هل يعقل أن يختار الله لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد ؟
مركز الأبحاث العقائديّة
منذ 6 سنواتالسؤال :
هل يعقل أن يختار الله لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد ؟ أم أنّ الله لا يعلم الغيب ؟
سبحان الله عمّا يصفون ، يهديكم الله ، ويصلح بالكم.
الجواب :
هذه الملازمات ليست شرعيّة ، ولا لازمة لأحد ، ولا حجّة على أحد ، ولا دليل عليها ، فمن قال إنَّ الله تعالى اختار للأنبياء أصحابهم ؟ الذي أرسل الرسل أصلاً لإصلاحهم ، لأنّهم في وضع سيء جدّاً ، يستوجب إنذارهم وإبلاغهم رسالة الله تعالى وأحكامه ، فقد يكون العصر الذي يُبعث فيه الأنبياء الذروة في الانحطاط والضلال والظلام.
ثمّ إنّ النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله كان كثيراً ما يحذّر ويقول : « لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم » (1) ، وكان أيضاً يحذّر الصحابة ويخبرهم برجال يرتدّون من بعده ، ويُطردَون عن الحوض ، كما روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : « بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلّم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك ... » (2).
وفي حديث أنس : « ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ... » (3).
وفي حديث سهل : « وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمّ يحال بيني وبينهم » (4).
وفي حديث أبي هريرة : « ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلّم ، فيقال : إنّهم قد أحدثوا بعدك ، وأقول : سحقاً سحقاً » (5).
وفي رواية أبي سعيد الخدري : « فأقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي » (6) ، وزاد في رواية عطاء ابن يسار : « فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (7).
وفي حديث أبي بكرة : « ليردن عليَّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : ربّ أصحابي أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (8) ، وقال عن هذا الحديث ابن حجر : « وسنده حسن » (9) ، وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه ، وزاد : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن لا يجعلني منهم ، قال : « لست منهم » ، وقال ابن حجر : « وسنده حسن » (10).
وفي البخاري : « فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (11).
ونقول : مع هذه الأحاديث الكثيرة التي تصادم ما تقولون به نذكر آية واحدة وهي قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (12).
فهل قولنا موافق لقول الله والرسول صلّى الله عليه وآله ؟ أم إطلاقكم العدالة هو الموافق ؟
الهوامش
1. مسند أحمد 2 / 511 و 5 / 218 و 340 ، صحيح البخاري 8 / 151 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 455 ، معجم الزوائد 7 / 261 ، مسند أبي داود : 289 ، المصنّف للصنعاني 11 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 634 ، المعجم الكبير 3 / 244 ، شرح نهج البلاغة 9 / 286 ، الجامع الصغير 2 / 401 ، كنز العمّال 8 / 94 و 11 / 133 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 364 ، الدرّ المنثور 6 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 441 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 314 ، وغيرها من المصادر.
2. صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، كنز العمّال 11 / 132.
3. صحيح البخاري 7 / 207 ، فتح الباري 11 / 333.
4. مسند أحمد 5 / 333 ، صحيح البخاري 7 / 207 و 8 / 87 ، فتح الباري 11 / 333 ، المعجم الكبير 6 / 143 و 156 و 171 و 200 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168.
5. السنن الكبرى للبيهقي 4 / 78 ، فتح الباري 11 / 333 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 7 ، كنز العمّال 15 / 647.
6. صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168.
7. فتح الباري 11 / 333.
8. مسند أحمد 5 / 48 ، فتح الباري 11 / 333 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 415 ، كنز العمّال 13 / 239 ، تاريخ مدينة دمشق 36 / 8.
9. فتح الباري 11 / 333.
10. نفس المصدر السابق.
11. صحيح البخاري 4 / 110 ، والآية في سورة المائدة : 117 ـ 118.
12. آل عمران : 144.
التعلیقات