فرق الشيعة بين الصحة والاختلاق
الشيعية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج7 ، ص 42 ـ 53
________________________________________(42)
قد ذكر أصحاب المقالات للشيعة فرقاً بصورة عامة وللزيدية والاِمامية بصورة خاصة، أمّا فرق الزيدية فسوف نتناولها في مستقبل الكتاب ونثبت أنّ زيداً الثائر لم يكن إماماً في العقائد ولافقيهاً صاحب منهج في الفقه ولم يكن له أي ادّعاء في ذينك المجالين حتى يكون إماماً في أحدهما ويشكل فرقة خاصة باسم الزيدية، نعم بعدما قتل زيد في المعركة وأدّى واجبه تفرّق أصحابه إلى فرق ومذاهب لاتمت بالثائر بصلة، فانتماء الفرق الزيدية إلى اتباع زيد الصق بهم من زيد ـ رضي اللّه عنه ـ وسيوافيك التفصيل في محله.
إنّما الكلام عن الفرق التي ذكروها فرقاً للاِمامية وقد كبّروها وعدّوها خمس عشرة فرقة وهي:
1 ـ الكاملية 2 ـ المحمدية 3 ـ الباقرية 4 ـ الناووسية 5 ـ الشمطية 6 ـ العماريـة 7 ـ الاِسماعيليـة 8 ـ المباركية 9 ـ الموسويــة 10 ـ القطعيـة 11ـ الاثنا عشرية 12 ـ الهشامية 13 ـ الزرارية 14 ـ اليونسية 15 ـ الشيطانية (1).
وهوَلاء الذين ذكرهم البغدادي تبعاً للاَشعري، وتبعهما الاِسفرائيني في كتابه «التبصير في الدين» والشهرستاني في «الملل والنحل» والرازي في «اعتقادات المسلمين والمشركين» تدور بين الصحيح والمختلق، فإنّ كثيراً منها
________________________________________
(1) البغدادي: الفرق بين الفرق: 350.
________________________________________
(43)
فرق في عالم الوهم والخيال نسجها مناوئوا أهل البيت لتشويه سمعة الشيعة الاِمامية، ولنأتي بنموذج عنها وهم الفرق الاَربعة الاَخيرة، أعني: الهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية فإنّك لا ترى أثراً من هذه الفرق في كتب الشيعة الاِمامية.أمّا الاَُولى: أي المنسوبة إلى هشام بن الحكم فمختلقة، فإنّ هشام بن الحكم من متكلّمي الشيعة الاِمامية وبطانتهم وممّن دعا له الاِمام الصادق _ عليه السلام _ فقال: « ماتزال موَيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك».
قال الشهرستاني: هذا هشام بن الحكم صاحب غور في الاَُصول لا يجوز أن يُغفل عن إلزاماته على المعتزلة، فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم، ودون مايُظهره من التشبيه!! و ذلك أنّه ألزم العلاّف (1).
سيوافيك أنّ ما نقله عنه من التشبيه يرجع إلى زمن شبابه قبل اتصاله بالاِمام الصادق _ عليه السلام _ ويعتبر الرجل بخواتيم أعماله ومعتقداته.
يقول أحمد أمين: أكبر شخصية شيعية في الكلام وكان جداً قوي الحجّة، ناظر المعتزلة وناظروه ونقلت له في كتب الاَدب مناظرات كثيرة متفرقة تدلّ على حضور بديهته وقوة حجّته.
إنّ الشيخ الاَشعري قد أطنب الكلام عنه وذكر له عقائد خرافية في تجسيمه سبحانه وعطف عليه هشام بن صادق الجواليقي واشتراكهما في التجسيم ومضاعفاته (2) وذكره البغدادي بنفس النص مع تلخيص (3)، وتبعهما من جاء بعدهما كالشهرستاني غير أنّ هوَلاء لابتعادهم عن التعرّف برجال الشيعة لم يعرفوا هشام بن الحكم حقّ المعرفة واشتبه عليهم الاَمر، فإنّ هشام كان بداية أمره
________________________________________
(1) الشهرستاني: الملل والنحل: 1|185.
