بدء الدعوة نشرها
محمد بن عبد الوهاب
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 338 ـ 342
________________________________________(338)
بدء الدعوة نشرها
شعر محمد بن عبد الوهاب بقوته عن طريق هذا التحالف الجديد، وأن الامارة السعودية اصبحت تناصره وتؤازره، فلأجل ذلك جمع الشيخ أنصاره وأتباعه وحثهم على الجهاد، وكتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته، وتدخل في طاعته، وكان يأخذ ممن يطيعه عشر المواشي والنقود والعروض، ومن أبى غزاه بانصاره، وقتل الأنفس ونهب الأموال، وسبى الذراري، وكان شعارهم: «ادخل في الوهابية وإلاّ فالقتل لك، والترمّل لنسائك، واليتم لأطفالك» هذا هو بالذات مبدأ الوهابية الّذي لا تتنازل عنه لأية مصلحة، ومن أجله تحالف مع ابن معمر في «العيينة»، ثم مع ابن سعود في «الدرعية»، وكان على أتم استعداد أن يتحالف مع أية قوة يستعين بها على ذلك(5) .بدء الدعوة نشرها
________________________________________
5. محمد جواد مغنية: هذه هي الوهابية، ص 114 .
________________________________________
(339)
كان الشيخ يغزو بأنصاره وأتباعه عربان نجد، يسلبونهم مصدر حياتهم، ثم ينتقلون إلى الدرعية بعد أن يتركوا وراءهم أشلاء الضحايا، والخرائب والأرامل والأيتام، ويوزع الشيخ عليه أربعة أخماس الغنائم والأسلاب من المسلمين الآمنين، ويخص الخمس بالخزينة الّتي يشرفون عليها هو و الأمير السعودي .يقول عبداللّه فيلبي في تاريخ نجد: «وقد أدخل الإمام في عقول طلابه مبادىء فريضة الجهاد المقدس، فوجد الكثير منهم في الجهاد أقدس تعاليمه، إذ أنه يتفق مع ما اعتاد عليه العرب - يريد أنّ العرب قد اعتادوا على السلب والنهب ـ ، كما خصص الشيخ خمس الأسلاب لخزينته المركزية الّتي كان الأمير والإمام يتقاضيان منها ما يقوم بأودهما... وهكذا كان سلطان الشيخ في تصرف شؤون البلاد بعد مرور سنة أو سنتين، وقد أصبح شريكاً مؤسساً.
الوهابية أو السيف
ربما يستغرب القارىء عند ما يسمع أنّ الوهابية تحصنت في بدء دعوتها بهذا الشعار، وطبقته في حياتها سنين، ولكنه لعمر اللّه حقيقة لامرية فيها، فقد ارتفع صرح الإمارة السعودية يوم انتشارها إلى العصر الحاضر على هذا الأصل، فإن السعودية آنذاك ويوم تعاهدها مع محمد بن عبدالوهاب تعيش حياة البؤس، ولم يكن ابن سعود متمكناً حتّى من تأمين الأغذية لأعز تلاميذ محمد بن عبد الوهاب، الّذي يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط(1) .
وبعد أُولى غزوات الدرعيين على جيرانهم، وزعت الغنائم بالعدل طبقاً لأحكام الوهابية: الخمس لابن سعود، والباقي للجند; ثلث للمشاة، وثلثان للخيالة; وكان التمسك بالوهابية يكافأ مادياً، وإذا كان الغزو في السابق مجرد حملة شجاعة، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين! وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين!
________________________________________
1. ابن بشر: عنوان المجد، ج 1 ص 13 .
________________________________________
(340)
صِدام بين ابن عبد الوهاب وأمير «العيينة»قد تعرفت أنّ التحالف بين الشيخ وأمير «العيينة» لم يلبث إلاّ برهة قليلة، وأنه اعتذر عن ضيفه وسمح له أن يغادر الامارة ويذهب إلى أية نقطة شاء، ولما التحق محمد بن عبدالوهاب بأمير «الدرعية» وبزغ نجمه، أحسّ عثمان بن معمر أمير «العيينة» بتمخض خطر من جانب السعوديين، فلم يجد مناصاً من إظهار التودد والمداراة معهم، إلى أن انتهى به الأمر إلى تزويج ابنته من ابن عبد العزيز بن محمد بن سعود، الّذي بلغ الوهابيون في عهده أوج قوتهم(1). إلاّ أنّ العداء حتّى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماماً في الجزيرة العربية، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقاً، وكان لموقف محمد بن عبد الوهاب ـ الّذي لم ينس أنّ أمير «العيينة» نفاه منها ـ أهمية حاسمة في التنافس بين حكام «الدرعية» و «العيينة»، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى اتّهم أمير «العيينة» بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الأحساء «محمد بن عفالق» وأعد العدة للخيانة(2) .
ـ ولأجل ذلك ـ أرسلوا بعض المرتزقة، ومنهم حمد بن راشد، وإبراهيم بن زيد إلى عثمان بن معمر حاكم «العيينة» فاغتالوه أثناء أدائه لصلاة الجمعة .
ومما جاء في كتاب أصدره آل سعود وآل الشيخ تحت عنوان: تاريخ نجد، ونقله عن رسائل محمد بن عبدالوهاب، الشيخ حسين بن غنا، وأشرف على طباعته عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعودية، العبارة التالية:
إنّ عثمان بن معمر مشرك كافر، فلمّا تحقق أهل الاسلام من ذلك تعاهدوا على قلته بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلوه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب سنة 1163 هـ وفي اليوم الثالث من مقتله جاء محمد بن عبدالوهاب إلى «العيينة» وعين عليهم مشاري بن معمر، وهو من أتباع محمد بن عبد
________________________________________
1. ابن بشر: عنوان المجد، ج 1 ص 23 .
