مناظرة المأمون مع علماء العامة
في الإمامة
منذ 14 سنةعن اسحاق بن حماد بن زيد ، قال : جمعنا يحيى بن أكثم القاضي ، قال : أمرني المأمون بأحضار جماعة من أهل الحديث ، وجماعة من أهل الكلام والنظر ، فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلاً ، ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لاعلمه بمكانهم ففعلوا ، فأعلمته فأمرني بإدخالهم فدخلوا فسلّموا ، فحدثهم ساعة وآنسهم.
ثم قال : إني أريد ان أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة ، فمن كان حاقناً (2) ، أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلّوا خفافكم ، وضعوا أرديتكم ، ففعلوا ما أمروا به.
فقال : أيها القوم إنما استحضرتكم لاحتج بكم عند الله تعالى ، فاتقوا الله وانظروا لانفسكم وإمامكم ، ولا يمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ، ورد الباطل على من أتى به ، وأشفقوا على أنفسكم من النار ، وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه وإيثار طاعته ، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلاّ سلّطه الله عليه.
فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم : أن علياً ـ عليه السلام ـ خير البشر بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي ، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليَّ ، وهلّموا فإن شئتم سألتكم وإن شئتم سألتموني.
فقال له الذين يقولون بالحديث : بل نسألك.
فقال : هاتوا وقلّدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم ، فإذا تكلم ، فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد ، وإن أتى بخلل فسددوه.
فقـال قائل منهـم : إنمـا نحـن نزعـم أن خيّر النـاس بعـد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أبو بكر ، من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنه قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر (3) فلما أمر نبيّ الرحمة بالاقتداء بهما ، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس.
فقال المأمون : الروايات كثيرة ولابد من أن تكون كلّها حقاً ، أو كلّها باطلاً ، أو بعضها حقاً وبعضها باطلاً ، فلو كانت كلّها حقاً كانت كلّها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضاً ، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدّين ودروس الشريعة ، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار.
وهو أن بعضها حق وبعضها باطل ، فإذا كان كذلك فلابد من دليل على ما يحق منها ليعتقد وينفي خلافه ، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما أعتقده وأخذ به ، وروايتك هذه من الاخبار الّتي أدلّتها باطلة في نفسها.
وذلك أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أحكم الحكماء ، وأولى الخلق بالصدق ، وأبعد الناس من الامر بالمحال ، وحمل الناس على التدين بالخلاف ، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين ؟
فإن كانا متفقين من كلّ جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كلّ جهة.
وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما ، وهذا تكليف ما لا يطاق ، لانك إذا اقتديت بواحد خالفت الاخر.
والدليل على اختلافهما : أن أبا بكر سبا أهل الردة ، وردهم عمر أحـراراً (4) ، وأشـار عمـر إلى أبي بكر بعزل خالد وبقتله لمالك بن نويرة (5) ، فأبى أبو بكر عليه.
وحرم عمر المتعتين (6) ، ولم يفعل ذلك أبو بكر ، ووضع عمر ديوان العطية (7) ، ولم يفعله أبو بكر ، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر (8) ، ولهذا نظائر كثيرة.
فقال آخر من أصحاب الحديث : فإن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً (9). فقال المأمون : هذا مستحيل من قِبَل أن رواياتكم أنه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ آخى بين أصحابه وآخى علياً ، فقال له في ذلك ، فقال : وما أخرتك إلاّ لنفسي (10) ، فأي الروايتين ثبتت بطلت الاخرى.
قال الاخر : إن علياً ـ عليه السلام ـ قال على المنبر : خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر(11).
قال المأمون : هذا مستحيل من قبل أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لو علم أنهما أفضل ما ولّى عليهما مرة عمرو بن العاص (12) ، ومرة أسامة بن زيد (13).
ومما يكذب هذه الرواية قول علي ـ عليه السلام ـ لما قبض النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : وأنا أولى بمجلسه وهو مني بقميصي ، ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفاراً (14) ، وقوله ـ عليه السلام ـ : أنى يكونان خيراً مني وقد عبدت الله تعالى قبلهما وعبدته بعدهما (15).
قال آخر : فإن أبا بكر أغلق بابه ، وقال : هل من مستقيل فأقيله ؟ فقال علي ـ عليه السلام ـ : قدمك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فمن ذا يؤخرك (16) ؟
فقال المأمون : هذا باطل من قبل أن علياً ـ عليه السلام ـ قعد عن بيعة أبي بكر (17) ، ورويتم أنه قعد عنها حتى قُبضت فاطمة ـ عليها السلام ـ وأنها أوصت أن تدفن ليلاً لئلا يشهدا جنازتها (18).
ووجه آخر وهو أنه ان كان النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ استخلفه ، فكيف كان له أن يستقيل وهو يقول للانصار : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر (19).
قال آخر : إن عمرو بن العاص قال : يانبي الله من أحبُّ الناس إليك من النساء ؟ قال : عايشة ، فقال : من الرجال ؟ فقال : أبوها (20).
فقال المأمون : هذا باطل ، من قِبَل أنكم رويتم : أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وُضِع بين يديه طائر مشوي ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان علياً ـ عليه السلام ـ (21) ، فأيّ رواياتكم تقبل ؟
فقال آخر : فإن علياً ـ عليه السلام ـ قال : من فضّلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري (22).
قال المأمون : كيف يجوز أن يقول علي ـ عليه السلام ـ : أجلد الحدّ على من لا يجب حدّ عليه ؟ فيكون متعدّياً لحدود الله عز وجل ، عاملاً بخلاف أمره ، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية.
وقد رويتم عن إمامكم أنه قال : وليتكم ولست بخيركم (23) ، فأيّ الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه ، أو علي ـ عليه السلام ـ على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه ؟ ولابد له في قوله من أن يكون صادقاً أو كاذباً ، فإن كان صادقاً فأنّى عَرَفَ ذلك ؟
أبِوحي ؟ فالوحي منقطع ، أو بالتظني ؟ فالمتظني متحير ، أو بالنظر فالنظر مبحث ، وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين ويقوم بأحكامهم ، ويقيم حدودهم كذاب !
قال آخر : فقد جاء أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة (24).
قال المأمون : هذا الحديث محال ، لانه لا يكون في الجنة كهل ، ويروى أن أشجعية كانت عند النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : لا يدخل الجنة عجوز (25) فبكت ، فقال لها ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : إن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأناهن إنشاءَ ، فجعلناهن أبكاراً ، عرباً أترابا ً) (26).
