التبرّك بآثار الأنبياء
السيّد مرتضى العسكري
منذ 7 سنواتالتبرّك بآثار الأنبياء
يستدلّون على مشروعيّة التبرك بآثار الأنبياء بما تواتر نقله في جميع كتب الحديث أنّ الصّحابة تبرّكوا برسول الله (ص) وآثاره في حياة الرسول (ص) بمباشرته ، ودعوته بذلك ، وتبرّكوا ـ أيضاً ـ بآثاره بعد وفاته ، وفي ما يأتي بعض ما يستدلّون به :
التبرّك ببصاق النّبيّ (ص)
في صحيح البخاري عن سهل بن سعد في باب ما قيل في لواء النبيّ (ص) من كتاب المغازي (1) : إنّ رسول الله (ص) قال يوم خيبر : لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها. فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله (ص) كلّهم يرجو أن يعطاها فقال : أين عليّ ؟ فقيل :
هو يا رسول الله يشتكي عينيه. فأرسل فأتي به ... ولفظه في كتاب الجهاد والسير (2) : فأمر فدعي له ، فبصق في عينيه ، فبرأ مكانه حتّى كأنّه لم يكن به شيء ... ـ الحديث.
و في لفظ سلمة بن الأكوع بصحيح مسلم :
قال : فأتيت عليّاً فجئت به أقوده وهو أرمد حتّى أتيت به رسول الله (ص) فبصق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية ـ الحديث (3).
التبرّك بوضوء النّبيّ (ص)
في صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله (ص) وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه. فأتي رسول الله (ص) بوضوء فوضع رسول الله في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضّئوا منه. فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتّى توضّئوا من عند آخرهم (4).
و في رواية أخرى عن جابر بن عبد الله أنه قال :
قد رأيتني مع النبيّ (ص) وقد حضرت العصر وليس معنا ماء غير فضلة ، فجعل في إناء فأتي النبيّ (ص) به ، فأدخل يده فيه وفرّج أصابعه ثمّ قال : حيّ على أهل الوضوء ، البركة من الله. فلقد رأيت الماء يتفجّر من بين أصابعه ، فتوضّأ الناس و شربوا. فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فعلمت أنّه بركة ـ فقيل لجابر : ـ كم كنتم يومئذ ؟ قال : ألفا وأربعمائة. وفي رواية : خمس عشر مائة (5).
التبرّك بنخامة النّبيّ (ص)
روى البخاري في صلح الحديبيّة عن عروة بن مسعود قال عن رسول الله (ص) وأصحابه :
والله ما تنخّم رسول الله (ص) نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وأنّه إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه (6).
التبرّك بشعر النبيّ (ص)
روى مسلم في صحيحه : أنّ رسول الله (ص) أتى منى وحلق رأسه بعد أن رمى ونحر « ثمّ جعل يعطيه الناس ».
و في رواية أخرى : أنّه دعا الحالق فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال : اقسمه بين الناس (7).
وروى أيضاً عن أنس قال :
لقد رأيت رسول الله (ص) والحلّاق يحلقه وأطاف به أصحابه. فما يريدون أن تقع شعرة إلّا في يد رجل (8).
وفي ترجمة خالد بأسد الغابة : أنّ خالد بن الوليد كان له الأثر المشهور في قتال الفرس والروم ، وافتتح دمشق ، وكان في قلنسوته الّتي يقاتل بها شعر من شعر رسول الله (ص) يستنصر به وببركته ، فلا يزال منصوراً.
وفي ترجمته ـ أيضاً ـ بأسد الغابة والإصابة ومستدرك الحاكم ـ واللفظ له ـ :
أنّ خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال : اطلبوها. فلم يجدوها. ثمّ طلبوها فوجدوها ، وإذا قلنسوة خلقة ، فقال خالد : اعتمر رسول الله (ص) فحلق رأسه وابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلّا رزقت النصر (9).
وروى البخاري : أنّه كان عند أمّ سلمة زوج النبي (ص) شيء من شعر النبيّ فإذا أصاب إنسانا عين أرسلوا إليها قدحاً من الماء تغمس الشعر فيه ، فيداوى من أصيب (10).
وفي صحيح البخاري وغيره :
قال عبيدة : لأن تكون عندي شعرة منه ـ أيّ النبيّ (ص) ـ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها (11).
التبرّك بسهم النبيّ (ص)
روى البخاري في صلح الحديبيّة وقال :
نزل الرسول (ص) بجيشه في أقصى الحديبيّة على ثمد قليل الماء يتبرّضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس حتّى نزحوه وشكوا إلى رسول الله (ص) العطش ، فانتزع سهماً من كنانته ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه فو الله ما يزال يجيش لهم بالريّ حتّى صدروا عنه (12).
التبرّك بموضع كفّ النبيّ (ص)
في ترجمة حنظلة من الإصابة ومسند أحمد ما موجزه :
قال حنظلة : دنا بي جدّي إلى النبي (ص) فقال :
إنّ لي بنين ذوي لحى ودون ذلك ، وإنّ ذا أصغرهم ، فادع الله له.
