أيّ عقليّة ينشئها القرآن الكريم ؟
السيّد علي الحائري
منذ 14 سنةالسؤال :
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) [ الأنفال : 22 ].
ويقول عزّ من قائل : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) [ الحج : 46 ].
إنطلاقاً من الآيات المباركات لدي ثلاثة أسئلة يرجى التكرم بالإجابة عليها :
أوّلاً : أيّ عقليّة ينشئها القرآن الكريم ؟
ثانياً : وما الآثار التي ترتّبت على النزعة العقليّة ؟
ثالثاً : وما المسالك التي تعطل وظيفة العقل ؟
الجواب :
في ما يتعلّق بالسؤال الأوّل نقول : إنّ المقصود بالعقل والتعقّل الذي جاء التأكيد عليه كثيراً في النصوص الشرعيّة من الكتاب والسنّة عبارة عن التأمّل والتعقّل في كلّ ما يرتبط بمبدأ الكون وبمعاده ونهايته ، فالعقل السليم هو الذي يربط هذا الكون بخالقه وبدايته ويربطه أيضاً بنهايته واليوم الآخر الذي يجازى فيه الإنسان على ما قام به في حياته : « العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ».
وفي ما يتعلّق بالسؤال الثاني نقول : إنّ النزعة العقليّة التي نؤكد عليها عبارة عن تحكيم العقل في فهم أصول الدين ومعرفتها ، والبرهنة عليها بالمقدار الذي تحصل للإنسان القناعة الكاملة بها ، والوثوق الشخصي بمحتوياتها ، وكذلك تحكيم العقل في فهم النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، لكن يجب أن نلتفت إلى نكته هامّة بهذا الصدد وهي أنّ العقل وإن كنّا نؤمن به كمصدر من مصادر الفتوى حيث إنّ الدليل العقلي حجّة ويجوز العمل به ، لكن هذا لا يعني سوى أنّ العقل حجّة في فهم الأحكام واستنباط التشريعات ، وليس معنى ذلك أنّ العقل حجّة في إدراك ملاكات الأحكام وفلسفتها والهدف منها بالضبط ، فملاكات الأحكام لا سبيل إلى معرفتها إلّا الشارع نفسه ، ولذا ورد في الأخبار : « إنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول ».
وأمّا عن السؤال الثالث : فالجواب هو أنّ كلّ مسلك واتّجاه يحاول الجمود على ظواهر النصوص الشرعيّة من دون الاستعانة في فهمها بالعقل فهو في الواقع يعطّل وظيفة العقل ويجمّد دوره المسموح له به من قبيل المسلك الظاهري لدى « السُنّة » ، ومن قبيل المسلك الأخباري لدى « الشيعة ».
فنحن إذن في الوقت الذي لا نسمح فيه للعقل بإدراك ملاكات الشريعة لا نجمّد أيضاً دوره الأساسي في فهم الشريعة من نصوصها واستنباط الأحكام من مصادرها ، واللّه العالم.
التعلیقات