فإن زعمتم أن أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة ، فقد رويتم أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال للحسن والحسين : إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والاخرين وأبوهما خير منهما (27).
قال آخر : فقد جاء أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : لو لم أكن أبعث فيكم لبُعث عمر (28).
قال المأمون : هذا محال لان الله تعالى يقول : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) (29) ، وقال تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) (30) ، فهل يجوز أن يكون مَنْ لم يؤخذ منه ميثاقه على النبوة مبعوثاً ؟ ومن أخذ ميثاقاً على النبوة مؤخراً ؟
قال آخر : إن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم.
فقال : إن الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة (31).
فقال المأمون : هذا مستحيل من قِبَل أن الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيكون عمر في الخاصة ، والنبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في العامة.
وليست هذه الروايات باعجب من روايتكم : أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : دخلت الجنة فسمعت خفق نعلين ، فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة (32).
وإنما قالت الشيعة : علي ـ عليه السلام ـ خير من أبي بكر ، فقلتم : عبد أبي بكر خير من الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لان السابق أفضل من المسبوق ، وكما رويتم أن الشيطان يفر من ظل عمر (33) ، وألقى على لسان نبي الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وإنهن الغرانيق العلى (34) ، ففر من عمر وألقى على لسان النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بزعمكم الكفار.
قال آخر : قد قال النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب (35) !!
قال المأمون : هذا خلاف الكتاب أيضاً ، لان الله تعالى يقول لنبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) (36) فجعلتم عمر مثل الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ.
قال آخر : فقد شهد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة (37).
فقال المأمون : لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة : نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟
فإن كان قد قال له النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : أنت من أهل الجنة ولم يصدّقه حتى زكّاه حذيفة فصدّق حذيفة ولم يصدق النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فهذا على غير الاسلام.
وإن كان قد صدّق النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فلم سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما ؟
قال الاخر : فقد قال النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : وضعت في كفة الميزان ووضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم ، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ، ثم عمر فرجح بهم ، ثم رفع الميزان (38).
فقال المأمون : هذا محال ، من قِبَل أنه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما ، فان كانت الاجسام فلا يخفى على ذي روح أنه محال ، لانه لا يرجح أجسامهما بأجسام الامة ، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف ترجح بما ليس ، فأخبروني بما يتفاضل الناس ؟
فقال بعضهم : بالاعمال الصالحة.
قال : فأخبروني ، فمن فضّل صاحبه على عهد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟ ثم إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أيُلحق به ؟
فإن قلتم : نعم ، أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً و حجاً ، وصوماً وصلاة وصدقة من أحدهم !
قالوا : صدقت لا يلحق فاضل دهرنا لفاضل عصر النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ.
قال المأمون : فانظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم اديانكم في فضائل علي ـ عليه السلام ـ ، وقيسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة ، فإن كانت جزاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم ، وإن كانوا قد رووا في فضائل علي ـ عليه السلام ـ أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تَعْدوه.
قال : فأطرق القوم جميعاً.
فقال المأمون : ما لكم سكتم ؟
قالوا : قد استقصينا.
قال المأمون : فإني أسألكم ، خبروني أي الاعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ.
قالوا : السبق إلى الاسلام لان الله تعالى يقول : ( والسابقون السابقون ، أولئك المقربون ) (39).
قال : فهل علمتم أحداً أسبق من علي ـ عليه السلام ـ إلى الاسلام ؟
قالوا : إنه سبق حدثاً لم يجر عليه حكم ، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم ، وبين هاتين الحالتين فرق.
قال المأمون : فخبروني عن إسلام علي ـ عليه السلام ـ أبإلهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟
فإن قلتم : بإلهام فقد فضلتموه على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لان النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً ومعرّفاً.
فإن قلتم : بدعاء النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فهل دعاه من قِبَل نفسه أو بأمر الله تعالى ؟
فان قلتـم : مـن قِبَل نفسـه فهـذا خـلاف مـا وصـف الله تعالى به نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في قوله تعالى : ( وما أنا من المتكلفين ) (40) وفي قوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) (41).
وإن كان من قِبَل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بدعاء علي ـ عليه السلام ـ من بين صبيان الناس ، وإيثاره عليهم فدعاه ثقةً به ، وعلماً بتأييد الله تعالى ، وخلّة أخرى ، خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لايطيقون ؟
فإن قلتم : نعم ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : لا ، فكيـف يجـوز أن يـأمر نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصِغرِه وحداثة سنه وضعفه عن القبول ؟ !
وخلّة أخرى ، هل رأيتم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة علي ـ عليه السلام ـ ؟ فإن زعمتم أنه لم يدعُ غيره فهذه فضيلة لعلي ـ عليه السلام ـ على جميع صبيان الناس.
ثم قال : أيّ الاعمال بعد السبق إلى الايمان ؟
قالوا : الجهاد في سبيل الله.
قال : فهل تجدون لاحدٍ من العشرة في الجهاد ما لعلي في جميع مواقف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ من الاثر ؟ هذه بدر قُتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً قَتل علي ـ عليه السلام ـ منهم نيفاً وعشرين (42) وأربعون لسائر الناس.
فقال قائل : كان أبو بكر مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في عريشة يدبرها.
فقال المأمون : لقد جئت بها عجيبة ، أكان يدبر دون النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أو معه فيشركه ، أو لحاجة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلى رأي أبي بكر ، أيّ الثلاث أحب إليك أن تقول ؟
فقال : أعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أو يشركه ، أو بافتقار من النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إليه.
قال : فما الفضيلة في العريش ؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب ، فيجب أن يكون كل متخلف فاضلاً أفضل من المجاهدين ، والله عز وجل يقول : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاّ ً وعد الله الحسنى وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما ) (43) الاية.
قال إسحق بن حماد بن زيد ، ثم قال لي اقرأ : ( هل أتى على الانسان حين من الدهر ) (44) ، فقرأت حتى بلغت : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ) (45) ، إلى قوله : ( وكان سعيكم مشكورا ) (46).
فقال : فيمن نزلت هذه الايات ؟
فقلت : في علي ـ عليه السلام ـ (47).
قال : فهل بلغك أن علياً ـ عليه السلام ـ قال : حين أطعم المسكين واليتيم والاسير : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءاً ولا شكوراً ) (48) ، على ما وصف الله عز وجل في كتابه ؟
فقلت : لا.
