مناظرة أحد العلماء مع بعضهم في حكم بناء القبور
في الاحكام
منذ 15 سنةالعالم الشيعي: لماذا خرّبت تلك الاَبينة ؟ ـ يعني الاَبنية التي في البقيع ـ لماذا هذه الاهانة وعدم الاحترام ؟
السني : هل تقبل كلام الاِمام علي عليه السلام ؟
العالم الشيعي: نعم ، هو أول إمام لنا ، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله بلا منازع.
السني : ورد في كتبنا المعتبرة : حدثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال: يحيى أخبرنا ، وقال الآخران ، حدثنا: وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الاَسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب عليه السلام : الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.(1)
العالم الشيعي: هذا الحديث ،مخدوش من حيث السند والدلالة ومرفوض ، اما سنداً ،فلوجود 1 ـ وكيع 2 ـ سفيان 3 ـ حبيب بن أبي ثابت 4 ـ أبي وائل ، الذين لم يوثقوا من طرف أهل الحديث.
فمثلاً قال أحمد بن حنبل حول « وكيع »: « أنه أخطأ في خمس مائة حديث »(2).
وأمّا « سفيان الثوري » ، فقد نقل ابن المبارك: « أن سفيان الثوري كان يدلس في الحديث ، ويخجل مني حين يراني »(3)، والتدليس: هو أن يظهر الباطل بصورة الحق ، وأمّا « حبيب بن أبي ثابت » ، فقد نقل عن ابن حيان أنه كان يدلس في الحديث(4).
وأمّا « أبي وائل » فقيل عنه: « إنه كان من النواصب ، ومن جملة الذين انحرفوا عن الاِمام علي عليه السلام »(5).
كما ينبغي التوجه إلى أن جميع كتب الصحاح الستة لاَهل السنة ، قد نقلت عن « أبي الهياج » فقط هذا الحديث ، ممايعتبر مؤشراً على أنه لم يكن من أهل الحديث ،ولم يكن مورد اعتماد ،فالحديث المذكور لا يُعتمد عليه سنداً.
وأما دلالة ومحتوىً:
أ ـ أن الاِصطلاح اللغوي لكلمة « مشرف » في الحديث المذكور ، بمعنى المكان المرتفع المسلط على مكان آخر أدنى منه ، فلا يشمل كل شيء مرتفع.
ب ـ وأمّا الاِصطلاح اللغوي لـ« سويته » ، بمعنى التساوي والاستقامة ، لذلك ، لا يكون معنى الحديث هو هدم كل قبر عال ، إضافة إلى أن مساوات القبر مع الاَرض خلاف للسنة الاِسلامية ، لان جميع فقهاء الاِسلام قد افتوا باستحباب رفع القبر عن الاَرض ولو شبراً(6).
ويطرأ احتمال آخر هو أن المراد من « سويته » تساوي سطح القبر وعدم جعله محدّباً كتحدب ظهر البعير ، كما فهم هذا المعنى علماء كبار من أهل السنة ، كمسلم في صحيحه ، والترمذي والنسائي في سننهما.
فالنتيجة: إنّه توجد ثلاث احتمالات : 1 ـ هدم بناء القبر وخرابه 2ـمساوات سطح القبر مع الاَرض 3 ـ أن يكون سطح القبر مسطحاً لا محدباً ، والاَحتمال الاَول والثاني غير صحيح ، والاَحتمال الثالث هو الصحيح.
لذلك ، لايدل الحديث المذكور على هدم بناء القبور ، ونضيف أيضاً: لو كان الاِمام علي عليه السلام يقول بهدم أبنية القبور ، فلماذا لم يهدم أبنية قبور أولياء الله والاَنبياء عليهم السلام في البيت المقدس ، في عصر خلافته ، ولم ينقل لنا التأريخ شواهد كهذه.
السني: أريد أن أطرح سؤالاً ؟ هل يوجد دليل في القرآن يصرح بلزوم بناء الاَبنية والاَضرحة المجللة والعظيمة على قبور أولياء الله ؟
العالم الشيعي: أولاً: ليس من المفروض أن يذكر كل شيء في القرآن ، حتى المستحبات وإلا لبلغ حجم القرآن أضعاف ما عليه الآن.
وثانياً: هناك إشارات إلى هذا الموضوع ، في القرآن ، فمثلاً الآية  32 من  سورة الحج ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى  القلوب ) ، أن اصطلاح  « شعائر » جمع « شعيرة » بمعنى العلامة أو الآية ، وليس المنظور في هذا  لآية وجود  الله ، لاَن العالم بأكمله ، آيات وجود الله سبحانه ، بل المنظور (معالم  دين الله)(7).
 
