ابن تيمية والبناء على القبور
البناء على القبور
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 177 ـ 179
________________________________________(177)
إنّ إبن تيمية هو أول من أفتى بحرمة البناء على القبور، سواء أكان صاحب القبر صالحاً أم طالحاً، وإليك نصه:(4)
ابن تيمية والبناء على القبورقال: وقد اتفق أئمة الإسلام على:
1- أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد الّتي على القبور .
2- ولا يشرع اتخاذها مساجد .
3- ولا تشرع الصلاة عندها .
4- ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة واعتكاف، أو استغاثة وابتهال، ونحو ذلك، وكرهوا الصلاء عندها، ثم كثير منهم قال: الصلاة باطلة لأجل النهي عنها... إلى أن قال: وإنما دين اللّه تعالى تعظيم بيوت اللّه وحده، وهي المساجد التي تشرع فيها الصلاة جماعة وغير جماعة، والاعتكاف وسائر العبادات البدنية والقلبية من القراءة والذكر والدعاء له.. وذكر بعض الآيات الواردة في تعظيم المساجد، وعدّ منها قوله تعالى:
(في بُيُوت أذنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيها اسْمُهُ، يُسَبّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ والآصالِ* رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهم تِجارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإقامِ الصّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيه القُلُوبُ وَ الأبْصَارُ)(1) .
________________________________________
1. سورة النور: الآية 36 ـ 37 وقد أفتى في كلامه هذا بحرمة أمور اربعة، سنبحث عنها واحداً بعد واحد إلاّ مسألة قصد المشاهد، لما استوفينا الكلام فيه عند البحث عن قصد السفر إلى زيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ .
________________________________________
(178)
وأمّا اتّخاذ القبور أوثاناً فهو من دين المشركين(1) .يقول تلميذه ابن القيم: يجب هدم المساجد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً(2) .
وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدسة في البقيع، وبيوت أهل البيت، بعدما رفعوا سؤالا إلى علماء المدينة المنورة، وإليك السؤال والجواب:
السؤال: ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم اللّه فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور، واتخاذها مساجد، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها، ومنع الصلاة عندها أم لا؟.
وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟
الجواب: أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث علىّ (رضي اللّه عنه) أنّه قال لأبي الهياج:
«ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه، أن لا تدع تمثالا إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته»(3) .
والامعان في الاستفتاء يعرب عن أنه لم تكن الغاية منه الوقوف على حكم
________________________________________
1. مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 59 ـ 60 طبع مصر، تحت إشراف السيد محمد رشيد رضا .
2. زاد المعاد في هدى خير العباد، ابن القيم ص 661 .
3. جريدة أم القرى،وقد نشرت نص الإستفتاء وجوابه في العدد الصادر بتاريخ 17 شوال سنة 1344 هـ .
________________________________________
(179)
اللّه، سواء أكان جائزاً أم حراماً، وإنما كانت الغاية هي أخذ الاعتراف منهم على الحظر، ولأجل ذلك أدرج المستفتي الجواب في السؤال وقال: «بل هو ممنوع منهي عنه نهياً شديداً» وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن المستفتي قام على رأس المفتين فأخذ منهم الجواب بالتخويف والتهديد.ثم إنّ المستفتي أي الشيخ النجدي المعروف بسليمان بن بليهد، يقول في مقال نشرته جريدة «أم القرى» في عددها الصادر في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة 1245 هجرية:
«إنّ بناء القباب على مراقد العلماء صار متداولا منذ القرن الخامس الهجري» .
وهذا ما يكرره علماء الوهابية في دعاياتهم، ويضيفون إلى حديث «أبي الهياج» حديث «جابر» عن النبي الّذي سيوايك بيانه ونقده سنداً ومتناً.
ولأجل إيضاح الحال، نحلل ما جاء في الجواب، من الاستدلال بالإجتماع تارة، والحديث ثانياً، فنقول:
التعلیقات