الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
السيد هاشم الهاشمي
منذ 3 سنواتالإمام الحسن المجتبى عليه السلام
ثاني أئمّة أهل البيت عليهم السلام اسمه الحسن كنيته أبو محمّد أشهر ألقابه الزكي ، أبوه الإمام علي عليه السلام ، واُمه فاطمة الزهراء عليها السلام ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان ، السنة الثالثة بعد الهجرة.
وتقسّم حياته لثلاثة مراحل :
المرحلة الاُولى : مرحلة الطفولة في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وهي « 8 »
سنوات وقد وردت أحاديث في محبّة الرسول صلّى الله عليه وآله للإمام الحسن والحسين عليهما السلام والثناء عليهما ، منها : « من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني » (1) ، « الحسن والحسين سيّدا أهل الجنة » ، « ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا » (2) ويشير في ذلك إلی أنّهما إمامان في الثورة والصبر والصلح وغيرها.
ومن الآيات النازلة فيه وفي أخيه الحسين عليه السلام آية التطهير والمودّة والمباهلة.
المرحلة الثانية : مع أمير المؤمنين عليه السلام وهي « 29 » عاماً.
وقد صحب أباه ، وشاركه في اُموره وحروبه ، وشارك في الجمل وصفين وسطر فيهما ملاحم بطولية ، حتى خاف أبوه من انقطاع الإمامة باستشهاده.
وحين حضرته الوفاة ، عيّن الإمام الحسن عليه السلام محلّه إماماً للمسلمين بوصيّة من الرسول صلّى الله عليه وآله.
المرحلة الثالثة : مرحلة إمامته « 10 » سنوات
من سنة « 40 » إلى « 50 » للهجرة فإنّه بعد شهادة أبيه أصبح خليفة للمسلمين ، وقد بدأت مخطّطات ومؤامرات الحكم الاُموي ضده ، حيث استخدم مختلف الأساليب ضد أهل البيت عليهم السلام ومبادئهم وشيعتهم ، من الإرهاب ومطاردة أتباع مذهب أهلالبيت والتنكيل بهم ، ووضع الأحاديث في ذمّهم ، ومدح مخالفيهم ، وسبّ الإمام علي عليه السلام على المنابر ، وشراء الضمائر وطلاب الدنيا بالأموال والمناصب ونشر العصبيّة الجاهلية ، والتفرقة القبلية ، وتطبيع المسلمين على إسلام مزيف يتلاءم وأطماعهم. ونشر المجون والفساد الأخلاقي بين المسلمين ، وغيرها مما تذكرها الكثير من المصادر لأجل أن يحقّق أطماعه وسيطرته من خلال هذه الأساليب ، وقد اضطرّ الإمام الحسن عليهالسلام لمحاربته حفاظاً على الإسلام الأصيل.
فقام بتجهيز الحملة العسكريّة التي كان الإمام علي عليه السلام قد بدأ بأعدادها قبل استشهاده لمحاربة معاوية المتمرد والمنحرف عن خطّ الإسلام ، وتحرّك الجيش باتّجاه الشام ، وحتى لا تعود الجاهلية بعد أن قدم المسلمون المخلصون كلّ التضحيات في سبيل الإسلام ، ولكن عوامل جديدة حالت دون الإستمرار بالزحف ، ومن هذه العوامل :
1 ـ خيانة بعض قادة الجيش الذين اشترى معاوية ضمائرهم بالمال.
2 ـ انشقاق واختلاف أفراد جيش الإمام وتشرذمه وتخاذلهم وتراجعهم بفعل أساليب معاوية.
3 ـ محاولة بعض القادة تسليم الإمام الحسن عليه السلام حيّاً إلى معاوية ممّا اضطر معه الإمام عليه السلام لتقبل الصلح بشروط منها :
1 ـ احترام دماء الشيعة ، وعدم الإعتداء على حقوقهم.
2 ـ الإمتناع عن سبّ الإمام علي عليه السلام.
3 ـ التزام معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة الرسول صلّى الله عليه وآله.
4 ـ لا يعيّن معاوية أحداً من بعده للخلافة وإنّما يعود الأمر إلى الإمام الحسن ، وإن كان ميّتاً ، فالأمر يعود إلى أخيه الإمام الحسين عليه السلام.
ووافق معاوية على الشروط ، وكلّها تستهدف الحفاظ على الإسلام ، ولكن بعد ذلك نقض الشروط والعهود كلّها ، وهو ما قصده الإمام عليه السلام ويعلمه مسبقاً قبل الصلح حتى يكشف حقيقة النظام الاُموي للمسلمين آنذاك بل للتأريخ ، وبذلك مهّد الطريق لثورة الإمام الحسين عليه السلام ولولا صلح الإمام الحسن عليه السلام لما كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، حيث كشف انحراف النظام الاُموي عن التعاليم الإسلامية وأسقط القناع عنه ، وقد كشف معاوية عن حقيقته في خطابه في النُخيلة بعد الهدنة : « إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا إنّكم تعملون ذلك ، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ، ألا وإنّي منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي ولا أفي بشيء منها له » (3).
