيّن أن الاَئمة من بعده هم أهل بيته، وأهل بيته كما ثبت لدينا هم علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام .
2 ـ « يملك هذه الاَمّة إثنا عشر كعّدة نقباء بني إسرائيل » (2) .
وردت أكثر روايات السنة في هذا الموضوع تحت عنوان: « نقباء بني إسرائيل »، ووردت في بعضها عبارة: « عدة أصحاب موسى »، وهي إشارة إلى الآية الشريفة: ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ) (3) .
ويفهم من هذه الآية ـ كما تلاحظون ـ أن الله هو الذي بعث النقباء الإثني عشر إلى بني إسرائيل، ومن الطبيعي أن اُولئك النقباء كانوا أنبياءً، ولكن بما أن نبيّنا صلى الله عليه وآله هو خاتم الاَنبياء، لهذا فإن النقباء ـ الاَئمة عليهم السلام ـ من بعده ليسوا أنبياء، وإن كانوا في مصاف الاَنبياء ، بل ويفوقونهم من حيث الفضيلة والعصمة ووجوب الاتباع.
الاَستاذ: في الحقيقة كنت أرغب خوض البحث في قضية الغلو والمبالغة عندكم أنتم الشيعة (4) بشأن علي وأبنائه، فكيف تعتبرون أئمتكم أفضل من الاَنبياء؟ (5)
قلت: لو أنك قرأت الروايات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله بحقّهم ، واعتقدت بهم لوصلت إلى النتيجة نفسها، فثمة موارد يعتبر فيها الرسول صلى الله عليه وآله علماء أُمّته أفضل من أنبياء بني إسرائيل، ولا شكّ أن الاَئمة المعصومين عليهم السلام الذين اصطفاهم الله لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ، أفضل من العلماء (6) .
3 ـ « لا تزال اُمتي على الحقّ ظاهرين ، حتّى يكون عليهم اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش » (7) .
4 ـ « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (8)
وقد وردت نظير هذه العبارات التي سقناها في أكثر من أربعين سنداً معتبراً في كتب السنة، وهي تدلل في جميع الاَحوال على امتداد خط النبوة على يد اثني عشر إماماً من قريش إلى يوم القيامة، وهذا الامتداد في خط النبوة والاِمامة باق إلى يوم القيامة، ولا ينطبق مطلقاً إلا على عقيدة الشيعة.
وورد في كتاب « ينابيع المودة » صراحة ، أن هؤلاء الخلفاء الإثني عشر هم من بني هاشم، « بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم » (9) ، وجاءت في بعض المصادر كما نقل، عبارة « من أهل بيتي »، روى الحافظ ابراهيم الحمويني عن ابن عباس أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله قال: « إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أولهم أخي وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟
قال: علي بن أبي طالب.
قيل: فمن ولدك؟
قال: المهدي ، الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (10) .
ومن جهة أخرى نقل الخطيب الخوارزمي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: « من أحب أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربّي، فليتولّ علي بن أبي طالب ، وذريّته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة » (11) .
وجاء في روايات كثيرة في كتب السنة أن الرسول صلى الله عليه وآله وصف وبيّن الاَئمة بعد علي بن أبي طالب عليه السلام بصفة « خلفائي » أو « أوصيائي » أو « سادات أمّتي » أو « حجج الله على خلقه بعدي » أو « الاَئمة الراشدين من ذريتي » وتدل بأجمعها على إمامة وخلافة هؤلاء الإثني عشر ، الذين أولهم علي وآخرهم المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الاَستاذ: ذكرت مصادر الروايات التي تبيّن عدد خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله ولم يأت ذكر لصحيح البخاري وصحيح مسلم، فهل يحتوي هذان الكتابان على مثل هذه الروايات أو لا؟
قلت: أولاً: ليس من الضروري أن تكون جميع الروايات في هذين الكتابين، ألا تكفي كل كتب الحديث والتفسير التي ذكرت؟ ثم إنه قد يكون للشك في مثل هذه الرواية ـ إذا كانت في كتاب أو كتابين ولها سند واحد أو سندان لا أكثر ـ مجال، لكنها وردت في كتب كثيرة وبأكثر من أربعين سنداً، ونُقلت بعبارات مختلفة، فهي إذن في حدّ التواتر وفي الحدّ القطعي، ولا يبقى مجال للشكّ فيها.
ثانياً: إن هذه الروايات وردت أيضاً في صحيحي البخاري ومسلم، وقد دونتها وسأشير اليها الآن، ويبدو أن سؤالك قد جاء في محلّه.
