مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في حكم الطلاق ثلاثاً
في الاحكام
منذ 15 سنةعن ابن أبي عمير قال : قال ابو حنيفة لاَبي جعفر مؤمن الطاق : ما تقول في الطلاق الثلاث ؟
قال : أعلى خلاف الكتاب والسنة ؟
قال نعم.
قال أبو جعفر : لا يجوز ذلك(2).
قال أبو حنيفة : ولم لا يجوز ذلك ؟
قال : لاَنّ التزويج عقدٌ عُقد بالطاعة فلا يحلّ بالمعصية ، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية ، وفي إجازة ذلك طعن على اللهعزّ وجلّ فيما أمر به وعلى رسوله فيما سنَّ ، لاَنّه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما ، وفي قولنا من شذَّ عنهما ردّ إليهما وهو صاغر .
قال أبو حنيفة : قد جوّز العلماء ذلك .
قال أبو جعفر  : ليس العلماء الذين جوّزوا للعبد العمل بالمعصية ،  واستعمال  سنّه الشيطان في دين الله، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنّة  ، فلم تجوّزون  للعبد  الجمع بين ما فرّق اللهمن الطلاق الثلاث في وقت واحد  ، ولا تجوّزون له  الجمع  بين ما فرّق اللهمن الصلوات الخمس  ؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم  السنة ، وقد قال اللهجلّ وعزّ  : ( وَمَن يَتَعدَّ  حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسهُ )(3).
 
ما تقول  يا أبا حنيفة في رجل قال  : إنّه طلق امرأته على سنّة الشيطان  ؟  أيجوز له ذلك الطلاق  ؟
 
قال أبو  حنيفة  : فقد خالف السنّة ، وبانت منه امرأته ، وعصى ربّه .
 
قال أبو  جعفر  : فهو كما قلنا ، إذا خالف سنّة اللهعمل بسنّة الشيطان  ، ومن  أمضى بسنته فهو على ملّته ليس له في دين اللهنصيب .
 
قال أبو  حنيفة  : هذا عمر بن الخطّاب  ، وهو من أفضل أئمّة المسلمين  ، قال :  إنّ اللهجلّ ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه ، وأجزنا لكم ما  استعجلتموه(4) .
 
قال أبو  جعفر  : إنّ عمر كان لا يعرف أحكام الدين . 
 
قال أبو  حنيفة  : وكيف ذلك  ؟
 
قال أبو  جعفر  : ما أقول فيه ما تنكره ، أمّا أوّل ذلك فإنّه قال  : لا يصلّي  الجنب حتى يجد الماء(5)ولو سنة  ! والاُمّة على خلاف ذلك  ،  وأتاه أبو كيف  العائذي فقال  : يا أمير المؤمنين إنّي غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي ، فقال   : إن  كان قد دخل بها فهو أحقّ بها ، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها(6)،  وهذا حكم  لا يُعرف  ، والاُمّة على خلافه .
 
وقضى في  رجل غاب عن أهله أربع سنين أنّها تتزوّج إن شاءت(7) ، والاُمّة   على خلاف ذلك ، إنّها لا تتزوّج أبداً حتى تقوم البيّنة أنّه مات أو  طلّقها؛ وأنّه قتل  سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد ، وقال  : لولا ما عليه أهل صنعاء لقتلتهم  به ،  والاُمّة على خلافه ، واُتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها ،  فقال  له علي  عليه السلام   : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها  ؟ فقال  : لولا  عليٌّ لهلك عمر(8).
 
