اُريد معرفة بعض الاختلافات بين السنّة والشيعة وأجوبتها للشيعة ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ 7 سنواتالسؤال :
اُريد معرفة بعض الاختلافات بين السنّة والشيعة وأجوبتها للشيعة ؟
الجواب :
من أهمّ الاختلافات بين السنّة والشيعة الإماميّة انّ أهل السنّة يعتقدون انّ الله تبارك وتعالى والنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله تركا الاُمّة سدى بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يعيّن الله تعالى خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله بل على الاُمّة أن يختاروا شخصاً ليكون هو الخليفة ولا يلزم أن يكون عادلاً فضلاً عن كونه معصوماً ، ولكن الشيعة يعتقدون أنّ الله تعالى عيّن في زمان النبيّ صلّى الله عليه وآله خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنّ النبيّ نصب عليّاً عليه السلام يوم غدير خمّ خليفة وإماماً وحجّة على العباد من بعد وفاته ، وهكذا تستمرّ الخلافة والإمامة في الأئمّة الأحد عشر من ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ومن أهمّ ما يستدلّ به الإماميّة على ذلك :
أوّلاً : دليل العقل حيث انّ نفس الدليل الدالّ على وجوب بعثة الأنبياء والرسل وإنزال الكتب وهو دليل اللطف يدلّ على أنّه لابدّ أن ينصب الله تعالى ويعيّن وصيّ النبي والقائم من بعده ويجب أن يكون معصوماً من الذنوب والكذب والخطأ والسهو والنسيان لكي يرجع إليه الاُمّة فيما يختلفون فيه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وليس للاُمّة اختيار الخليفة إذ لا يؤمن على من يختاره الاُمّة أو أهل الحقّ وأهل الحلّ والعقد من الخطأ والاشتباه والهوى واتّباع النفس الأمّارة والظلم والجور ، مع انّ منصب الإماميّة مثل الرسالة والنبوّة منصب الإلهي ، قال الله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 124 ] ، فالله أعطى إبراهيم مقام الإمامة وقيادة المجتمع والولاية على الناس بعد أن كان رسولاً نبيّاً بل وبعد كونه خليلاً لأنّ ابتلاء إبراهيم كان بأمره بذبح ولده إسماعيل ؛ فلمّا خرج إبراهيم من الامتحان موفقاً وناجحاً حيث تصدّى لذبح ابنه أعطاه الله تعالى منصب الإمامة ، وهذا الإبتلاء كان في زمان شيخوخة ابراهيم كما يقول : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) [ ابراهيم : 39 ] ، أيّ أعطاه الله منصب الإمامة بعد كونه رسولاً نبيّاً ؛ فهذا المنصب مهمّ جدّاً.
وثانياً : الروايات الكثيرة الصادرة من النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله التي تدلّ ان الإمامة والوصاية ثابته للإمام علي عليه السلام وأولاده الطاهرين :
منها : حديث الغدير المتواتر بين الفرقين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».
وقد صرح بعض أهل السنّة كالغزالي ، انّ النبي صلّى الله عليه وآله أخذ البيعة لعلي عليه السلام في غدير خم حتّى من زوجاته ـ اُمّهات المؤمنين ـ ؛ ولأجل وضوح هذا الدليل يرجى مراجعة الجزء الأوّل من كتاب الغدير للشيخ الأميني قدس سرّه.
ومنها : قول رسول الله صلى الله عليه وآله : « مثل أهل بيتي كسفينه نوح من ركبها نجى ومن تركها غرق وهوى ».
وهذا الحديث يدلّ بوضوح على انّ المتمسّك بحبل أهل البيت يكون ناجياً بخلاف من لم يتمسّك بهم حتّى لو اختاره جميع الاُمّة للإمامة والقيادة فانّه هالك لا محالة.
