مناظرة الشيخ القبيسي مع الدكتور الشيخ محمد الزعبي
في الإمامة
منذ 14 سنةلقاء سعيد بدون ميعاد.
في يوم من أيام الجمعة المباركة سنة 1967 م بعد فراغنا من صلاة الظهر وقبل مغادرتنا لمكان الصلاة في مسجد الشياح ، بيروت لبنان ، وإذا بدخول شيخ من مشايخ أهل السنة ، من خريجي الازهر وحملة شهادة الدكتوراه ، وهو من المعاصرين فعلاً في بيروت ويصحب الشيخ المذكور بعض الرفقاء من الشباب ، منهم من عرفناه ومنهم من لم تسبق لنا معرفة به ، وبالخصوص فضيلة الشيخ الذي لم يسبق لنا به رؤية قبل لقائنا هذا.
وبعد التحية والسلام والتعارف التام بفضيلة الشيخ مع رفقائه الكرام ، أظهروا الرغبة في الاجتماع معنا ، فرحبنا بهم وشكرناهم على اللّقاء الميمون ، فدعوناهم إلى منزلنا الموجود فعلاً في محلة الشياح ، وخرجنا من المسجد قاصدين المنزل المذكور وعندما استقر بنا المقام دار بيننا الكلام في جهات شتى ، وكان من جملة الجهات التي طرقها فضيلة الشيخ أن قال ـ ما يقرب لفظه من هذا مع الحفاظ على حقيقة المعنى ـ.
نحن الان في عصر حرج وزمان فاسد ، فينبغي لنا أن نتآلف ونتكاتف لنكافح بعض ما يدهمنا من هذه المفاسد والمصاعب.
أجبته بكل سرور وترحاب قائلاً له : هذا ما نحبه ونبتغيه ونتمنى حصوله ، ولو كلفنا ذلك إلى التضحية بكل غال ونفيس ، ولكن يا أخي التآلف والتكاتف يحتاج إلى منهاج ونظام ، وإلا غمرته الفوضى وعمه الفساد والضلال بقدر عدده وكثرة أفراده.
فهل يجوز للعقلاء أن يبذلوا جهدهم ويتعبوا أنفسهم في زيادة الفساد والافساد بين أهلهم وإخوانهم ومن يعز عليهم ؟!
أجاب الشيخ : المنهاج والنظام موجودان وهما القرآن وسنة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وعليهما يكون السير وبهما الالتزام وعليهما المعَول في حل جميع المشاكل التي تحدث أو تصير بين أفراد المجتمع ، وعليه فلا يبقى أدنى توقف في هذا المجال الذي ادعيتم عسره وصعوبته.
قلنا له : يا فضيلة الشيخ ، هل القرآن ينظم أمورنا ويحلّ مشاكلنا ؟
فلو صح هذا لوجب أن لا يكون هناك أدنى خلاف أو نزاع بين أفراد المسلمين مع أنه توجد ثلاث وسبعون فرقة (2) ، كلّهم يدعي الاسلام ويدّعي التمسك بالقرآن والسير على وفق أوامره ونواهيه ، وأكثرهم يتبرأ بعضهم من بعض ويضلّل بعضهم بعضا وينسب إلى نفسه الحق والصواب وينسب لغيره الخروج والانحراف.
وهذا أمر لا يمكن لكل مدرك رشيد جحوده أو إنكاره ، سواء كان مسلما أو غير مسلم ، لان القرآن له وجوه متعددة وفيه الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ، ولذا ترى جميع الفئات يخاصمون به ويستدلون به على صحة عملهم وحُسن عقائدهم ، حتى المفوِّضة (3) ، والمجبِّرة (4) ، والمجسِّمة (5) ، والملحدة والزنادقة ولذا نطق بذلك القرآن المجيد نفسه فقال عزوجل : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب ، منه آياتٌ محكمات هنَّ أم الكتاب واُخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب ) (6).
وقال تعالى : ( وإذا ما اُنزلت سورة ، فمنهم من يقولُ أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) (7) وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ) (8).
