علي والأئمة من ولده أولياء الأمر بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
محمّد گوزل الحسن الآمدي
منذ سنةعلي والأئمة من ولده أولياء الأمر بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) .
قال الإمام فخر الدين الرازي : اعلم أنّ قوله : ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) يدلّ عندنا على أنّ إجماع الأمّة حجّة ، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه ، فهذا يفضي إلى إجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنّه محال ، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوماً ، ثم نقول : ذلك المعصوم إمّا مجموع الأُمة أو بعض الأمة ، لا جائز أن يكون بعض الاُمّة ، لانّا بيّنّا أنّ الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعاً ، وإيجاب طاعتهم قطعاً مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم ، ونحن نعلم بالضرورة أننا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم عاجزون عن الوصول إليهم عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم ، وإذا كان الأمر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من الأمّة ولا طائفة من طوائفهم ، ولمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله : ( وَأُولِي الْأَمْرِ ) أهل الحل والعقد من الأُمة ، وذلك يوجب القطع بأن إجماع الأمَّة حجة (2) .
فأنت ترى أنّ الإمام الرازي وصل بذلك الذكاء الخارق إلى قطعيّة وجوب عصمة أولي الأمر المذكور في الآية ، ولكن الحميّة المذهبية غلبت عليه فألجأته إلى تأويل بعيد عن العقل والنقل ، وهو أن الله أمر الأمة باطاعة إجماعها ، علله بعدم معرفة المعصومين وعدم إمكان الوصول إليهم وأخذ الدين والعلم منهم ، كأن معرفة المواضع التي أجمع عليها الأمة والوصول إلى آراء الذين لا يعلم بعددهم إلّا الله تعالى أيسر وأسهل على الرازي من معرفة أشخاص محدودين نصبهم الله لهذه الأمة أئمة وأمراء وخلفاء وأولياء ، وبيّن عددهم وأسماءهم على لسان نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم .
هذا مع أنّ عدم معرفة الإمام الرازي لهم لا يقتضي منه أن يُخرِج الآيةَ عن مؤدّاها ويؤولها على خلاف مرماها .
فقد أخرج الحسكاني عن عليّ عليه السلام أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الآية وقال : يا نبيّ الله من هم ؟ قال : « أنت أولهم » .
وعن مجاهد : ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) قال : عليّ بن أبي طالب ، ولّاه الله الأمر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة ، فأمر الله العباد بطاعته وترك الخلاف عليه .
وعن أبي بصير عن أبي جعفر أنّه سئل عن قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي عليّاً وأهل بيته في كتابه ؟ فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمِّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي يفسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر لهم رسول الله ، وأنزل ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) فنزلت في عليّ والحسن والحسين ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، إنّي سألت الله أن لا يفرِّق بينهما حتى يردا عليَّ الحوض ، فأعطاني ذلك » (3) .
قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4) .
أخرج الجويني في الفرائد وأورد ابن الصبّاغ في الفصول المهمة وابن الجوزي في التذكرة والزرندي في الدرر وعن الثعلبي في التفسير عن أبي ذرّ الغفاري ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بهاتين وإلّا صُمَّتا ورأيته بهاتين وإلّا عميتا ، يقول : « عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله » ، أما إنّي صلّيت مع رسول الله ذات يوم فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً ، فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الله عزّ وجل يدعوه فقال : « اللهم إنّ أخي موسى سألك قال : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) ، فأوحيت إليه : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ) (5) اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري » ، قال أبوذر : فوالله ما استتم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الكلمة حتى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .
وذكر الحديث فخر الدين الرازي في تفسيره بإختصار (6) .
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجل واحد ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل نواله ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء حتى أن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّره إلى الفراغ منها (7) .
قال السيوطي : أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم ؟ » قال : ذاك الراكع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ .. ) الآية قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ .. ) الآية .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ .. ) الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع .
وأخرج ابن جرير عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أصحابه ، ثم قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيته : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) إلى آخر الآية ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فدخل المسجد ، جاء والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل ، فقال : « يا سائل هل أعطاك أحد شيئا ؟ » قال : لا ، إلّا ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب عليه السلام ـ أعطاني خاتمه .
وأخرج ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الظهر ، فقال : يا رسول الله إنّ بيوتنا قاسية لا نجدُ من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المجلس وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم ، أظهروا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا ، فشقّ ذلك علينا ، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الخ ، ونُودِي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المسجد ، فرأى سائلاً ، فقال : « هل أعطاك أحد شيئا ؟ » قال : نعم . قال : « من ؟ » قال : ذاك الرجل القائم ، قال : « على أي حال أعطاك ؟ » قال : وهو راكع ، قال : وذلك عليّ بن أبي طالب ، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ذاك وهو يقول : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) . انتهى (8) .
قال الزرندي والجويني : قال الإمام الواحدي رضي الله عنه : وروي عن علي رضي الله عنه أنَّه قال : أُصول الإسلام ثلاثة ، لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها : الصلاة ، الزكاة ، الموالاة ، قال : وهذا ينتزع من قوله تعالى : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (9) .
وقد ورد في أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام عن ابن عباس بعدّة طرق .
وأخرج الكنجي الشافعي في كفاية الطالب عن أنس بن مالك ، وأخرجه الموفّق بن أحمد في مناقبه والجويني في فرائده ، وأورده المتّقي الهندي في كنزه والزرندي في درره والهيثمي في مجمعه وابن الأثير في جامعه (10) .
هذا مع تصريح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّ عليّاً وليّ كلّ مؤمن بعده ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة الآتية ، فلاحظ .
الهوامش
1. سورة النساء : 59 .
2. مفاتيح الغيب : 10 / 144 .
3. شواهد التنزيل : 1 / 148 ـ 150 ح : 202 ـ 203 .
4. سورة المائدة : 55 .
5. سورة طه : 25 ـ 36 .
6. تذكرة الخواص / 24 ، الفصول المهمة / 123 ـ 124 ، مفاتيح الغيب : 12 / 26 ، درر السمطين / 87 ، فرائد السمطين : 1 / 191 ـ 192 ح : 151 .
7. الكشاف : 1 / 649 .
8. الدر المنثور : 3 / 104 ـ 105 .
9. نظم درر السمطين / 240 ، فرائد السمطين : 1 / 79 ح : 49 .
10. كفاية الطالب / 228 و 250 ، كنز العمال : 13 / 108 و 165 ح : 36354 و 36501 ، المناقب للخوارزمي / 264 ـ 265 و 266 ح : 246 و 256 ، درر السمطين / 86 و 87 ـ 88 ، فرائد السمطين : 1 / 193 ـ 195 ح : 152 و 153 ، مجمع الزوائد : 7 / 17 ، جامع الأصول : 8 / 664 ح : 6515 .
مقتبس من كتاب : الهجرة إلى الثقلين / الصفحة : 221 ـ 227
التعلیقات