وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
الشيخ محمّد باقر المجلسي
منذ 10 سنواتوفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله
الطالقاني ، عن محمّد بن حمدان الصيدلاني ، عن محمّد بن مسلم الواسطي ، عن محمّد بن هارون ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن عبدالله زيد الجرمي ، عن ابن عبّاس قال : لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وعنده أصحابه قام إليه عمّار بن ياسر فقال له فداك أبي واُمّي يا رسول الله من يغسلك من أعضائي إلّا أعانته الملائكة على ذلك ، فقال له : فداك أبي واُمّي يا رسول الله فمن يصلّي عليك منّا إذا كان ذلك منك ؟ قال : مه رحمك الله ، ثمّ قال لعلي : يا ابن أبي طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني ، وانّق غسلي وكفني في طمري هاذين ، أو في بياض مصر ، وبرديمان ، ولا تغال في كفني ، واحملوني حتّى تضعوني على شفير قبري فأوّل من يصلّي عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل وميكائيل و إسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلّا الله عزّوجلّ ، ثمّ الحافون بالعرش ، ثمّ سكّان أهل السماء فسماء ، ثمّ جل أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون ، يؤمون إيماء ، ويسلّمون تسليماً ، لا يؤذوني (1) بصوت نادية (2) ولامرنة ثمّ قال : يا بلال هلمّ عليّ بالناس ، فاجتمع الناس فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله متعصّباً بعمامته متوكياً على قوسه حتّى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : معاشر أصحابي أيّ نبيّ كنت لكم ؟ ألم اُجاهد بين أظهركم ؟ ألم تكسر رباعيتي ؟ ألم يعفر جبيني ؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي حتى كنفت (3) لحيتي ؟ ألم اكابد الشدّة والجهد مع جهال قومي ؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، لقد كنت لله صابراً ، وعن منكر بلاء ناهياً ، فجزاك الله عنّا أفضل الجزاء. قال : وأنتم فجزاكم الله ، ثمّ قال : إنّ ربّي عزّوجلّ حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم بالله أيّ رجل منكم كانت له قبل محمّد مظلمة إلّا قام فليقتصّ منه ، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء ، فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له : سوادة بن قيس فقال له : فداك أبي واُمّي يا رسول الله إنّك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فلا أدري عمداً أو خطأ ، فقال : معاذ الله أن أكون تعمّدت ، ثمّ قال : يا بلال قم إلى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق ، فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة : معاشر الناس من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة فهذا محمّد يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة وطرق بلال الباب على فاطمة عليها السلام وهو يقول : يا فاطمة قومي ! فوالدك يريد القضيب الممشوق ، فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول : يا بلال وما يصنع والدي بالقضيب ، وليس هذا يوم القضيب ؟ فقال بلال : يا فاطمة أما علمت أنّ والدك قد صعد المنبر وهو يودع أهل الدين والدنيا ، فصاحت فاطمة عليها السلام وقالت : واغماه لغمك يا أبتاه ، من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب الله ، وحبيب القلوب ؟ ثمّ ناولت بلالاً القضيب ، فخرج حتّى ناوله رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) : أين الشيخ ؟ فقال الشيخ : ها أنا ذا يا رسول الله بأبي أنت واُمّي فقال : تعال فاقتص منّي حتّى ترضى ، فقال الشيخ : فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله ، فكشف صلّى الله عليه وآله عن بطنه ، فقال الشيخ : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ؟ فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم النار ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتصّ ؟ فقال : بل أعفو يا رسول الله ، فقال صلّى الله عليه وآله : اللهم اعف عن سوادة ابن قيس ، كما عفى عن نبيّك محمّد ، ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وآله فدخل بيت اُمّ سلمة وهو يقول : رب سلم اُمّة محمّد من النار ، ويسّر عليهم الحساب ، فقالت اُمّ سلمة : يا رسول الله مالي أراك معموماً متغيّر اللون ؟ فقال : نعيت إلى نفسي هذه الساعة فسلام لك في الدنيا ، فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمّد أبداً ، فقالت اُمّ سلمة : واحزناه ، حزناً لا تدركه الندامة عليك يا محمّداه ، ثمّ قال عليه السلام : ادع لي حبيبة قلبي وقرّة عيني فاطمة ، تجيئ (4) ، فجاءت فاطمة عليها السلام وهي تقول : نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه ، ألا تكلّمني كلمة ؟ فإنّي أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا ، وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً ، فقال لها : يا بنيّة إنّي مفارقك ، فسلام عليك منّي ، قالت : يا أبتاه فأين الملتقى يوم القيامة ؟ قال : عند الحساب ، قالت : فإن لم ألقك عند الحساب ؟ قال : عند الشفاعة لاُمّتي ، قالت : فإن لم ألقك عند الشفاعة لاُمّتك ؟ قال : عند الصراط ، جبرئيل عن يميني ، وميكائيل عن يساري ، والملائكة من خلفي وقدامي ، ينادون : ربّ سلّم اُمّة محمّد من النار ، ويسّر عليهم الحساب ، قالت فاطمة عليها السلام : فأين والدتي خديجة ؟ قال : في قصر له أربعة أبواب إلى الجنّة ، ثمّ اغمي على رسول الله صلّى الله عليه وآله فدخل بلال وهو يقول : الصلاة رحمك الله ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وصلّى بالناس وخفّف الصلاة ، قال : ادعوا لي علي بن أبي طالب واُسامة بن زيد (5) ، فجاءا فوضع عليه السلام يده على عاتق علي ، والاُخرى على اُسامة ، ثمّ قال : انطلقا بي إلى فاطمة ، فجاءا به حتّى وضع رأسه في حجرها ، فإذا الحسن والحسين عليها السلام يبكيان ويصرخان وهما يقولان : أنفسنا لنفسك الفداء ، ووجوهنا لوجهك الوقاء ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من هذان يا علي ؟ قال : هذا ابناك : الحسن والحسين ، فعانقهما وقبّلهما ، وكان الحسن عليه السلام أشدّ بكاء ، فقال له : كف يا حسن فقد شققت على رسول الله ، فنزل ملك الموت عليه السلام وقال : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك السلام يا ملك الموت ، لي إليك حاجة ، قال : وما حاجتك يا نبيّ الله ؟ قال : حاجتي أن لا تقبض روحي حتّى يجيئني جبرئيل فيسلّم عليّ واُسلّم عليه ، فخرج ملك الموت وهو يقول : يا محمّداه ، فاستقبله جبرئيل في الهواء فقال : يا ملك الموت قبضت روح محمّد ؟ قال : لا يا جبرئيل ، سألني أن لا أقبضه حتّى يلقاك فتسلّم عليه ويسلّم عليك ، فقال جبرئيل : يا ملك الموت أما ترى أبواب السماء مفتّحة لروح محمّد ؟ أما ترى الحور العين قد تزيّن لروح محمّد ؟ ثمّ نزل جبرئيل عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبا القاسم ، فقال : وعليك السلام يا جبرئيل ، ادن منّي حبيبي جبرئيل ، فدنا منه ، فنزل ملك الموت ، فقال له جبرئيل : يا ملك الموت احفظ وصيّة الله في روح محمّد ، وكان جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت ، آخذ بروحه صلّى الله عليه وآله ، فلمّا (6) كشف الثوب عن وجه رسول الله نظر (7) إلى جبرئيل فقال له : عند الشدائد تخذلني ؟ فقال : يا محمّد إنّك ميت وإنّهم ميّتون ، كلّ نفس ذائقة الموت.
فروي عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في ذلك المرض كان يقول : ادعوا لي حبيبي ، فجعل يدعى له رجل بعد رجل ، فيعرض عنه ، فقيل لفاطمة ، امضي إلى علي فما نرى رسول الله يريد غير علي فبعث فاطمة إلى علي عليه السلام فلمّا دخل فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله عينيه وتهلل وجهه ثمّ قال : إليّ يا علي إليّ يا علي ، فما زال يدنيه حتّى أخذه بيده وأجلسه عند رأسه ، ثمّ اغمي عليه ، فجاء الحسن والحسين عليها السلام يصيحان ويبكيان حتّى وقعا على رسول الله (ص) فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه ، فأفاق رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمّ قال : يا علي دعني أشمهما ويشماني ، وأتزوّد منهما ، ويتزوّدان منّي ، أما إنّهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلماً ، فلعنة الله على من يظلمهما ، يقول ذلك ثلاثاً ، ثمّ مدّ يده إلى علي عليه السلام فجذبه إليه حتّى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتّى خرجت روحه الطيّبة ، صلوات الله عليه وآله ، فانسل علي من تحت ثيابه وقال : أعظم الله اُجوركم في نبيّكم ، فقد قبضه الله إليه ، فارتفعت الأصوات بالضجّة والبكاء فقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : ما الذي ناجاك به رسول الله (ص) حين أدخلك تحت ثيابه ؟ فقال : علّمني ألف باب ، يفتح لي كلّ باب ألف باب (8).
الهوامش
1. لا تؤذونى خ.
2. نائحة خ ل.
3. لثقت خ ل.
4. ثمّ اغمى عليه خ ل.
5. لا يخلو من وهم ، لان اُسامة كان قد خرج عن المدينة وعسكر في خارجه للقتال.
6. كلما خ ل.
7. ينظر خ ل.
8. أمالي الصدوق : ٣٧٦ ـ ٣٧٩.
مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : 22 / الصفحة : 507 ـ 511
التعلیقات