وجهه سبحانه
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةوجهه سبحانه
قد عرفت أنّ الإمام الأشعري قال في كتابه « الإبانة » : « بأنّ لله وجهاً بلا كيف كما قال : ( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) (1). وهو يريد بذلك إثبات الوجه لله سبحانه بمعناه الحرفي ولكن فراراً عن التشبيه يذيله بالبلكفة ويقول « بلا كيف ».
والمؤوّلة يعتقدون بلزوم التأويل في الآية ويقولون تأويلها الذات ، ولكن ما قالت به المؤوّلة وإن كان صحيحاً نتيجة ، إلّا أنّ الآية لا تحتاج إلى التأويل ، وإِنما تحتاج إليه لو فرضنا أنّ الوجه ظاهر في العضو الخاص. وأمّا لو كان ظاهراً ـ بسبب القرينة التي سنذكرها ـ في ذات الشيء وشخصه ، فلا تحتاج إليه ، ويكون الظاهر المتبادر هو المتبع.
والدليل عليه هو أنّ الوجه ، كما يأتي بمعنى العضو الخاص ، يأتي بمعنى الذات. قال ابن فارس : « ربما عبر عن الذات بالوجه ، قال :
اَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيهِ |
رَبَّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ » (2) |
ولعلّ وجه التعبير عن الذات بالوجه ، أنّ وجه الإنسان أو وجه كلّ شيء تمام حقيقته عند الناظر ، ولأجل ذلك إذا رأى شخص وجه إنسان آخر يقول رأيته ، كأنّه رأى الذات كلّها. وعلى ذلك فيحتاج حمل اللفظ على واحد من المعنيين الرائجين إلى قرينة ، لأن المعنى الثاني بلغ بكثرة الإستعمال إلى حدّ الحقيقة.
والقرينة تعيّن المعنى الثاني ، حيث وصف الوجه بقوله : ( ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ومن المعلوم أنّها من صفات الربّ ، أيّ ذاته سبحانه ، لا من صفات الوجه ، أعني الجزء من الكلّ. ولو كان الوجه هنا بمعنى العضو المخصوص ، لوجب أن يجعل « الجلال والإكرام » ، وصفاً للربّ ـ المضاف إليه ـ ، ويقول « ذي الجلال والاكرام ».
ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه جعله وصفاً للمضاف إليه ، « الرب » لا المضاف ، في آية أخرى وقال سبحانه : ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) ، ومن المعلوم أنّ الإسم ليس صاحب هذا الوصف ، وإنما صاحبه هو نفس الربّ ، وسيوافيك توضيح وافر عند البحث عن كونه سبحانه ليس بجسم في الصفات السلبيّة.
وهناك كلمة مرويّة عن الرسول الأعظم وهي : « إنّ الله خلق آدم على صورته » فاستدلّ به المشبّهة على أنَّ لله سبحانه صورة وخلق آدم على طبقها. ولكن القوم لو رجعوا إلى أئمّة أهل البيت لوقفوا على أنّ الحديث نقل مبتوراً ، فقد روى الصدوق بسنده عن علي عليه السلام قال : « سمع النبيّ رجلاً يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك. فقال صلّى الله عليه وآله : مه ، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته » (3).
أيّ على صورة هذا الرجل الذي تسبه وتسبّ من يشبهه وهو آدم.
وروى أيضاً عن الحسين بن خالد أنّه قال للرضا عليه السلام : « يا ابن رسول الله : إنّ الناس يروون أنّ رسول الله قال إنّ الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله لقد حذفوا أوّل الحديث : إنّ رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ، ووجه من يشبهك ، فقال صلّى الله عليه وآله : يا عبد الله ، لا تقل هذا لأخيك ، فإِنَّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته » (4).
الهوامش
1. سورة الرحمن : الآية ٢٧.
2. المقاييس ، ج ٦ ، ص ٨٨ ، مادة « وجه ».
3. التوحيد للصدوق ، الباب ١٢ ، الحديث ١٠ ، ص ١٥٢.
4. التوحيد للصدوق ، الباب ١٢ ، الحديث ١١ ، ص ١٥٣.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 339 ـ 341
التعلیقات