قال فإن الله تعالى عرف سريرة علي ـ عليه السلام ـ ونيته فأظهر ذلك في كتابه تعريفاً لخلقه أمره ، فهل علمت أن الله تعالى وصف في شيء مما وصف في الجنة ما في هذه السورة ( قوارير من فضة ) (49).
قلت : لا.
قال : فهذه فضيلة أخرى ، فكيف تكون القوارير من فضة ؟
فقلت : لا أدري.
قال : يريد كأنها من صفائها من فضة يُرى داخلها كما يُرى خارجها ، وهذا مثل قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : يا اسحاق رويداً شوقك بالقوارير (50) ، وعنى به نساءً كأنها القوارير رقة ، وقوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً ـ أي كأنه بحر من كثرة جريه وعدوه ـ وكقول الله تعالى : ( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ) (51) ـ أي كأنه يأتيه الموت ولو أتاه من مكان واحد مات ـ.
ثم قال : يا إسحاق ألست ممن يشهد أن العشرة في الجنة ؟
فقلت : بلى.
قال : أرأيت لو أن رجلاً قال : ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك كافراً ؟
قلت : لا.
قال : أفرأيت لو قال ما أدري هذه السورة من القرآن أم لا أكان عندك كافراً ؟
قلت : بلى.
قال : أرى فضل الرجل يتأكد ، خبروني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي (52) أصحيح عندك ؟
قلت : بلى.
قـال : بـانَ والله عنادك ، لا يخلـو هـذا مـن أن يكـون كما دعاه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أو يكون مردوداً أو عرف الله الفاضل من خلقه ، وكان المفضول أحبّ إليه ، أو تزعم أن الله لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأيّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول به ؟
قال إسحاق : فأطرقت ساعة ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول في أبي بكر : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا ) (53) ، فنسبه الله عز وجل إلى صحبة نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ.
فقال المأمون : سبحان الله ما أقل علمك باللغة والكتاب ! أما يكون الكافر صاحباً للمؤمن ؟ فأيّ فضيلة في هذا ، أما سمعت قول الله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً ) (54) ، فقد جعله الله له صاحباً ، وقال الهذلي شعراً :
ولقد غدوت وصاحبي وحشيــة * تحت الردأ بصيرة بالمشـرق
وقال الازدي شعراً :
ولقد ذعرت الوحش فيه وصاحبي * محض القوائم من هجان هيكل
فصيّر فرسه صاحبه.
وأما قوله : إن الله معنا ، فإن الله تبارك وتعالى مع البر والفاجر ، أما سمعت قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلاّ هو رابعُهُم ولا خمسةٍ إلاّ هو سَادِسُهُم ولا أدنى مِن ذلِكَ ولا أكثَرَ إلاّ هُوَ معَهُم أينما كانُوا ) (55).
وأما قوله : ( لا تحزن ) فأخبرني من حزن أبي بكر ، أكان طاعة أو معصية ؟ فإن زعمت أنه طاعة ، فقد جعلت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ينهى عن الطاعة وهذا خلاف صفة الحكيم ، وإن زعمت أنه معصية فأيّ فضيلة للعاصي ؟
وخبرني عن قوله تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليه ) (56) ، على مَن ؟
قال إسحاق : فقلت : على أبي بكر ، لان النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان مستغنياً عن صفة السكينة.
قال : فخبرني عن قوله عز وجل : ( ويَومَ حُنينٍ إذ أعجبتكُم كثَرتُكم فَلم تُغن عَنكُم شَيئاً وضَاقَت عَليكُمُ الارضُ بَما رَحُبَت ثُمَّ وَلِّيتُم مُدبِرِينَ ثُمَّ أنزل اللهُ سَكِينَتَه على رَسُولِهِ وعَلَى المؤمِنِين ) (57) ، أتدري من المؤمنون الّذين أراد الله تعالى في هذا الموضع ؟
قال : فقلت : لا.
فقال : إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلاّ سبعة من بني هاشم علي ـ عليه السلام ـ يضرب بسيفه ، والعباس (58) آخذ بلجام بغلة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، والخمسة يحدقون بالنبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ خوفاً من أن يناله سلاح الكفار ، حتى أعطى الله تبارك وتعالى رسوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الظفر ، وعنى بالمؤمنين في هذا الموضع علياً ـ عليه السلام ـ (59) ومن حضر من بني هاشم.
فمَن كان أفضل ، أمَنْ كان مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فنزلت السكينة على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعليه ، أم من كان في الغار مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولم يكن أهلاً لنزولها عليه ، يا إسحاق من أفضل ؟ من كان مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيالغار أو من نام على مهاده وفراشه ووقاه بنفسه حتى تم للنبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ما عزم عليه من الهجرة ؟
إن الله تبارك وتعالى أمر نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أن يأمر علياً ـ عليه السلام ـ بالنوم على فراشه ووقايته بنفسه ، فأمره بذلك ، فقال علي ـ عليه السلام ـ : أتسلم يا نبي الله ؟
قال : سمعاً وطاعة ، ثم أتى مضجعه وتسجّى بثوبه (60) ، وأحدق المشركون به لا يشكّون في أنه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وقد أجمعوا على أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطلب الهاشميون بدمه ، وعلي ـ عليه السلام ـ يسمع بأمر القوم فيه من التدبير في تلف نفسه ، فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار وهو مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعلي ـ عليه السلام ـ وحده فلم يزل صابراً محتسباً فبعث الله تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلما أصبح قام فنظر القوم إليه ، فقالوا : أين محمد ؟
قال : وما علمي به.
قالوا : فأنت غررتنا ، ثم لحق بالنبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فلم يزل علي ـ عليه السلام ـ أفضل لما بدا منه إلاّ ما يزيد خيراً حتى قبضه الله تعالى إليه وهو محمود مغفور له.
يا إسحاق أما تروي حديث الولاية (61) ؟
فقلت : نعم.
قال : اروه فرويته.
فقال : أما ترى أنه أوجب لعلي ـ عليه السلام ـ على أبي بكر وعمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه ؟
قلت : إن الناس يقولون إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة.
فقال : وأين قال النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هذا ؟
قلت : بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع.
قال : فمتى قُتلَ زيد بن حارثة ؟
قلت : بمؤتة.
قال : أفليس قد كان قَتل زيد بن حارثة قبل غدير خم ؟
قلت : بلى.
قال : أخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاقبلوا ، أكنت تكره له ذلك ؟
فقلت : بلى.
