ابن تيمية وتكريم مواليد أولياء اللّه ووفياتهم
مواليد أولياء اللّه ووفياتهم
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 318 ـ 320
________________________________________(318)
إنّ من المنكرات والبدع عند ابن تيمية وابن عبدالوهاب هو تكريم مولد النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ بالاحتفال وقراءة القرآن و إنشاد القصائد والأشعار، والإحسان إلى المؤمنين بالإطعام، إلى غير ذلك مما يعد مجلي لحب النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وتكريمه ورفعه، كما رفعه اللّه سبحانه وقال: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَك)(1) .(12)
ابن تيمية وتكريم مواليد أولياء اللّه ووفياتهموقد عرفت في ترجمة ابن تيمية أنّ مسلكه يشتمل على أبعاد أربعة، وأحد الأبعاد هو الحط من كرامة النبي وعظمته الّتي جاءت في الكتاب والسنة، فجاء يحقق بغيته بتحريم الاحتفال بالمواليد والتأبين في الوفيات، مع أنه لا يشك ذو مسكة أنّه ليس عبادة للنبي، لما عرفت من أنّ العنصر المقوم للعبادة هو الاعتقاد بألوهية المعبود أو ربوبيته أو كونه مفوضاً إليه فعل الرب، وليس في الاحتفال شيء من ذلك .
وكما أنه ليس عبادة، ليس بدعة، لأنه تجسيد للأصل الوارد في الذكر الحكيم، وهو حب النبي ومودته على وجه يكون النبي مقدماً على الإنسان ونفسه ونفيسه، وقد قام به السلف طيلة قرون، وإجماع العلماء في عصر حجة، فكيف في قرون، ومع ذلك فابن تيمية يظهر ما يضمره عن طريق تحريم هذه الاحتفالات ويقول:
________________________________________
1. سورة الانشراح: الآية 4 .
________________________________________
(319)
إنّ اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً، حتّى يحدث فيه أعمالا، إذا الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الإتباع لا الإبتداع، وللنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ خطب وعهود، ووقائع في ايام متعددة، يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً، وإنما يفعل مثل هذا، النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى ـ عليه السَّلام ـ أعياداً، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه اللّه أتبع، وإلاّ لم يحدث في الدين ما ليس منه .وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا مضاهاةً للنصارى في ميلاد المسيح ـ عليه السَّلام ـ ، وإمّا محبة للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وتعظيماً له، واللّه قد يثيبهم على هذه المحبة، والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإنّ هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف ـ رضي اللّه عنهم ـ أحق به منّا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وتعظيماً له منّا، وهم على الخير أحرص(1) .
إنّ هذه البذرة الّتي بذرها ابن تيمية استغلّها تلميذه ابن القيم وبعده الوهابية، وإليك بعض نصوصهم:
قال ابن القيم: «نهى رسول اللّه عن اتّخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج، واشتد نهيه في ذلك حتّى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أن يتخذوا عيداً»(2) .
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
«وقد أحدث هؤلاء المشركون أعياداً عند القبور الّتي تعبد من دون اللّه، ويسمونها عيداً كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لما يوجد فيها
________________________________________
1. اقتضاء الصراط المستقيم: ص 293 - 294 .
2. زاد المعاد في هدى خير العباد: ج 1 ص 179 .
________________________________________
(320)
من الشرك والمعاصي العظيمة»(1) .وقال محمد حامد الفقي: «والمواليد والذكريات الّتي ملأت البلاد باسم الأولياء، هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم»(2).
وقد استدلوا بما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا علىَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنت»(3) .
وملاحظة هذه الكلمات تفيد أنهم يستدلون على التحريم بأُمور:
الأول: إِنَّها عبادة للأولياء وأصحاب الذكريات .
الثاني: إِنَّها بدعة، وإِنَّها مما لم يشرعه الشارع الشريف .
الثالث: لو كان هذا خيراً لأقامه السلف .
الرابع: الاستدلال برواية أبي هريرة من النهي عن اتخاذ قبر النبي عيداً .
هذه هي الوجوه المهمة الّتي يستدل بها ابن تيمية وأتباعه على تحريم تكريم المواليد، ونحن ندرس كل واحد من هذه الأدلة واحداً بعد آخر :
أ ـ هل الاحتفال بالمواليد شرك؟
قد عرفت أنّ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية أفتى بكونه شركاً، وقال: هو نوع من العبادة للأولياء وتعظيمهم.
ولكنّه كعامة الوهابيين لم يفرّق بين التكريم والعبادة، ولذلك عطف التعظيم على العبادة، وهذا هو الداء العياء في دعاية الوهابيين وكتبهم وخطبهم، وأرخص شيء عندهم هو الشرك في العبادة، فلا تميل يميناً ولا يساراً
________________________________________
1. قرة العيون، كما في فتح المجيد: ص 154 .
2. تعليق فتح المجيد: ص 154 .
3. مسند أحمد: ج 3 ص 248 .
التعلیقات