الموقف السياسي بعد شهادة الإمام الرضا عليه السلام
السيد عدنان الحسيني
منذ 10 سنواتكانت الفترة بين ( رمضان ٢٠١ ـ صفر ٢٠٣ هـ ) (١) التي تقلّد فيها الاِمام الرضا عليه السلام ولاية العهد سنيّ هدوء نسبي إلاّ ما كان من اضطراب الأمور في بغداد حنقاً على المأمون ؛ لمقتل محمد الأمين أولاً ؛ ولتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ظناً منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس إلى آل أبي طالب ، لكن تبيّن بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ماكانوا يستعجلون تفكيره.
وأما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام فكانت هي الاُخرى مشحونة بالحذر والترقب من قبل الشيعة عموماً والبيت الهاشمي خصوصاً ؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الإمام الجواد عليه السلام وإنزاله تلك المنزلة منه ، وهذا الترقب والحذر راجع إلى عدة أمور لعلّ من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية :
١ ـ شغف المأمون بأبي جعفر عليه السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد ؛ لما رأى من غزارة علمه وهو لم يبلغ الحلم بعد ، ولم يحضر عند أحد للتلمّذ والدراسة ، ثم إنّ صغر السن وامتلاك علوم جمة والجلوس للمناظرة والحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة وغريبة في دنيا الإسلام يومذاك ، تجلب الانتباه وتأخذ بالعقول وتستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة.
٢ ـ المأمون ، ولأجل رفع أصابع الاتّهام عنه باغتيال الإمام الرضا عليه السلام ، أراد أن يثبت ظاهرياً للعوام والخواص حبّه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من خلال بقائه على ولاء وحب البيت العلوي ؛ لذلك أظهر اهتماماً زائداً ، وتكريماً متميزاً للإمام الجواد عليه السلام ، بل وأقرّ له ما كان يعطي أباه الرضا عليه السلام من عطاء وزيادة ، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهمٍ سنوياً (2).
٣ ـ تزويجه إياه من ابنته ( زينب ) المكناة بأم الفضل ، واسكانه قصور السلطنة.
٤ ـ توليته بعد وروده بغداد عام ( ٢٠٤ هـ ) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام مكة والمدينة. وبقي على ولايتهما حتى أواخر عام ( ٢٠٦ هـ ).
٥ ـ أمره ولاة الأقاليم والخطباء بإظهار فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر في جميع المناسبات.
٦ ـ تبنّيه مذهب الاعتزال وإظهار القول بخلق القرآن في ربيع الأول سنة ( ٢١٢ هـ ) ، وكان الدافع من وراء ذلك ـ على ما يظهر لنا ـ سياسياً ، لأجل تصفية بعض الخصوم وإبعاد البعض الآخر ، وإجبار بعض الفقهاء ، خارج المدار السلطاني ، الدخول في فلك البلاط ؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعلّه أراد من إظهار هذا الحق باطلاً كان يختبئ في مطاوي نفسه التي لم تُعرف نواياها الحقيقية ، فماتت معه بموته.
كما أراد صرف الناس عن التوجه إلى أهل البيت عليهم السلام والتمسك بمنهجهم القويم.
بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم السلام عموماً ، والطالبيين بشكل أخص ، وفوّت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته. وبذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب ـ وإن كان على حذر ووجل إلى فترة غير قليلة ـ استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي ، واستحكام أمر الخلافة. ولم يكن المأمون مستعجلاً هذه المرة مع الاِمام الجواد عليه السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع ، بشأن تصفية وجوده ، لما يشكّله عليه السلام من خطر على مستقبل الخلافة والوجود العباسي ككل.
ولقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الاِمام الرضا عليه السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده ، على امتداد فترة إمامة أبي جعفر الثاني عليه السلام ، إلاّ ما كان من ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهالسلام في اليمن سنة ( ٢٠٧ هـ ).
كان هذا مجمل الوضع السياسي بُعيد استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام ، وتسنّم الإمام الجواد عليه السلام منصب الاِمامة ، واظهاره لها وهو حدث صغير ، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه نحوه ، وتصطكّ عنده رُكَبُ العلماء ، وتُثنى أمامه هيبةً وإذعاناً لعلمه.
ثم ما كان من أحداث ( قم ) سنة ( ٢١٠ هـ ). وفي سنة ( ٢١٤ هـ ) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر. وسنأتي على تفصيل هذه الثورات والحركات في خاتمة هذا الفصل إن شاء الله.
وفي مطلع سنة ( ٢١٥ هـ ) كان خروج المأمون لغزو الروم ، ماراً بتكريت سالكاً طريق الموصل ـ نصيبين على ما يبدو. وقد طال أمد حروبه نسبياً مع الروم فاستمرت حتى وفاته في عام ( ٢١٨ هـ ) (3) تخللتها فترات هدنة عاد فيها إلى الشام.
ولعلّ آخر حدث في حياة الإمام الجواد عليه السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام ( ٢١٩ هـ ) يدعو للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الهوامش
1. هناك نصّ نقله النجاشي في رجاله : ٢٧٧ رقم ٧٢٧. وشيخ الطائفة الطوسي في أماليه : ٣٥٩ / ٧٤٩ يشير إلى أنّ الإمام الرضا عليه السلام كان في خراسان سنة ( ١٩٨ هـ ) ، حيث يروي أبو الحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنّه ودعبل رحلا إلى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والتقياه في تلك السنة ، وحدّثهما إملاءً في رجب من ذلك العام ، وأقاما عنده إلى آخر سنة ( ٢٠٠ هـ ). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الإمام عليه السلام إليهما أن يصيرا إليها وهما في طريق عودتهما إلى واسط ، بعد أن خلع عليهما وزودهما وأعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.
2. مرآة الجنان / اليافعي ٢ : ٨٠.
3. تاريخ الطبري ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠.
مقتبس من كتاب الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ
التعلیقات