(2) الاَشعري: مقالات الاِسلاميين: 1|31 ـ 34.
(3) البغدادي: الفرق بين الفرق: 65 ـ 69.
________________________________________
(44)
من تلامذة أبي شاكر الديصاني صاحب النزعة الاِلحادية، ثم تبع جهم بن صفوان الجبري المتطرف المقتول بـ «ترمذ» عام 128هـ، ولما التحـق بالاِمـام الصادق ـ عليه السلام ـ ودان بمذهب الاِمامية ترك ما كان يعتقد به من تجسيم وتشبيه فقد تطبعت عقليته على معارف أهل البيت إلى حد كبير، ولا يخفى على إنسان ملمّ بالحديث والكلام أنّ التنزيه شعار أهل البيت _ عليهم السلام _ ولقد كفانا الشيخ عبد اللّه نعمة في رسم حياة هشام رسماً واقعياً منزّهاً عن كل رأي مفتعل (1).وأمّا الثانية: أعني الزرارية فهذه الفرقة المختلقة منسوبة إلى زرارة بن أعين من أجلاّء تلاميذ الاِمامين الباقر والصادق _ عليهما السلام _. يقول النجاشي في حقه: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئاً، فقيهاً، متكلماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين (2)وقد ذكرنا له ترجمة ضافية طبعت في مقدمة مسنده، مات رحمه اللّه عام 150هـ، ولم يكن له أي شطح في العقيدة أو اعوجاج في الفكر، وإنّما كان يسير على ضوء إماميه الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وقد أثنيا عليه بجمل ضافية، ومسنده المطبوع لاَصدق دليل على براءته في الكلام واضطلاعه في الفقه.
نعم أنّ الضغائن والحقد على هذا المتكلّم وعلى من سبقه ـ هشام بن الحكم ـ دفع المخالفين على رميهم بالانحراف الفكري، قال البغدادي: ومنهم الزرارية أتباع زرارة بن أعين الرافضي، في دعواها حدوث جميع صفات اللّه عزّ وجلّ وإنّها من جنس صفات اللّه عزّ وجلّ وزعموا أنّ اللّه تعالى لم يكن في الاَزل حياً، ولاعالماً ولا قادراً ولا مريداً ولاسميعاً، ولا بصيراً وإنما استحق هذه الاَوصاف حين أحدث لنفسه حياة وقدرة وعلماً وأرادة وسمعاً وبصراً. (3)
________________________________________
(1) لاحظ كتابه حياة هشام بن الحكم، طبع بيروت.
(2) النجاشي: الرجال: 1|397 برقم 461. ولاحظ مقدمة الموَلّف على مسنده.
(3) البغدادي: الفرق بين الفرق: 230.
________________________________________
(45)
ما عزى إليه، نسبة مفتعلة، والرجل ممّن برع في الفقه الاَكبر والاَصغر في أحضان الاِمامين الباقر والصادق _ عليهما السلام _ وحاشا أنّ يقول مثله بحدوث الاَوصاف الثبوتية للّه.وأمّا الثالثة: فهي اليونسية المنسوبة إلى يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين بن موسى، مولى بني أسد، فقد كان حافظاً للحديث، فقيهاً في الدين، متكلّماً على مذهب أهل البيت. يقول النجاشي:
كان وجهاً في أصحابنا، متقدماً ،عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى جعفر بن محمد _ عليهما السلام _ بين الصفا والمروة ولم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا _ عليهما السلام _، وكان الرضا ـ عليه السلام ـ يشير إليه في العلم والفتيا له كتاب يوم وليلة وقد قال في حقّه الاِمام العسكري ـ عليه السلام ـ: «أتاه اللّه بكل حرف نوراً يوم القيامة» وكتب أُخرى ذكرها النجاشي(1).
وقد نسب إليه البغدادي من أنّه كان يقول: إنّ اللّه تعالى يحمله حملة عرشه وإن كان هو أقوى منها (2).