إذن فالقرآن لا يمكن أن نتمسك به لحل مشاكلنا في كل شيء حتى يوجد من يعرف منه كل شيء ، لانه هو يخبرنا أنه يوجد فيه كل شيء فاستمع إليه حيث يقول تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (9) ، وقال تعالى : ( ونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين ) (10) ، وقال تعالى : ( اليومَ أكملتُ لكم دينكم واتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاسلامَ ديناً ) (11) ، وقال تعالى : ( وكلُ شيٍ أحصيناه في إمامٍ مبين ) (12) ، وقال تعالى : ( ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها ) (13) ، وقال تعالى : ( إنا نحنُ نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (14).
إذن فهنا آيات عديدة توجد في هذا القرآن المجيد ، بعضها تخبر أن في هذا القرآن آيات محكمات ؛ وهي التي يفهم معناها من ظاهرها كلُ عربي بدون أدنى توقف أو تردد ولا يختلف في فهمها اثنان من العرب ، وفيه آيات متشابهات يستحيل أن يفهم معناها والمراد منها إلا الله والراسخون في العلم ، وهم الانبياء والاوصياء ومن أخذوا عنهم بحق ، وهناك جماعة إذا سمعوا بعض آيات القرآن زادتهم إيمانا وهم يستبشرون وهناك جماعة إذا سمعوا تلك الايات نفسها زادتهم رجسا إلى رجسهم ، وهناك جماعة تزيدهم آيات الله نورا وشفاء ، وهناك جماعة تكون عليهم عمى وخسرانا ، وهناك آيات تثبت لنا أن هذا القرآن جامع مانع لم ينقص منه شيء ولم يخلُ منه شيء مما يحتاجه العباد إلى يوم الميعاد ، وفيه تبيانا وبيانا لكل شيء.
وهناك آيات تخبرنا أن هذا القرآن قد أخبر الله به عن تمام النعمة وكمال الدين بكمال الشريعة بالضرورة ، والحق واضح لكل من طلبه وأراد الالتزام به والسير عليه ، والباطل فاضح لكل من اتبع هواه وأسخط سيده ومولاه.
فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد انتقل إلى جوار ربه قبل أن يُبلّغ عشر معشار ما يحتاج إليه الخلق الموجود في عصره ، فضلاً عن الاجيال المتتالية إلى منتهى الابد ، والمفروض والمقرر بين كافة المسلمين أنه ليس بعد محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنبياء ولا شرائع ، وحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
إذن فمتى يصح لاحد من المسلمين أن يقول بحق وعدل : أن شريعة الاسلام قد كملت قبل موت الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، إذا اقتصرنا على ما نفهم من هذا القرآن المجيد.
إذن فقد ظهر أيضا أن الاحكام التي ينسبها بعض فرق المسلمين إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لا تفي في حل مشاكل المجتمع وما يحتاج إليه ولذا بعض الفئات اضطرهم الامر إلى الرجوع إلى القياس والاستحسان ، الّلذين ما أنزل الله بهما من سلطان ، واللذان يمحقان الدين والشريعة إذا تمسك أهل التدين بهما.
وهنا يحدثنا التاريخ عما جرى لابي حنيفة مع الامام الصادق ـ عليه السلام ـ قال : دخل أبو حنيفة على الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ـ عليهم السلام ـ ، فقال له : يا أبا حنيفة أنت مفتي أهل العراق ؟
قال : نعم.
قال : بم تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله ، قال : أفأنت عالم بكتاب الله عزوجل ، ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ؟ قال : نعم.
قال : فأخبرني عن قوله تعالى : ( وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ) (15) أي موضع هو ؟
قال أبو حنيفة : هو بين مكة والمدينة ، فالتفت الصادق ـ عليه السلام ـ إلى جلسائه ، فقال : نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة فقالوا : اللهم نعم.
قال : ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلاّ حقا ، ثم قال ـ عليه السلام ـ : أخبرني عن قوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) (16) ، أي موضع هو؟
قال أبو حنيفة : ذلك البيت الحرام ، فالتفت الصادق ـ عليه السلام ـ إلى جلسائه ، فقال لهم : نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبدالله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ قالوا : اللهم نعم ، فقال ـ عليه السلام ـ : ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلاّ حقا.
فقال أبو حنيفة : ليس لي علم بكتاب الله عزّوجلّ ، أنا صاحب قياس قال الصادق ـ عليه السلام ـ : فانظر في قياسك إن كنت مقيسا ، أيها أعظم عند الله القتل أم الزنا ؟
قال : بل القتل.