قال : أفتنزه ابنك عما لا يتنزه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عنه ويحكم ! أجعلتم فقهاءكم أربابكم ، إن الله تعالى يقول : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (62) ، والله ما صاموا لهم ولا صلّوا لهم ، ولكنهم امروا لهم فأُطيعوا.
ثم قال : أتروي قول النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لعلي ـ عليه السلام ـ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى (63).
قلت : نعم.
قال : أما تعلم أن هارون أخو موسى لابيه وأمه ؟
قلت : بلى.
قال : فعلي ـ عليه السلام ـ كذلك ؟
قلت : لا.
قال : وهارون نبي وليس علي كذلك ، فما المنزلة الثالثة إلاّ الخلافة ، وهذا كما قال المنافقون : إنه استخلفه استثقالا له ، فأراد أن يطيّب نفسه.
وهذا كما حكى الله تعالى عن موسى ـ عليه السلام ـ حيث يقول لهارون : ( اخلفُني فِي قَومي وأَصلِح ، ولا تتَبَّع سَبِيلَ المُفسِدِينَ) (64).
فقلت : إن موسى خلّف هارون في قومه وهو حي ، ثم مضى إلى ميقات ربه تعالى ، وإن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ خلّف علياً ـ عليه السلام ـ حين خرج إلى غزاته.
فقال : أخبرني عن موسى حين خلّف هارون ، أكان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عز وجل أحد من أصحابه ؟
فقلت : نعم.
قال : أو ليس قد استخلفه على جميعهم ؟
قلت : بلى.
قال : فكذلك علي ـ عليه السلام ـ خلّفه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حين خرج إلى غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان ، إذ كان أكثر قومه معه وإن كان قد جعله خليفة على جميعهم.
والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، وهو وزير النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أيضاً بهذا القول لان موسى ـ عليه السلام ـ قد دعا الله تعالى ، وقال فيما دعا : ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، اشدد به ازري ، وأشركه في أمرِي ) (65) ، فإذا كان علي ـ عليه السلام ـ منه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بمنزلة هارون من موسى ، فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى وهو خليفته كما كان هارون خليفة موسى ـ عليه السلام..
ثم أقبل على أصحاب النظر والكلام ، فقال : أسألكم أو تسألوني ؟
فقالوا : بل نسألك.
قال : قولوا.
فقال قائل منهم : أليست إمامة علي ـ عليه السلام ـ من قبل الله عز وجل ، نقل ذلك عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مَنْ نقلَ الفرض مثل ، الظهر أربع ركعات ، وفي مأتي درهم خمسة دراهم ، والحج إلى مكة ؟
فقال : بلى.
قال : فما بالهم لم يختلفو في جميع الفروض واختلفوا في خلافة علي ـ عليه السلام ـ وحدها ؟
قال المأمون : لان جميع الفروض لا يقع فيه من التنافس والرغبة ما يقع في الخلافة.
فقال آخر : ما أنكرت أن يكون النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أمرهم باختيار رجل منهم يقوم مقامه رأفة بهم ورقة عليهم من غير أن يستخلف هو بنفسه ، فيُعصى خليفته فينزل بهم العذاب ؟
فقال : أنكرت ذلك من قِبَل أن الله تعالى أرأف بخلقه من النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقد بعث نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إليهم وهو يعلم أن فيهم عاص ومطيع ، فلم يمنعه تعالى ذلك من إرساله.
وعلّة أخرى : ولو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم فلو أمر الكل مَنْ كان المختار ؟ ولو أمر بعضنا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا البعض علامة ، فإن قلت : الفقهاء ، فلابد من تحديد الفقيه وسمته.
قال آخر : فقد روي أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله تعالى حسن ، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح.
فقال : هذا القول لابد من أن يكون يريد كل المؤمنين أو البعض ، فإن اراد الكل فهذا مفقود ، لان الكل لا يمكن اجتماعهم ، وإن كان البعض ، فقد روى كلٌ في صاحبه حُسناً ، مثل رواية الشيعة في علي ، ورواية الحشوية (66) في غيره ، فمتى يثبت ما تريدون من الامامة ؟
قال آخر : فيجوز أن تزعم ان أصحاب محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ اخطأوا ؟
قال : كيف تزعم أنهم اخطأوا واجتمعوا على ضلالة وهم لم يعلموا فرضاً ولا سنة ، لانك تزعم ان الامامة لا فرض من الله تعالى ولا سنة من الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض ولا سنة خطأ ؟
قال آخر : إن كنت تدّعي لعلي ـ عليه السلام ـ من الامامة دون غيره فهات بيّنتك على ما تدعي ؟
فقال : ما أنا بمدع ولكني مقر ولابينّة على مقر والمدعي من يزعم أن إليه التولية والعزل وأن إليه الاختيار والبيّنة لا تعري من أن تكون من شركائه فهم خصماء أو تكون من غيرهم ، والغير معدوم فكيف يؤتى بالبينة على هذا ؟
قال آخر : فما كان الواجب على علي ـ عليه السلام ـ بعد مضي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم..
قال : ما فعله ؟
قال : إنما وجب عليه أن يعلّم الناس أنه إمام.
فقال : إن الامامة لا تكون بفعل منه في نفسه ، ولا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك ، وإنما تكون بفعل من الله تعالى فيه كما قال لابراهيم ـ عليه السلام ـ : ( إني جاعلك للناس إماماً ) (67) ، وكما قال تعالى لداود ـ عليه السلام ـ : ( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الارض ) (68) ، وكما قال عز وجل للملائكة في آدم : ( إني جاعل في الارض خليفة) (69).
فالامام إنما يكون إماماً من قبل الله تعالى وباختياره إيّاه في بدء الصنيعة ، والتشريف في النسب ، والطهارة في المنشأ ، والعصمة في المستقبل ، ولو كانت بفعل منه في نفسه كان من فعل ذلك الفعل مستحقاً للامامة ، وإذا عمل خلافها اعتزل فيكون خليفة من قبل أفعاله.
قال آخر : فلم أوجبت الامامة لعلي ـ عليه السلام ـ بعد الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟
فقال : لخروجه من الطفولية إلى الايمان كخروج النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ من الطفولية إلى الايمان ، والبراءة من ضلالة قومه عن الحجة واجتنابه للشرك ، كبراءة النبي من الضلالة واجتنابه للشرك لان الشرك ظلم ، ولا يكون الظالم إماماً ولا من عَبَدَ وثناً بإجماع ، ومن شرك فقد حل من الله تعالى محل أعدائه ، فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الامة حتى يجيء إجماع آخر مثله ، ولان من حكم عليه مرة ، فلا يجوز أن يكون حاكماً ، فيكون الحاكم محكوماً عليه ، فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم والمحكوم عليه.
