البدعة في الدين وما هو حدها؟
شبهات وردود
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 91 ـ 93
________________________________________(91)
البدعة في الدين وما هو حدها؟«البدعة» هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، ولا شك أنّ البدعة محرّمة بنص الكتاب العزيز، قال سبحانه: (اللّهُ أذِنَ لَكُمْ أم عَلى اللّهِ تَفْتَرُونَ)(1) دلّت الآية على أنّ كل ما ينسب إلى اللّه سبحانه بلا إذن منه فهو أمر محرّم، ومن أدخل في الدين ما ليس منه فقد افترى على اللّه، ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يعد من افترى على اللّه أظلم الناس; قال سبحانه: (فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أو كَذَّبَ بآياتِهِ إنّه لا يُفْلِحُ الُْمجْرِمُونَ)(2) .
نرى أنّه لما اقترح المشركون على النبي أن يأتي بقرآن غير هذا أو يبدله إلى الآخر، تحاشى عن ذلك وقال: (قُلْ مَا يَكُونُ لي أنْ أُبَدِّلَهُ مَنْ تَلْقَاءِ نَفْسي إنْ أتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحى إِلَىَّ إنّي أخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذابَ يَوم عَظيم )(3) .
فالمبدع في الشريعة، مبدل لها، وسوف يحيق به عذاب أليم .
هل التقاليد والآداب من البدع؟
قد تعرّفت أنّ مقوّم البدعة هو أن يقوم الإنسان بفعل ما، باسم الدين والشريعة، وباعتقاد أنّه جزء منها، وأمّا إذا قام بأمر مباح في حد نفسه، ومن
________________________________________
1. سورة يونس: الآية 59 .
2. سورة يونس: الآية 17 .
3. سورة يونس: الآية 15 .
________________________________________
(92)
دون أن ينطبق عليه أحد العناوين المحرمة كشرب الخمر واقتراف الميسر، لا بما انّه من الدين، بل بما أنّه من العادات والتقاليد المتعارفة في حياة الشعب، من دون أن يمت إلى الدين بصلة، مثلا إذا احتفل شعب بيوم استقلالهم، وخروجهم عن ذل الاستعباد، أو إذا احتفلوا في أول الربيع بما أنه أول السنة، وترددوا في أندية الأحبّة والإخوان، فلا يكون ذلك بدعة، وذلك لأنّ المحتفلين لا يقومون به بما أنه من الدين، وأنّ الشارع أمر بذلك، وإنّما يقومون به باسم التقاليد والعادات الّتي جرت عليها الآباء والأجداد، أو ابتكرها الجيل الحاضر تشييداً لعزائم الشعب، في طريق حفظ استقلالهم، والخروج عن سيطرة القوى الكبرى عليهم، مع كون العمل غير محرم في ذاته، بل هو اجتماع وإنشاد قصائد، وإلقاء خطب وشرب شاي، ولقاء إخوان، إلى غير ذلك .لقد مرّت على الشعب الجزائري أعوام عديدة كان يسيطر عليهم فيها الإستعمار الفرنسي، ينهب أموالهم وثرواتهم الطائلة، ويدمر ثقافتهم الإسلامية وهو يتهم الدينية، ثم إنّ اللّه سبحانه منحهم ـ في ظل عزائمهم القوية واستعدادهم لبذل النفس والنفيس في سبيل هدفهم المنشود ـ الإستقلال والحرية، والرجوع إلى هويتهم الإسلامية، فلو عزم هذا الشعب على أن يقيم في ذلك اليوم في كل سنة احتفالا عظيماً غير مقترن باقتراف المنكرات وارتكاب المعاصي، لا يلامون ولا يذمّون على فعلهم هذا، بل يمدحهم العقلاء بفطرتهم السليمة، ولا يدور في خلد أحد أنّهم ارتكبوا بدعة في الدين، وذلك لأنّهم لم يقوموا بما قاموا به، باسم الدين والشريعة، وأنّ النبي أمر بذلك، بل قاموا بذلك باسم حفظ المصالح الشعبية وتشييد عزائمهم الّذي هو في حد ذاته حلال بلا ريب: فمن حكم بحرمة هذه التقاليد والآداب و الرسوم، سواء أكانت لها جذور في الأعوام السابقة أم كانت من محدثات العصر، فقد ارتكب الخطأ في تحديد البدعة، ولم يميّزها عن غيرها من المراسم والآداب .
ولو صحّ تقسيم البدعة إلى الحسنة والسيئة، فإنما يصحّ في هذا القسم، أي التقاليد والآداب العرفية، فقد يتصف بالحسن وأُخرى بالقبح، وأمّا
________________________________________
(93)
البدعة بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين فهو قبيح مطلقاً، لا ينقسم وليس له إلاّ قسم واحد، وهو أنّه قبيح محرّم على الإطلاق .هذا ابن تيمية باذر هذه البذور الخبيثة والشكوك الساقطة يصرح بأنّ الأصل في العادات هو الحلية، إلاّ ما حظره اللّه، قال: «فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلاّ ما شرعه اللّه، والأصل في العادات لا يحظر منها إلاّ ما حظره اللّه»(1) .
وبذلك يعلم أنّ تضييق الأمر والتقاليد الّتي لم يرد فيها حظر من الشرع، لا يصدر إلاّ من الجاهل، فإنّ الشريعة الإسلامية سمحة سهلة(2) لم تتدخل في عادات الناس وتقاليدهم، بل خوّلتها إلى أنفسهم حتّى يختار كل شعب ما يناسب بيئته و ظروفه وملابساته، وهذا هو الأساس، لكون الإسلام خاتم الشرائع، وكتابه خاتم الكتب، ونبيّه خاتم الأنبياء ولو كان محدداً للتقاليد والآداب، والرسوم والمراسم لوقع التصادم بينه وبين حياة الشعوب وحضاراتها المتكاملة مع مر الحقب والأزمان .
________________________________________
1. المجموع من فتاوى ابن تيمية، ج 14 ص 196 .
2. صحيح البخاري ج 1 كتاب الإيمان باب «الدين يسر» ص 12 روي عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : «أحب الدين إلى اللّه الحنيفية السمحة» .
التعلیقات