مسير الرأس الشريف من الكوفة إلىٰ الشام
الشيخ أبي علي البصري
منذ سنةمسير الرأس الشريف من الكوفة إلىٰ الشام
لم أنسه إذ قام فيهم خاطباً |
فإذا هُم لا يملكون خطابا |
|
يدعوا ألستُ أنا ابن بنتِ |
نبيكم وملاذكم إن صرف دهر نابا |
|
أم لم يوصِّ بنا النبيّ وأو |
دع الثقلين فيكم عترةً وكتابا |
|
هل جئت في دين النبيّ ببدعة |
أم كنت في أحكامه مرتابا |
|
ان لم تدينوا بالمعاد فارجعوا |
أحسابكم إن كنتم أعرابا |
|
فغدوا حيارىٰ لا يرون لوعظه |
إلّا الأسنة والسهام جوابا |
|
حتى إذا أسفت علوج امية |
الا ترىٰ قلب النبيّ مصابا |
|
صلّت على جسم الحسين سيوفهم |
فغدا لساجدة الظبا محرابا |
|
ظمآن ذاب فؤاده من غلّة |
لو مسّت الصخر الأصم لذابا |
|
ترب الجبين وعين كلّ موحّد |
ودّت لجسمك لو تكون ترابا |
|
لهفي لرأسك فوق مسلوب القناء |
يكسوه من أنواره جلبابا |
|
يتلو الكتاب على السّنان وإنما |
رفعوا به فوق السنان كتابا |
* * *
سكينة تخاطب رأس الحسين عليه السلام بلسان الحال :
أخبرنك ينور العين بعداك |
سبونه أو بينه ضر اشكثر بعداك |
|
شفنه ظيم بويه او هظم بعداك |
دفك عينك او شرف اشصار بيه |
* * *
اعلى راس احسين كل الحرم دارن |
او بجايه ادموعهن يمّه تجارن |
|
سحايب اعلى اجروحه انهارن |
او ليه ابشچاویهن تبارن |
|
خواتك دشوف اشلون صارت |
حين الليالي اعليك جارن |
عنك اويه العدوان سارن
لهفي لزينب بعد فقد حماتها |
قطعت مع الخصم المشوم طريقا |
* * *
لم يزل السبط الشهيد حليف القرآن منذ انشأ كيانه لأنهما ثقلا رسول الله وخليفتاه على أُمته وقد نصّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
فبذلك كان الحسين عليه السلام غير مبارح تلاوته طيلة حياته في تهذيبه وإرشاده وتبليغه في حله ومرّ تحله حتى في موقفه يوم الطف بين ظهراني أُولئك المتجمهرين عليه ليتم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة.
هكذا كان ابن رسول الله حتى اطفق يتلو القرآن رأسه المطهّر فوق عامل السنان.
هل يمكن لنا أن نتصور رأس على الرمح يقرأ القرآن :
وللجواب على هذا السؤال نرجع إلى القرآن الكريم لنرى هل يمكن إثبات هذه القضية وحين الرجوع إلى القرآن الكريم : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) في الدر المنثور ج 2 ، ص : 119 والبحار ج 5 ، ص : 278 نقلاً عن المهج ، وفي قصص الأنبياء للثعالبي ص : 120 ذكروا أنّ الكلام بين موسىٰ وربّه كان يخرج من شجرة. أقول وهل تقاس الشجرة برأس المنحور في طاعة الرحمن سبحانه ؟! كلّا.
ما هي الأماكن التي قرأ الرأس الشريف فيها القرآن :
1 ـ قال زيد بن أرقم : كنت في غرفة لي فمرّوا عليّ بالرأس وهو يقرأ ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) فوقف شعري وقلت والله يابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب (1).
2 ـ لمّا نصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين ، فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتجهت إليه الناس واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين عليه السلام فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ).
3 ـ صلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (2).
4 ـ قال هلال بن معاوية : رأيت رجلاً يحمل رأس الحسين عليه السلام والرأس يخاطبه « فرّقت بين رأسي وبدني ، فرّق الله بين لحمك وعظمك وجعلك آية ونكالاً للعالمين » (3).
5 ـ سمع سلمة بن كهيل الرأس يقرأ وهو على القناة ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (4).
6 ـ يحدث ابن وكيدة : انه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف فشك في انه صوته او غيره فترك عليه السلام القراءة والتفت إليه يخاطبه : يابن وكيدة أما علمت أنّا معشر الأئمة أحياءٌ عند ربّهم يرزقون ؟ فعزم على أن يسرق الرأس ويدفنه ، وإذا الخطاب من الرأس الأزهر : يابن وكيده ليس إلى ذلك من سبيل إنّ سفكهم دمي أعظم عند الله من تيسيري على الرمح فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (5).