وأمّا الرابعة: فهوَلاء يريدون من الشيطان، محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي، كوفي صيرفي يلقّب بـ «موَمن الطاق» و«صاحب الطاق»، وإنّما لقبه المخالفون بشيطان الطاق، وكان دكانه في طاق المحامل بالكوفة فيرجع إليه في النقد فيرد رداً فيخرج كما يقول فيقال شيطان الطاق. له كتاب الاحتجاج في إمامة أمير الموَمنين، وكتاب رد فيه على الخوارج، ومناظرات مع أبي حنيفة والمرجئة.
وقال ابن النديم: كان متكلماً حاذقاً. وله من الكتب: الاِمامة وكتاب المعرفة
________________________________________
(1) النجاشي: الرجال: 2|421 ـ 422.
(2) البغدادي: الفرق بين الفرق: 228، والنسبة مفتعلة، والعدل والتنزيه من شعار أئمة أهل البيت، وما نقل أشبه بكلام المجسّمة من الحنابلة والحشوية.
________________________________________
(46)
وكتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول، وكتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة (1).نسب إليه البغدادي من أنّ اّللّه تعالى إنّما يعلم الاَشياء إذا قدرها وأرادها، ولا يكون قبل تقديره الاَشياء عالماً بها، وإلاّ ما صحّ تكليف العباد (2)
إنّ دراسة حياة هوَلاء الاَكابر تشهد على أنّهم من حفاظ أحاديث أهل البيت ومن مقتفي آثارهم، فعقيدتهم لاتختلف قدر شعرة مما كان عليه الاِمام الصادق والاِمام الكاظم _ عليهما السلام _.
هوَلاء كانوا صواعق تنزل على روَوس المنافقين وتدمر أوكار أفكارهم، فلم يجد الخصوم بدّاً من الازدراء بهم حتى لقّبوا بعضهم بالشيطانية تنابزاً بالاَلقاب.
نحن نسلم أنّ له رأياً فيما ترجع إلى الاستطاعة كما زعمها الاَشعري في موَمن الطاق ومن تقدّمه (3)
أفيصح أن يعد هوَلاء موَسّسين لفرق إسلامية بحجّة أنّ لهم رأياً في مسألة كلامه ولو صلح ذلك لبلغت عدد الفرق الاِسلامية المائة بل المئات، إذ ما من مسألة كلامية إلاّ فيها خلاف بين علماء الكلام.
هذا ما يرجع إلى الفرق الاَربعة التي ذكرها البغدادي في آخر الفرق للاِمامية، ولنرجع إلى ماصدّر به فرق الاِمامية ونشرحها بالمشراط العلمي.
* * *
________________________________________(1) ابن النديم: الفهرست: 264، وأيضاً: 258.
(2) البغدادي: الفرق بين الفرق: 71.
(3) الاَشعري: مقالات الاِسلاميين: 43.
________________________________________
(47)
قالوا: منهم الكاملية: يقول البغدادي: هوَلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل، وكان يزعم بأنّ الصحابة قد كفروا بتركهم بيعة علي، وكفر عليّ، بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب صفين، وكان بشار بن برد الشاعر الاَعمى على هذا المذهب، وروى أنّه قيل: له ماتقول في الصحابة؟ قال: كفروا، فقيل له: فماذا تقول في علي؟ فتمثل بقول الشاعر:
وما شر الثلاثة أم عمرو * بصاحبك الذي لا تصبحينا
وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنّه ضم إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير علي معهم ضلالتين أُخريتين.إحداهما: قوله برجعته إلى الدنيا قبل يوم القيامة، كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة.