نقل البخاري في صحيحه عن جابر بن سمرة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: « يكون اثنا عشر أميراً »، فقال : كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: « كلهم من قريش » (12) .
وجاءت في صحيح مسلم، كتاب الاِمارة، روايتان بهذا المضمون:
1 ـ « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلهم من قريش ».
2 ـ « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً » (13) .
الاَستاذ: لم يأت شيء في هذين الكتابين يشير إلى أنهم من أهل البيت ، أو من أبناء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فمن أين تستدلّ على أنّهم هم أئمّة الشيعة الإثنا عشر لا غيرهم؟
قلت: إذن مَنْ يكونون؟
الاَستاذ: لا أدري ماذا قال علماء السنّة الكبار في هذه الآية؟ فهل تعاملوا معها كتعاملهم مع سائر الاَحاديث الاَخرى التي نقلوها بأنفسهم ومرّوا عليها مرور الكرام، أم أنهم عرضوا رأيهم فيها؟ وعلى كل حال فبعد الخلفاء الراشدين، والحسن والحسين، عُرف بعض خلفاء بني اُمية كعمر بن عبدالعزيز ، وبعض خلفاء بني العباس بالعدالة، فلعلّهم هم المقصودون.
قلت: أولاً: إن كان الاَمر كما ذكرت لانقطع تسلسل الخلفاء؛ فهل يمكن احتساب شخصين من البداية، وشخصين من الوسط، وشخصين من النهاية، وإهمال الآخرين؟ ثم إنه بإستثناء عمر بن عبدالعزيز الذي كان أفضل نسبياً من سائر خلفاء بني أمية ، ماذا يمكن أن يشاهد في هؤلاء الخلفاء سوى الظلم والجور على عباد الله، والتبذير في بيت المال، وارتكاب المحرمات، وشرب الخمر، والمجاهرة بالفساد؟
والتأريخ حافل بشتى صور الظلم والاضطهاد والقتل والتعذيب والفساد الذي ارتكبه خلفاء بني اُميّة وبني العباس، ويؤسفني أن الوقت لا يسمح لي بالحديث عن هذا الموضوع أكثر، وإلاّ فإنَّ أمثلة ظلمهم وجورهم بحدٍ من الكثرة، بحيث سوّدت صفحات كتب السنّة كما سوّدت صفحات التاريخ.
ثانياً: من الجدير بالذكر أن الكثير من علماء السنّة الذين أوردوا هذه الروايات سعوا إلى جعلها تتطابق بشكل أو بآخر على حكام بني أمية وبني العباس، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك حتّى جعلوها تنطبق على السلاطين العثمانيين، فأصبحت عارية عن الحقيقة، بل وتثير السخرية والاِستهزاء.
ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى ما قاله المفكر السني الكبير جلال الدين السيوطي في هذا الصدد: « وجد من الاَثني عشر خليفة الخلفاء الاَربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين لاَنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني اُميّة، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاَثنان المنتظران أحدهما المهدي لاَنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وآله » (14) .
هل يمكن العثور على تحليل يثير السخرية أكثر من هذا؟ وكيف ذكر الحسن عليه السلام ولم يذكر الحسين عليه السلام ؟ ثم كيف أن الرسول صلى الله عليه وآله يجعل علياً عليه السلام خليفة له، ويجعل العدو اللدود ـ أعني معاوية ـ في قبال علي عليه السلام ، ومعاوية هو الذي أراق كل تلك الدماء ظلماً ، وارتكب كل تلك الجرائم، خليفة له؟
لا ينقضي تعجبي من السيوطي مع سعة علمه كيف يعتبر معاوية من خلفاء الرسول، ويتجاهل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله مع علو مقامه ومرتبته؟
وكيف يعد معاوية من الخلفاء وهو الذي فرض سبّ علي عليه السلام علناً ، وقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الاَوفياء ، ونصب ابنه شارب الخمر خليفة على المسلمين، ولا يعد الحسين بن علي عليه السلام خليفة ، وهو الذي قال الرسول صلى الله عليه وآله عنه وعن أخيه: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة » (15) ، « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا » (16) ؟
ويكون معاوية الذي لعنه الرسول صلى الله عليه وآله عدّة مرات علانية (17) وأمر بقتله، خليفة، ولا يحسب لاَبناء علي عليه السلام الذين أذعن العالم بأسره لعظمتهم ، وإيمانهم وتقواهم ومكانتهم ، وأرغموا الصديق والعدو على تقديرهم وإجلالهم، أي حساب!
