سيف الدين الآمدي
علماءالأشاعرة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 353 ـ 357
________________________________________(353)
(7)سيف الدين الآمدي(556ـ621هـ)
أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، الفقيه الأُصولي الملقب بـ«سيف الدين الآمدي» كان حنبلي المذهب، وانحدر إلى بغداد وقرأ بها على أبي الفتح نصر بن فتيان الحنبلي، ثمّ انتقل إلى مذهب الشافعي، ولما بلغ الدرجة الممتازة انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول، وحفظ منه الكثير وتمهر فيه، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم، ثمّ انتقل إلى الديار المصرية، ثمّ حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصّبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة، وانحلال الطوية والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء، وكتبوا محضراً يتضمن ذلك ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم، وهذه شنشنة يعرفها التاريخ من الذين أعدموا العقل وصلبوه وشوهوا صورة الشريعة، واعتمدوا في كلّ شيء حتى فيما يجب ثبوته قبل ثبوت الشرع، على الحديث، ورأوا الاشتغال بالعلوم العقلية كفراً وزندقة فابتلي الآمدي(1) بهؤلاء المتزمّتين،وقبله الشهرستاني كما عرفت ذلك في ترجمته.
ينقل ابن خلّكان أنّ رجلاً منهم لمّا رأى التحامل وإفراط التعصب على الآمدي كتب في المحضر الذي أعدّوه للسعاية عليه:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه * فالقـوم أعـداء لــه و خصـوم
والله أعلم وكتب: فلان بن فلان.ولعل الحسد ـ في جميع العصور التي قام فيها هؤلاء بقمع أهل الفكر والعقل وطردهم عن الساحة الإسلامية ـ كان أحد العوامل الباعثة على التكفير والتفسيق،والقتل والصلب، وكان هناك عامل آخر أشد تأثيراً في هذه المجالات، وهو سوء الوعي وقلّة العمق في المخالفين، إذ لم يعرفوا أنّ الإسلام
________________________________________
1. الآمدي: منسوب إلى آمد وهي مدينة في ديار بكر.
________________________________________
(354)
يحارب الجمود والتقليد، ويتآخى فيه العقل والشرع،وتتحد فيه نتيجة البرهنة والتعبد.ومن جراء هذه القلاقل لم يجد الآمدي بدّاً من مغادرة مصر إلى دمشق،وعُيّنَ مدرساً بالمدرسة العزيزية، ثمّ عزل عنها لبعض التهم الفكرية، وأقام بطّالاً في بيته. وتوفي على تلك الحال سنة 581 ودفن بسفح جبل قاسيون.(1)
ويشهد لما ذكرنا من السبب ما نقله الذهبي عن سبط ابن الجوزي في حقّه: لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام، وكان أولاد «العادل» كلّهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق، وكان يدخل على «المعظم» فلا يتحرك له، فقلت: قم له عوضاً عني. فقال: ما يقبله قلبي. ومع ذا ولاّه تدريس العزيزية. فلمّا مات «العادل» أخرج «الأشرف» سيف الدين ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير والفقه أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته. فأقام السيف خاملاً في بيته إلى أن مات ودفن بقاسيون.
ولم يكن عمل «العادل» ولا «الشريف» نسيج وحدهماـ بل لم يزل أهل التعقّل والتفكّر الذين كانوا صفاً كالبنيان المرصوص مقابل الملاحدة والزنادقة ـ مضطهدين مقهورين بيد الحنابلة والمتسمين بأهل الحديث، و قد بلغ السيل الزبى في العصور السابقة على عصر الآمدي عندما تدخل الخليفة «القادر بالله» العباسي في اختلاف المعتزلة مع الحنابلة وأهل الحديث، وأصدر كتاباً ضد المعتزلة يأمرهم بترك الكلام والتدريس والمناظرة، وأنذرهم ـ إن خالفوا أمره ـ بحلول النكاية والعقوبة عليهم. وقد سلك السلطان «محمود» في غزنة مسلك الخليفة في بغداد، فصلب المخالفين ونفاهم وأمر بلعنهم،وقد اتخذ ذلك سنّة في الإسلام.(2)
ففي الحقيقة ما صلبوا المعتزلة، بل صلبوا العقل وأعدموه، وأبعدوا الدين المبنية أُصوله على الأسس العقلية عن أساسه.
________________________________________
1. وفيات الأعيان:3/293ـ 294برقم 432. 2. البداية والنهاية: 12/6ـ7.
________________________________________
(355)
ولم يقتصروا في النكاية على المعتزلة، بل عمّ التعذيب المفكّرين من الأشاعرة، الذين كان منهجهم منزلة بين المنزلتين بين الحنابلة والمعتزلة.والعجب من الذهبي أنّه كيف يصور شخصية علمية مثل السيف بأنّه كان تارك الصلاة.
قال: كان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر قال: كنا نتردّد إلى السيف. فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام فعلّمنا على رجله بالحبر. فبقيت العلامة يومين مكانها، فعلمنا أنّه ما توضّأ، نسأل الله السلامة في الدين.
