مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في حكم الطلاق ثلاثاً
في الاحكام
2013 Apr 2عن ابن أبي عمير قال : قال ابو حنيفة لاَبي جعفر مؤمن الطاق : ما تقول في الطلاق الثلاث ؟
قال : أعلى خلاف الكتاب والسنة ؟
قال نعم.
قال أبو جعفر : لا يجوز ذلك(٢).
قال أبو حنيفة : ولم لا يجوز ذلك ؟
قال : لاَنّ التزويج عقدٌ عُقد بالطاعة فلا يحلّ بالمعصية ، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية ، وفي إجازة ذلك طعن على اللهعزّ وجلّ فيما أمر به وعلى رسوله فيما سنَّ ، لاَنّه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما ، وفي قولنا من شذَّ عنهما ردّ إليهما وهو صاغر .
قال أبو حنيفة : قد جوّز العلماء ذلك .
قال أبو جعفر : ليس العلماء الذين جوّزوا للعبد العمل بالمعصية ، واستعمال سنّه الشيطان في دين الله، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنّة ، فلم تجوّزون للعبد الجمع بين ما فرّق اللهمن الطلاق الثلاث في وقت واحد ، ولا تجوّزون له الجمع بين ما فرّق اللهمن الصلوات الخمس ؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة ، وقد قال اللهجلّ وعزّ : ( وَمَن يَتَعدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسهُ )(٣).
ما تقول يا أبا حنيفة في رجل قال : إنّه طلق امرأته على سنّة الشيطان ؟ أيجوز له ذلك الطلاق ؟
قال أبو حنيفة : فقد خالف السنّة ، وبانت منه امرأته ، وعصى ربّه .
قال أبو جعفر : فهو كما قلنا ، إذا خالف سنّة اللهعمل بسنّة الشيطان ، ومن أمضى بسنته فهو على ملّته ليس له في دين اللهنصيب .
قال أبو حنيفة : هذا عمر بن الخطّاب ، وهو من أفضل أئمّة المسلمين ، قال : إنّ اللهجلّ ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه ، وأجزنا لكم ما استعجلتموه(٤) .
قال أبو جعفر : إنّ عمر كان لا يعرف أحكام الدين .
قال أبو حنيفة : وكيف ذلك ؟
قال أبو جعفر : ما أقول فيه ما تنكره ، أمّا أوّل ذلك فإنّه قال : لا يصلّي الجنب حتى يجد الماء(٥)ولو سنة ! والاُمّة على خلاف ذلك ، وأتاه أبو كيف العائذي فقال : يا أمير المؤمنين إنّي غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي ، فقال : إن كان قد دخل بها فهو أحقّ بها ، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها(٦)، وهذا حكم لا يُعرف ، والاُمّة على خلافه .
وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنّها تتزوّج إن شاءت(٧) ، والاُمّة على خلاف ذلك ، إنّها لا تتزوّج أبداً حتى تقوم البيّنة أنّه مات أو طلّقها؛ وأنّه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد ، وقال : لولا ما عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ، والاُمّة على خلافه ، واُتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها ، فقال له علي عليه السلام : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها ؟ فقال : لولا عليٌّ لهلك عمر(٨).
واُتي بمجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال له عليٌّ عليه السلام : أما علمت أنّ القلم قد رفع عنها حتى تصحّ ؟ فقال : لولا عليٌّ لهلك عمر(٩) ، وإنّه لم يدر الكلالة فسأل النبي صلى اللهعليه وآله عنها فأخبره بها فلم يفهم عنه ، فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبيصلى اللهعليه وآله عن الكلالة فسألته ، فقال لها : أبوك أمرك بهذا ؟ قالت : نعم ، فقال لها : إنّ أباك لا يفهمها حتى يموت(١٠) ! فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين ؟(١١).