قال الصادق ـ عليه السلام ـ ، فكيف رضي الله في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلاّ بأربعة ؟
ثم قال ـ عليه السلام ـ : الصلاة أفضل أم الصيام.
قال : الصلاة أفضل.
قال ـ عليه السلام ـ : فيجب على قياسك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله عليها قضاء الصوم دون الصلاة.
ثم قال ـ عليه السلام ـ : البول أقذر أم المني ؟
قال : البول أقذر.
قال ـ عليه السلام ـ : يجب على قياسك أنه يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب الله الغسل عن المني دون البول.
قال أبو حنيفة : إنما أنا صاحب حدُود.
فقال ـ عليه السلام ـ : فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح ، وأقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليه الحد ؟
قال أبو حنيفة : أنا صاحب رأي.
قال ـ عليه السلام ـ : فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوّج عبده في ليلة واحدة ، ثم سافرا وجعلا المرأتين في بيت واحد فولدتا غلامين ، فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك ، وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث ؟
قال أبو حنيفة : إنما أنا رجل عالم بمباحث الانبياء.
قال ـ عليه السلام ـ : فأخبرني عن قوله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى دعوة فرعون : ( لعله يتذكر أو يخشى ) (17) فلعلّ ، منك شك ؟
قال : نعم.
قال ـ عليه السلام ـ : ذلك من الله شك إذ قال : لعله.
قال أبو حنيفة : لا أعلم.
قال الصادق ـ عليه السلام ـ : يا أبا حنيفة لا تقس فإن أول من قاس إبليس فقال : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) (18) ، فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نورية آدم بنورية النار لعرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الاخر.
يا أبا حنيفة : إنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس ، ولم يُبن دين الاسلام على القياس ، وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ صوابا ومن دونه خطأ لان الله تعالى قال : ( لتحكم بين الناس بما أراك الله ) (19) ، ولم يقل لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدُود ومن أُنزلت عليه أولى بعلمها منك ، ولو لا أن يقال : دخل على ابن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء فقس إن كنت قيّاسا !!
قال أبو حنيفة : لا تكلمت بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
قال الصادق ـ عليه السلام ـ : كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك غيرك من كان قبلك (20).
ثم يأتينا كلام أمير المؤمنين وسيد الوصيين ـ عليه السلام ـ فيفند لنا أسباب اختلاف السنّة الواردة من رسول ـ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وما كان يعتريها من المصائب والبلايا ، فاستمع إليه أيها القارىء الكريم وهو يحدثنا عن ذلك في نهجه القويم (21) ، وقد سأله سائل عن سبب اختلاف الاخبار التي في أيدي الناس فقال ـ عليه السلام ـ : إن في أيدي الناس حقا وباطلاً ، وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، ولقد كُذِّب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على عهده حتى قام خطيبا فقال : من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (22) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس.
رجل منافق مظهر للايمان ، متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله رأى وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله ، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك ، ثم بقوا بعده ـ عليه وآله السلام ـ فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان فولّوهم الاعمال وجعلوهم حكّاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصم الله ، فهو أحد الاربعة.
ورجل سمع من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يديه ويرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شي ثم أمر به ، وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسوله ، ولم يتوهم بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه ، فحفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فتجنب عنه ، وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه ، وعرف المتشابه ومحكمه.
وقد كان يكون من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الكلام له وجهان : فكلام خاص وكلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ولا ما عنى رسول الله ، فيحمله السامع ويوجهه على غير وجهه ومعناه ، وما قصد به وما خرج من أجله ، وليس كل أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، من كان يسأله ويستفهمه حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابي والطارئ فيسأله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حتى يسمعوا ، وكان لا يمر بي من ذلك شيء إلاّ سألت عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم.
هذا هو مفسر القرآن وهذا هو الرجل الرابع من هؤلاء الرواة الذي عرف الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد ، ولم يغب عنه شيء ولم تخف عليه خافية ولم يشتبه عليه أمر ، وهذا هو كتاب الله الناطق العالم بجميع حقائق كتاب الله الصامت وهذا هو الذي غذاه رسول الله بكل ما نزل عليه من ربه وزقه العلم زقا وعلّمه من العلم ألف باب ينفتح له من كل باب ألف باب (23).