أفي ميزان النصفة والعدل، القضاء بهذه الظنون واستباحة النفوس والأموال بها، بعد إمكان أنّه تيمّم مكان الوضوء،وصلى لعذر شرعي بالطهارة الترابية مكان الطهارة المائية وبقي الحبر في محله.
هلم معي إلى سفسطة أُخرى ينقلها الذهبي من شيخه ابن تيمية: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف، حتى أنّه أورد على نفسه سؤالاً في تسلسل العلل، وزعم أنّه لا يعرف عنه جواباً، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع ولا حدوث العالم، ولا وحدانية الله، ولا النبوات، ولا شيئاً من الأُصول الكبار.
وما ذكره فرية محضة على السيف، ونحن نعرض فهرس الموضوعات التي أشبع السيف البحث عنها في كتابه «غاية المرام في علم الكلام» حتى نعرف مدى صدق قوله، فقد جاء فيها:
القانون الأوّل: في إثبات الواجب بذاته.
القانون الثالث: في وحدانية الباري تعالى.
(ج) القاعدة الثالثة: في حدوث المخلوقات وقطع تسلسل الكائنات.
(1) الطرف الثاني: في إثبات الحدوث بعد العدم.
القانون السابع في النبوات، والأفعال الخارقة للعادات.
________________________________________
(356)
(1) الطرف الأوّل: في بيان جوازها بالعقل.(1)إنّ تعطيل العقول من المعارف العقلية ليس بأقل خطراً من تعطيل ذاته سبحانه وتعالى عن الاتّصاف بالصفات الخبرية، الذي صار حجّة لدى الحنابلة على تكفير أو تفسيق المعطّلين كيف،وهو سبحانه يقول:(وَيَتفَكّرونَ في خَلْقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(2)، ويقول تعالى: (وَفي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)(3)، وقوله تعالى:(إِنَّ في ذلكَ لآيات )لِقَوم يَتَفَكَّرُونَ) .(4)
إلى غير ذلك من الآيات الداعية إلى التفكّر في الصنع والكون والنفس، ولم تكن الغاية من تأسيس علم الكلام إلاّ إقامة الحجة على العقائد الإيمانية، بالأدلّة العقلية والرد على المبتدعة.
إنّ احتكاك الثقافة الإسلامية مع ثقافات سائر الأُمم أوجد موجة من الاضطراب الفكري والصراع العقيدي بين المسلمين،وكانت الوسيلة المنحصرة لحماية العقيدة الإسلامية ومحاربة الفرق والمذاهب الإلحادية، تأسيس علم كامل لإثبات ما يعتنقه المسلمون بالأدلّة العقلية، وكان تأسيسه وليد الحاجة والضرورة، فلا عتب على قائل يصفه بصخرة النجاة وسلم السلام والأمان.
مؤلّفاته
إنّ ما وصل إلينا من تآليفه كلّها يتسم بالطابع العقلي، إمّا عقلية صرفة، أو مزيجاً من العقل والنقل، فمن مؤلّفاته في أُصول الفقه:
1. «الإحكام في أُصول الأحكام»، طبع كراراً وأخيراً بتحقيق السيد الجميلي في أربعة أجزاء في مجلدين، نشر دار الكتاب العربي1404هـ، وهو أبسط
________________________________________
1. لاحظ: 395ـ 396 من غاية المرام. 2. آل عمران:191. 3. الذاريات:21. 4. الرعد:3.
________________________________________
(357)
كتاب في أُصول الفقه، نظير الذريعة للسيد المرتضى بين الشيعة في القرن الخامس.2. «منتهى السؤول في علم الأُصول»، طبع بمصر، وكان مقرراً للدراسة في الأزهر في الثلاثينات من هذا القرن.
3. «غاية المرام في علم الكلام» ضمن فيه كتابه الآخر المسمّى بأبكار الأفكار.(1)
نعم يؤخذ عليه أنّه يصف المعتزلة في المقدمة بالإلحاد، ويقول واصفاً لكتابه: «كاشفاً لظلمات تهويلات الملحدين كالمعتزلة وغيرهم من طوائف الإلهيين»(2). كما يؤخذ عليه قصوره في عرض عقائد الشيعة، وكأنّه لم يقف على كتاب لهم، ونقل ما نقل عنهم عن كتب خصومهم.
ومن عجيب الكلام استدلاله على عدم اشتراط العصمة في الإمام بالاتّفاق على عقد الإمامة للخلفاء الراشدين، واعترافهم بأنّهم ليسوا بمعصومين.(3).
فلا أُعلّق عليه بكلمة إلاّ قولنا«يا للعجب ما أتقنه من برهنة»!!
وفي آخر الكتاب «كان الفراغ من نسخة في الخامس عشر من شهر رجب سنة ثلاث وستمائة وذلك بثغر الاسكندرية بالمدرسة العادلية».(4)
وقد طبع الكتاب بتحقيق حسن محمود عبد اللطيف، وقام بتحقيقه باعتباره جزءاً من رسالته للحصول على درجة «الماجستير» في الفلسفة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
________________________________________
1. غاية المرام: 5 من المطبوع. 2. غاية المرام: 5 من المقدمة. 3. غاية المرام: 384ـ 385. 4. غاية المرام: 392.
التعلیقات