ومنها : قول النبي الأعظم في الحديث المعروف والمشهور الذي رواه الفريقان السنّة والشيعة بطرق عديده ويعرف بحديث الثقلين ، قال صلى الله عليه وآله وسلّم : « إنّي تارك ـ مخلف ـ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».
وهذا المضمون بتمامه موجود في روايات أهل السنّة وهو يدلّ على اُمور :
1 : يجب التمسّك بأهل البيت عليهم السلام كما يجب التمسّك بالقرآن الكريم ولا يكفي أحدهما عن الآخر ؛ فيبطل قول من قال : « حسبنا كتاب الله ».
2 : يجب إطاعة العترة الطاهرة كما يجب إطاعة القرآن الكريم.
3 : لا يهتدي المسلم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلّا بمتابعة الكتاب وإطاعة العترة الطاهرة.
4 : العترة الطاهرة معصومة من الذنوب والكذب والخطأ والاشتباه لأنّهم جعلوا عدلاً للقرآن الكريم وهو معصوم قطعاً ، مضافاً إلى انّه لا يعقل الأمر بإطاعة غير المعصوم وجعل طاعته بمنزلة طاعة القرآن الكريم.
5 : كما انّ القرآن الكريم مستمرّ إلى يوم القيامة ويجب التمسّك به إلى يوم القيامة كذلك يوجد من العترة الطاهرة في كلّ زمان إمام معصوم يجب التمسّك به كما يجب التمسّك بالقرآن الكريم ؛ لانّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، فلو لم يكن مثلاً في زماننا إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام لزم افتراق القرآن عن العترة الطاهرة ، والحال انّ النبي صلى الله عليه وآله يصرح في هذا الحديث بأنّهما لا يتفترقان إلى يوم القيامة.
ومن الروايات قول النبي صلّى الله عليه وآله : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهلية » ؛ فمن هو إمام زمانك الذي إذا لم تعرفه يكون موتك موت الجاهليّة ؟
لا يمكن ان يقال بانّ المراد القرآن الكريم لأنّ القرآن إمام كلّ الأزمنة وهذا الحديث يدلّ على انّ لكلّ زمان اماماً خاصّاً إذا لم يعرفه المسلم يموت ميتة الجاهليّة ؛ فالإماميّة يسألون أهل السنّة من هو إمام زمانهم في هذا العصر ومن هو حجّة الله على العباد في هذا الزمان ؟!
وهناك أدلّة وروايات اُخرى كثيرة جدّاً ينبغي لمعرفتها مراجعة الكتب المفصّلة.
وقد أشار الإمام الحجّة في أجوبة أسئلة سعد بن عبد الله الأشعري إلى هذا الدليل العقلي :
قلت فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ؟
قال : مصلح أو مفسد ؟
قلت : مصلح.
قال : فهل يجوز ان تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.
قلت : بلى.
قال : فهي العلّة وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك ؛ أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الاُمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى ، هل يجوز مع وفور عقلها وكمال علمهما إذا هما بالاختيار ان يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان انّه مؤمن ؟
قلت : لا.
فقال : هذا موسى كليم الله مع وفود عقله وكمال علمه ونزول الوحي إليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : ( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ) [ الأعراف : 155 ] ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ) [ البقرة : 55 ] فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعاً على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظنّ انّه الإصلاح دون الأفسد علمنا انّ لا إختيار إلّا لمن يعلم ما تخفى الصدور وما تكن الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد ، ولما أرادو أهل الصلاح ».
أقول لتوضيح المطلب انّ النبي المعصوم تارة يختار أحداً بأمر الله تعالى فلا محالة يكون الذي اختاره صالحاً وتارة يفوض الله إليه بأن يختار أحداً أو جماعة بنفسه ومع اعمال قوّة عقله وتفكير فقد يقع اختياره على المفسد مع إعتقاد انّه صالح ، ومراد الإمام انّ هذا القسم الثاني تحقّق بالنسبة للنبي موسى عليه السلام.
التعلیقات