الإمام الحسين
محمّد جواد مغنية
منذ 14 سنةالإمام الحسين
ـ السبط الثاني لرسول الله صلى الله عليه وآله ، والإمام الثالث من أئمّة أهل البيت ، وخامس أصحاب العباء ، وأحد ريحانتي رسول الله ، وسيّدي شباب أهل الجنّة.
ـ ولد في 15 شعبان سنة أربع من الهجرة ، وسمّاه جدّه صلّى الله عليه وآله حسيناً ، وبينه وبين أخيه مقدار الحمل فقط.
ـ زوجاته وأولاده : كان له من الأولاد ستّة ذكور ، وثلاث بنات : علي الأكبر شهيد كربلاء ، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة الثقفي ، وعلي الأوسط ، وعلي الأصغر زين العابدين ، وأمّه شاهزنان بنت كسرى ، ومحمّد وجعفر مات في حياة أبيه ، وأمّه قضاعية ، وعبد الله الرضيع ذبح في حجر أبيه ، وسكينة ، وأمّها وأمّ عبد الله الرضيع الرباب بنت امرئ القيس ، وفاطمة ، وأمّها أمّ إسحق التميميّة ، وزينب ، ونسل الإمام الحسين من الإمام زين العابدين.
ـ قتل في عاشر المحرم سنة 61 هجري ، وكان عمره الشريف 56 سنة وأشهراً ، عاش منها مع جدّه رسول الله ست سنين ، ومع أبيه 36 ، ومع أخيه الحسن 46 وبقي بعد أخيه الحسن 10 سنين.
من هو الحسين :
قال السيّد محسن الأمين في الجزء الرابع من « أعيان الشيعة » :
« هو أشرف الناس أباً وأمّاً ، وجدّاً وجدّة ، وعمّاً وعمّة وخالاً وخالة ، جدّه رسول الله سيّد النبيين ، وأبوه علي أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، وأمّه فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، وأخوه الحسن المجتبى ، وعمّه جعفر الطيّار مع ملائكة السماء ، وعمّ أبيه حمزة سيّد الشهداء ، وجدّته خديجة بنت خويلد أوّل نساء الأمّة إسلاماً ، وعمّته أمّ هاني ، وخاله إبراهيم ابن رسول الله ، وخالته زينب بنت رسول الله.
وقد جاهد لأسمى المقاصد ، وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ، ولا بعده ، فبذل نفسه وماله وآله ، لإحياء الدين ، وفضح المنافقين ، واختار المنية على الدنية ، وميتة العزّ على حياة الذلّ ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام ، وأظهر من إباء الضيم وعزّة النفس ، والشجاعة والبسالة ، والصبر والثبات ما بهر العقول ، وحير الألباب.
وحقيق بمن كذلك أن تقام له الذكرى في كلّ عام ، وتبكي له العيون دماً بدل الدموع. وأيّ رجل في الكون قام بما قام به الحسين. يقول النصارى : إن السيّد المسيح قدم نفسه للصلب ، ليخلص الشعب من الخطيئة ، وأين ما فعله ممّا فعله الحسين ؟ عيسى قدم نفسه فقط على قول النصارى. أمّا الحسين فقدم نفسه ، وأبناءه ، حتّى ولده الرضيع ، وقدم إخوته وأبناء أخيه وأبناء عمّه ، قدمهم جميعاً للقتل ، وقدم أمواله للنهب ، وعياله للأسر ، ليفدي دين جدّه.
إن الحسين معظم ، حتّى عند الخوارج أعداء أبيه ، فإنّهم يقيمون له مراسم الذكرى والحزن يوم عاشوراء في كل عام. ولو أنصف المسلمون ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى لسيّد الشهداء. فهل كان الحسين دون جان دارك التي يقيم لها الفرنسيّون الذكرى في كلّ عام ؟ وهل عملت جان دارك لفرنسا ما عمله الحسين لأمّة جده ؟ فلقد سن لهم نهج الحريّة والاستقلال ، ومقاومة الظلم ، ومعاندة الجور ، وطلب العزّ ، ونبذ الجور ، وعدم المبالاة بالموت في سبيل الغايات السامية.