قال آخر : فلِمَ لم يقاتل علي ـ عليه السلام ـ أبا بكر وعمر كما قاتل معاوية ؟
فقال : المسألة محال لان « لِم » اقتضاء ، ولم يفعل نفي ، والنفي لا تكون له علّة ، إنما العلّة للاثبات ، وإنما يجب أن ينظر في أمر علي ـ عليه السلام ـ أمن قبل الله أم من قبل غيره فإن صح أنه من قبل الله تعالى فالشك في تدبيره كفر لقوله تعالى : ( فَلاَ وَرَبّكَ لاَيُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فَيِمَا شَجَر بينَهُم ثُمَّ لاَ تِجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرجَاً مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّمُوا تَسلِيماً ) (70) ، فأفعال الفاعل تبع لاصله ، فإن كان قيامه عن الله تعالى فأفعاله عنه وعلى الناس الرضا والتسليم ، وقد ترك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ القتال يوم الحديبية ، يوم صد المشركون هديه عن البيت ، فلما وجد الاعوان وقوي حارب كما قال الله تعالى في الاول : ( فاصفح الصفح الجميل) (71) ، ثم قال عز وجل : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (72).
قال آخر : إذا زعمت أن إمامة علي ـ عليه السلام ـ من قبل الله تعالى وأنه مفترض الطاعة ، فلِم لم يجز إلاّ التبليغ والدعاء للانبياء ـ عليهم السلام ـ ، وجاز لعلي أن يترك ما أمر به من دعوة الناس إلى طاعته ؟
فقال : من قبل إنا لم نزعم أن علياً ـ عليه السلام ـ أُمر بالتبليغ فيكون رسولاً ولكنه ـ عليه السلام ـ وُضِع علماً بين الله تعالى وبين خلقه ، فمن تبعه كان مطيعاً ومن خالفه كان عاصياً ، فإن وجد أعواناً يتقوى بهم جاهد ، وإن لم يجد أعواناً فاللّوم عليهم لا عليه ، لانهم أُمروا بطاعته على كل حال ولم يؤمر هو بمجاهدتهم إلاّ بقوة وهو بمنزلة البيت على الناس الحج إليه ، فإذا حجوا أدّوا ما عليهم ، وإذا لم يفعلوا كانت للائمة عليهم لا على البيت.
وقال آخر : إذا وجب أنه لابد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار ، كيف يجب بالاضطرار أنه علي ـ عليه السلام ـ دون غيره ؟
فقال : من قِبَل أن الله تعالى لا يفرض مجهولاً ، ولا يكون المفروض ممتنعاً ، إذ المجهول ممتنع فلابد من دلالة الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على الفرض ، ليقطع العذر بين الله عز وجل وبين عباده ، أرأيت لو فرض الله تعالى على الناس صوم شهر فلم يعلم الناس أي شهر هو ؟ ولم يوسم بوسم ، وكان على الناس استخراج ذلك بعقولهم حتى يصيبوا ما أراد الله تعالى ، فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول المبيِّن لهم وعن الامام الناقل خبر الرسول إليهم.
وقال آخر : من أين أوجبت أن علياً ـ عليه السلام ـ كان بالغاً حين دعاه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فإن الناس يزعمون أنه كان صبيّاً حين دُعي ولم يكن جاز عليه الحكم ولا بلغ مبلغ الرجال.
فقال : من قِبَل أنه لا يعرى في ذلك الوقت من أن يكون ممن أرسل إليه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ليدعوه ، فإن كان كذلك فهو محتمل التكليف قوي على أداء الفرائض ، وإن كان ممن لم يرسل إليه ، فقد لزم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قول الله عز وجلّ : ( ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل ، لاخذنَا مِنُه باليَميِنَ ، ثم لقطَعنَا منهُ الوتين ) (73) ، وكان مع ذلك فقد كلف النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عباد الله ما لا يطيقون عن الله تبارك وتعالى ، وهذا من المحال الذي يمتنع كونه ولا يأمر به حكيم ، ولا يدل عليه الرسول تعالى الله عن أن يأمر بالمحال ، وجَلَّ الرسول من أن يأمر بخلاف ما يمكن كونه في حكمة الحكيم ، فسكت القوم عند ذلك جميعاً.
فقال المأمون : قد سألتموني ونقضتم عليّ ، أفاسألكم ؟
قالوا : نعم.
قال : أليس قد روت الامة بإجماع منها أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار (74).
قالوا : بلى.
قال : ورووا عنه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنه قال : من عصى الله بمعصية صغرت أو كبرت ثم اتخذها ديناً ومضى مصراً عليها ، فهو مخلد بين أطباق الجحيم ؟
قالوا : بلى.
قال : فخبروني عن رجل تختاره الامة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، ومن قِبَل الله عز وجل ، ولم يستخلفه الرسول ؟
فإن قلتم : نعم فقد كابرتم ، وإن قلتم : لا ، وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولا كان من قبل الله عز وجل ، وأنكم تكذبون على نبي الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فإنكم متعرضون لان تكونوا ممن وسمه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بدخول النار.
وخبروني : في أي قوليكم صدقتم ، أفي قولكم مضى ـ صلى الله عليه وآله ـ ولم يستخلف ، أو في قولكم لابي بكر ، يا خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟ فإن كنتم صدقتم في القولين فهذا ما لا يمكن كونه ، إذ كان متناقضاً ، وإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الاخر ، فاتقوا الله وانظروا لانفسكم ودعوا التقليد وتجنبوا الشبهات ، فوالله ما يقبل الله تعالى إلاّ من عبد لا يأتي إلاّ بما يعقل ولا يدخل إلاّ فيما يعلم أنه حق والريب شك وإدمان الشك كفر بالله تعالى وصاحبه في النار.
وخبروني : هل يجوز أن يبتاع أحدكم عبداً فإذا ابتاعه صار مولاه وصار المشتري عبده ؟
قالوا : لا.
قال : فكيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه أنتم لهواكم واستخلفتموه صار خليفة عليكم وأنتم وليتموه ألا كنتم أنتم الخلفاء عليه ، بل تأتون خليفة وتقولون إنه خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ثم إذا سخطتم عليه قتلتموه كما فُعل بعثمان بن عفان ؟
فقال قائل منهم : لان الامام وكيل المسلمين إذا رضوا عنه ولّوه وإذا سخطوا عليه عزلوه.