فمسح رأسه و قال :
بارك الله فيك أو بورك فيه. قال الراوي :
فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه أو البهيمة الوارمة الضرع فيتفل على يديه ويقول : باسم الله ، ويضع يده على رأسه ويقول : على موضع كفّ رسول الله (ص). فيمسحه عليه.
وقال الراوي : فيذهب الورم (13).
وفي لفظ الإصابة :
ويقول : باسم الله ، ويضع يده على رأسه موضع كفّ رسول الله (ص) ، فيمسحه عليه. ثمّ يمسح موضع الورم ، فيذهب الورم.
كان انتشار البركة من رسول الله (ص) إلى من حوله كانتشار الضوء من الشّمس والشّذى من الزّهر ، لا ينفكّ عنه أينما حلّ ، في صغره وكبره ، سفره وحضره، ليله ونهاره ، سواء أ كان في خباء حليمة السعديّة رضيعاً ، أم في سفره إلى الشّام تاجراً ، أم في خيمة أم معبد مهاجراً ، أم في المدينة قائداً وحاكماً. وما أوردناه أمثلة من أنواعها وليس من باب الإحصاء ، فإنّ إحصاءها لا يتيسّر للباحث ، وفي ما أوردناه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد.
وندرس بعد هذا فيما يأتي مسألة الاستشفاع برسول الله (ص) ثمّ ندرس منشأ الخلاف في جملة ميّزات رسول الله (ص) على سائر الناس إن شاء الله تعالى.
الهوامش
1. صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، 3 / 35. وكتاب الجهاد والسير ، الباب رقم : 102 ، 2 / 108 ، وباب ما قيل في لواء النبي ، 2 / 111 ، وباب فضل من أسلم على يديه رجل ، 2 / 115. وكتاب فضائل أصحاب النبيّ ، باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، 2 / 199. وصحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب (رض) ، ح 32 و 34 ، وباب غزوة ذي قرد وغيرها ، ح 132. وسنن الترمذي ، كتاب المناقب ، باب مناقب عليّ بن أبي طالب ، 13 / 172.
2. صحيح البخاري ، باب دعاء النبي إلى الإسلام ، 2 / 107.
3. صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، ح 132.
4. صحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة ، 1 / 31.
5. صحيح البخاري ، كتاب الأشربة ، باب شرب البركة والماء المبارك ، 3 / 219. وسنن النسائي ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء من الإناء 1 / 25. ومسند أحمد 1 / 402. وسنن الدارمي عن عبد الله بن عمر ، المقدمة ، باب ما أكرم الله النبي (ص) من تفجير الماء من بين أصابعه ، 1 / 15.
6. صحيح البخاري كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط ، 2 / 82 ، وكتاب الوضوء منه ، باب البزاق والمخاط ونحوه ... ، 1 / 38 ، وباب استعمال فضل وضوء الناس ... ، 1 / 33. ومسند أحمد 4 / 329 ، 330.
7. صحيح مسلم ، كتاب الحجّ ، باب بيان أنّ السنة يوم النحر أن يرمي ثمّ ينحر ثمّ يحلق ، والابتداء في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق ، ح 323 و 326.
وراجع ح 324 و 325 منه في سنن أبي داود بكتاب المناسك ، باب الحلق والتقصير ح 1981 ، 2 / 203. وطبقات ابن سعد 1 / 135. ومسند أحمد 3 / 111 و 133 و 137 و 146 و 208 و 214 و 239 و 256 و 287 ، و 4 / 42. ومغازي الواقدي ص 429.
8. صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب قرب النبيّ (ص) من الناس وتبرّكهم به ، ح 74 ص 1812.
9. المستدرك للحاكم ، كتاب معرفة الصحابة ، باب مناقب خالد بن الوليد ، 3 / 299. واللفظ له وبترجمة خالد في أسد الغابة والإصابة. وموجز الخبر بمنتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 5 / 178. وتاريخ ابن كثير 7 / 113.
10. أوردناه ملخّصاً من صحيح البخاري ، كتاب اللباس ، باب ما يذكر في الشيب ، 4 / 27.
11. طبقات ابن سعد 6 / 63. وصحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب الماء الّذي يغسل به شعر الإنسان ، 1 / 31.
12. صحيح البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط ، 2 / 81. وراجع كتاب المغازي منه ، باب غزوة الحديبية ، وراجع طبقات ابن سعد 3 / 29 ، وباب ذكر علامات بعد نزول الوحي 1 / ق 1 / 118 ، ومغازي الواقدي ص 247.
13. مسند أحمد 5 / 68 ، وتفصيله بترجمة حنظلة بن حذيم بن حنيفة التميمي في الإصابة وفي لفظه ، وأورد الخبر أيضاً بأسناد أخرى.
مقتبس من كتاب : [ معالم المدرستين ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 43 ـ 48
التعلیقات