هل آية الكرسي محرّفة عند الشيعة؟
القرآن الكريم وتفسيره
منذ 14 سنةهل آية الكرسي محرّفة عند الشيعة؟
السؤال : في كتاب مفاتيح الجنان هناك آية كرسي محرّفة ، وذلك في صفحة (63) أعمال نهار الجمعة .... السّابع : .... ذكر فيه آية الكرسي على التنزيل ، وتمّ ذكرها في هامش الصفحة وهي : « الله لا اله إلاّ هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنّة ولا نوم له ما في السماوات والارض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم مَن ذا الذي ... إلى هم فيها خالدون » ، وهذه الآية نقلها عن المجلسي عن رواية عليّ بن إبراهيم والكليني ... منشورات ذي القربى ... فهل فعلاً آية الكرسي محرّفة عند الشيعة ؟
الجواب : من سماحة السيّد جعفر علم الهدى
أوّلاً : هناك الكثير من الروايات التي رواها أهل السنّة فضلاً عن الشيعة يظهر منها وقوع النقصية والسقط في القران الكريم ، ولكنّ المحقّقين من علماء الشيعة وفقهائهم حملوها على إرادة التأويل والتفسير ، ومنها هذه الرواية ؛ فإنّ المراد أنّ الله تعالى حينما أنزل آية الكرسي أراد منها بيان هذه المعاني ، لكنّ لا يتمكّن أحد من استخراج هذه المعاني من الآية الكريمة إلّا الله والراسخون في العلم الذين علّمهم الله تعالى تأويل الكتاب .
ويوجد نظير ذلك كثيراً في روايات أهل السنّة أيضاً ففي آية المتعة : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } {النساء/24} روى السيوطي في الدرّ المنثور وغيره عن ابن عبّاس أنّه قرأ : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ (إلى أجل مسمّى) فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، وقال : « والله إنّها نزلت كذلك » .
وذلك روى السيوطي في الدرّ المنثور في تفسير آية التبليغ : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } {المائدة/67} . عن بعض الصحابة أنّها نزلت هكذا : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (أنّ عليّاً مولى المؤمنين) وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } .
فهل هذه الآيات محرّفة عند أهل السنّة ؟!
ثانياً : من المحتمل أن ّالمراد من آية الكرسي على التنزيل أنّ آية الكرسي ليست خصوص الآية الأولى ، بل هي ثلاث آيات إلى قوله : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } {البقرة/255 ـ 257} ، وأمّا الرواية فلا ربط لها بالآية ، بل تذكر أنّ الإمام (عليه السّلام) قرأ هذه العبارات في مقام تمجيد الله تعالى .
ولعلّه كان من باب التضمين بأن يستفيد الإنسان من الآيات في ضمن دعائه وكلامه ، أو يقرأ آيات متعدّدة متفرّقة ، ولم يقرأ الإمام (عليه السّلام) هذه العبارات بعنوان آية الكرسي النازلة في القرآن الكريم ، وليس في الرواية أنّها نزلت هكذا ، أو أنّ الإمام (عليه السّلام) قرأها بعنوان آية الكرسي ، بل قرأها بعنوان آيات متفرقة ، وبنحو التضمين .
وبعبارة أُخرى : هناك روايتان وقع الخلط بينهما ، رواية تدلّ على فضل قراءة آية الكرسي على التنزيل ، ولم تذكر الرواية تفصيل ذلك ، ولعلّ المراد كما قلنا الآيات الثلاث إلى قوله : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
ورواية أُخرى تدلّ على أن ّالإمام السّجّاد (عليه السّلام) قال : مَن قرأ هذه الكلمات ـ وفيها آية الكرسي بصورة مقطّعة ـ له ثواب عظيم ، ولا تدلّ على أنّ آية الكرسي نزلت بهذه الصورة ، بل هو دعاء وذكر تضمّن آية الكرسي ، وإليك الروايتان :
1 ـ عن الحسين بن بن عليّ (عليهما السّلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « إنّ آية الكرسي في لوح من زمرّد أخضر مكتوب بمداد مخصوص بالله ... إلى أن قال : ، فلا يبقى ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل إلّا دعا لقاريء آية الكرسي على التنزيل ».
إلى هنا تمّت الرواية عن الحسين بن بن عليّ (عليهما السّلام) ، ولا يعقل أن ترتبط هذه الرواية بالرواية الآتية حيث إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) لا يروي عن الصادق (عليه السّلام) .
2 ـ قال الصادق (عليه السّلام) : « كان عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) يحلف مجتهداً أنّ مَن قرأها ( الكلمات الآتية) قبل زوال الشمس سبعين مرّة فوافق تكملة سبعين زوالها ، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر ، فإن مات في عامه ذلك مات مغفوراً غير مُحَاسب : { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
{ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى } {طه/6} { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } {الجن/26}
مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
وليس في هذه الآية إنّ آية الكرسي تكون بهذه الصورة ، بل ليس فيها اسم آية الكرسي ، وإنّما يوجد « مَن قرأها » ، ولعلّها مجموعة آيات مثل الدعاء والذكر الذي بعد صلاة أوّل الشهر.
التعلیقات