كيف يخلد الإنسان مع أنّ المادة تفنى؟
أسئلة حول المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 404 ـ 405
(404)
أسئلة المعاد
(7)
كيف يخلد الإنسان ، مع أنّ المادة تفنى؟
دلّت الآيات والروايات على خلود الإنسان في الآخرة ، إمّا في جنتها
ونعيمها ، أو في جحيمها وعذابها ، هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، دلت القوانين العلمية على أنّ المادة ، حسب تفجر
طاقاتها ، على مدى أزمنة طويلة ، تبلغ إلى حد تنفذ طاقتها ، فلا يمكن أنْ يكون
للجنة والنار بقاء ، كما لا يكون للإنسان خلود كذلك ؛ لأنّ مكونات الكون تفقد
حرارتها تدريجياً ، وتصير الأجسام على درجة بالغة الانخفاض (1) ، وبالتالي تنعدم
الطاقة ، وتستحيل الحياة.
الجواب :
إنّ السؤال ناش من مقايسة الآخرة بالدنيا ، وهو خطأ فادح ؛ لأنّ
التجارب العلمية لا تتجاوز نتائجها المادة الدنيوية. وإسراء حكم هذا العالم إلى
العالم الآخر ، وإن كان مادياً وعنصرياً مثلها ، قياس لا دليل عليه. كيف ، وقد
تعلقت قدرته سبحانه بإخلاد الجنة والنار ، وله إفاضة الطاقة ، إفاضة بعد
إفاضة ، على العالم الأُخروي بجحيمه وجنته ، ومؤمنه وكافره . ويعرب عن ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - هي درجة الصفر المطلق البالغة ( 269 ) درجة مئوية تحت الصفر ، وهي درجة سيلان غاز
الهيليوم.
________________________________________
(405)
قوله سبحانه : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (1).
ويعزز ذلك ما جاء في آخر الآية من الإتكاء على كونه عزيزاً ، فإنّ معناه :
مقتدراً على إمداد المادة . فلأجل ذلك لو كانت الحركة والعمل مفنيين لطاقات
المادة الدنيوية ، فليسا كذلك في المادة الأُخروية ، لدعمها بطاقات جديدة ، فلو
نضج جلد يأتي مكانه جلد آخر ، وهكذا.
وهذا السؤال من أوضح موارد قياس الغيب على الحس أوّلاً ، وعدم
التعرف على قدرته سبحانه ثانياً ، يقول تعالى:
{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } (2).
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النساء : الآية 56.
(2) - سورة الحج : الآية 74.
التعلیقات