عقيدة المرجـئة
عقائد المرجئة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 81 ـ 84
________________________________________(81)
عقيدة المرجـئة:
لا تجد للمرجئة رأياً خاصّاً في أبواب المعارف والعقائد سوى باب الايمان والكفر، فكلامهم يدور حول هذين الموضوعين وأُسّ نظريّتهم أنّ الايمان هوالتصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، أو ما يقرب من ذلك، فأخرجوا العمل من حقيقة الايمان، واكتفوا بالتصديق القلبي ونحوه ويترتّب على ذلك الأصل اُمور:عقيدة المرجـئة:
1ـ إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنّ أمر التصديق دائر بين الوجود والعدم، ومثله تفسير الإيمان بالإقرار باللسان، فهو أيضاً كذلك وليس العمل داخلاً في حقيقته حتّى يقال: إنّ العمل يكثر ويقلّ وسيوافيك نظرنا فيه.
2ـ إنّ مرتكب الكبيرة مؤمن حقيقة، لكفاية التصديق القلبي أو الإقرار باللسان في الإتصاف بالايمان، وهؤلاء في هذه العقيدة يخالفون الخوارج والمعتزلة. أمّا الاُولى:
________________________________________
(82)
فلأنّهم يعدّون العمل عنصراً مؤثراً في الايمان بحيث يكون تارك العمل كافراً، وقد اشتهر عنهم بأنّ مرتكب الكبائر كافر، وليس المؤمن إلاّ من تحرّز من الكبائر.وأماّ الثانية: فلأنهّم يعتقدون أنّ مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. والمعتزلة أخفّ وطأة من الخوارج، وإن كانت الطائفتان مشتركتين في إدخال العمل في حقيقة الايمان.
3ـ إنّ مرتكب الكبيرة لا يخلّد في النار وإن لم يتب، ولا يحكم عليه بالوعيد والعذاب قطعاً لاحتمال شمول عفوه سبحانه له، خلافاً للمعتزلة الّذين يرون أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ العقوبة إذا لم يتب وإنّ من مات بلا توبة يدخل النّار، وقد كتبه الله على نفسه فلا يعفو(1).
هذه عقيدة المرجئة عرضناها على وجه الإجمال. وقد تأثّر أهل السنّة ببعض هذه الفروع كالقول بعدم تخليد عصاة المؤمنين في النار، وجواز تخلّف الوعيد دون الوعد.
وهيهنا سؤال وهو أنّه إذا كانت حقيقة الإرجاء هو الاكتفاء في الحكم بالايمان بالتصديق القلبي، أو الإقرار باللسان، فما هو الوجه في لعنهم والتبرّي منهم، اذ ليست هذه النظرية بمجرّدها سبباً للّعن والتحاشي والتبرّي بهذه الدرجة.
والإجابة عنه: هي إنّ التبرّي منهم ليس لأجل هذه النّظرية، بل لأجل أنهّم جرّدوا الأعمال من الايمان ولم يعتقدوها من الفرائض(2) ولم يتقيّدوا بها في مجال الفعل والترك،ولأجل ذلك أصبح الايمان عندهم يتلخّص في التصديق القلبي،والإقرار اللّفظي.
ولا يخفى أنّ هذه العقيدة خاطئة جدّاً، إذ لو صحّت فعندئذ لا يتجاوز الايمان عن التصديق القلبي أو الإقرار باللسان، فما أسهل الإسلام وأيسره لكلّ من انتسب إليه ولو انتساباً شكليّاً.
________________________________________
1. ذكر الشيخ الأشعري فروعاً آخر لهم في هذا المجال. لاحظ مقالات الإسلاميين ص 126 ـ 147. 2. كنز الفوائد ص 125 ط بيروت.
________________________________________
(83)
قال الصاحب بن عبّاد: ادّعت المرجئة أنّ قاتل النفس بغير الحقّ، وسارق المال، ومخيف السبل ومرتكب الزنا، وشارب الخمر، لايقطع أنّهم من أهل النار، وإن ماتوا مصرّين. وقالت العدليّة: بل هم من أهل النار مخلّدون لا يجدون عنها حولاً، لأنّ الله أخبر ( وَ إِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيم) (الانفطار/14) ولم يخصّ فاجراً عن فاجر، فقال عزّ وجلّ: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيم * وَإِنَّ الفُجّارَ لَفِي جَحِيمٌ ) *يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدّين )* وَ مَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ)) (الانفطار/13 ـ 16) وقال تعالى: (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(النساء/93)فإن قالوا فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذِلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء/48) فالجواب أنّه تعالى قال في هذه الآية: « لمن يشاء» والمشيئة مغيّبة عنّا، إلى أن نعرفها بالأدلّة، وقد بيّن «من يشاء» بقوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (النساء/31) فهو يكفّر الصغائر بتجنّب الكبائر، والكبائر بالتوبة، قال سبحانه : (وَ أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (الزمر/54)(1).
وهنا وجه آخر للعنهم وهو يرجع إلى قولهم بالإرجاء بالمعنى الأوّل أعني التوقّف في أمر الامام عليّ أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وعدم الحكم بشيء فيه من الإيمان وضدّه. وأيّ مصيبة أعظم من التوقّف في ايمان أخي رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وصنوه ووزيره، وهو الصدّيق الأكبر، وأوّل المؤمنين. قال ـ صلوات الله عليه ـ: «ولقد كنت أتّبعه (الرسول) اتّباع الفصيل أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كلّ سنة بـ(حراء)، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّهصلَّى الله عليه و آله و سلَّم وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوّة»(2).
________________________________________
1. الابانة عن مذهب أهل العدل بحجج القرآن والعقل للصاحب (385هـ) ص 23 المطبوع ضمن نفائس المخطوطات. 2. نهج البلاغة: الخطبة القاصعة ج 3 ص 161 ـ 182 بالرقم 187.
________________________________________
(84)
أفي مثله يتوقّف الإنسان المنصف في الحكم بإيمانه؟فإن كنت لاتدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تبيين حقيقة الإيمان وتحديده لغةً وكتاباً وسنّةً.
التعلیقات