وهذا هو الذي بولايته كمل الدين والشرع المبين وتمت بولايته وخلافته النعمة وبإمامته وفرض طاعته على الخلائق أجمع رضي الرحمان وفاض الاحسان ، وهذا هو الذي نطق بولايته كتاب رب العالمين وقرن طاعته بطاعته وطاعة رسوله بدون أدنى تفاوت ، فقال عز من قائل : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) (24) ، ثم يزداد في البيان والايضاح فيقول عزوجل :( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنـوا فـإن حزب الله هم الغالبون ) (25).
هذا الذي كمل بولايته الدين وتمت بخلافته النعمة ورضي بإمامته رب العالمين ، يوم نصّبه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وفرض طاعته المطلقة على كل رجل وأنثى وأبيض وأسود وعربي وأعجمي ، وذلك في غدير خمّ عند رجوعه من حجة الوداع التي شهدها مائة ألف أو يزيدون (26).
ثم انقلب فريق منهم يوم السقيفة ، وأسكر فريقا آخر منهم حب الرئاسة وغنائم الاموال ، وأرهب فريقا آخر التهديد والتنكيل بسيوف أهل السقيفة ، وإرهابهم الاثيم الذين خرجوا شاهرين سيوفهم لم يمر بهم أحد أو لم يمروا بأحد إلا خبطوه ومسحوا يده بيد خليفتهم (27) الجديد ، الذي ترك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على فراشه بلا غسل ولا كفن ولا دفن وأسرع لعقد الخلافة وتتميم الامر قبل الفوات وذهاب الرئاسة من أيديهم التي طالما انتظروها بفارغ الصبر وتعاقدوا عليها وعلّقوا صحيفتهم في جوف الكعبة ، وستشهد عليهم يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وأفئدتهم بما كانوا يعملون.
هذا هو صاحب الحق والاولى بالامر بعد الرسول بلا فصل بأمر من الله ورسوله ، وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة بإجماع المفسرين لهذه الاية الكريمة وأنها نزلت في علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حينما تصدق بخاتمه على السائل وهو في صلاته في حال ركوعه حتى نزلت الاية تصفه كما هو عليه.
ولنستمع الان إلى ما يحدّثنا عنه من شهد له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بأنه : ( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق منه ) (28) ، وهو من حواري رسول الله الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ـ رضوان الله عليه ـ.
عن الاعمش بن غيابة بن ربعي ، قال : بينا عبدالله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله.إلاّ قال الرجل : قال رسول الله ، فقال ابن عباس : سألتك بالله من أنت ؟ فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي أنا جندب بن جنادة ، البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بهاتين وإلاّ صمّتا ورأيته بهاتين وإلاّ عميتا يقول :
علي ـ عليه السلام ـ قائد البررة وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إني صليت مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يوما من الايام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال : الّلهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا وكان علي ـ عليه السلام ـ راكعا.
فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فلما فرغ النبي من صلاته رفع إلى السماء رأسه وقال : الّلهم إن أخي موسى سألك فقال ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) (29) ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما ) (30) ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أخي اشدد به أزري ـ ظهري ـ.
قال أبو ذر : فو الله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل جبرئيل من عند الله ، فقال : يا محمد اقرأ ، قال وما أقرأ قال أقرأ : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (31) فكبّر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقال : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) (32). وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، والطبري (33) ، وأبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن ، وحكاه المغربي والرماني ، وهو قول مجاهد والسدي وهو المروي عن الامام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وجميع علماء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ورواه السيد أبو الحمد عن أبي القاسم الحسكاني (34) وكثير من ذلك عن مجمع البيان (35) ، فراجع.
ونظم ذلك حسان بن ثابت فقال شعرا (36) :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتـي * وكل بطيء في الهدى ومسارع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خيـر ولايــة * وأثبتها مثنى كتاب الشرائــع
ويُحدّث الاصبغ بن نباتة فيقول : لما بويع أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لابسا بردته منتعلاً بنعله ومتقلدا بسيفه ، فصعد المنبر فجلس متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه.
ثم قال : يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني : هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، هذا ما زقني رسول الله زقا زقا.
سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن عندي علم الاولين والاخرين أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها ، لافتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم ، وأهل الزبور بزبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول : صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله فيه ، ولو لا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) (37).
