الآراء المتضاربة حول الصفات الخبرية
عقائد ابن تيمية
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 119 ـ 121
________________________________________
إنّ للمتكلمين وأهل الحديث في تفسير الصفات الخبرية مذاهب نشير إليها:
1- جريها على اللّه سبحانه كجريها على المخلوقين، وهذا ما يعبّر عنه بالتكييف، وعليه المجسمة وأصحاب الجهة والتشبيه ـ خذلهم اللّه سبحانه ـ وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً، أو جسمانياً جالساً على كرسي جسماني، ناظراً من عرشه إلى تحته كنظر الملك الجبار إلى عبيده وغلمانه .
2- جريها على اللّه سبحانه بنفس المفاهيم اللغوية والمعاني الابتدائية، والمدلولات التصوّرية، بلا تصرف وتعليل وتدخّل فيها، واللّه سبحانه يتّصف بها لكن بلا تكليف، والفرق بين هذا القول و القول الأوّل هوأنّ القول الأوّل يثبت المعاني مع الكيفية، وهذا القول يثبتها بنفس المعاني لكن بلا تكييف، وهذا هو الّذي اختاره ابن تيمية، ويذكر ذلك في رسائله ويقول: «والقول الفاصل هو ما عليه الأُمة الوسط من أنّ اللّه مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله ويختص به، فكما أنّه موصوف بأنّه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنّه سميع بصير، ولا يجوز أن نثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض الّتي لعلم المخلوقين وقدرتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش، ولا نثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق، ولوازمها»(1).
ويقول ايضاً: «ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات اللّه بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، فيعطّلون أسماءه الحسنى يحرّفون الكلم عن مواضعه. أمّا المعطّلون، فإنهم لم يفهموا من أسماء اللّه وصفاته إلاّ ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل، مثلوا أولا وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة باللّه سبحانه»(2) .
________________________________________
1. العقيدة الحموية ص 428 ـ 440 .
2. المصدر نفسه .
________________________________________
وعلى ضوء ذلك فالكل قائلون باستوائه على العرش، لكن الطائفة الأُولى يفسرونه بالجلوس والاستقرار على العرش كاستقرار الإنسان على عرشه، الّذي له قوائم أربع.
والطائفة الثانية يفسرونه بنفس هذه المفاهيم، ولكن يقولون: استقراراً وجلوساً لائقاً بحاله سبحانه، وعرشاً لائقاً بساحته، فهو مستقر وجالس لا كجلوس الإنسان وله عرش لا كعروشه، بل الكل ما يليق بساحته، من غير تكييف ولا تمثيل.
والطائفة الثالثة يفسرونه بالاستيلاء، أخذاً بالقرائن الموجودة في نفس الآيات، وما ورد في كلمات البلغاء والفصحاء في استعمال نظيره في كلماتهم ومحاوراتهم.
4- وهناك طائفة رابعة يقولون بالتفويض، وأنّه ليس لنا تفسير الآية، بل نفوّض معانيها إليه سبحانه.
قال الشهرستاني: «اعلم إِنَّ جماعة كثيرة من السلف، كانوا يثبتون للّه صفات خبرية مثل اليدين والوجه، ولا يؤوّلون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون: إنَّا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله: (الرَّحمن على العرش استوى) ولسنا مكلفين بمعرفة هذه الصفات»(1) .
وقال الرازي: «إنّ هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها شيء غير ظواهرها، كما يجب تفويض معناها إلى اللّه تعالى، ولا يجوز الخوض في تفسيرها»(2) .
________________________________________
1. الملل والنحل ج 1 ص 93 بتلخيص .
2. أساس التقديس ص 223 .
________________________________________
ثم إنّ أصحاب التنابز بالألقاب وصفوا الطائفة الثالثة بالمعطّلة تارة، والمؤوّلة أُخرى، ولكنهم غير معطلة أبدا، لأنهم لم يعطلوا في مقام توصيفه سبحانه شيئاً مما ورد في الكتاب، غير أنهم قاموا بتعيين المراد من هذه الصفات فأجروها عليه، وأمّا المؤولّة، فإنما يصحّ توصيفهم بهذا الوصف إذا أُريد منها المعاني التصورية الابتدائية، وأمّا المعاني التصديقية الّتي تدل عليها القرائن، فلا يؤوّلون شيئاً منها، والملاك في صدق التأويل هو المعاني التصديقية، لا التصورية .
هذه هي الأقوال المعروفة في باب الصفات على وجه الإجمال، هلمّ معي ندرس نظرية ابن تيمية فيها، حتّى يتجلّى الحق بأجلى مظاهره .
________________________________________
1. راجع الجزئين الثاني والثالث .