قال : فلمن المسلمون والعباد والبلاد ؟
قالوا : لله تعالى.
قال : فوالله أولى أن يوكل على عباده وبلاده من غيره لان من إجماع الامة ، أنه من أحدث حدثاً في ملك غيره فهو ضامن وليس له أن يحدث ، فإن فعل فآثم غارم.
ثم قال خبروني عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هل استخلف حين مضى أم لا ؟
فقالوا : لم يستخلف.
قال : فتركه ذلك هُدى أم ضلال ؟
قالوا : هُدَى.
قال : فعلى الناس أن يتبعوا الهدى ويتركوا الباطل ويتنكبوا الضلال ؟
قالوا : قد فعلوا ذلك.
قال : فلم استخلف الناس بعده وقد تركه هو فترك فعله ضلال ، ومحال أن يكون خلاف الهدى هدى ، وإذا كان ترك الاستخلاف هدى ، فلم استخلف أبو بكر ولم يفعله النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، ولم جعل عمر الامر من بعده شورى بين المسلمين خلافاً على صاحبه ؟ لانكم زعمتم أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يستخلف وأن أبا بكر استخلف وعمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بزعمكم ولم يستخلف كما فعل ، أبو بكر وجاء بمعنى ثالث ، فخبروني : أي ذلك ترونه صواباً ؟ فإن رأيتم فعل النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ صواباً فقد خطأتم أبا بكر ، وكذلك القول في بقية الاقاويل.
وخبروني : أيهما أفضل ما فعله النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف ؟
وخبروني : هل يجوز أن يكون تركه من الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هدى ، وفعله من غيره هدى فيكون هدى ضد هدى ؟ فأين الضلال حينئذ ؟
وخبروني : هل ولي أحد بعد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ باختيار الصحابة منذ قبض النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلى اليوم ؟
فإن قلتم : لا ، فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وإن قلتم : نعم ، كذّبتم الامة وأبطل قولكم الوجود الذي لا يدفع ، وخبروني : عن قول الله عز وجل : ( قل لمن ما في السماوات والارض قل لله ) (75) ، أصدق هذا أم كذب ؟
قالوا : صدق.
قال : أفليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه ومالكه ؟
قالوا : نعم.
قال : ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته وتسمونه خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأنتم استخلفتموه وهو معزول عنكم إذا غضبتم عليه وعمل بخلاف محبتكم ومقتول إذا أبى الاعتزال ، ويلكم لا تفتروا على الله كذباً ، فتلقوا وبال ذلك غداً إذا قمتم بين يدي الله تعالى ، وإذا وردتم على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقد كذبتم عليه متعمدين ، وقد قال : من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار (76) ، ثم استقبل القبلة ورفع يديه ، وقال : اللهم إني قد أرشدتهم ، اللهم إني قد أخرجت ما وجب عليَّ إخراجه من عنقي ، اللهم إني لم أدعهم في ريب ، ولا في شك ، اللهم إني أدين بالتقرب إليك بتقديم علي ـ عليه السلام ـ على الخلق بعد نبيك محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كما أمرنا به رسولك ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : ثم افترقنا فلم نجتمع بعد ذلك حتى قبض المأمون (77).
____________
(1) هذه المناظرة مروية في عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ وهي نفسها المناظرة السابقة ـ مناظرة المأمون مع الفقهاء المروية في العقد الفريد ـ وقد آثرنا ذكرهما كلتيهما لما فيهما من التفاوت والاختلاف الكبير الا أن هذه المناظرة أكمل وأوسع وفيها بحوث شتى وفوائد جمة.
(2) الحاقن : من له بول شديد.
(3) رواه أحمد في مسنده ج5 ص382 و 384 بإسناده من طريقين عن حذيفة ، وفي إسناده عبد الملك بن عمير ، قال عنه أحمد : مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها. تهذيب التهذيب : ج6 ص411 ، ميزان الاعتدال ج3 ص660.
واخرجه الترمذي أيضاً في سننه ج5 ص569 ، ح3662 وص 627 ح3799 في مناقب أبي بكر وعمر وعمّار بن ياسر ، بإسناده من عدّة طرق عن حذيفة ، وفي إسناده إضافة إلى عبد الملك ابن عمير سالم بن العلاء المرادي الذي قيل عنه : ضعيف الحديث. « ميزان الاعتدال ج2 ص112 ، تهذيب التهذيب ج3 ص440 ، لسان الميزان ج3 ص7 ».
وأخرج الحديث أيضاً في : سنن ابن ماجة ج1 ص37 ح97 ، الاحكام في أصول الاحكام ج2 ص242 ، مستدرك الحاكم ج3 ص75 ، الجامع الصغير ج1 ص197 ح1318 ، ميزان الاعتدال ج1 ص142 ، مصابيح السنّة للبغوي ج4 ص162 ح4742.
ولقد طعن أكابر علماء السنّة في سند حديث الاقتداء بقولهم : موضوع أو باطل أو لم يصح أو منكر ، انظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير ج2 ص56 ، سنن الترمذي ج5 ص569 وص 627 ، الضعفاء الكبير ج4 ص95 ، ميزان الاعتدال ج1 ص142 ، لسان الميزان ج1 ص188 وص 273 وج5 ص237 ، مجمع الزوائد ج9 ص53 ، الدرّ النضيد ص97 ، أسنى المطالب ص65 ح238 ، الغدير للاميني ج5 ص337.
(4) تجد أخبار الردّة في الكامل في التاريخ ج2 ص342 ـ 383 ، وفيه ان عمر قال : إنّه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً ، وقد وسّع الله عزّ وجلّ وفتح الاعاجم ، واستشار في فداه ، سبايا العرب في الجاهلية والاسلام إلاّ امرأة ولدت لسيّدها ، وانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص151.