ثم قال ـ عليه السلام ـ : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرىء النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أم في نهار مكيتها ومدنيّها ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لانبأتكم (38).
هذا هو حجة الله على الخلائق أجمعين ومن أنكر خلافته وولايته بعد رسول الله فمصيره إلى جهنم وبئس المصير ، وهذا الذي يقول : أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت وأنا أفيَّد لكم من القرآن ، كما في نهجه القويم.
فظهر أن القرآن والسنة إنما ينفعان إذا رجعنا في أصولنا وفروعنا إلى أهل بيت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الذين نزل عليهم القرآن واستقر في قلوبهم وعرفوا جميع ما يهدف إليه وورثوا علم الرسول ، جدهم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعندهم المنهج الصحيح والنظام الكامل الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها والذين هم باب مدينة علم الرسول وأبناء البتول الذين عصمهم الله وطهرهم من الرجس تطهيراً، لم يشركوا بالله ولم يشكوا فيه طرفة عين ولم يهموا بما يخالف أمر الله ونهيه، وعندهم علم الاولين والاخرين ولم يترددوا في جواب شيء سُئلوا عنه أبدا وعلمهم بتعليم الله لهم كابر عن كابر حتى ينتهي أمرهم إلى جدهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وجميع أهل العلم والمعرفة عيال عليهم وهم أغنياء عن جميع الخلق بما منحهم الله وفضّلهم على كافة الخلق تفضيلاً.
فهل عندكم يا فضيلة الشيخ مثيل هؤلاء أم يعتريكم في ذلك شك أو ارتياب ؟ ألم ترد الاخبار الصحيحة من جميع حفاظكم عن أعلمكم وأفضلكم ومصدر حقائقكم ( عمر بن الخطاب ) أنه قالً بكل صراحة : لو لا علي لهلك عمر ولا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن علي ـ عليه السلام ـ (39) فإذا كان عظيمكم هكذا حاله فما حالة من هو لا يساويه ولا يدانيه بعشر معشاره.
وهنا يتوقف الشيخ ويحتار في الجواب وكأنه صار في عالم غير هذا العالم ولكنّي هونت عليه واختصرت له الكلام بأشد الايجاز.
فقلت له : يا فضيلة الشيخ لندع الكلام في المواضيع الواسعة المطولة ، ولنقتصر على مسألة واحدة لا غير وعليها يبنى كل شيء ومنها تتفرع الاشياء ، وهنا نسأل فضيلة الشيخ فنقول له : ما تقولون بيوم الشورى ألم تعرض الخلافة على علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ من قبل عبد الرحمن بن عوف قبل أن يعرضها على عثمان بن عفان ، فلماذا نبذها وأعرض عنها مع كثرة شكواه ممن غصبها منه وسلبه إياها وممن نالها بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ دونه ؟!
أليس لان عبد الرحمن بن عوف اشترط عليه أن يعمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر فكان جواب علي ـ عليه السلام ـ لعبد الرحمن ، بل أعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، فذهب إلى عثمان فقال : نعم فرجع إلى علي ـ عليه السلام ـ وقال له : ابسط يدك لابايعك على أن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، فكرر ذلك ثلاثا وفي الجميع يأبي عليّ ـ عليه السلام ـ أن يلتزم بسيرة الشيخين حتى صفق عبد الرحمن على يد عثمان وبارك له بالخلافة (40) تنفيذا لوصية عمر بن الخطاب التي لم تخف على أدنى فاهم رشيد.
فإذا سألنا : لماذا ترك علي بن أبي طالب الخلافة ونبذها حينما أراد عبد الرحمن أن يقيّده بسيرة الشيخين ؟ ونقول : هل كانت سيرة الشيخين مأخوذة من كتاب الله وسنّة رسوله ونبذها عليّ ، ولم يلتزم بهما ؟ فإذا كان الامر كذلك أليس الالتزام بكتاب الله وسنّة رسوله التزام بسيرة الشيخين على فرض أنها مأخوذة منهما حتما وضرورة ؟!
