مناظرة السيد عبدالله الشيرازي مع بعض أهل العلم في حكم السجود على التربة الحسينية
في الاحكام
منذ 15 سنةقال السيد عبدالله الشيرازي ـ رحمه الله تعالى ـ : كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الاسطوانة ، فأدخل المُصلّي يده في جيبه بعد تكبيرة الاِحرام لاِخراج التربة أو الحجر للسجود عليه.
فقال أحدهما للآخر : انظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر ، فلمّا هوى المصلّي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدهما ليختطف ما في يده ، لكنّي أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلّي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلّي مقابل قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال : يريد أن يسجد على الحجر .
قلت : وأيّ بأس في ذلك ؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر .
قال : كيف ؟
قلت : هو جعفري وأنا جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ؟
قال : نعم .
قلت : هو من أهل البيت ؟
قال : نعم .
قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لا بدّ أن يكون السجود على أجزاء الاَرض(1).
فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة .
قلت : إذا كان الدين واحداً والصلاة واحدة فكيف تُصلّون أنتم أهل السنّة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف ، فالمالكيّة يصلّون مرسلين الاَيادي ، والحنفيّة يتكتفون ، والشافعية نحواً ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنَّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت نحواً واحداً ، ولقّنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إن أبا حنيفة هكذا قال ، والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الاَربع .
قال : نعم .
قلت : جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) رئيس مذهبنا الذي اعترفت بأنه من أهل البيت ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقلّ من أبي حنيفة ، ومن هؤلاء عَلمنا أنّه لا بدّ أن يكون السجود على أجزاء الاَرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن(2) ، وهذا الاختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلاّ مثل الاختلاف بين أنفسكم في كيفيّة الصلاة من جهة التكتّف وغيرها من سائر الاختلافات بينكم في الفروع ولا يرتبط بالاُصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً.
فصدّقني الجالسون من أهل السنّة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولمّا وجدتُ الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تبطل صلاة رجل مسلم يصلّي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل بيت صاحب هذا القبر ، الذينَ أذهبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرهُم تَطهيرا ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلاّ قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومذهبه .
فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا منّي من اعتقادهم بأن السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة .
أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أن علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أن السجود على التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب من سائر أجزاء الاَرض شرك بالله(3) ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً ما في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلاّ الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الاَرض مثل السجدة على نفس الاَرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد ؟ فإذا سجد على الاَرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها ؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها !
وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الاَلفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له ؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر حتى يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس المسجود عليه معبوداً ، وهل رأى أحد وثنيّاً أو صنميّاً في مقام العبادة يضع الصنم على الاَرض ويسجد عليه ؟ لا والله ، بل يجعلون الاَصنام في مقابلهم ويسجدون على الاَرض ويخرّون عليها تخضّعاً وتخشّعاً لها ، فحينئذ المعبود هل هو الصنم أو ما سجد عليه من الاَرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا اختيار ولا التفات أو معهما ؟
فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الاَرض عبادة لها وشرك بالله ، أويكون مثل السجدة على نفس الاَرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد ؟ وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة .
فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ،  إن لم يكن  تجاهلاً ، وينبّهوا عوامهم إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على  أجزاء  الاَرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب(4). 
____________
  (1) كما في رواية هشام بن الحكم أنّه قال لاَبي عبدالله ( عليه السلام ) :  أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا  لا يجوز  ؟ قال : السجود لا يجوز إلاّ على الاَرض أو على ما أنبتت الاَرض  ،  إلاّ ما اُكل أو لبس  ،  فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك  ؟ قال : لاَن السجود خضوع لله عزّ  وجلّ فلا ينبغي أن يكون  على ما يؤكل ويُلبس  ، لاَنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ،  والساجد في سجوده في عبادة  الله عزّ وجلّ  ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا  الذين أغترّوا بغرورها  ،  والسجود على الاَرض أفضل لاَنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ .  راجع : علل الشرايع  للصدوق : ج 2 ص 341 ب 42  ، وسائل الشيعة : ج 3 ص 591 (ب 1 من أبواب ما  يسجد عليه)  ح 1 .
 (2) كما في خبر الاَعمش  ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : لا يسجد  إلا على الاَرض أو ما أنبتت  الاَرض إلا المأكول والقطن والكتان . وخبر الفضل بن عبد الملك قال : قال  أبو عبدالله( عليه السلام ) : لا  يسجد إلا على الاَرض أو ما أنبتت الاَرض إلا القطن والكتان . وخبر زرارة عن  أبي جعفر ( عليه السلام )  قال : قلت له : أسجد على الزفت يعني القير  ؟ فقال : لا  ، ولا على الثوب  الكرسف  ، ولا على  الصوف  ، ولا على شيء من الحيوان  ، ولا على طعام  ، ولا على شيء من ثمار  الاَرض  ، ولا على  شيء من الرّياش . راجع : وسائل الشيعة : ج 3 ص 592 ـ 594 ( ب1 من أبواب ما  يسجد عليه)  ح 3 و 6 و (ب 2 من أبواب ما يسجد عليه) ح 1 .
 (3) أضف إلى ذلك أنه قد ثبت من طريقهم أيضاً أن رسول الله ( صلى الله عليه  وآله ) والصحابة كانوا يسجدون على  أجزاء الاَرض  ، وإذا لم يستطيعوا من ذلك لحرٍ أو غيره سجدوا على أطراف  أثوابهم  ، فقد ورد في  كتاب التاج الجامع ص 192 والاَحاديث الصحاح الست في المجلد الاَول في أبواب  السجود  عن أنس قال : كنّا نصلّي مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فيضع أحدُنا طرف  الثوب من شدة الحر في مكان  السجود  ، وفي رواية : فإذا لم يستطع أن يضع جبهته فوق الاَرض بسط ثوبه  فسجد عليه .  فيستفاد من الرواية أن الصحابة كانوا يسجدون على الاَرض إلا في مقام  الضرورة فإنهم  يسجدون على طرف الثوب  ، كما ورد عندهم أيضاً عن أبي سعيد الخدري أنه دخل  على رسول  الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه  ،  فيستفاد منها جواز السجود على  الحصير   ، وعلى أجزاء الاَرض  ، بخلاف السجود على ما يؤكل أو ما يلبس فليس هناك  دليل على جواز  السجود عليهما  ، بل الدليل على عدم الجواز إلا عند الضرورة.
 (4) الاَحتجاجات العشرة للسيد عبدالله الشيرازي قدس سره : ص 20 ـ 30 .

التعلیقات