الثانية: قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الاَرض، واستدلوا في ذلك بقول بشار في شعر له:
الاَرض مظلمة والنار مشرقة * والنار معبودة مذ كانت النار (1)
يلاحظ عليه: بما ذكرنا في أوّل الفصل من أنّ عد فرقة من المذاهب الاِسلامية مشروط بوجود المقسم في القسم فلو لم يشم القسم رائحة المقسم فلا يصح عدّه قسماً منه، فإنّ التشيع بالمعنى الاصطلاحي هو الاعتقاد بأنّ علياً ـ عليه السلام ـ هو المنصوب للقيادة بعد رحيل الرسول الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _، ومعنى ذلك لزوم متابعته والاقتفاء بأثره، وأنّه الرجل الاَمثل والاَفضل بعد رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، فإذا كان الرجل مبغضاً________________________________________
(1) البغدادي: الفرق بين الفرق: 54، والاِسفرائيني، التبصير: 35، تحقيق كمال يوسف الحوت.
________________________________________
(48)
ومكفّراً لعلي وإن كان مكفّراً لسائر الخلفاء، فهل يصح عدّه من الشيعة وعدّ مذهبه فرقة من فرق الشيعة الاِمامية؟!.لا أدري ولا المنجم يدري ولا القراء يدرون !!
على أنّ الرجعة ليست بمعنى رجوع جميع الناس إلى الدنيا المستلزم لاِنكار البعث، بل المقصود رجوع عدد قليل من الصلحاء والطواغيت عند ظهور المهدي _ عليه السلام _ ولعل عددهم لا يتجاوز عدد الاَصابع، وقد أوضحنا معناها في الجزء السادس من هذه الموسوعة (1).
ومنهم المحمدية:
هوَلاء ينتظرون محمد (النفس الزكية) بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولا يصدّقون بقتله ولا بموته، ويزعمون أنّه في جبل حاجز من ناحية نجد إلى أن يوَمل بالخروج، وكان المغيرة بن سعيد العجلي مع ضلالاته في التشبيه يقول لاَصحابه: إنّ المهدي المنتظر، محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ابن علي، ويستدل على ذلك بأنّ اسمه كاسم رسول اللّه واسم أبيه عبد اللّه كاسم أبي رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وقال في الحديث عن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قوله في المهدي: «إنّ اسمه يوافق اسمي، واسم أبيه اسم أبي» فلما أظهر محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي دعوته بالمدينة واستولى على مكة والمدينة، واستولى أخوه إبراهيم بن عبد اللّه على البصرة، واستولى أخوهما الثالث ـ وهو إدريس بن عبد اللّه ـ على بلاد المغرب، وكان ذلك في زمان الخليفة أبي جعفر المنصور فبعث المنصور إلى حرب «محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن» بعيسى بن موسى في جيش كثيف قاتلوا محمّداً بالمدينة وقتلوه في المعركة، ثم أنفذ بعيسى بن موسى أيضاً إلى حرب «إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي» مع جنده، فقتلواإبراهيم بباب
________________________________________
(1) السبحاني: موسوعة بحوث في الملل والنحل: 6|363.
________________________________________
(49)
حمرين على الستة عشر فرسخاً من الكوفة، ومات في تلك الفتنة إدريس بن عبد اللّه بن الحسن بأرض المغرب، وقيل: إنّه سُمَّ بها، ومات عبد اللّه بن الحسن بن الحسن والد أُولئك الاِخوة الثلاثة في سجن المنصور، وقبره بالقادسية، وهو مشهد معروف يزار (1).يلاحظ عليه: من سبر تاريخ العلويين يذعن بأنّه كانت في عصر الاِمام الصادق _ عليه السلام _ وأيام إمامته (114 ـ 148هـ) فكرتان تسودهم، فمن معتقد بأن طريق إنقاذ الاَُمة الاِسلامية من أيدي الاَمويين ثم العباسيين يكمن في الكفاح المسلّح، إلى آخر بأنّ الظروف لاتسمح للكفاح المسلح وإنّما الواجب توعية الناس وتثقيفهم وتعليمهم وإعدادهم إلى الظرف المناسب.