وما الداعي لعليّ أن لا يقبل تقيّد الخلافة بسيرة الشيخين إذا فرضنا أنهما مأخوذة منهما أو موافقة لهما على أقل الاحتمالات وأضعفها ؟
إذن فترك عليّ ـ عليه السلام ـ للخلافة التي يراها أنها من حقه الخاص دون سواه وهو يعلم جيدا أنه إذا لم يقبلها سيقبلها عثمان وهو يسمع ويرى تنعيمه لعبد الرحمن في كلّ مرة يعرضها عليه ، ويعلم حقيقة أنه إن أخذها عثمان سيؤول أمرها إلى صبيان وغلمان بني أمية يلعبون بها كما يلعبون بالكرة.
وهو يعلم بدون شك وارتياب أن بني أمية وسيّدهم أبو سفيان لم يؤمنوا بالله ولا برسوله ، وإنما استسلموا للاسلام لتسلم رؤوسهم من القطع ونفوسهم من الاعدام.
فبأي شرع أو نظام يجوز لعلي ـ عليه السلام ـ الذي هو نبراس العدل والحنان ومتراس التضحية والجهاد أن يدع حوزة الاسلام ودين الله القويم أن يصل لصبيان بني أمية فتلعب به غلمانهم كيفما يشاؤون وهم أعداء الاسلام من أول يوم وجد فيه الاسلام ؟!
أيجوز لعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي غرس الاسلام بيده وسقاه بدماء أحبائه وأعزائه وضحى في حفظه وصيانته بكل غال ونفيس ، أن يتركه لتترأس على منابره الغلمان وتلعب به الصبيان من بني أمية وبني مروان وهو على يقين من هذا كلّه ؟ لا بالله هذا لا يقبله عقل ولا وجدان ولا يقوله مخلوق مدى الاجيال والازمان !!
إذن فلا بد أن يكون الامر أعظم من هذا وأضخم فلا بد من أن يكون الالتزام بسيرة الشيخين سيكلف عليّا خسرانا ووبالاً أشد من فقدان الخلافة وخسرانها ولم يوجد شيء في جميع ما نتصور وجوده واحتماله أنه سيوقع الخسران على علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إلاّ فقدان الدين وخسران العقيدة ورضا الخالق القهار ، وهنا لا بد لعلي ولكل من عرف عليّا ـ عليه السلام ـ وعرف دين عليّ وعقيدة عليّ ورب عليّ أن يعذر عليّا ولا ينسب إليه أدنى لوم أو عتاب لتركه هذه الخلافة إذا كانت تسبب له ذهاب دينه وفقدان عقيدته وسخط سيّده وخالقه.
ولا شك ولا ارتياب بأن الذي دعا عليّا إلى التوقف عن قبول شرط عبد الرحمن بسيرة الشيخين وتركه للخلافة هو الحفاظ على دينه وعقيدته ورضا خالقه وما أعطاه عليّ بن أبي طالب من العهد والميثاق لله ولرسوله أنه سيحافظ على هذا الدين ويصون هذه الشريعة الغراء ويبذل في سبيل الحفاظ عليها كل غال ونفيس حتى ولو أدى إلى التضحية بنفسه وولده وجميع عشيرته.
إذن فقد ظهر سبب امتناع علي عن قبوله سيرة الشيخين والعمل بهما حفاظا على دينه وعقيدته ومبدئه ورضا خالقه ومبدعه.
إذن فنحن نكون قد وصلنا إلى النتيجة المتوخاة ، والغاية المطلوبة ، فكيف يا فضيلة الشيخ نتفق وإياكم ونضع يدنا بأيديكم ؟
فهل أنتم تتركون التمسك بسيرة الشيخين وتتركون العمل بموجبها ؟ أم نحن ندع ديننا وعقيدتنا ورضا خالقنا ونبيّنا ونتبعكم على سيرة الشيخين ، وبطبيعة الحال سيكلفنا هذا أن ندع إمامنا عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي ترك الخلافة العظمى ولم يقبل الالتزام بتلك السيرة التي أنتم ملتزمون بها من آبائكم وأجدادكم ، ومن زمن ما تبعتم الشيخين ونحن تبعنا شيخنا وسيدنا وعميدنا وإمامنا عليّ بن أبي طالب وأبناءه الغر الميامين الذين اصطفاهم الله وزكّاهم وعصمهم وطهرهم من الرجس تطهيرا.