(5) روى ابن جرير الطبري في تاريخه ج3 ص280 : ان أبا بكر كان من عهده الى جيوشه : ان اذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيه أذاناً للصلاة فأمسكوا عنه أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا ، وان لم تسمعوا اذاناً فشنوا الغارة فاقتلوا واحرقوا ، وكان ممن شهد لمالك بالاسلام ابو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة ، وقد كان عاهد الله ان لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً ابداً بعدها ، وكان يحدث : أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فاخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا : إنّا المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟ قلنا : فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، قال : فوضعوها ، ثم صلينا وصلّوا (الى ان قال) ثم اقدمه ـ يعني خالد مالكاً ـ فضرب عنقه واعناق اصحابه ، قال : فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال : عدو الله عدا على امر مسلم فقتله ، ثم نزا على امرأته ، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجراً بعمامة له قد غرز في عمامته أسهماً ، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الاسهم من رأسه فحطّمها ، ثم قال : أرياءً قتلت امرءً مسلماً ثم نزوت على امرأته والله لارجمنك بأحجارك.
وممن ذكر هذه الحادثة المؤلمة : تاريخ الطبري ج3 ص280 ، تاريخ ابن الاثير ج2 ص357 ، تاريخ دمشق ج5 ص115 ، تاريخ ابن كثير ج6 ص321 ، تاريخ أبي الفداء ج1 ص158 ، تاريخ الخميس ج2 ص211 ، وفيات الاعيان لابن خلكان ج6 ص14 (في ترجمة وثيمه) ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص179 ، اسد الغابة ج4 ص295 ، الاصابة ج1 ص414 وج3 ص357 ، الغدير للاميني ج7 ص158.
وقد قال في هذه الحادثة المؤلمة أبو زهير السعدي :
ألا قـل لحيّ أوطئـوا بالسنابـك * تطاول هذا الليل مـن بعـد مالك
قضى خـالدٌ بغياً عليـه بعرسـه * وكان له فيهـا هوىً قبــل ذلك
فأمضى هواه خـالد غير عاطف * عنــان الهوى عنها ولا متمالك
وأصبـح ذا أهـل وأصبح مالك * على غير شيء هالكاً في الهوالك
فمن لليتامى والارامـل بعـده ؟ * ومن للرجال المعدمين الصعالك ؟
أصيبت تميـم غثهـا وسمينهـا * بفارسها المرجو سحب الحوالـك
راجع : تاريخ أبي الفداء ج1 ص158 ، وفيات الاعيان ج6 ص15 ، تاريخ ابن الشحنة هامش الكامل ج11 ص114 ، عبد الله بن سبأ ج1 ص148 ، الغدير للاميني ج7 ص160.
(6) قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء ثابت لدى الجمهور.
راجع : تفسير الرازي ج10 ص50 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص182 ، وج12 ص251 وص252 ، أحكام القرآن للجصاص ج2 ص146 ، تفسير القرطبي ج6 ص130 ، وج2 ص146 ، زاد المعاد لابن القيم ج2 ص50 فصل إباحة متعة النساء ، كنز العمال ج16 ص519 ح45715 ، سنن البيهقي ج7 ص206 ، المغني لابن قدامة ج7 ص527 ، المحلى لابن حزم ج7 ص107 ، شرح معاني الاثار باب مناسك الحج للطحاوي ص374 ، مقدمة مرآة العقول ج1 ص200 ، الغدير للاميني ج6 ص211.
وفي رواية أخرى أنه قال : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأنا أنهى عنهن ، وأحرمهن ، وأعاقب عليهن ، متعة الحج ومتعة النساء ، وحي على خير العمل.
راجع : شرح التجريد للقوشجي ص484 ،كنز العرفان ج2 ص158 ، الغديرللاميني ج6 ص213.
(7) انظر : تاريخ الطبري ج3 ص613 ، سنن البيهقي ج6 ص350 ، الاوائل للعسكري ص113.
(8) راجع : الكامل في التاريخ ج2 ص425.
(9) روي هذا الحديث في مصادر عديدة ، منها :
سنن الترمذي ج5 ص566 ح3655 ، السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص246 ، المعجم الكبير للطبراني ج3 ص278 ح3297 وج10 ص129 ح10106 وج12 ص119 ح12647 ، مسند الحميدي ج1 ص62 ح113 ، طبقات ابن سعد ج3 ص176 ، شرح السنّة للبغوي ج14 ص77 ح3866 ، الغدير للاميني ج3 ص117.
وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج11 ص49 جملة من هذه الاحاديث الموضوعة ، ومنها هذا الحديث « لو كنت متخذاً خليلاً » وقال عنه : إنهم وضعوه في مقابلة حديث الاخاء.
(10) صحيح الترمذي ج5 ص595 ح3720 ، المستدرك للحاكم ج3 ص14.
(11) رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة من عدّة طرق في ج1 ص76 ح40 وص 79 ح43 و44 وص 80 ح45 وص91 ح60 وص223 ح260 وص365 ح536 ، تاريخ بغداد ج10 ص114 ، والضعفاء الكبير للعقيلي ج3 ص181.
(12) انظر : الكامل في التاريخ ج2 ص232.
(13) انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص52.
(14) روي نحوه في بناء المقالة الفاطمية ص410 ، والّلالي المصنوعة ج1 ص361.
(15) ورد باختلاف في ذخائر العقبىص 58 ، الرياض النضرة ج3 ص111 ، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 157 ، بناء المقالة الفاطمية ص 327.
(16) روي في العثمانية للجاحظ ص 235 ، كنز العمال ج5 ص654 ح14145 باختلاف يسير.
(17) انظر : الامامة والسياسة ج1 ص18 ، تاريخ الطبري ج3 ص208.
(18) انظر : تاريخ الطبري ج3 ص208 ، المستدرك ج3 ص162.
(19) ذكر في العثمانية ص 222 و230 باختلاف ، وجاء في كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص14 عن أبي بكر : وليتني يوم سقيفة بني ساعدة ، كنت ضربت على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر ، فكان هو الامير ، وكنت أنا الوزير.
(20) روي في البداية والنهاية ج4 ص275 ، واللالي المصنوعة ج1 ص382.
(21) تقدّمت تخريجاته.
(22) روي في فضائل أحمد ج1 ص83 ح49 وص294 ح387 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص46.
(23) تقدّمت تخريجاته.
(24) روته العامة كثيراً في كتبها ، فقد روي في : العثمانية ص 136 ، سنن الترمذي ج5 ص571 ح3666 ، سنن ابن ماجة ج1 ص36 ح95 ، شرح السنة للبغوي ج14 ص102 ح3897 ، مجمع الزوائـد ج9 ص53 ، وقـد اثبت العلامة الحجة الاميني في كتابه الغدير ج5 ص322 ـ 323 ان هذا الحديث من الموضوعات فراجع.
(25) أورده ابن شهراشوب في المناقب ج1 ص148 ، والبحار ج16 ص295.