وقد رجع الإمام عليه السلام للمدينة ، ولكن معاوية دسّ له السمّ على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، وقال لها : إن قتلته بالسمّ فلك مائة ألف واُزوّجك يزيد ابني ، وقد دسّت له السمّ ، فاستشهد الإمام عليه السلام في « 28 » صفر سنة « 50 » هجرية ودفن في البقيع في المدينة.
ومن خصاله : الورع ، كان يرتجف حين وضوئه لصلاته ، وعن الإمام الصادق عليه السلام :
« إنّ الحسن كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى » (4). وقد حجّ خمسة وعشرين حجة ماشياً ، وربما بدون نعل.
وتميّز بالجود والعطاء ، وكذلك بالحلم ، ومن أساليب الاُمويين وغيرهم من أعداء أهل البيت عليهم السلام وضع الأحاديث والأخبار الكاذبة في أهل البيت والتي تستهدف تشويه سمعتهم ، والحد من انتشارها بين المسلمين خوفاً على إطماعهم ، ومنها ما وضعوه من أخبار حول الإمام الحسن عليه السلام إنّه كثير الزواج والطلاق ، وقد كتب الباحثون المنصفون حول كذب هذه التهمة.
ويظلّ الإمام الحسن عليه السلام امتداداً لشخصيّة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وأبيه المرتضى عليه السلام ، كما تظلّ خطبه وحكمه ورسائله متميّزة فنّياً وفكريّاً ، فمن حكمه وكلماته القصار قوله عليه السلام :
« هلاك المرء في ثلاث ، الكبر والحرص والحسد ، ففي الكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس ، والحرص عدوّ النفس وبه اُخرج آدم من الجنة ، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل » (5).
وقال عليه السلام : « لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مروءة لمن لا همّة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تُدرك الداران جميعاً » (6).
في مولد الإمام الحسن عليه السلام
ذكريات الإسلام
أشرقت بالبشاشة الصحراء |
فاستفاقت في رملها الأشذاء |
|
واستحمّت بالطيب يثرب وانساب |
على ظلّها الكئيب الهناء |
|
أيّ بشرى تُنضِّر الكون بالنور |
فيحيا في كلّ اُفق ضياء |
|
قد اُضيفت إلى سماء المعالي |
نجمةٌ لن يمرّ فيها الفناء |
|
ولد السبط فاغرقي بالرؤى الخضراء |
يا أرض واخشعي يا سماء |
* * *
أيُّ ذكرى ، لو أنّنا نعرف الذكرى |
حياةً يموج فيها الثراء |
|
ذكريات الإسلام كنز عطاءٍ |
فيه تسمو الشريعة السمحاء |
|
ذكريات الإسلام يشرق منها الـدرب |
والدرب ملؤه الظلماء |
|
ذكريات الإسلام نبع هدى ثرٍّ |
فتروى بها القلوب الظماء |
|
يا أخي لو نُحطّم الزيف والجهل |
لما ضاع من يدينا اللواء |
* * *
ذكريات الإسلام تخطر في قلبي |
فتعلو في جبهتي الكبرياء |
|
يوم كان « الرسول » يزحف ، والدّ |
رب إلى مرفأ الخلود الفداء |
|
قد تحدّى بالحق كلَّ الطواغيت |
فهبّت في وجهه الأهواء |
|
ثم دكَّ الهدى رؤاها فشعّت |
في دجاها الشريعة البيضاء |
|
وتعود الذكرى ، فهذا « عليٌّ » |
وصمودٌ على الهدى ومضاء |
|
وحكايا الطفوف ، كيف يضمُّ الحقّ |
نصراً ، جسوره الشهداء |
|
وحكايا أئمّة قد تهاووا |
في غمار الردى ليحيى الإباء |
* * *
ثم تعدو لخاطري ذكريات « السـ |
بط » كونٌ ما فيه إلا العطاء |
|
علّمتنا أنّ الكفاح طريقٌ |
غمرته الأشواك والضراء |
|
يتراءى عليه ألف سرابٍ |
ماكرٍ ملؤه الهوى والرياء |
|
ربما تصرخ الجماهير بالحرب |
وفي سرّها تخاف الدماء |
|
هكذا كنت والجماهير كانت |
لن تضمّ المكارمَ الجبناء |
|
مزّقت هديها الشرورُ فهل يفلح |
جيلٌ تَلفّه الأهواء |
|
فدحرتَ التَيار بالفكر ، والفكر |
طريقٌ سارت به الأنبياء |
|
إنّ بالفكر يعرج الجيل للخلد |
فتذوي العواصف الهوجاء |
|
فهو كالسيف إن تلظّت خطوبٌ |
فعلى كفّه يرف الرجاء |
|
سيّدي أنت مشعل الفكر إن |
جنّت خطوبٌ ، وهيمنت أرزاء |
|
أنت حيٌّ رغم العصور وهيهات |
يأن يخنق الشعاع الفناء |
* شهر رمضان 1390 ألقيت في مدرسة منتدى النشر في النجف الأشرف
الهوامش
1. مناقب آل أبي طالب 3 : 153.
2. الإرشاد 2 : 30.
3. الإرشاد 2 : 14.
4. بحار الأنوار 43 : 331.
5. الفصول المهمة في معرفة الأئمة 2 : 712.
6. بحار الأنوار 75 : 111.
مقتبس من كتاب : [ أنوار الولاء ] / الصفحة : 49 ـ 56
التعلیقات