الاَستاذ: ومتى أمر الرسول بقتل معاوية؟
قلت: في قوله صلى الله عليه وآله : « اذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » (18) .
يا أستاذ، إن مساوىء ومثالب ومفاسد معاوية بحدٍ من الكثرة بحيث لا تستلزم البيان، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رآه مقبلاً هو وعمرو بن العاص رفع يديه إلى السماء وقال: « اللهم أركسهما ركساً ودعهما إلى النار دعاً » (19) .
هذا مضافاً إلى ما أشار الرسول صلى الله عليه وآله إليه في بعض المواقف إلى الفتن التي ستقوم بعده ، وأمر الناس صراحة في مثل هذه الموارد بالتمسّك بعلي وأبنائه عليهم السلام .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب (20) فإنّه أول من يراني ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الاَكبر ، وفاروق هذه الاُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل » (21) .
واستجابة لاَمر الرسول صلى الله عليه وآله فقد تمسّكنا في جميع الفتن بعلي وآل علي، ونحن على ثقة أن النجاة والفلاح لاَتباع وشيعة علي عليه السلام ، لكن الذين تخلفوا عنه، ولم يرجعوا إليه ـ وهو فاروق الاُمّة بالنصّ الصريح الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ ماذا سيكون جوابهم غداً أمام الله؟
إن من يعتبر معاوية خليفة لابدّ وأن يطيعه، ومن يطيعه يسبّ علياً بالنتيجة، وهو من قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله : « من سبَّ علياً فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله » (22) .
فكيف يوالي إخواننا السنّة معاوية، ويدعون في الوقت نفسه موالاة علي عليه السلام ؟ أليس من المحال الجمع بين النقيضين؟
وإذا ما تجاوزنا هذا، فما هو قولكم في سائر الخلفاء الاِثني عشر؟ كيف يمكن تحديد الخلفاء الحقيقيين الاِثني عشر للرسول صلى الله عليه وآله من بين كل هؤلاء الذين هم في الظاهر خلفاء للرسول عليه السلام ؟ وهنا يجب الرجوع إلى صديق الاَمة الاَكبر وفاروق الحق من الباطل ألا وهو علي عليه السلام .
وعلى كل حال فإذا كانت الكتب الروائيه السنية قد ذكرت عدد الاَئمة فقط، أو نقلت في بعض الموارد أسماءهم بالتفصيل أو بالايجاز، فإن كتبنا نحن الشيعة قد ذكرت الاسماء المباركة للاَئمة الاِثني عشر نقلاً عن لسان الرسول صلى الله عليه وآله وعن لسان أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو ممّا لا شك فيه.
أنا آسف لاَن الوقت قد انتهى وإلاّ لقرأت لك آية من القرآن تبيّن الاَئمة الاِثني عشر، ولكن نتركها إلى اللقاء القادم الذي سيكون آخر لقاء بيننا.
الاَستاذ: تقول آية من القرآن؟!
قلت: نعم، وهل هذا أمر عجيب؟
الاَستاذ: لابد انك تقصد قرآن الشيعة، لا القرآن المتداول؟
قلت: يا أستاذ، نحن لا نقبل بغير القرآن الموجود الذي: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (23) ، ومثل هذه القضايا لم تأت في القرآن بوضوح وصراحة، وتستلزم مزيداً من الدراسة الجادة والدقيقة، وكن على ثقة حتى لو أن أسماء الاَئمة الاِثني عشر وردت في القرآن صراحة لتجاهلوها ، ولاَنكروها كما فعلوا مع سنّة الرسول عليه السلام .
الاَستاذ: إذن فأنتم تأولونه؟
قلت: بل هو تصريح أوضح من التأويل، إنتظر هنيهةً ليتّضح لك ذلك في اللقاء القادم باذن الله.
الاَستاذ: إلى اللقاء.
قلت: في أمان الله حتّى اللقاء القادم (24) .
____________
(1) ينابيع المودة للقندوزي: ص258 (ب 56).
(2) كنز العمال : ج 12 ص33 ح 33857 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير : ج 2 ص 34.
(3) سورة المائدة: الآية 12.
(4) وخير من تصدى لرد هذه الفرية الحجة الاَميني عليه الرحمة في كتاب الغدير كما ذكر نماذج من الغلو عند بعض الفرق من مصادرهم ، راجع : ج 3 ص 291 وج 7 ص 34 وص69 ـ 200 وج 11 ص 76 الخ .