فكل ما  له ارتباط بدين الله ،فاحترامه يوجب القرب الاِلهي ، فنقول: أن  قبور الاَنبياء والاَئمة وأولياء اللهعليهم السلام تعتبر معالم لدين الله ،  فلوبنيت تلك القبور  بنحو جميل ومجلل وفخم ، كان دليلاً على احترام شعائر الله ، ويكون عملاً  محبوباً  لدى الله طبقاً للقرآن ، وأشارت الآية ( قل لا  أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في  القربى )(8).
 
إن المودة  والتقرب لاَهل بيت النبي  صلى الله عليه وآله هي أجر للرسالة ، فيكون بناء  قبور  أهل بيته بنحو مجلل لائق بهم ، إحدى أسباب التقرب وإظهار الحب لاَهل بيت  النبي  صلى الله عليه وآله ، لا أنها فعل محرم.
 
فمثلاً ، لو  وضعنا القرآن الكريم في مكان غير مناسب ،على التراب وفي  معرض المطر والرياح ، ألا يعتبر ذلك إهانة للقرآن ؟ وإذا لم يعتبر إهانة  أليس من  الاَفضل أن نغلفه ونضعه في مكان مناسب بعيداً عن الغبار والنجاسة ؟
 
السني: هذا  الكلام يقع مورد قبول في المجامع العرفية ، أما في القرآن فلا  يوجد دليل صريح على ذلك.
 
العالم  الشيعي: جاء في القرآن في قصة أصحاب الكهف: إنهم التجأوا إلى  الغار وغطوا في نوم عميق ، فحينما عثر الناس عليهم وهم بهذه الصورة ،  تنازعوا  فيما بينهم ، فقال بعض: ( ابنوا عليهم بنياناً ) ، وقال بعض آخر: ( لنتخذن  عليهم مسجداً )(9).
 
فالقرآن ينقل كلا النظرين ، من دون  انتقاد لهما ، فلو كان كلا النظرين ، أو  أحدهما ، حراماً وغير صحيح ، لتعرض قطعاً لانتقاد القرآن ، وعلى أية حال  فكلا  النظرين ، يدلان على نوع من الاَحترام لقبور أولياء الله ، والآيات الثلاث  المذكورة 1 ـ آية تعظيم الشعائر 2 ـ آية المودة 3 ـ النظران المذكوران في  قبور  أصحاب الكهف ، تدل على جواز بل استحباب بناء قبور أولياء الله بصورة  فخمة(10). 
____________
  (1) صحيح مسلم: ج2 ص666 ح 93 (ك الجنائز ب 31) ، الجامع الصحيح للترمذي: ج3   ص366 ح 1049 ، سنن النسائي: ج4 ص88 ـ 89 .
 (2) تهذيب التهذيب: ج11 ص125.
 (3) تهذيب التهذيب: ج4 ص 115.
 (4) تهذيب التهذيب: ج2 ص179.
 (5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص99.
 (6) الفقه على المذاهب الاَربعة للجزيري: ج1 ص535.
 (7) مجمع البيان للطبرسي: ج7 ص133.
 (8) سورةالشورى: الآية 23 .
 (9) سورة الكهف : الآية 21 .
 (10) أجود المناظرات للاَشتهاردي : ص 340 ـ 345 .

التعلیقات