(119)
الآراء المتضاربة حول الصفات الخبرية إنّ للمتكلمين وأهل الحديث في تفسير الصفات الخبرية مذاهب نشير إليها:
1- جريها على اللّه سبحانه كجريها على المخلوقين، وهذا ما يعبّر عنه بالتكييف، وعليه المجسمة وأصحاب الجهة والتشبيه ـ خذلهم اللّه سبحانه ـ وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً، أو جسمانياً جالساً على كرسي جسماني، ناظراً من عرشه إلى تحته كنظر الملك الجبار إلى عبيده وغلمانه .
2- جريها على اللّه سبحانه بنفس المفاهيم اللغوية والمعاني الابتدائية، والمدلولات التصوّرية، بلا تصرف وتعليل وتدخّل فيها، واللّه سبحانه يتّصف بها لكن بلا تكليف، والفرق بين هذا القول و القول الأوّل هوأنّ القول الأوّل يثبت المعاني مع الكيفية، وهذا القول يثبتها بنفس المعاني لكن بلا تكييف، وهذا هو الّذي اختاره ابن تيمية، ويذكر ذلك في رسائله ويقول: «والقول الفاصل هو ما عليه الأُمة الوسط من أنّ اللّه مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله ويختص به، فكما أنّه موصوف بأنّه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنّه سميع بصير، ولا يجوز أن نثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض الّتي لعلم المخلوقين وقدرتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش، ولا نثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق، ولوازمها»(1).
ويقول ايضاً: «ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات اللّه بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، فيعطّلون أسماءه الحسنى يحرّفون الكلم عن مواضعه. أمّا المعطّلون، فإنهم لم يفهموا من أسماء اللّه وصفاته إلاّ ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل، مثلوا أولا وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة باللّه سبحانه»(2) .
________________________________________
1. العقيدة الحموية ص 428 ـ 440 .
2. المصدر نفسه .
________________________________________
(120)
3- جريها على اللّه سبحانه بمفاهيمها التصديقية، بعد الإمعان في القرائن الموجودة في نفس الآيات والروايات الصحيحة وأمّا غيرهما، فأكثر ما ورد في ذلك من وضع الأحبار والرهبان الذين دسّوا هذه الأحاديث بين المسلمين بخداع خاص .وعلى ضوء ذلك فالكل قائلون باستوائه على العرش، لكن الطائفة الأُولى يفسرونه بالجلوس والاستقرار على العرش كاستقرار الإنسان على عرشه، الّذي له قوائم أربع.
والطائفة الثانية يفسرونه بنفس هذه المفاهيم، ولكن يقولون: استقراراً وجلوساً لائقاً بحاله سبحانه، وعرشاً لائقاً بساحته، فهو مستقر وجالس لا كجلوس الإنسان وله عرش لا كعروشه، بل الكل ما يليق بساحته، من غير تكييف ولا تمثيل.
والطائفة الثالثة يفسرونه بالاستيلاء، أخذاً بالقرائن الموجودة في نفس الآيات، وما ورد في كلمات البلغاء والفصحاء في استعمال نظيره في كلماتهم ومحاوراتهم.
4- وهناك طائفة رابعة يقولون بالتفويض، وأنّه ليس لنا تفسير الآية، بل نفوّض معانيها إليه سبحانه.
قال الشهرستاني: «اعلم إِنَّ جماعة كثيرة من السلف، كانوا يثبتون للّه صفات خبرية مثل اليدين والوجه، ولا يؤوّلون ذلك، إلاّ أنّهم يقولون: إنَّا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله: (الرَّحمن على العرش استوى) ولسنا مكلفين بمعرفة هذه الصفات»(1) .
وقال الرازي: «إنّ هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها شيء غير ظواهرها، كما يجب تفويض معناها إلى اللّه تعالى، ولا يجوز الخوض في تفسيرها»(2) .
________________________________________
1. الملل والنحل ج 1 ص 93 بتلخيص .
2. أساس التقديس ص 223 .
________________________________________
(121)
إلى غير ذلك من الكلمات الّتي نقلناها في هذه الموسوعة(1) .ثم إنّ أصحاب التنابز بالألقاب وصفوا الطائفة الثالثة بالمعطّلة تارة، والمؤوّلة أُخرى، ولكنهم غير معطلة أبدا، لأنهم لم يعطلوا في مقام توصيفه سبحانه شيئاً مما ورد في الكتاب، غير أنهم قاموا بتعيين المراد من هذه الصفات فأجروها عليه، وأمّا المؤولّة، فإنما يصحّ توصيفهم بهذا الوصف إذا أُريد منها المعاني التصورية الابتدائية، وأمّا المعاني التصديقية الّتي تدل عليها القرائن، فلا يؤوّلون شيئاً منها، والملاك في صدق التأويل هو المعاني التصديقية، لا التصورية .
هذه هي الأقوال المعروفة في باب الصفات على وجه الإجمال، هلمّ معي ندرس نظرية ابن تيمية فيها، حتّى يتجلّى الحق بأجلى مظاهره .
________________________________________
1. راجع الجزئين الثاني والثالث .
التعلیقات