(5) من تمعن بعين البصيرة والاِنصاف في الآيات الشريفة والاَحاديث والاَخبار الخاصة بأهل البيت عليهم السلام لا يعدو هذا الرأي ، وإليك على سـبيل المثال بعض الاَدلّـة والتـي يسـتفاد منها تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فمنها :
1 ـ قوله تعالى ( وأنفسنا وأنفسكم ) من آية المباهلة ، إذ المقصود باتفاق المفسرين هو أمير المؤمنين عليه السلام إذ حكمت الآية بأنه نفس النبي صلى الله عليه وآله ، إذ لم يرد نفس ذاته ، كما لا يصحّ دعاء الاِنسان نفسه إلى نفسه ولا إلى غيره ، فلم يبق إلاّ أنّه أراد علياً عليه السلام فإذا كان علي عليه السلام بمثابة نفس الرسول صلى الله عليه وآله والرسول أفضل الخلق فكذا هو عليه السلام أفضل الخلق بعده .
2 ـ قوله صلى الله عليه وآله : اللهمّ إئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أمير المؤمنين وأكل معه ، ولا يكون أحب الخلق إليه إلاّ لكونه أعظمهم ثواباً عنده تعالى ، وأكرمهم عليه ، وذلك لا يكون إلاّ بكونه أفضلهم عملاً ، وأرضاهم فعلاً ، وأجلهم في مراتب العابدين ، راجع : مجمع الزوائد : ج 9 ص 125 ـ 126 ، تاريخ بغداد : ج 3 ص 171 وج 8 ص 382 وج 9 ص 369 ، العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 1 ص 228 ـ 235 .
3 ـ قوله صلى الله عليه وآله : هم شر الخلق والخليقة ـ يعني الخوارج ـ يقتلهم خير الخلق والخليقة . راجع: المناقب لابن المغازلي : ص 56 ح 79 ، تذكرة الخواص : ص 105 ، مجمع الزوائد : ج 6 ص 239 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 2 ص 267 .
4 ـ قوله صلى الله عليه وآله : علي خير البشر ومن أبى فقد كفر . راجع : ينابيع المودة : ص 180 ب56،الرياض النضرة : ج 3 ص 198 ، تاريخ بغداد : ج 7 ص 421 ، فضائل الصحابة : ج2ص 564 ح 949 ، مجمع الزوائد : ج صلى الله عليه وآله ص 131 .
5 ـ ما روي عنه صلى الله عليه وآله : لولا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام لم يخلق الله سماءً ولاأرضاً ولا جنةً ولا ناراً . (فرائد السمطين : ج 1 ص 36 ، ينابيع المودة للقندوزي : ص485).
6 ـ ما روي عنه صلى الله عليه وآله : أنه لا يجوز أحدٌ الصراط يوم القيامة إلا مَن معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام من النار ، (المناقب لابن المغازلي : ص 131 ح 172 ، وص 242 ح 289 ، الرياض النضرة : ج 3 ص 137 ، ذخائر العقبى : ص 71 ، فرائد السمطين : ج 1 ص292 ح230) .
7 ـ ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع علي الاَنبياء في السماء فأوحى الله تعالى إليَّ سلهم يا محمد بماذا بُعثتم ؟ فقالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وحده وعلى الاِقرار بنبوّتك والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، رواه الحافظ أبو نعيم . (ينابيع المودة : ص238 ح 49 في المناقب السبعين) .
8 ـ ما روي عن عمر بن الخطاب انه قال : هذا علي بن أبي طالب عليه السلام أشهد انّي سمعت رسول الله يقول : لو أن إيمان أهل السماوات والاَرض وضع في كفة ووضع إيمان علي في كفّة لرجح إيمان علي بن أبي طالب عليه السلام (ينابيع المودة : ص 254) .
9 ـ قول جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله لو اجتمعت امتك على حب علي بن أبي طالب عليه السلام ما خلق الله النار (ينابيع المودة : ص251).
10 ـ ما روي عن محمد بن أبي عمير الكوفي عن عبدالله بن الوليد بن السمان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : ما يقول الناس في اُلي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال : قلت : ما يقدمون على اُلي العزم أحداً.
قال : فقال أبو عبدالله : إن الله تبارك وتعالى قال لموسى عليه السلام ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ) ولم يقل كل شيء موعظة ، وقال لعيسى عليه السلام : ( ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) ولم يقل كل شيء ، وقال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام : ( قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) وقال الله عزوجل ( ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) وقال : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) ، وعلم هذا الكتاب عنده . ( بصائر الدرجات للصفار : ص229 ج5 ب5 ح6 ، الاحتجاج للطبرسي : ج2 ص375).