(26) سورة الواقعة : الاية 35 ـ 37.
(27) فضائل أحمد ج2 ص774 ح1368 ، سنن ابن ماجة ج1 ص44 ح118 ، تاريخ بغداد ج1 ص140.
(28) روي في فضائل أحمد ج1 ص356 ح519 وص 428 ح676 ، الكامل في الضعفاء ج4 ص1511 ، كنز العمال ج11 ص581 ح32761 و ح 32763 ، مجمع الزوائد ج9 ص68 و 69 ، اللالي المصنوعة ج1 ص302 ، وهذا الحديث من الموضوعات راجع : الغدير ج5 ص312.
(29) سورة النساء : الاية 163.
(30) سورة الاحزاب : الاية 7.
(31) المعجم الاوسط للطبراني ج2 ص147 ح1273 ، أسد الغابة ج4 ص65 ، مجمع الزوائد ج9 ص69 و 70.
(32) روي باختلاف في المعجم الصغير للطبراني ج1 ص208 و ج2 ص59 ، مجمع الزوائد ج9 ص299.
(33) انظر : الرياض النضرة ج2 ص299 ، التاج الجامع للاصول ج3 ص314.
(34) وملخص هذه القصة المعروفة بقصة الغرانيق ، كما روي انه : بعد هجرة المسلمين الى الحبشة بشهرين أُنزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سورة النجم حتى اذا بلغ قوله تعالى ( افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاُخرى ) وسوس اليه الشيطان ـ كما يزعمون ـ بكلمات فتكلمها ظناً منه انها وحي وهي : تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ، والغرانيق جمع غرنوق وهي طيور الماء شبهت الاصنام بها لارتفاعها في السماء فتكون الاصنام مثلها في رفعة القدر.
راجع : تفسير الدر المنثور ج5 ص399 ، تفسير الفخر الرازي ج23 ص49 ، تفسير جامع البيان للطبري ج17 ص132 ـ 133 ، تفسير الجامع لاحكام القرآن للقرطبي ج12 ص85 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص240 ، الشفاء للقاضي عياض ج2 ص748 ـ 749 ، المناقب لابن شهراشوب ج1 ص49 ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج7 ص19 ، تفسير القمي ج2 ص85 ـ 86 ، مجمع البيان ج4 ص90 ـ 91 ، بحار الانوار ج17 ص85 ح14 وص87 ح15 وص125 ، سفينة البحار للقمي ج2 ص312.
(35) رواه القاضي عياض في الشفا ج2 ص819.
(36) سورة الانفال : الاية 33.
(37) سنن أبي داود ج4 ص211 ح4649 ، سنن الترمذي ج5 ص606 ح3748 ، كنز العمال ج11 ص638 ح33105 وص 646 ح33137.
(38) انظر العثمانية ص 137 ، مجمع الزوائد ج9 ص58 ـ 59.
(39) سورة الواقعة : الايه 10 و11.
والجدير بالذكر أن هذه الاية نزلت في حق أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وممن نص على ذلك :
شواهد التنزيل للحسكاني ج2 ص291 ح924 ـ 931 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص320 ح365 ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص17 ، الدر المنثور للسيوطي ج8 ص6 ، الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص123 ط ـ المحمدية وص74 ط ـ الميمنية ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص60 و ص 115 ، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج5 ص94 ط 8 ، فتح البيان لصديق حسن خان ج9 ص254 ، تفسير ابن كثير ج4 ص305 ، روح المعاني للالوسي ج27 ص132 ، فضائل الخمسة ج1 ص184 ، احقاق الحق للتستري ج3 ص114.
(40) سورة ص : الاية 86.
(41) سورة النجم : الاية 3.
(42) تقدمت تخريجاته.
(43) سورة النساء : الاية 95.
(44) سورة الانسان : الاية 1.
(45) سورة الانسان : الاية 8.
(46) سورة الانسان : الاية 22.
(47) تقدمت تخريجات مصادر نزول هذه الايات في أمير المؤمنين ـ عليه السلام..
(48) سورة الانسان : الاية 9.
(49) سورة الانسان : الاية 16.
(50) روي في صحيح البخاري ج8 ص44 وص55 وفيه : يا أنجشة.
(51) سورة ابراهيم : الاية 17.
(52) تقدمت تخريجاته.
(53) سورة التوبة : الاية 40.
(54) سورة الكهف : الاية 37.
(55) سورة المجادلة : الاية 7.
(56) سورة التوبة : الاية 40.
(57) سورة التوبة : الاية 25 و 26.
(58) تقدمت تخريجاته.
(59) راجع : شواهد التنزيل ج1 ص332 ح341.
(60) تقدم حديث مبيت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ على فراش النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مع تخريجاته.
(61) وهو : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقد تقدم مع تخريجاته.
(62) سورة التوبة : الاية 31.
(63) تقدم مع تخريجاته.
(64) سورة الاعراف : الاية 142.
(65) سورة طه : الاية 29 ـ 32.
(66) الحشوية ـ بفتح الحاء وسكون الشين أو فتحها ـ : طائفة اختلف العلماء في تعريفها ، فابن قتيبة يذكر في تأويل مختلف الحديث ص96 انّها من الالقاب التي كان أهل الحديث يلقبون بها ، قال : وقد لقبوهم بالحشوية والنابتة والمجبرة.
وقال النوبختي في فرق الشيعة ص7 : والبترية أصحاب الحديث ، منهم سفيان بن سعيد النوري ، وشريك بن عبد الله ، وابن أبي ليلى ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، ومالك بن أنس ، ونظراؤهم من أهل الحشو والجمهور العظيم ، وقد سمّوا الحشوية ، ويطلقون هذا اللفظ أيضاً على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ، وكذا المجسمة ، انظر : شفاء الغليل للخفاجي.
(67) سورة البقرة : الاية 124.
(68) سورة ص : الاية 26.
(69) سورة البقرة : الاية 30.
(70) سورة النساء : الاية 65.
(71) سورة الحجر : الاية 85.
(72) سورة التوبة : الاية 5.
(73) سورة الحاقة : الاية 44 ـ 46.
(74) صحيح مسلم ج1 ص10 ح3 ، مسند احمد بن حنبل ج1 ص47 و78 و90 و130 و165 ، مجمع الزوائد ج1 ص143.
(75) سورة الانعام : الاية 12.
(76) تقدمت تخريجاته.
(77) عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ للشيخ الصدوق (ره) ج2 ص183.
التعلیقات