____________
(١) هو : أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي الصيرفي البجلي ، قال عنه الشيخ الطوسي رحمه الله : إنه ثقة ، وروى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبداللهعليه السلام ويلقب بمؤمن الطاق ، وصاحب الطاق ، وسمي بالطاق لانّه كان دكانه في طاق المحامل بالكوفة ، وكان كثير العلم حسن الخاطر ، ولمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات ومناظرات كثيرة ، فمن ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : قال : كان أبو حنيفة يتهم مؤمن الطاق بالرجعة ، وكان مؤمن الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ ، قال : فخرج أبو حنيفة يوماً إلى السوق فاستقبله مؤمن الطاق ومعه ثوب يريد بيعه ، فقال له أبو حنيفة : أتبيع هذا الثوب إلى رجوع علي عليه السلام !! فقال : إن أعطيتني كفيلاً أن لا تُمسخ قرداً بعتك فبهت أبو حنيفة ، قال : ولما مات الاِمام جعفر بن محمد عليه السلام التقى هو وأبو حنيفة ، فقال له أبو حنيفة : أما إمامك فقد مات ! فقال له مؤمن الطاق : أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، ومن مصنفات مؤمن الطاق : كتاب الاِمامة ، وكتاب الرد على المعتزلة ، وكتاب المعرفة ، توفي في سنة ٣٧٤ هـ .راجع ترجمتة في : الكنى والاَلقاب للقمي : ج ٢ ص٣٩٨ ، رجال الطوسي : ص ٣٠٢ و ٣٥٩ ، سير أعلام النبلاء للذهبي : ج ١٠ ص٥٥٣ ترجمة رقم : ٥٥٣ .
(٢) ومما جاء في جواب الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام لمسائل محمد بن سنان ، قال عليه السلام : وعلة الطلاق ثلاثاً : لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو يكون غضبه إن كان ، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهن عن معصية أزواجهن ، فاستحقت المرأة الفرقة المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها ، وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات ، فلا تحل له أبداً عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ، ولا يستضعف المرأة ، وليكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً ، وليكون يأساً لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات. عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ١ ص ١٠٢ ، (ب ٣٣ ح ١) .
(٣) سورة الطلاق : الآية ١ .
(٤) راجع : صحيح مسلم : ج ٢ ص ١٠٩٩ ، كتاب الطلاق ب طلاق الثلاث ، سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٣٦ ، سنن أبي داود : ج ٢ ص ٢٦١ ح ٢١٩٩ ـ ٢٢٠٠ ، الغدير للاَميني : ج ٦ ص ١٧٨ ـ ١٧٩ ، مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٣١٤ .
(٥) راجع : سنن النسائي : ج ١ ص ١٦٨ ـ ١٧٠ ، مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣١٩ ، السنن الكبرى للبيهقي : ج ١ ص ٢٠٩ ، الغدير للاَميني : ج ٦ ص ٨٣ .
(٦) راجع : السنن الكبرى للبيهقي : ج ٧ ص ٤٤٦ ، المغني لابن قدامة : ج ٨ ص ٤٩٩ وج٩ ص١٣٥.
(٧) أصول الفقه للدواليبي : ص ٢٤١ ، النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ص ٢٧٠ ، السنن الكبرى للبيهقي : ج ٧ ص ٤٤٥ ، المغني لابن قدامة : ج ٩ ص ١٣٢ ، بحار الاَنوار : ج١٠٤ ص١٦١.
(٨) الرياض النضرة : ج ٣ ص ١٦٣ ، ذخائر العقبى : ٨٠ ـ ٨٢ ، المناقب للخوارزمي : ص٨١ ح٦٥ ، الغدير للاَميني : ج ٦ ص ١١٠ .
(٩) المستدرك للحاكم : ج ٢ ص ٥٩ و ج ٤ ص ٣٨٩ ، الرياض النضرة : ج ٣ ص ١٦٤ ، الغدير للاَميني : ج ٦ ص ١٠١ ـ ١٠٢ .
(١٠) الدر المنثور للسيوطي : ج ٢ ص ٧٥٣ ـ ٧٥٤ ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير : ج ١ ص٦٠٦ ، أحكام القرآن للجصاص : ج ٢ ص ٨٧ (باب الكلالة) ، الغدير للاَميني : ج ٦ ص١٢٨.
(١١) الاختصاص للمفيد : ص ١٠٩ ـ ١١١ ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج١٠ ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.
التعلیقات