وقد سلك زيد الثائر الدرب وفق المعتقد الاَوّل، وأعقبه أبناوَه:يحيى بن زيد وعيسى بن زيد، ثم الحسنيون عامة، ولذلك قام محمد بن إبراهيم بن الحسن المثنى بطرق هذا الباب وأثار ثورة مع إخوته كما عرفت، ولم يكن له ولا لاِخوته أو غيره أي دعوة إلى شخصهم وإنّما فرضوا على أنفسهم إزالة الحكومة الجائرة ثم تفويض الاَمر إلى الاَليق والاَمثل من أئمة أهل البيت _ عليهم السلام _ ،وعلى ضوء ذلك فلا يصح لنا عد ثائر على الظلم موَسساً لمذهب ومكوناً لفرقة، وأمّا أنّ أمثال المغيرة بن سعيد من رجال العبث والفساد الذين استبطلوه بتعريفهم إيّاه للملاَ على أنّه المهدي المنتظر فلا يمت إلى الثائر بصلة، وقد تقدّم أنّ أئمة أهل البيت تبرّأوا من ابن سعيد وأذنابه عملاء الفسق والفساد.
ومنهم: الباقرية والجعفرية:
إنّ الاِمامية عن بكرة أبيهم يعتقدون بأنّ الاَئمة اثنا عشر خلفاء اللّه بعد وفاة
________________________________________
(1) البغداي: الفـرق بين الفـرق: 57 ـ 58، وقد بسط الكلام في هذه الفرقة الاِسفرائيني في التبصير: 35 ـ 36.
________________________________________
(50)
الرسول الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وقد ذكر الرسول الاَكرم أسماءهم لخُلَّص أصحابه، منهم جابر بن عبد اللّه الاَنصاري وغيره (1)وقد تضافر عن الرسول حسب ما رواه أحمد في صحيحه أنّه يملك هذه الاَُمّة اثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل (2)وروى البخاري عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يقول: «يكون اثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: «كلّهم من قريش» (3)وروى مسلم عنه أيضاً يقول: سمعتُ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يقول: «لا يزال الاِسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لاَبي: ماقال؟ فقال: كلّهم من قريش(4).إلى غير ذلك من الروايات الناصة على أنّ خلفاء الرسول اثنا عشر خليفة، وقد ذكرنا متون الروايات في الجزء السادس من هذه الموسوعة (5).
وقد اتفقت الاِمامية على أنّ محمداً الباقر وجعفراً الصادق _ عليهما السلام _ من الاَئمة الاثني عشر بلا ريب أو شك، كما اتفقت الاَُمّة على فضلهما وجلالتهما بلا ريب أو شك.
قال ابن خلّكان: أبو جعفر محمد بن زين العابدين الملقب بـ «الباقر» أحد الاَئمة الاثني عشر في اعتقاد الاِمامية، وهو والد جعفر الصادق، كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً، وإنّما قيل له الباقر، لاَنّه تبقّر في العلم، أي توسّع، وفيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لاَهل التقى * وخير من لبّى على الاَجْبُلِ (6)
________________________________________(1) الحويزي: نور الثقلين: 1|414، في تفسير قوله تعالى: (أطيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرسولَ) (النساء ـ 59).
(2) أحمد بن حنبل، المسند: 1|398.
(3) البخاري: الصحيح: 9|101، كتاب الاَحكام الباب51 (باب الاستخلاف)
(4) مسلم: الصحيح: 6|3.
(5) السبحاني: بحوث في الملل والنحل: 6|58 ـ 62.
(6) ابن خلّكان: وفيات الاَعيان: 4|174.