أم نضع أيدينا بأيديكم وأنتم تبقون متمسكين بسيرة الشيخين ، ونحن نبقى نتبع عليّا الذي هو نفس الرسول بنص القرآن والسنة ، ولا شك أنّا إذا فارقنا عليّا يلزمنا أن نفارق ابن عمه محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ودينهما وعقيدتهما ورضا خالقهما الذين يتنافون مع سيرة الشيخين بنص أبي الحسنين وسيّد الكونين.
وحيث ندعو للاجتماع بين السنّة أتباع سيرة الشيخين وبين الشيعة أتباع كتاب الله وسنة رسوله نكون كمن يطلب المحال وكمن يطلب اجتماع الضدين واجتماع المشرق والمغرب والليل والنهار في مكان واحد وأوان واحد !
وهذا ما نراه السبب في عدم اجتماع السنة والشيعة اجتماعا حقيقيا مع تمسك السنّة بسيرة الشيخين ، وتمسك الشيعة بكتاب الله وسنّة نبيّه الذين يستحيل اجتماعهما بنص إمام الحق وعدل القرآن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ.
فدعونا متمسكين بكتاب الله وسنّة نبيه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولا تُلزمونا بما يتنافى معهما ، ونحن معكم على طول الخط بدون أدنى توقف أو تردد ، أجيبونا مأجورين ولكم الفضل العميم والثواب الجزيل والشكر الكثير.
وهنا انتهى المقام وقام فضيلة الشيخ للوداع بعد مضيّ ما يقارب من أربع ساعات ، فودعناه بأمان وحمّلناه مزيد الكرامة والسلام ، ولحد الان لم نر له بعد ذلك شخصا أو خيالاً فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (41). (42)
____________
(1) هو : العلاّمة الحجة المرحوم الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي كان فاضلاً ، جليلاً ، صالحا ، تقيا ، ورعا ، زاهدا ، ولد في جبل عامل سنة 1333 هـ ـ 1912 م ، ونشأ في أسرة علمية عريقة في تاريخها العلمي ، درس مقدمات العلوم في جبل عامل ، ثم رحل إلى مركز العلم والعلماء النجف الاشرف على ساكنها آلاف التحية والسلام ، مارس نشاطه العلمي في الدرس والتدريس إلى أن بلغ المراتب العالية ، وحضر الدروس العالية « البحث الخارج » على يد فطاحل الحوزة في النجف الاشرف منهم آية الله العظمى السيد الحكيم وآية الله العظمى السيد الخوئي ، تغمدهما الله برحمته ، وشغل منصب المرشد الديني في العراق في مدينة الكفل وأنشأ فيها حسينية وبعض المشاريع الخيرية ، ومن ثم شغل منصب المرشد الديني أيضا في مدينة الفجر من لواء الناصرية.
وبعد مدة شاءت الظروف والاقدار أن يقفل راجعا إلى بلاده ، فسكن جبل عامل « أنصار » وشغل فيها منصب المرشد الديني ، وأنشأ فيها مسجدا وجمعية خيرية لحل المشاكل الاجتماعية وإحياء المراسم الدينية ، كما أن له خد مات أخرى في المناطق المجاورة.
وبعد مدة انتقل إلى العاصمة بيروت ، فاستقر في منطقة الشياح ، وهي من أهم المناطق الشيعية في بيروت ، فمارس فيها نشاطه التبليغي مدة غير قصيرة ، ومن ثم اعتزل الناس أكثر من خمسة عشر عاماً ، واستمر على هذه الحال إلى وفاته منكبا على التأليف ، حتى صدرت له عشرات الكتب وقد طبعت كلها في حياته أكثر من مرة وكان لها رواج رائع في لبنان وخارجها. وهي : ماذا في التاريخ 75 جزء ، الحلقات الذهبية 50 جزء ، أشعه الاشراق 3 أجزاء ، نظرة في شرح نهج البلاغة 3 أجزاء ، الاحاديث الصافية جزئين ، أين كمال المرأه ، لماذا اختار هؤلاء العظماء مذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، وغيرها من المؤلفات ، ارتحل عن هذه الدنيا عن عمر يناهز 81 عاما أو أكثر على أثر وعكة صحية استمرت أكثر من خمسة أشهر في 5 / ج2 / 1414 هـ ، وشيع في العاصمة بيروت ثم نقل إلى مثواه الاخير في النجف الاشرف ، فشيع فيها ودفن قرب أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ ، فأسكنه الله فسيح جناته وحشره مع أئمته ـ عليهم السلام ـ استفدنا هذه الترجمة من حفيده الاخ العزيز الشيخ هادي الشيخ حسن القبيسي حفظه الله.
