هل هناك إجماع على التحريم؟
البناء على القبور
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 179 ـ 181
________________________________________(179)
هل هناك إجماع على التحريم؟إنّ للإجماع الوارد في كلامه احتمالات:
1- الإجماع التقديري، بحجة وجود الحديث الصحيح في الصحاح، بمعنى أنه لو وقف العلماء عليه لأفتوا بمضمونه كما أفتى به المجيب، ولا يخفى أنه غير مفيد، إذ هو فرع كون الحديث صحيحاً سنداً وكاملا من حيث الدلالة على مقصوده عند غيرهم، وكلا الأمرين غير ثابت، بل ثبت خلافهما كما سيوافيك بيانه .
2- الإجماع المحقق، وأنّ العلماء أفتوا في كتبهم بالتحريم حدوثاً وبقاءً، وهذا خلاف نصوصهم; ونكتفي بالنص الوارد في الفقه على المذاهب الأربعة الّذي اتفق عليه علماء أهل السنة في العصر الحاضر، حيث قالوا بكلمة واحدة:
________________________________________
(180)
«يكره أن يبنى القبر ببيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد»(1) :وهذا شارح صحيح مسلم يقول في شرح حديث أبي الهياج: أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، نص عليه الشافعي والأصحاب(2) .
وتحريم البناء ـ عندئذ ـ لأجل عنوان عرضي لا ذاتي، وهو المزاحمة لأهداف الواقف وأغراضه .
3- سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي الأكرم إلى يومنا هذا، سوى الوهابيين .
أما سيرة المسلمين فحدّث عنها ولا حرج، فقد دفن النبي الأكرم في بيته الرفيع، ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وأنه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عنه نهياً شديداً، ولما كان البيت متعلّقاً بزوجته (عائشة) جعلوا في وسطه ساتراً، ولما توفي الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ تبرّكاً بذاته ومكانه، ولم تسمع من أيّ ابن أُنثى نعيرة أنّه حرام ولا مكروه، وعلى ذلك استمرت سيرة المسلمين في حق الصلحاء والأولياء والعلماء، يدفنونهم في البيوت المعدة لذلك، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفاً بعد الدفن تكريماً لهم وتقديراً لتضحياتهم، ولم يخطر ببال أحد أنه على خلاف الدين والشرع .
وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار، ملء المسامع والأبصار على اختلاف نزعاتهم، من بدء الإسلام إلى هذا العصر من الشيعة والسنة، وأىّ بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو العراق أو الحجاز أو سوريا، وتونس ومراكش وإيران، وهلمٌ جرّاً ليس فيها قبور مشيدة، وضرائح منجدة وهؤلاء أئمة المذاهب: الشافعي في مصر، وأبو حنيفة في بغداد، ومالك بالمدينة، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب،
________________________________________
1. الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 421 .
2. صحيح مسلم بشرح النووي ج 7 كتاب الجنائز طبع مصر .
________________________________________
(181)
شامخة المباني غير أنّ الوهابيين لما استولوا على المدينة هدموا قبر مالك. وهذه القبور قد شيدت وبنيت في الأزمنة الّتي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتاوى، وزعماء المذهب، فما أنكر منهم ناكر، وليس هذا رائجاً بين المسلمين فقط، بل جرى على هذا جميع عقلاء العالم، بل يعد تعمير قبور الشخصيات من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة وشارة الرقي، فكل هذا دليل على الجواز لو لم نقل يفوق ذلك، ولو لم تكن تلك السيرة المسلمة بين المسلمين والعقلاء عامة غير مفيدة في المقام، فلا يصحّ الاستناد إلى أية سيرة قاطعة بين المسلمين أو الناس .وليس يصحّ في الأذهان شيء * إذا احتاج النهار إلى دليل
التعلیقات