واُتي  بمجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال له عليٌّ  عليه السلام   : أما علمت أنّ  القلم  قد رفع عنها حتى تصحّ  ؟ فقال  : لولا عليٌّ لهلك عمر(9) ،  وإنّه لم يدر الكلالة فسأل  النبي صلى اللهعليه وآله عنها فأخبره بها فلم  يفهم عنه ، فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبيصلى اللهعليه  وآله  عن الكلالة فسألته ، فقال لها  : أبوك أمرك بهذا  ؟ قالت  : نعم  ، فقال  لها  : إنّ أباك لا  يفهمها حتى يموت(10) ! فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام  الدين ؟(11). 
____________
  (1) هو  : أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي الصيرفي البجلي  ، قال  عنه الشيخ  الطوسي رحمه الله  : إنه ثقة  ، وروى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي  عبداللهعليه السلام ويلقب  بمؤمن الطاق  ، وصاحب الطاق  ، وسمي بالطاق لانّه كان دكانه في طاق المحامل  بالكوفة  ،  وكان كثير العلم حسن الخاطر  ، ولمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات ومناظرات  كثيرة  ،  فمن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه  : قال  : كان أبو حنيفة يتهم  مؤمن الطاق  بالرجعة  ، وكان مؤمن الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ  ، قال  : فخرج أبو  حنيفة يوماً إلى  السوق فاستقبله مؤمن الطاق ومعه ثوب يريد بيعه  ، فقال له أبو حنيفة  :  أتبيع هذا الثوب إلى  رجوع علي  عليه السلام   !! فقال  : إن أعطيتني كفيلاً أن لا تُمسخ قرداً  بعتك فبهت أبو حنيفة  ، قال  :  ولما مات الاِمام جعفر بن محمد  عليه السلام  التقى هو وأبو حنيفة  ، فقال  له أبو حنيفة  : أما إمامك  فقد مات  ! فقال له مؤمن الطاق  : أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت  المعلوم  ، ومن  مصنفات مؤمن الطاق  : كتاب الاِمامة  ، وكتاب الرد على المعتزلة  ، وكتاب  المعرفة  ، توفي في  سنة 374 هـ .راجع ترجمتة في : الكنى والاَلقاب للقمي  : ج 2 ص398  ، رجال  الطوسي  :  ص 302 و 359  ، سير أعلام النبلاء للذهبي  : ج 10 ص553 ترجمة رقم  : 553 .
 (2) ومما جاء في جواب الاِمام علي بن موسى الرضا  عليه السلام  لمسائل محمد  بن سنان  ، قال  عليه السلام   :  وعلة الطلاق ثلاثاً  : لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث  لرغبة تحدث أو يكون  غضبه إن كان  ، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهن عن معصية  أزواجهن  ،  فاستحقت المرأة الفرقة المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها  ،  وعلة تحريم  المرأة بعد تسع تطليقات  ، فلا تحل له أبداً عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق  ،  ولا يستضعف  المرأة ، وليكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً  ، وليكون يأساً لهما من  الاجتماع بعد تسع  تطليقات. عيون أخبار الرضا  عليه السلام   : ج 1 ص 102  ، (ب 33 ح 1) .
 (3) سورة الطلاق  : الآية 1 .
 (4) راجع  : صحيح مسلم  : ج 2 ص 1099  ، كتاب الطلاق ب طلاق الثلاث  ، سنن  البيهقي ج  7 ص 336  ، سنن أبي داود  : ج 2 ص 261 ح 2199 ـ 2200  ، الغدير للاَميني  :  ج 6 ص  178 ـ 179  ، مسند أحمد بن حنبل  : ج 1 ص 314 .
 (5) راجع  : سنن النسائي  : ج 1 ص 168 ـ 170 ، مسند أحمد بن حنبل  : ج 4 ص  319  ،  السنن الكبرى للبيهقي  : ج 1 ص 209  ، الغدير للاَميني  : ج 6 ص 83 .
 (6) راجع  : السنن الكبرى للبيهقي  : ج 7 ص 446  ، المغني لابن قدامة  : ج 8  ص 499 وج9  ص135.
 (7) أصول الفقه للدواليبي  : ص 241  ، النص والاجتهاد للسيد شرف الدين  : ص  270  ، السنن  الكبرى للبيهقي  : ج 7 ص 445  ، المغني لابن قدامة  : ج 9 ص 132 ، بحار  الاَنوار : ج104  ص161.
 (8) الرياض النضرة  : ج 3 ص 163  ، ذخائر العقبى  : 80 ـ 82  ، المناقب  للخوارزمي  : ص81  ح65  ، الغدير للاَميني  : ج 6 ص 110 .
 (9) المستدرك للحاكم  : ج 2 ص 59 و ج 4 ص 389  ، الرياض النضرة  : ج 3 ص  164  ،  الغدير للاَميني  : ج 6 ص 101 ـ 102 .
 (10) الدر المنثور للسيوطي  : ج 2 ص 753 ـ 754  ، تفسير القرآن العظيم لابن  كثير  : ج 1  ص606  ، أحكام القرآن للجصاص  : ج 2 ص 87 (باب الكلالة)  ، الغدير للاَميني   : ج 6  ص128.
 (11) الاختصاص للمفيد : ص 109 ـ 111 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج10 ص 230 ـ  231.

التعلیقات