(2) اشارة الى حديث افتراق الامة ، وقد تقدمت تخريجاته.
(3) المفوضة : فرقة زعمت أن الله خلق محمدا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ثم فوض إليه خلق العالم وتدبيره ، الفرق بين الفرق ص238 ، معجم الفرق الاسلامية ص235.
(4) المجبرة : هذه الفرقة تقول بإسناد فعل العبد إلى الله ، أي أن الانسان مجبور في أعماله لا اختيار له ، معجم الفرق الاسلامية ص81.
(5) المجسمة : فرقة تقول بأن الله جسمٌ وله ست جهات وأن له يدين ورجلين ، معجم الفرق الاسلامية ص213.
(6) سورة آل عمران : الاية 7.
(7) سورة التوبة : الاية 124 و 125.
(8) سورة الاسراء : الاية 82.
(9) سورة الانعام : الاية 38.
(10) سورة النحل : الاية 89.
(11) سورة المائدة : الاية 3.
(12) سورة يس : الاية 12.
(13) سورة البقرة : الاية 106.
(14) سورة الحجر : الاية 9.
(15) سورة سبأ : الاية 18.
(16) سورة آل عمران : الاية 97.
(17) سورة طه : الاية 44.
(18) سورة ص : الاية 76.
(19) سورة النساء : الاية 105.
(20) الاحتجاج ج2 ص267.
(21) نهج البلاغة: ص325 رقم الخطبة:210،كتاب سليم ص61، بحارالانوار ج37 ص277 ح97.
(22) صحيح البخاري : ج1 ص38 مسند أحمد ج1 ص78 ، المستدرك على الصحيحين ج1 ص77 ، مجمع الزوائد ج1 ص142 ، تاريخ بغداد ج14 ص225 ، مسند أبي يعلى الموصلي ج7 ص12 ح1149 ـ ( 3904 ).
(23) نظم درر السمطين ص113 ، ينابيع المودة ص77 ، فرائد السمطين ج1 ص101 ح70.
(24) سورة النساء : الاية 59.
(25) سورة المائدة : الاية 55 و 56.
(26) انظر الغدير ج1 ص9.
(27) وقد صور لنا هذا المشهد التاريخي ، البراء بن عازب اذ رأى ذلك بعينه يقول ـ رضي الله عنه ـ :
لم أزل لبني هاشم محباً ، فلما قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ خِفتُ أن تتمالا قريش على إخراج هذا الامر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجُول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في الحجرة ، وأتفقّد وجوه قريش ، فإنّي كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القومُ في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بُويع أبو بكر ، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالاُزر الصنعانّية لا يمرُّون بأحد إلا خبطوه ، وقدّموه فمدُّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ، فأنكرتُ عقلي... الخ.
انظر : شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص219 ، كتاب سُليم بن قيس ص75.
(28) تقدمت تخريجاته.
(29) سورة طه : الاية 25 ـ 32.
(30) سورة القصص : الاية 35.
(31) سورة المائدة : الاية 55.
(32) سورة المائدة : الاية 56.
(33) تفسير الطبري : ج6 ص186.
(34) شواهد التنزيل : ج1 ص221 ح230.
(35) مجمع البيان : ج2 ص210.
(36) راجع : المناقب للخوارزمي ص265 ح264 ، فرائد السمطين للحموي ج1 ص189 ح 150 ب39 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص229 ب 61 ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص15 ـ 16.
(37) سورة الرعد : الاية 39.
(38) الاحتجاج ج1 ص258 ، فرائد السمطين ج1 ص341 ح 263 بتفاوت.
(39) تقدمت تخريجاته.
(40) تاريخ الطبري : ج4 ص238 ، الكامل في التاريخ ج3 ص71 ، تاريخ اليعقوبي ج2 ص165 ، شرخ نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج1 ص188.
(41) سورة الشعراء : الاية 227.
(42) ماذا في التاريخ للقبيسي : ج36 ص343.
التعلیقات