7 ـ قال المنهال بن عمرو : رأيت رأس الحسين بدمشق على رمح وامامه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) نطق الرأس بلسان فصيح : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي (6).
8 ـ لما أمر يزيد بقتل رسول الله ملك الروم حيث انكر عليه فعلته نطلق الرأس بصوت رفيع « لا حول ولا قوة إلّا بالله » (7).
هذه ثمانية موارد فيها تصريح لنطق الرأس الشريف أما بالآيات الكريمة أو بشيء آخر.
ماذا جرىٰ في الطريق بين الكوفة والشام :
أ ـ في بعض المنازل وضعوا الرأس المطهّر فلم يشعر القوم إلّا وقد ظهر قلم حديد من الحائط وكتب بالدم :
أترجو أُمةٌ قتلت حسيناً |
شفاعة جدّه يوم الحساب |
* * *
ب ـ قبل أن يصلوا الموضع بفرسخ وضعوا الرأس على صخرة هناك فسقطت منه قطرة دم على الصخرة فكانت تغلي كل سنة يوم عاشوراء ويجتمع الناس هناك من الأطراف فيقيمون المأتم على الحسين ويكثر العويل حولها وبقي هذا إلى أيام عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر فلم ير له أثر بعد ذلك ولكنهم بنوا في محل الحجر قبة سموها ( النقطة ) (8).
ج ـ كان بالقرب من « حماة » في بساتينها مسجد يقال له مسجد الحسين ويحدّث القومه : ان الحجر والأثر والدم موضه رأس الحسين حين ساروا به إلى دمشق. قال المحدّث القمي في نفس المهموم شاهدت هذا الحجر عند سفري إلى الحج وسمعت الخدم يتحدثون بذلك.
د ـ وبالقرب من ( حلب ) مشهد يعرف « بمسقط السقط » أو « مشهد الطرح » وذلك ان حرم الرسول صلّى الله عليه وآله لما وصلوا إلى هذا المكان اسقطت زوجة الحسين سقطاً كان يُسمىٰ ( محسناً ).
هـ ـ وفي بعض المنازل نصبوا الرأس على رمح إلى جنب صومعة راهب وفي اثناء الليل سمع الراهب تسبيحاً وتهليلاً ورأىٰ نوراً ساطعاً من الرأس المظهر وسمع قائلاً يقول : السلام عليك يا ابا عبد الله فتعجّب حيث لم يعرف الحال وعند الصباح استخبر من القوم قالوا : إنه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب وأُمه فاطمة بنت محمد النبي صلّى الله عليه وآله فقال لهم : تباً لكم أيتها الجماعة صدقت الأخبار في قولها إذا قتل تمطر السماء دماً ، وأراد منهم أن يقبّل الرأس فلم يجيبوه إلّا بعد أن دفع إليهم دراهم ثم أظهر الشهادتين وأسلم ببركة رأس الحسين عليه السلام.
أقول أيّها المحب أيها الوالي من أين هذا السلام هذا السلام على الظاهر من أُمّه فاطمة الزهراء عليها السلام :
مني الوالدة يحسين يبني |
ويمن ريت ذبّاحك ذبحني |
اسعدني على ابني يلتحبني
* * *
انه الوالده المذبوح ابنها |
وطول الدهر ما فل حزنها |
|
مصيبة او يشيب الراس منها |
سبعين جثه ابدور چنها |
|
بالمرعنه محّد دفنها |
وزينب حده الحادي ابضعنها |
تحن والنياگ تحن لحنّها
* * *
يگولون يبني غسّلوك ابفيض نحرك |
والترب يبني صار كافورك وسدرك |
|
وفي گلوب اهل الولا محفور گبرك |
وراسك فوگ الرمح یا مهجتي ايلوح |
* * *
حزني على ذبايح ضحايا ابيوم عاشور |
لنصب عليهم ماتمي في وسط الگبور |
|
وانسيت ضلعي اللي بسد الباب مكسور |
واصعب عليّ لو نعي الناعي على احسين |
* * *
أيا ناعياً إن جئت طيبة مقبلا |
فعرّج على مكسورة الضلع معولا |
فحدّث بما مضّ الفؤاد مفصلا
افاطم لو خلت الحسين مجدلا |
وقد مات عطشاناً بشط فرات |
* * *
الهوامش
1. إرشاد المفيد والخصائص الكبرىٰ ج 2 ، ص : 125.
2. ابن شهر آشوب ج 2 ، ص : 188.
3. شرح قصيدة ابي فراس : 148.
4. أسرار الشهادة : 488.
5. شرح قصيدة أبي فراس : 148.
6. الخصائص ، للسيوطي ج 2 ، ص : 127.
7. مقتل العوالم : 151.
8. نفس المهموم : 228 وفي تاريخ حلب ج 3 ، ص : 23.
مقتبس من كتاب : المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية / الصفحة : 13 ـ 19
التعلیقات