________________________________________
(51)
وهذا هو الشهرستاني يعرف الاِمام جعفر الصادق _ عليه السلام _ بقوله: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة(1).نعم كان الاعتقاد بظهور المهدي أمراً مسلماً بين المسلمين عامّة والشيعة خاصة، وربما تطرأ الشبهة للعوام في حقّ بعض الاَئمة، وقد نقل البغدادي أنّ من بين الشيعة من يقول: إنّ الاِمام الباقر هو المهدي المنتظر، ويستدل بما روي عن النبي أنّه قال لجابر بن عبد اللّه الاَنصاري: «إنّك تلقاه فاقرئه مني السلام» وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وكان قد عمي في آخر عمره، وكان يمشي في المدينة ويقول: ياباقر، ياباقر، متى ألقاك؟ فمرّ يوماً في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبياً كان في حجرها، فقال لها: من هذا؟ فقالت: هذا محمد ابن علي بن الحسين بن علي، فضمه إلى صدره وقبّل رأسه ويديه ثم قال: يابني، جدّك رسول اللّه يقرئك السلام. ثم قال جابر: قد نعيت إلي نفسي، فمات في تلك الليلة(2).
وتبعه الاِسفرائيني في «التبصير»، ونسبا إلى بعض الشيعة أنّهم اعتقدوا بأنّ المهدي المنتظر هو أبو جعفر الباقر _ عليه السلام _ وليس في كتب الشيعة من هذه الفرقة من أثر، ولعله كانت هنا شبهة لبعض الناس فماتت الشبهة بموتهم.
ومنهم: الناووسية:
قال الاَشعري: وهوَلاء يسوقون الاِمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي، وأنّ
________________________________________
(1) الشهرستاني: الملل والنحل: 1|166.
(2) البغدادي: الفرق بين الفرق: 60.
________________________________________
(52)
أبا جعفر نصّ على إمامة جعفر بن محمد، وأنّ جعفر بن محمّد حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره، وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمّى الناووسية، لقبوا برئيس لهم يقال له: «عجلان بن ناووس» من أهل البصرة (1).وفي الحور العين:إنّهم أتباع رجل يقال له «ناووس» وقيل: نسبوا إلى قرية ناووس (2) .
إذا تردّد أمر موَسس المذهب من أنّه هو «ناووس» أو ابنه عجلان، أو شخص ثالث منسوب إلى «ناووس» يكون أولى بأن يشك الاِنسان في أصله وغاية ما يمكن أن يقال طروء شبهة لشخص أو شخصين في أمر المهدي فزعموا أنّه الاِمام الصادق _ عليه السلام _ لكن ماتت الشبهة بموت أصحابها ولايعد مثل ذلك فرقة، غير أنّ حبّ أصحاب المقالات لتكثير فرق الشيعة أوّلاً، وفرق المسلمين ثانياً لتجسيد حديث افتراق الاَُمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة، جرّهم إلى عدّ هوَلاء فرقة.
والحاصل : بما أنّه لم يذكر لهم دور في الحياة، ولا حركة في المجتمع، يظن أنّه حصلت شبهة في مسألة المهدي، فزعم الرجل أنّه الاِمام الصادق وتبعه واحد أو اثنان، ثم ماتت الفرقة بموت المشتبه فلا يعد مثل ذلك فرقة.
نحن نطلق الفرقة على جماعة لهم منهج في العقيدة أو مذهب في الفقه أو لهم دعايات وبلاغات وحركات في المجتمع.
إلى هنا لم نجد للشيعة الاِمامية فرقة صحيحة قابلة للذكر فهي بين خارجة عن الدين من رأس كالغلاة، ومغمورة في أطباق الاِبهام كالكيسانية، أو طارئة عليها الشبهة ولم يكتب لها البقاء إلاّ أياماً قلائل، والمظنون أنّ الشيعة الاِمامية إلى عصر الاِمام الصادق _ عليه السلام _ كانوا متماسكين غير منفصلين.
________________________________________
(1) الاَشعري: مقالات الاِسلاميين: 25.
(2) الحاكم الجشمي: الحور العين: 162.
________________________________________
(53)
قال الشهرستاني: إنّ الاِمامية متفقون في الاِمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق _ عليه السلام _، ومختلفون في المنصوص عليه من أولاده، إذ كانت له خمسة أولاد، وقيل ستة: محمد وإسحاق وعبد اللّه وموسى وإسماعيل (1).
________________________________________
(1) الشهرستاني: الملل والنحل: 1|167.
(1) الشهرستاني: الملل والنحل: 1|167.
التعلیقات