مناظرة الاِمام الصادق عليه السلام مع عبدالله بن الفضل الهاشمي في الحكمة من غيبة الاِمام المهدي عليه السلام
في العقائد
منذ 15 سنةروي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : إنّ لصاحب هذا الاَمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل .
قلت له : ولِمَ جعلت فداك ؟
قال : لاَمر لا يؤذن لي في كشفه لكم .
قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟
قال : وجه الحكمة في غيبته ، وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله (1) تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره(2) كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام ، من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما .
يا بن الفضل ! إنَّ هذا الاَمر أمر من   الله    ، وسرّ من سرّ    الله    ، وغيب من غيب    الله    ، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة ،  وإن كان  وجهها غير منكشف (3). 
____________
  (1) راجع : كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص 127 ـ 153 (في الحكمة  من غيبات بعض  الاَنبياء عليهم السلام) .
 (2) إنّ مفاد هذه الرواية الشريفة هو عدم معرفة وجه الحكمة من غيبته  الشريفة حتى يظهر عجل    الله    فرجه الشريف ، فحينئذٍ يتبيّن للناس وجه الحكمة من غيبته ، إلاّ  أن هناك مجموعة من  الروايات الشريفة والتي ذكرها الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين : ج 1  ص 479ـ  482 (ب علة الغيبة) قد أفصحت عن بعض أوجه الحكمة من غيبته : وهي على طوائف  خمس  على حسب ما تتبعته عاجلاً وهي :
 
الطائفة الاُولى : كرواية  علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن بن  موسى الرضا عليه السلام أنّه قال : كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث (الرابع ن  ل) من ولدي كالنعم يطلبون  المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولِمَ ذاك يا بن رسول   الله    صلى    الله      عليه وآله ؟ قال : لاَنّ إمامهم يغيب عنهم ،  فقلت: ولِمَ ؟ قال : لئلا يكون لاَحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف .
 
الطائفة الثانية (وهي رواية  واحدة) : ما روي عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبد  الله     عليه السلام  قال : إنَّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها ، فقلت له : يا بن  رسول   الله    ولِمَ ذلك ؟ قال : لاَنّ   الله    عزّ  وجلّ أبى إلاّ أن تجري فيه سنن الاَنبياء عليهم السلام في غيباتهم ، وإنّه  لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد  غيباتهم ، قال   الله    تعالى : (لتركبنَّ طبقاً عن  طبق) ـ الانشقاق :9ـ أي سنن من كان قبلكم .
 
الطائفة الثالثة : كرواية  زرارة عن أبي عبد  الله    عليه السلام قال : للقائم غيبة قبل قيامه ، قلت :  ولِمَ؟  قال : يخاف على نفسه الذّبح .
 
الطائفة الرابعة : (وهي  التي ذكرها أيضاً الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين : ج2  ص 641 ب 54) عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لاَبي عبد  الله    عليه السلام :  أصلحك   الله    ألم يكن عليّ  عليه السلام قوياً في دين   الله    عزّ وجلّ ؟ قال : بلى . قال : فكيف ظهر  عليه القوم ، وكيف لم يدفعهم وما  يمنعه من ذلك ؟ قال : أيةً في كتاب   الله    عز وجل منعته قال : قلت وأيّة  آية هي؟ قال: قوله عزّ  وجلّ : ( لو تزيّلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم  عذاباً أليماً ) إنّه كان لله عزّ وجلّ ودائع مؤمنون في  أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتى  يخرج الودائع فلما خرجت  الودائع ظهر على من ظهر فقاتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام لن  يظهر أبداً حتى تظهر ودائع    الله    عزّ وجلّ فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله .
 
الطائفة الخامسة : وهي ما  روي عن أبي جعفر عليهم السلام محمد بن علي أنه قال : إذا اجتمع للاِمام  عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر وجب عليه القيام والتغيير . (بحار  الاَنوار : ج 100 ص49 ح  18) .
 
فمفاد هذه الطوائف الخمس هي  أن أوجه الحكمة خمسة أمور في عدم ظهوره حتى يأذن    الله    له بالخروج صلوات   الله    عليه وهي :
 
1 ـ لئلا يكون لاَحد في  عنقه بيعة إذا قام بالسيف .
 
2 ـ لكي تجري فيه سنن  الاَنبياء السابقين في غيباتهم واستيفائها .
 
3 ـ انّه عليه السلام يخاف  على نفسه الذبح لو خرج قبل أوان خروجه المناسب .
 
4 ـ انّه لن يظهر عليه  السلام حتى تظهر ودائع   الله    (كما في رواية أخرى : ودائع مؤمنون في  أصلاب  قوم كافرين) .
 5 ـ إنه عليه السلام لا يظر حتى تتكامل عدة أصحابه عدة أهل بدر ثلاث مائة  وثلاثة عشر رجلاً ، وهم إصحاب الألولية ، وهم حكام الله في أرضه على خلقه  ... الخ كما في رواية المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام ( بحار  الأنوار : ج 52 ص 326 ح 42 ) . 
 
فما هو وجه الجمع بين رواية  الهاشمي التي مفادها عدم معرفة الحكمة من غيبة حتى يظهر ، وبين تلك  الطوائف الخمس في بيان الحكمة من الغيبة ؟ نقول : لعل الرواية  الأولى  ناظرة إلى عدم انكشاف تمام العلة من غيبة لا بعضها ، ولا مانع من بيان بعض  وجوه الحكمة كما في الطوائف الخمس ، وتبقى الحكمة الأصل خافية علينا في  غيبة حتى يظهر عجل الله فرجه ، فلا تنافي بين الروايات والله العالم .
 (4)الاِحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 376 ، كمال الدين وتمام النعمة : ج 2 ص 482 ح  11 ، حلية الاَبرار : ج 2 ص 589 ـ 590 .

التعلیقات