2. فاسيليف: فصول من تاريخ العربية السعودية - ص 28 .
________________________________________
(341)
الوهاب (1) .هكذا كانوا يحكمون على الموحدين المصلين في محراب العبادة بالشرك والخروج عن التوحيد «وما نقموا منهم» «إلاّ أن قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا» ولم يخضعوا للسلطة الّتي أسسها محمد بن عبد الوهاب .
ثم إنّ محمد بن عبد الوهاب نحّى «مشاري» عن منصة الحكم وأسكنه «الدرعية» مع عائلته، وعين شخصاً آخر للشغال الحكم، حتّى يكون الحاكم أطوع له كطوع الظل لذي الظل، ولم يكتف بذلك حتّى جاء إلى قصر آل معمر وأمر بتدميره(2) .
إنّ هذه العلمية تسفر عن عقيدة محمد بن عبد الوهاب في حق عامة أهل نجد دون استثناء، لأنه لو كان ابن معمر كافراً فقد كان سكنة نجد كلهم على دينه، فهم حينئذ كفرة تباح دماؤهم ونساؤهم وممتلكاتهم، والمسلم هو من آمن بالطريقة التي يسير عليها محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود(3) .
لم يبرح زمن على سلطة آل سعود على «العيينة» حتّى ثاروا على النظام الّذي فرض عليهم من جانب محمد بن عبدالوهاب، ولكن لم يكتب لانتفاضتهم النجاح، فعاد السعوديون إلى «العيينة» فدمّروا البلد على آخره، فهدموا الجدران، وردموا الآبار، وأحرقوا الأشجار، واعتدوا على أعراضهم وبقروا بطون الحوامل من النساء، وقعطوا أيدي الأطفال، وأحرقوهم بالنار، وسرقوا المواشي وكل ما في البيوت، وقتلوا كل الرجال .
هكذا خربت «العيينة» وما زالت مخروبة منذ عام 1163 هـ حتّى يومنا هذا، وما زالت الوهابية يبررون أعمالهم بما قاله محمد بن عبد الوهاب: إنّ اللّه سبحانه وتعالى قد صبّ غضبه على العيينة وأهلها وأفناهم تطهيراً لذنوبهم، وغضباً على ما قاله حاكم العيينة، عثمان بن معمر، فقد قيل لحاكمها
________________________________________
1. تاريخ نجد، ص 97 .
2. ابن بشر: عنوان المجد، ج 1 ص 43 ـ ابن غنام: تاريخ نجد، ج 2 ص 57 .
3. تاريخ نجد، ص 98، 99، 100، 101 .
________________________________________
(342)
بأن الجراد آت إلى بلادنا و نحن نخشى أن يأكل الجراد زراعتنا، فأجاب الحاكم ساخراً من الجراد: سنخرج على الجراد دجاجاً فتأكله، وبهذا غضب اللّه سبحانه لسخرية الحاكم بالجراد، وهو آية من آيات اللّه لا يجوز السخرية منها، ولهذا أرسل اللّه الجراد على بلدة العيينة فأهلكها عن آخرها(1) .نحن نفترض أنّ أمير العيينة استهزأ بآية من آيات اللّه فكفر، فيجب ضرب عنقه بسيف الجلادين، فهل كفر الآخرون، وهل تزر وازرة وزر أُخرى، وما هي إلاّ خدعة يمّوه بها الأمر على الصبيان وأشباههم.
فلما قضى محمد بن عبد الوهاب وآل سعود على مناوئيهم في المنطقة، قويت الإمارة السعودية من طريق الدين باتّباعها محمد بن عبدالوهاب، وقويت دعوة ابن عبد الوهاب بطريق السيف باتّباع ابن سعود له وانتصاره به، فكان ابن سعود الأمير الحاكم، وابن عبد الوهاب الزعيم الديني، وصارت ذرية كل منهما تتولى مرتبة سلفها.
لقد قوّى انتصار القبيلة السعودية على حاكم «العيينة» عزيمتهم على توسيغ نطاق حكومتهم، مغبة أمر محمد بن عبد الوهاب بالجهاد وحث اتباعه عليه، وأول جيش تم تأليفه له من سبع ركائب(2) ومعلوم أنّ هذه الجيوش والركائب لم تغز بلاد الكفار والمشركين، ولا الرومان، وإنما غزوا بلاد المؤمنين، بلاد القائلين بـ (لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ ) ولما أحس ابن عبد الوهاب بسلطة وقدرة، كتب إلى أهل نجد (وهم المسلمون بزعمهم) على الدخول في مذهب التوحيد، فأطاع بعضهم بينما امتنع آخرون، فأمر أهل «الدرعية» بالقتال، فأجابوه وقاتلوا معه أهل نجد والأحساء مراراً، حتّى دخل بعضهم في طاعته طوعاً أو كرهاً، وصارت جميع إمارة نجد لآل سعود بالقهر والغلبة»(3) .
________________________________________
1. ناصر السعيد: تاريخ آل سعود، ص 22 ـ 23 .
2. محمد جواد مغنية: هذه هي الوهابية، ص 117 نقلا عن ابن بشر عثمان، عنوان المجد في تاريخ نجد .
3. السيد محسن الأمين: كشف الارتياب ص 13 ـ 14 نقلا عن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الآلوسي .
التعلیقات