هذا ، إلى ما يرجوه المسلم من الثواب يوم الحساب على الحزن والبكاء لقتل الحسين ، فلقد نعاه جدّه لأصحابه ، وبكى لقتله قبل وقوعه ، وبكى معه أصحابه ، وفيهم أبو بكر وعمر ، فيما رواه الماوردي الشافعي في « اعلام النبوة ». وقد حث أئمّة أهل البيت الطاهر شيعتهم وأتباعهم على البكاء وإقامة الذكرى والعزاء لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام ، وهم نعم القدوة ، وخير من اتّبع ، وأفضل من اقتفي أثره ، وأخذت منه سنّة رسول الله ، لأنّهم أحد الثقلين ، وباب حطّة الذي من دخله كان آمناً ، ومفتاح باب مدينة العلم الذي لا يؤتى إلّا منه.
ثمّ قال السيّد الأمين قدّس الله سرّه : ألّف السيّد علي جلال المصري كتاباً في الحسين اقتطفنا منه ما يلي :
السيّد الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله ، وريحانته ، وابن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ونشأة بيت النبوّة ، له أشرف نسب ، وأكمل نفس ، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال من علوّ الهمّة ، ومنتهى الشجاعة ، وأقصى غاية الجود ، وأسرار العلم ، وفصاحة اللسان ، ونصرة الحقّ ، والنهي عن المنكر ، وجهاد الظلم ، والتواضع عن عزّ ، والعدل والصبر والحلم والعفاف والمروءة والورع وغيره ، واختص بسلامة الفطرة ، وجمال الخلقة ، ورجاحة العقل ، وقوّة الجسم ، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة ، وأفعال الخير ، كالصلاة والصوم والحج والجهاد والإحسان.
وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه ، مهذباً بكريم أخلاقه ، مؤدباً ببليغ بيانه ، سخياً بماله ، متواضعاً للفقراء ، معظماً عند الخلفاء ، مواصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين ، منتصفاً للمظلومين ، مشتغلاً بعبادته ، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجاً خمساً وعشرين مرّة. لقد كان الحسين في وقتٍ علم المهتدين ، ونور الأرض ، فاخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه ، المقتفين آثار فضله ، ولا شكّ أن الأمّة تنفعها ذكرى ما أصابها من الشدائد في زمن بؤسها ، كما يفيدها تذكر ما كسبته من المآثر أيّام عزّها ، ومقتل الحسين من الحوادث العظيمة ، وذكراه نافعة ، وإن كان حديثه يحزن كلّ مسلم ، ويسخط كلّ عاقل.
إن مصرع الحسين عظة المعتبرين ، وقدوة المستبسلين ألم تر كيف اضطره نكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة ، وهو أعظم رجل في وقته لا نظير له في شرق الأرض وغربها. ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصوّر بين فئته القليلة ، وجيش ابن زياد الكبير في العدّة والعدد والمدد ، فقد كان ثباته ورباطة جأشه ، وشجاعته تحير الألباب ، لا عهد للبشر بمثلها ، كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها.
وما سمع منذ خلق العالم ، ولن يسمع ، حتّى يفنى ، أفظع من ضرب ابن مرجانة بقضيبه ثغر ابن بنت رسول الله ، ورأسه بين يديه ، بعد أن كان سيّد الخلق يلثمه.
ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد اللّه بن زياد يوم عاشوراء ، كما قتل الحسين يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين ، كما بعث برأس الحسين إلى ابن زياد. وهل أمهل يزيد بعد الحسين إلى ثلاث سنين ، أو أقل ؟! وأية موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين اقتصّ الله منه ، فقتل أو نكب ؟!.
وأيّة عبرة لأولى الأبصار أعظم من أن يكون قبر الحسين حرماً معظماً ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة ؟ وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم يقتل أبناء الحسين ، ولا يترك منهم إلّا صبي مريض أشرف على الهلاك ، فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم ، ويعظم شأنهم. أمّا الذين قتلوا مع الحسين فما لهم على وجه الأرض شبيه.
ولو قدرت ولاية الحسين لكانت خيراً للأمّة في حكومتها وأخلاقها وجهادها. وشتان ما بين السبط الزكي ، والظالم السكير يزيد القرود والطنابير ، وهل يستوي الفاسق الفاجر ، والإمام العادل ؟ وأين الذهب من الرغام ؟ ولكن اقتضت الحكمة الإلهيّة سير الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمراً فلا مرد له ، واقتضت أيضاً أن يبقى أثر جهاد الحسين على ممرّ الدهور كلّما أرهق الناس الظلم تذكرة لمن ندب نفسه لخدمة الأمّة ، فلم يحجم عن بذل حياته ، متى كانت فيه مصلحة لها.
مقتبس من كتاب : [ الشيعة في الميزان ] / الصفحة : 220 ـ 223
التعلیقات