11 ـ ما روي عن الصادق عليه السلام أما والله لو لم يخلق الله علي بن ابي طالب صلوات الله عليه لما كان لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله كفوٌ عن الخلق آدم فمن دونه (الكافي :ج1 ص461 ح10 ، المناقب لابن شهر أشوب : ج2 ص 181 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج1 : ص66 ، الفردوس : ج3 ص 418 ح5170 .
الى غير ذلك من الأدلة التي سيقت في المقام ولا يحصرها عدٌ ، ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع : رسالة تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام للمفيد ، ج7 من مصنفات الشيخ المفيد عليه الرحمة .
(6) لا يخفى أن الكثير من العلماء يعتقدون بأن مراد الرسول من العلماء في مثل هذه الروايات ـوهي روايات كثيرة ـ هم الاَئمة لا أحد سواهم.
(7) المعجم الكبير للطبراني : ج 2 ص 253 ح 1061 .
(8) المعجم الكبير للطبراني ج2: ص199 ح 1808 و 1809، المستدرك للحاكم : ج4 ص501، مسند أحمد بن حنبل : ج5: ص86 و89 و 90 و 93، الصواعق المحرقة لابن حجر:ص20، مسند أبي يعلي : ج8 ص444 ح 5031، كنز العمال : ج6 ص89 ح 14971،فتح الباري : ج13 ص181، البداية والنهاية لابن كثير، (باب ذكر الاَئمة الاثني عشر) : ج6 ص248، مجمع الزوائد للهيثمي : ج5 ص190، (ب الخلفاء الاثني عشر) ، تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير : ج2 ص34.
(9) ينابيع المودّة للقندوزي: ص258 ب (56).
(10) فرائد السمطين للجويني : ج2 ص312 ح 562، ينابيع المودّة للقندوزي: ص487 (ب94).
(11) المناقب للخوارزمي: ص75 ح 55، تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج 11 ص 589 ، المعجم الكبير للطبراني : ج 5 ص 194 ح 5067 ، ينابيع المودّة للقندوزي : ص 127 (ب43).
(12) صحيح البخاري : ج9 ص101، (ك الاَحكام ب الاِستخلاف).
(13) صحيح مسلم : ج3 ص1452 ح 6 (ك الاِمارة ب 1).
(14) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص10.
(15) تقدمت تخريجاته .
(16) بحار الاَنوار : ج 43 ص 291 ح 5 وج 44 ص 1 ح 2 .
(17) راجع: تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج10: ص58 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص79 و ج 6 ص 289، وقعة صفين: ص216 ـ 221 ، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج7 ص78(في ترجمة عاصم بن عاصم الليثي) .
(18) جاء في روايات أخرى: « اذا رأيتموه يخطب على منبري فاقتلوه »، وورد في أخرى: « اذا رأيتموه جالساً على منبري يخطب فاضربوا عنقه »، راجع: تاريخ الاَمم والملوك للطبري : ج10 ص58 ، تاريخ بغداد للخطيب : ج12 ص181، اللآلىء المصنوعة : ج1 ص424، تهذيب التهذيب : ج2 ص428، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص32.
(19) مسند احمد بن حنبل : ج4 ص421، وقعة صفين: ص219.
(20) وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ـ كما جاء في المستدرك للحاكم : ج 3 ص 114 ـ 115:
إذا نحــن بايعنا علياً فحسبنا | * | أبو حسن مما نخـاف من الفتــن |
وجدناه أولى الناس بالناس أنه | * | أطب قريــشبالكتــاب وبالسنن |
وإن قــريشاً ما تشق غباره | * | إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن |
وفيه الذي فيهم من الخير كله | * | وما فيهم كل الذي فيــه من حسن |
(21) ترجمة الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق، لابن عساكر : ج3 ص157، كنز العمال : ج11 ص612 ح 32964، الاستيعاب، لابن عبدالبر : ج3 ص1091، المناقب للخوارزمي: ص105 ح108، الاصابة، لابن حجر العسقلاني: ج4 ص170 ترجمة رقم: 994.
(22) راجع : مسند أحمد بن حنبل : ج 6 ص 323 ، مجمع الزوائد : ج 9 ص 130 ، المستدرك للحاكم : ج 3 ص 121 ، كنز العمال : ج 11 ص 602 ح 32903 ، مشكاة المصابيح : ج 3 ص 1722 ح 6092 ، بحار الاَنوار : ج 27 ص 227 ح 26 وج 39 ص 311 ح 1 .
(23) سورة فصلت: الآية 42.
(24) مذكرات المدرسة للسيد محمد جواد المُهري : 147 ـ 157 .
التعلیقات